(كلمة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي) تكريم الأدب الرفيع في تكريم العلامة الشيخ سليمان أحمد

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 03/11/2010 - 21:06

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

  حُقَ للأدب الرفيع اللهج بمعاني الإسلام والعروبة أن يسلك طريقه (بين الإعجاب والتقدير) إلى قلوب الغُيَر الأمناء من أبناء الضاد فيملأها بالمعرفة والإيمان والثقة.

  حُقَ للعقيدة العالية الناطقة بالأدب والعلم والبيان أن تغزو بالفضل أرواح الفضل وتعمّرها بالحب والإخلاص فإذا الأرواح مُنساقة بحَداء الواجب وحده إلى تكريم الواجب في فردٍ يُمثل الأدب والعلم ويُمثل العقيدة والعروبة وما الفردُ إلا شعارٌ لهذه العناصر الأثيرة ومنارٌ يدل عليها، ويهدي إليها، بشعاع من العقل ونور من العلم وهُدى من الإخلاص على وضحٍ من المنطق والوجدان.

  حُقَ للأدب وحُق للعقيدة أن يُحركا العزائم ويبعثاها إرسالاً في حشدٍ ضاغطٍ من النوايا البارّة بالعلم والأدب إلى تكريم هذا الشيخ الجليل سليمان أحمد وفاءً لعهوده وذكرى لجهوده التي بذلها في سبيل العلم خلال نصف قرن اجتازها بالدأب في سبيل العلم وقطعها بالنشاط والجَلد على عَنت الأيام الدائرة وتلوّن الأحداث الفاقرة والدنيا حوله بين التواءٍ واستواءٍ واعوجاجٍ واستقامةٍ في تعاريج وأخاديد كان يتعالى عنها إلى القمم والإنشاز ويستقر وحده في كونٍ خاص نزيه بريء يُسبّح في جوٍ من تفكيره ويُحلق في أفقٍ من عرفانه المتصل بقرابات إلى الرسالة من فهمه للحديث الجيّاش بأمانات من استمرار الحياة التي يشقى في إصلاحها العاملون ويتعذب في جمالها المخلصون المصلحون فيبيتون منها في همٍ وتسهيد ويُصبحون لها في بؤسٍ وعناء.

  ذلك ما أخذ نفراً صالحاً بالبر والوفاء أن يحتفلوا بعبقرية، ويحتفوا بأدب ويقرؤوا صفحة ناصعة من العلم القوي المنتج يستوحون الأدب في تحليلها، ويبتغون الإنصاف في تفسيرها للناس كصفحة قيّمة فيها آيات من الإسلام وقصائد من العروبة، وروائع من الفكر والعقل ثم يجلون من هذه الصفحة مثلاً عالياً وقدوة حسنة يُحتذى مثالها ويُنسج على منوالها في هذه اليقظة الفكرية الناشطة وهذه الجذوة العقلية الواقدة وهذا الطموح العلمي النهم وهذا العمل الصالح الخالد.

  زِهْ لما تصنعون يا عباقرة فإنّ في عملكم هذا ظاهرة الحياة الغضة وأماير الشعور المُترف، والحس المُرهف، المُصوّر بإشعاع الحق وإشراق الجمال، وأنتم تومضون بهذا العمل إلى ذوق أنيق ونفس وثابة إلى الحياة، إلى الحياة المُترعة بعواطف العاشق العرفاني، المضطرب بأحاسيس القلق المكدود بالكمال الإنساني في كيان عربي جديد تسطع نجومه، وتبدر أقماره في هذه الليالي الدامسة، والظلمات العابسة بوجوه الفترات وعهود الإنقطاع عن عصر أولئك الأشاوس من السلف الأصيد بغارات وغزوات ابتلت الأمة بشيء من الخوف فكان امتحاناً بالغاً ما أراده المغير من وصول إلى حظيرة مطمئنة وادعة استراحت فيما الأمة إلى إيثار العافية وحب السلامة مهيضة بمخلب من سطوة الغارة، ونابٍ من سلطان الدهر، تتبع أئمة ليسوا منها في بر ولا صاع، سائرة خلفهم كهمل النعم، أو قطيع الشاة لا تستطيع عنهم امتناعا، ولا تملك لهم دفاعاً.

  حتى إذا حز الإضطهاد نفوساً فيها إباء، وفيها عزوف، وفيها شمم العروبة الأصيل، تململت يومئذ العبقرية العربية في أرواح ترث الحرية والعزة فهي تأنف أن تحل في أجساد العبيد وأجساد الأذلاء، وكانت النخوة وكان الحماس يميلان دروس الفتح على أبناء الفاتحين بالأمس ويتلقاها نخبة من هؤلاء الأحرار بصدر حافظ فيجاهدون ألوان الجهاد ويُضحّون فنون التضحية – ليرفعوا الراية العربية تتحرك وتخفق بنسمات عربية - وهم يدلفون إلى هذه الغاية من كل طريق، يُجمعون بين السياسة والأدب في حيازة مجدهم المضاع، لا تلهيهم السياسة عن رعاية الأدب الذي يُقيّم لسان السياسة ويدل على لباقة أفكارها إيماناً بأن الأدب والعلم كانا من سلاح الفتح وأضواء الفاتحين لذلك هم يعنون بالثقافة عنايتهم بخلق حياتهم الجديدة الظافرة فإن الحياة إذا لم تكتمل أطرافها وتتوازر أركانها متوازنة في القوة على غاية من مهمات الحياة بقيت ناقصة خاضعة للضعف والوهن.

  على ذلك بنوا عنايتهم بالأدب وعلى ذلك يُبنى هذا الإحتفال المُعطّر المنضور، ولذلك قلنا أن في هذا العمل ظاهرة الحياة الغضة، وأماير الشعور المترف والحس المرهف لوجه القصد من احتياطات الأباء الأعاظم بإنضاج أطراف حياتهم على جذوات من العمل ليتم لهم أمر الحزم.

  ومن هنا لا بد لنا من شكر الأفذاذ الأعزاء الأمناء على المصلحة الإسلامية العربية معالي الجابري بك وعبد الواحد بك ولجنته المحترمة، فشكرهم شكراً يستفرغ كل ما في صدرنا من عاطفة وتقدير، ذلك أنهم أمَدّوا الروح العربية المتحفزة بما يُسدد خطواتها إلى الأمام على سراج قوي الذبال يكاد زيته يُضيء، وأي عمل أبَرّ بالمصلحة العربية الإسلامية من تجهيز جند كامل وابتعاث رُسل مفكرين إلى شد أزر هذه المصلحة؟ نعم ذلك كائن لا غلو فيه ولا مبالغة، فإن هذا الإحتفال سيُعلن أن في الأمة من يعرف الفضل، وأن في الأمة من (يُذهِّب) الأعمال في سجل العاملين، وأن في الأمة من يُشجع بروح من العطف كبار رجال العلم والعربية والإخلاص، وهو إعلان كافل لنا ذلك الجند الكامل والرسل المفكرين، فليبارك الله عملكم، لتستغلوا منه ما شئتم وما شئنا من خير ونعمة في مصلحتنا العربية المشتركة.

  أما "الشيخ" العبقريّ (المذهب) فليس منه بهذه الكرامة وهي له بعض ما يستحق، ولسنا نعرف أحداً أحق منا بهذا الحكم فقد عرفناه من عهد بعيد وكانت المراسلة بيننا تُحكم فيه الوداد وتؤكد المحبة على حكم من الإتصال الروحي العلمي الذي يفضل وشائج القرابة وأواصر الدم بعلاقاته المتينة، وفي الحق لقد كانت هذه الرسائل البليغة رائد الخير لا تنزل بنا إلا في روض وارف على منهل عذبٍ سائغ فيه ما شئنا من عبقريات القريحة المعطارة المتفتقة عن الزهر النظيم والورد المضواع، هنالك وقفنا على فيض من الثقافة الإسلامية عن الزهر النظيم والورد المضواع، هنالك وقفنا على فيض من الثقافة الإسلامية العربية الواسعة في نفس (الشيخ) تتوفر على النظر السديد، والحديث الحكيم، والرواية الصحيحة، واللغة الرصينة، والفهم الدقيق البعيد الغور بملابسته لشتى المسائل وملازمته الاكباب على البحث، يُعلن كل ذلك لسان لبق وبيان مشرق نقي الديباجة صافي الأسلوب ندي الأوتار.

  ذلك هو (الشيخ) في علمه وأدبه وأنه ليزيّن هذه النفس العالمية بنفس تقية صالحة حلوة الشمائل نقية الأزار من أوضار المادة وأوزار الحياة فهي زاهدة كل الزهد بكل متاع زائل، أو بهرج خادع، وإنما هي لله وللإسلام وللعرب، مخلصة لكل أولئك في السر والعلن، ومن تلوّن فإنّ الشيخ سُليمان أحمد ثابتٌ ثبت مبدئه ورأيه، فسلامٌ عليه وعلى من كرّموا العلم والإخلاص به، وعلى خريجي حوزته النابغين في فنون الفضل والأدب العربي، ثقفهم الشيخ تثقيفاً فتوفر حظهم من المعارف وأخذوا منها مكانهم ولا سيما وليّ عهده المدخر للأدب وللعرب من بعده، نجله " البدوي " الفذ، غرّه والده العلم والفهم غرا، فكان ممن يُرمى بالأبصار وتُعقد عليه الخناصر، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم الرسل وسيد النبيين محمد وآله وصحبه الهُداة الميامين.

صوّر في 24 صفر سنة 1357 هـ
خادم الشريعة المقدسة
عبد الحسين شرف الدين الموسوي