5- في تعريف الهيولي والصورة

أُضيف بتاريخ الأحد, 09/10/2011 - 14:57

  اعلم أنّه لما كان الجسم مُرَكّباً من جزئين يَحلّ أحدهما في الآخر فيقوم به ناعتاً له فيكون الأول محل الثاني حل به، كان الجزء الذي هو المَحل يُسمى بالهيولى، والمادة والجزء الحالّ به يُسمى بالصورة الجسمية. وقد علمت أنّ الهيولي لا يُمكن أن توجد بدون الصورة الجسمية، والصورة الجسمية لا تكون متشخصة إلا بأن تكون متناهية متشكلة، ولا يمكن كونها متناهية متشكلة إلا من جهة الهيولي، وهذان الجزءان خارجان للجسم المطلق موجودان بوجودين.

  ومن ذلك قول أرسطوطاليس في تقسيم الجوهر حيث قال:
إنّ الجوهر على ثلاثة أضرب: اثنان طبيعيان، وواحد غير متحرك وهو: ما وجوده لا في موضوع وهو القائم بنفسه، وأما الإثنان الطبيعيان فهما: الهيولي والصورة، أو العنصر والصورة، وهما مبدأ الأجسام الطبيعية.
وأما العدم فيُعَدّ من المبادىء بالعرض لا بالذات. فالهيولي جوهر قابل للصورة، والصورة معنى ما يقترن بالجوهر فيصير به نوعاً، كالجزء المُقَدَّم له كالعرض الحال به، والعدم ما يُقابل الصورة. فإنّا متى ما توهّمنا أنّ الصورة لم تكن فيجب أن يكون في الهيولي عدم الصورة، والعدم المُطلق مُقابل للصورة المُطلقة، والعدم الخاص مُقابل للصورة الخاصة.

  قال:
وأوّل الصورة التي تسبق إلى الهيولى هي الأبعاد الثلاثة 1 فيصير جرماً ذا طول وعرض وعمق، وهو الهيولى الثانية، وليست بذات كيفية، ثم تلحقها الكيفيات الأربعة التي هي: (الحرارة) و (البرودة) الفاعلتان، و(الرطوبة ) و (اليبوسة) المُنفعلتان، فتصير الأركان والاستقصّات الأربعة التي هي: النار والهواء والماء والارض، وهي: الهيولي الثالثة، ثم يكون منها المُرَكّبات، التي يلحقها الأعراض والكون والفساد، ويكون بعضها هيولي بعض كما تقدم.

  وللصورة ثلاثة أقسام: أولها الصورة الجسمية، والثاني الصورة النوعية، والثالث الصورة العقلية.

  • (فالصورة الجسمية) هي ماهية نوعية واحدة مشتركة في جميع الأجسام من العناصر والأفلاك، وهي مُفتقرة إلى المادّة في الوجودين أي: الذهني والخارجي، كالإنسان والحيوان.
  • مثلا ً فإنّ الإنسان لا يوجد ولا يتصور إلا في مادة خاصة ذات مزاج خاص، إذ لا يوجد ولا يتصور إنسان من خشب أو حديد.
  • (والصورة النوعية) هي طبائع متخالفة تقوم واحدة منها نوعاً من الاجسام، وهي مُفتقرة في وجودها الخارجي إلى المادة، ولا تفتقر إليها في وجودها الذهني، وذلك كـ (الكُرَة) والمثلث والمربع فإنها لا تتوقف على مادة خاصة بل تتصور في أيّة مادة كانت كالخشب والحديد.
  • (والصورة العقلية) فهي لا تفتقر في الوجودين إلى مادة كالوجود والإمكان وغيرهما من المعقولات العامة والمفهومات الشاملة، إذ هي الصورة الحاصلة في النفس.
والتلخيص في ذلك أنّ الهيولى مُفتقرة إلى الصورة، والصورة لا توجد ولا تُعاين إلا من جهة الهيولي.
  • 1الأبعاد الثلاث :الطول والعرض والعمق.