"كتاب الحركات الباطنية في الإسلام" تأليف الدكتور مصطفى غالب

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

تناول صاحب هذا الكتاب أربع فِرَق، وأفرد لكل واحد منها فصلاً وهُم بالتسلسل: الإسماعيلية، والقرامطة، والدروز، والعلويين.

وقبل الشروع في سياق حديثه عن العلويين في الفصل السابع الذي أطلق عليه (الحركة النصيرية العلوية: أصولها، تاريخها، عقائدها) ، لا بد لنا من الوقوف على بعض ما أورده في مقدمة كتابه والذي يؤيّد ما أثبتناه في كتابنا وهو قوله:

مما لا شك فيه أنّ التاريخ الإسلامي دُرِّنَ ونُشِرَ في عصور طغت فيه العصبية الرعناء على الحقيقة الناصعة، وراج فيها سوق الإفتراء والإختلاق والدّس والتحامل.

إلى قوله:

لذلك وجب على كل باحث منصف تنبض في شرايينه دماء الحقيقة وتنبع في أعماق نفسه الخلاقة الكرامة الفاعلة بمقوّماتها الروحية السامية أن يرفض بإباء وشمم أخذ المصادر على علّاتها، وعليه أن يتحرّر قبل التمعّن فيها من كل فكرة سابقة، فإذا ما فرغ من تدقيق المصادر على ضوء الحقيقة والواقع عاد إلى نفسه وضميره وقابل بين الحق والباطل، فاستكشف بذاته مورد الصدق فالأخص للحقيقة والتفاني في سبيل إيجادها هو المقياس الواقعي لكل باحث منصف.

ولكننا نشعر والألم الممضّ يحزّ في أعماقنا، ويتفاعل في وجداننا حينما نتصفـّح التاريخ الإسلامي فنرى إنّ مُفكرينا القُدامى لم يُقدّموا لنا صورة واضحة جليّة عن الحركات الباطنية، لأنّ عقولهم وأفكارهم لم تكن قد وصلت إلى التحرّر من قيود العصبية العنصرية العمياء، والتعصّب المذهبي البغيض.

وباعتقادي أنّ غاية واضعي التاريخ الإسلامي في تلك العصور المضطربة كانت تهدف إلى إرضاء من بيدهم الصولجان السياسي والديني من ملوك وحُكّام وأمراء وفقهاء عُرفوا بجمودهم وضعف تفكيرهم. ومما لا شك فيه أنّ الخوف من السيوف الحادّة المُسلّطة على الرقاب جعل هؤلاء يخضعون مضطرين إلى تشويه تاريخ كل حركة أو فرقة إسلامية غير موالية لنظام الحُكم السياسي القائم، ناسبين إليها متعمّدين الكفر والإلحاد والزندقة مع الطعن على عقائدها وتسفيه مبادئها والسخرية من آرائها. لذلك لا نستغرب إذا وجدنا التاريخ الإسلامي محشو بالدّس الوضيع، مملوءاً بالترّهات والسفاسف، متناقضاً ومتبايناً، يتـّضح للباحث عن الحقيقة المُجرّدة من خلال سطوره مظاهر التحامل السافر.

والأغرب من هذا كلّه إنّ الكتـّاب المعاصرين ورجال العلم لا يزالون يجرون على قاعدة الأخذ والنقل عن المصادر القديمة دون أن يكون لديهم ما يُميّز بين الحق والباطل أو الطيّب والخبيث. انتهى كلامه.

هذا ما بيّناه وأوضحناه في عدّة فصول من كتابنا واستشهدنا عليه من أقوال العلماء المُنصفين، ولكن كنـّا نتمنـّى من هذا الكاتب أن يلتزم بما كتبه ولكنـّه كغيره من الكُتـّاب أخذ الأمور على علاتها من دون تحقيق عن صدقها من كذبها وسيتـّضح هذا للقارئ من خلال استعراضنا لأقواله في الفصل الذي أفرده عن العلويين.

  قال تمهيداً لبحثه:

يُساور المحافل العلمية والمعنيين بشؤون الدراسات الإسلامية شعور قوي بأنّ الأبحاث والدراسات الحديثة التي تعيش في أجواء المثالية السامية والكمال المُطلق ستكشف عن كل مخبوء للإستفادة منه إن كان خيراً، ولتحزير الناس منه إن كان شرّاً، لا سيما ونحن نعيش في عصر تحرّرت فيه العقول من كافة القيود والأغلال، وعَقدت العزم على الخلق والإبداع، وسَبر أغوار الأمور المُعقدة، وكشف الستائر عن الأشياء المحجوبة المجهولة مهما كانت دروبها مزروعة بالتقية والكتمان الشديد، لأنّ إنسان هذا العصر الذي تميّز بالعقل الراجح، والضمير الحيّ الخلاّق، مَفطورٌ على حُب البحث والإستقراء، ومتشوّق إلى معرفة المزيد من الأسرار الغامضة التي تُحيط به.

وعلى المرء أن يتوقـّع مثل هذا، ولكن هذا لا يعني أنّ أحداً قد استطاع حتى الآن - بالرغم من اكتشاف الذرّة والفضاء - أن يرسم خطاً بيانياً واضحاً للمعتقدات النصيرية الباطنة، التي نحاول أن نستعرض بعض عقائدها وما خفيَ من أسرارها ورموزها ومُصطلحاتها.

أقول تعقيباً على قوله هذا نعم بالرغم من اكتشاف الذرّة والفضاء لم يستطع أحد أن يرسم خطاً بيانياً واضحاً للمعتقدات النصيرية الباطنة، وهذا أمرٌ بديهيٌ ليس بحاجة إلى تفسير، والسبب في ذلك هو عدم وجود معتقدات باطنية عند العلويين أصلاً وهذا ما نقوله دائماً ونؤكّد للجميع من دون تقيـّة أو كتمان كما يدّعي البعض.

أمّا قوله بأنّه (يحاول أن يستعرض بعض العقائد الباطنية النصيرية) كما زعم من خلال توفّر بعض الوثائق لديه والتي تُلقي نوراً كاشفاً على هذه الحركة الباطنية (كما أسماها). هنا أقول وأسأل:
ما هي هذه الوثائق التي يستند إليها؟
وهل تخص هذه الطائفة لدرجة إنّه يعتمد عليها إعتماداً يُبيّن له حقيقة هذه الفئة؟

هذا ما ناحية، ومن ناحية أخرى، تزكيته لنفسه بأنّه الوحيد الذي استخرج هذه الكنوز المخبّأة والتي استعصت على غيره رغم اكتشافهم للذرّة والفضاء، ونسأله عن هذه الكنوز المخبوءة التي اكتشفها فهل هي خيرٌ ليستفيد الناس منها، وكيف ستتم هذه الإفادة؟
أم هي شرّ ويجب تحذير الناس منها؟
إلى ما هنالك من التساؤلات الكثيرة التي تطرح نفسها بنفسها.