القبس الثالث من مقدمة كتاب نظرات في كتاب (منهج المسلمين العلويين عقيدة وشريعة وتصوفا) بقلم فضيلة الشيخ تمام أحمد.

أُضيف بتاريخ الأحد, 18/02/2024 - 09:41

القارئ الكريم، إذا قرأت القبس الأول من المقدمة وكذلك القبس الثاني،
فها نحن في إدارة المكتبة الإسلامية العلوية، نضع بين يديك القبس الثالث منها، راجين لكم كل فائدة..

يَمُرُّ أَكْثَرُنَا عَلَى آثَارِ أَعْلامِهِ وَهُم يُحَرِّضُونَ عَلَى صِيَانَةِ النِّسْبَةِ الوَلائِيَّةِ؛ فَيَحْسَبُ أَنَّهُم يَحُضُّونَهُ عَلَى أَنْ يَحْتَفِظَ بِلَفْظَةِ ((عَلَوِيٍّ)) لأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حُبِّهِ لأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيٍّ  فَيَعْجَبُ مِمَّا يَرَى، وَرُبَّمَا خَطَرَ لَهُ أَنَّهُ غَيرُ مَعْنِيٍّ بِمَا يُقَالُ وَلا مَقْصُودٍ بِمَا يُوصَى بِهِ؛ لأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِحُبِّهِ وَمُنْتَسِبٌ إِلَى اسْمِهِ، وَلَيسَ الأَمْرُ حَيثُ يَذْهَبُ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ أَعْمَقُ مِنْ صِيَانَةِ لَفْظَةٍ وَأَجَلُّ مِنْ تَمْجِيدِ كَلِمَةٍ.

إِنَّهَا وَصِيَّةٌ لِحِفْظِهَا مِنْ مُتَأَوِّلٍ لا يُفَرِّقُ بَينَ تَسْمِيَتِهَا صُوفِيَّةً وَبَينَ تَسْمِيَتِهَا وَلائِيَّةً؛ وَشَتَّانَ مَا بَينَهُمَا.

أَفَمَنِ انْتَسَبَ إِلَيهِ لأَنَّهُ مُتَصَوِّفٌ، كَمَنِ انْتَسَبَ إِلَيهِ لأَنَّهُ إِمَامٌ مَعْصُومٌ مَنْصُوصٌ عَلَيهِ خَلِيفَةً وَوَصِيًّا!. 

وَهَلْ يَسْتَوِي مَنْ أَخَذَ هَذِهِ النِّسْبَةَ مِنْ مَقَامِ النُّبُوَّةِ: ((اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ)) وَمَنْ أَخَذَهَا مِنْ غَيرِهِ؟.

إِنَّمَا نَبَّهَ أَعْلامُنَا عَلَى هَذَا الفَرْقِ الدَّقِيقِ بَينَ أَسْمَاءِ النِّسْبَةِ؛ فَسَمَّوهَا نِسْبَةَ الوَلاءِ، وَلَمْ يُسَمُّوهَا بِغَيرِهِ؛ لأَنّهَا نِسْبَةٌ إِلَى الوَلايَةِ المَنْصُوصِ عَلَيهَا المُمْتَدَّةِ إِلَى الأَئِمَّةِ الاثْنَي عَشَرَ، لِتَكُونَ عَلامَةً عَلَى صِحَّتِهَا.

فَتَأَمَّلْ مِمَّا تَقَدَّمَ قَولَ العَلاّمة الشَّيخ سُلَيمَان أَحْمَد:

حَسْبُنَا نِسْبَةُ الوَلاءِ الصَّحِيحِ***للمَوَالِي وَالعِتْرَةِ الأَحْمَدِيَّهْ

وَقَولَ الشَّيخ مَحْمود سُلَيمان الخَطِيب ((1905ـ 1978م)):

الوَلاءُ الصَّحِيحُ وَالُوا عَلِيًّا***وَبَنِيهِ الغُرَّ الوِضَاءَ الصِّيدَا 1

وَقَولَ الشَّيخ حُسَين سَعّود ((1321ـ 1425هـ )):

رِجَالَ الدِّينِ آنَ بِأَنْ تَبَرُّوا***بِمَا أَعْطَيتُمُ عَهْدًا وَحَلْفَا
فَتَجْتَمِعُ القُلُوبُ عَلَى وَلاءٍ***صَحِيحٍ يَنْسِفُ الأَضْغَانَ نَسْفَا 2

وَقَولُ الشَّيخِ عَلِيِّ أَحْمَد كَتُّوب ((1905ـ 1978م)):

وَأَمِتْنِي عَلَى الوَلاءِ صَحِيحًا***بِلِسَانِي لَهُم ـ إِلَهِي ـ وَقَلْبِي 3

وَمَنْ تَأَمَّلَ كَيفَ يُتْبِعُونَ لَفْظَةَ ((الوَلاءِ)) لَفْظَةَ ((الصَّحِيحِ)) تَبَيَّنَ لَهُ مِقْدَارُ احْتِرَازِ عُلَمَائِنَا مِمَّا يَشُوبُ هَذِهِ الدِّلالَةَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ اللَّفْظِ البَلِيغِ؛ فَإِنَّ فِيهِ مِنْ دِقَّةِ المَعْنَى مَا لَيسَ فِي غَيرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ شَيئًا مُلْتَئِمًا لا كَسْرَ فِيهِ وَصَفَهُ بِالصِّحَةِ وَالصَّحِيحِ؛ لِدِلالَةِ هَذِهِ الأَحْرُفِ عَلَى البَرَاءَةِ مِنَ العُيُوبِ.

وَبِهَذِهِ الدِّلالَةِ تُفْهَمُ أَقْوَالُهُم فِي النِّسْبَةِ الوَلائِيَّةِ أَنَّهَا نِسْبَةٌ تَامَّةٌ لا نَقْصَ فِيهَا وَلا عَيبَ، وَمِنْهَا قَولُ الشَّيخ إِبرَاهِيم سَعّود ((1914ـ 1982م)):

وَضَيَّعْتُم وَلايَةَ آلِ طَهَ***وَلَمْ تُرْضُوا الشَّرِيعَةَ وَالكِتَابَا
إِذَا لَمْ تَحْفَظُوا قُرْبَى وَلاءٍ***فَلِمْ لا تَحْفَظُونَ الإِنْتِسَابَا

فَتَأَمَّلْ قَولَهُ: ((فَلِمْ لا تَحْفَظُونَ الإِنْتِسَابَا..)).

وَقَولُ الشَّيخ حَيدر مُحَمّد:

وَاقْتِرَابُ الأَجْسَامِ لَمْ يَكُ شَيئًا***إِنْ تَعَدَّاهُ للوَلاءِ انْتِسَابُ 4

وَقَولُ الشَّيخ مُحَمَّد حَسن شَعْبَانِ:

وَلاءُ عَلِيٍّ وَالأَئِمَّةِ وِلْدِهِ***هُوَ النَّسَبُ الأَسْمَى إِلَيهِ نَمَانِي 5

وَمَنْ تَجَاوَزَ هَذِهِ اللَّطَائِفَ، دَلَّ عَلَى اضْطِرَابِ تَفْكِيرِهِ، وَتَشَتُّتِ ذِهْنِهِ، وَلَو كَانَ ثَابِتَ القَدَمَينِ لَمَا اخْتَلَّ أَمْرُهُ؛ فَإِنَّ العَلَوِيَّ رَاسِخٌ فِي انْتِمَائِهِ، ثَابِتٌ فِي وَلائِهِ؛ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ آمِنًا.

إِنَّمَا أَرَادَ مُؤَلِّفُ ذَلِكَ الكِتَابِ ـ أَو مُؤَلِّفُوهُ ـ أَنْ يُظْهِرُوا عَلَوِيَّتَهُم، وَيُبَيِّنُوا تَعَلُّقَهُم بِهَذِهِ البِيئَةِ؛ غَيرَ أَنَّهُم سَلَكُوا مَسْلَكًا كَثِيرَ المَزَالِقِ، وَشَدِيدَ العِثَارِ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لأَنَّهُم ظَنُّوا بِأَنْفُسِهِم أَنَّهُم إِذَا تَجَاوُزوا كَلامَ عُلَمَائِنَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُمَاثِلُوهُم عِلْمًا أَو يُشابِهُوهُم فَهْمًا، وَرُبَّمَا خُيِّلَ إِلَيهِم أَنَّ زَمَانَهُم وَلَّى، فَأَصْبَحُوا لا تَصْلُحُ آثَارُهُم، وَلا تُغْنِي أَفْكَارُهُم، وَهَيهَاتَ أَنْ يَكُونَ مَا ظَنُّوا؛ فَإِنَّهُ أَدَبُ الأَولِيَاءِ، وَمِيرَاثُ الأَنْبِيَاءِ؛ لا تَنْفَدُ حُجَّتُهُ، وَلا تُنْزَفُ حِكْمَتُهُ؛ فَمَنْ رَآهُ بَالِيًا؛ فَإِنِّي أَرَاهُ جَدِيدًا، كُلَّمَا تَقَادَمَ ازْدَادَ نَضْرَةً؛ مُتَمَثِّلاً:

مَالِي وَمَا كَانَ ثَوبِي لا أُبَدِّلُهُ***وَإِنْ تَهَرَّأَ مَِنْ حَولِي وَإِنْ خَلَقَا 6

يُتبع... القبس الرابع من مقدمة كتاب نظرات في كتاب (منهج المسلمين العلويين عقيدة وشريعة وتصوفا)...

 

  • 1فِي أَرْبَعِين العَلاّمة الشّيخ سُلَيمان أَحْمَد، ديوان الخطيب ص142.
  • 2عِقْد الجُمَانِ ص156.
  • 3ديوان الشّيخ عليّ أحمد كتوب 1\137.
  • 4فِي رِحَاب الذّكرى ص446.
  • 5ـ نفحات العرفان ص135.
  • 6ـ نَدِيم مُحَمّد ((1908ـ 1994م)). الأَعْمَالُ الشِّعْرِيَّةُ الكَامِلة 4\453.