المقدمة

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 07/04/2021 - 06:55

المقدمة


عطاء الشباب: بقلم الأديب الكبير الأستاذ حامد حسن.

كثيرون هم الذين كتبوا عن صالح العلي، مبالغين ومعتدلين، جائرين ومنصفين، مادحين ومشنّعين، محققين ومتخرّصين، مُعجبين وحاقدين، وكلهم على تعدد نزعاتهم، واختلاف ميولهم وأهوائهم، وتبيان آرائهم، لم يستطيعوا إنكار جهاد الرجل وبطولته، وترفّعه عن الأغراض المادية والشخصية.

وقلَّ من هؤلاء، من تجشّم المشاق، وتسلق الجبال، وهبط الأودية، وتخلل الأدغال والغابات، ولطأ بين الصخور، وتغلغل في الكهوف والغيران، وأشرف من التلال والشواهق والمعاقل، ليتمثّل صالح العلي، ورفاق صالح العلي، في معاقلهم ومرابضهم، ونقط انطلاقهم على العدو، ويدرس الحوادث دراسة (ميدانية) في بيئتها، ومناخها، ليُشرك عنصر الطبيعة في الحكم على نتائج المقدمات، ويربط أسباب النصر بالمسببات.

لكن النقيب أيمن شعبان، هذا الكاتب الشاب، استطاع على حداثة سنّه، ولدانة عوده، وقرب عهده بالقلم والبيان، أن يأتي في هذه الدراسة بما يُلفت النظر، ويُثير الإهتمام، ويستدرك على من كتب في هذا الموضوع -وأنا واحد منهم- بعض الملاحظات، ويُصحح بعض الوثائق، فجاءت -على صغرها- دراسة علمية تحليلية، تُعطي ثورة الشيخ صالح العلي أبعادها في النفس .. والمجتمع.. والتاريخ..

تمتاز هذه الدراسة باتّقاد العاطفة الوطنية، وتوهّج الوجدان القومي، والملاحظة الدقيقة والتتبع التاريخي، والسرد الآسر الأخّاذ، وكل ذلك يشد القارئ إليه شدًّا، وينتزع منه الإعجاب انتزاعًا، ويُغني ذاكرته بالمعلومات المُمَحَّصَة.

لقد استطاع أن يُبرز صالح العلي، عملاً وخُلُقًا وفِداءً وذكاءً ووطنيةً، وهذا ما يجعل القرّاء يستحضرونه في أذهانهم -على بُعد العهد به- كمثل أعلى للأبطال التاريخيين، وهو يقود ثورته الصاخبة، التي تحتل مكانتها بين الحركات الوطنية والقومية، في تاريخ سورية الحديث.

و "صالح العلي.. و.. ثورة وعقيدة" كتاب يدل بلفظه على موضوعه، فالعنوان يدل على ما حواه هذا الكتاب، وهو الصلة الوثيقة بين عقيدة صالح العلي الوطنية، القومية، وقيادته لثورته المُسمّاة باسمه.. قيادته الرشيدة الظافرة التي كانت تدفعها عقيدة راسخة، وعزيمة لا تركس، ونفس لا تُدنّس، وإرادة قوية ضابطة غير خاضعة لهوى يهوي به، بل هي سيدة على نفسه حاكمة عليها، فصالح العلي فاق أقرانه ومُعاصريه، وفاءً لأمته، وإخلاصاً لوطنه ورسوخًا في عقيدته، وثباتًا على مبدئه.

ومما يُميّز المؤلف عن كل من كتب في هذا الموضوع، تحليله لمواقف صالح العلي القيادية، ومتطلبات المعارك، وسَبر الروح البطولية، لأنه يكتب بروح الجندي المقاتل، والضابط المتحمّس المتمرّس، فضلاً عن كون هذا الكتاب يوفّر على القارئ الوقت والجهد، والتفتيش عن المصادر المتعددة والمتعذره، ويوفّر له المُتعة، والمعرفة، ويوقفه على حياة وأعمال رجل يواكبه التقديس، وتضجّ ذكراه بالعزة والعظمة والكبرياء.

إنني أقدّر لهذا الكاتب الشاب، هذا العمل النبيل، والجهد الموفّق، وقد أعطاه الله لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا، وهو في فجر الحياة، وميعة الشباب.

الدريكيش في 1 /1 / 1989 م.

حامد حسن