السيد حيدر الحلي الحسيني وما كتبه عن المسلمين العلويين

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

"الكلام الجلي في ولاية أمير المؤمنين علي (ع) " ، هو الكتاب الذي وضعه السيّد حيدر الحليّ الحسيني، وإسم هذا الكتاب يدل عليه، ويُرشد إلى ما يحتويه، فقد ضمّنه مؤلفه وجامعه دُرَرَ الأخبار السَنيـّة والرّوايات الأصيلة، الدالة على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو يَعَدُّ بحق من الكتب النافعة، لما يحوي من البحوث الجامعة.

إلاّ أنـّه استوقفني خبرٌ فيه لا بـُدّ من التعليق عليه لإزالة ملتبساته. ويأتي هذا الخبر (وهو السابع) ضمن الفصل المتعلق بخصوصيـّة علم أمير المؤمنين (ع) النوراني، وهو مروي عن الصدّوق نقلاً عن جماعة ثقاة قال:

لمّا وردت حرَّة بنت حليمة السعدية رضي الله عنهما على الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وجلست بين يديه.
فقال لها : أنت حرَّة بنت حليمة السعدية؟ قد قيل عنك : إنّك تفضّلين عليّا على فلان وفلان وفلان.
فقالت : لقد كذب الّذي قال : إنّي أفضّله على هؤلاء خاصّة.
قال : وعلى من غير هؤلاء؟
قالت : أفضّله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم ـ عليهم السلام ـ .
فقال لها : وَيلك أقول لك أنّك تُفضّلينه على الصحابة فتزيدين عليهم ثمانيةً من الانبياء من أولي العزم 1 من الرسل؟ إن لم تأتيني ببيان ما قلت، وإلاّ ضربت عنقك.
فقالت : ما أنا فضّلته على هؤلاء الأنبياء ، ولكنَّ الله عزَّوجلَّ فضّله في القرآن عليهم بقوله عزَّوجلَّ في حقِّ آدم : ﴿ وعَصى آدم ربّه فَغوى ﴾ ، وقال في حق عليّ : ﴿ وكان سعيكم مَشكُورا ﴾ .
فقال : أحسنت يا حرّة ، فبم تفضّلينه على نوح ولوط؟
فقالت : الله عزَّوجلَّ فضّله عليهما بقوله : ﴿ ضَرب الله مَثلاً للّذين كَفروا إمرأة نوح وامرأة لوٍط كانَتا تَحت عَبْديِن من عِبادِنا صالِحين فَخانتاهُما ﴾ وعليُّ بن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة المنتهى، زوجته بنت محمّد (ص) فاطمة الزَّهراء (ع) الّتي يرضى الله تعالى لرضاها ويسخط‍ لسخطها.
فقال الحجّاج : أحسنت يا حرَّة فبمَ تفضّلينه على أب الانبياء إبراهيم خليل الله (ع)؟
فقالت : الله عزَّوجلَّ فضّله بقوله: ﴿ قال إبراهيم ربِّ أرني كَيفَ تَحي الموتى قال أو لَمْ تُؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي ﴾ وأمير المؤمنين قال قولاً لم يختلف فيه أحد من المسلمين: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً) ، وهذه كلمة ما قالها أحد قبله ولا بعده .
فقال: أحسنت يا حرَّة فبمَ تفضّلينه على موسى(ع) نجي الله؟
قالت : يقول الله عزَّوجلَّ : ﴿ فَخَرجَ مِنها خائفا يترقّب ﴾ وعليُّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بات على فراش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لم يَخَفْ حتّى أنزل الله تعالى في حقّه: ﴿ وَمِنَ الّناسِ مَنْ يشَري نفسهُ ابتغاء مَرضات الله ﴾ .
قال: أحسنت يا حرَّة فبمَ تفضّليه على داود عليه السلام؟
قالت : الله فضّله عليه بقوله عزَّوجلَّ: ﴿ يا داود إنّا جَعلناك خَليفة في الارض فاحكم بين النّاس بالحقِّ ولا تتّبع الهوى ﴾ .
قال لها : فأيّ شيء كانت حكومته؟
قالت : في رجلين أحدهما كان له كَرم وللاخر غنم ، فنفشت الغنم في الكَرم فرعته فاحتكما إلى داود ـ عليه السلام ـ فقال : تُباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتّى يعود إلى ما كان عليه ، فقال له ولده : لا يا أبتِ بل يؤخذ من لبنها وصوفها ، قال الله تعالى : ﴿ ففهّمناها سليمان ﴾ .
وإنَّ مولانا أمير المؤمنين عليّا ـ عليه السلام ـ قال : ( اسألوني عمّا فوق العرش ، اسألوني عمّا تحت العرش، اسألوني قبل أن تفقدوني ) ، وإنّه ـ عليه السلام ـ دخل على النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يوم فتح خيبر فقال النبيُّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ للحاضرين : ( أفضلكم وأعلمكم عليُّ ) .
فقال لها : أحسنت يا حرّة فبمَ تفضّليه على سليمان(ع)؟
فقالت : الله فضّله عليه بقوله: ﴿ ربِّ هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي ﴾ ومولانا ـ عليه السلام ـ‍ قال : ( يا دنيا قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ) ، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه: ﴿ تلك الدار الاخرة نجعلها للّذين لا يريدون عُلوّاً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ﴾ .
قال: أحسنت‌ ياحرَّة‌ فبم‌ تفضّليه‌ على عيسى‌ بن مريم ـ عليه‌ السلام ‌ـ ؟
قالت: الله فضّله عليه بقوله: ﴿ إذْ قالَ الله يا عيسى ابن مريم أأنت قُلت للنّاسِ اتّخذوني واُمّي إلهين مِنْ دُون الله قال سُبحانك ﴾ الاية .
وعليُّ ابن أبي طالب لما ادَّعوا النصيرية فيه ما ادَّعوا، لم يُعاتبه الله سبحانه.
فقال : أحسنـت يـا حرَّة خرجت من جوابك، ولولا ذلك لكان ذلك ، ثمَّ أجازها وأعطاها وسرَّحها سراحا حسنا انتهى. 2

أقول:
هذا هو الخبر الذي استوقفنا وأردنا التعليق عليه، وهو من الأخبار الصحيحة والثابتة، ولا مجال للشك فيه من حيث مدلوله ومعانيه، ولكن ما يُثير الشكوك هو:   وجود كلمة (النصيرية) في آخره .

فمن أين جاءت هذه التسمية؟ ومن هو الذي أدخلها على الحديث؟
وسبب هذه التساؤلات هو أنـّه من المعلوم عند الجميع وبلا خلاف أنّ إسم النُصَيريـّة لم يكن سائداً وموجوداً في عصر أمير المؤمنين (ع) ولا حتى في عصر حرّة بنت حليمة السعدية، والحجّاج الثقفي، لأنّ الحجّاج وُلِدَ سنة واحد وأربعين هجرية ومات سنة خمسة وتسعين هجرية.
وهذه التسمية لم تـُطلق ولم تـُعرَف إلا في أواخر القرن الثالث الهجري، عُقيبَ وفاة السيد أبي شعيب، أيّ سنة 270هـ وقد أُطلِقت على تابعيه، وهم المعروفون الآن بالمسلمين العلويين، وهذا مِمـّا يدلّ على أنّ هذه اللفظة أُدخلت على الحديث عَمداً، والغاية من إدخالها اتـّهام العلويين بالغلوّ، وتثبيت هذه التهمة عليهم من خلال هذا الخبر.

أمـّا لو سألنا من الذي أدخلها؟ فنقول: الله أعلم. فنحن لا نتـّهم أحداً بالتعيين، بل غايتنا إزالة هذا الإلتباس ليس إلاّ.

وممـّا يدعم ويؤكد قولي على أنّ هذه اللفظة دخيلة على الحديث، هو أنـّني قرأته في كتاب الروضة، وكتاب الفضائل، فلم أجدها بل وجدت مكانها إسم (الحروريـّة) بالإضافة إلى أنّ الحديث الذي نقله الحلّي يختلف في آخره عن الحديث الذي قرأته في الكتابين المذكورين.

فرواية الحلّي توضح بما معناه أنّ تفضيل الإمام على عيسى (ع) تكمُن في معاتبة الله لعيسى (ع) وعدم معاتبة علي (ع).
أمـّا الرواية الثانية فيكمن التفضيل فيها بعدم تأخير علي (ع) حكومة من غالى فيه، وقِتالِه لهم، بينما أخـّرها السيد المسيح (ع) إلى يوم القيامة.

ونتيجة لما تقدّم أقول

إنّ هذه التسمية دخلت على الحديث وليست منه لغاية أوضحناها، وكأنّ مُدخِلها أراد أن يقول: (أنّ القوم الذين غالوا في علي (ع) وقتذاك هم النصيريون، المعروفون بالعلويين)، وهذا كلام بعيد عن الواقع، مُجانب للحق، مُغاير للحقيقة، عارٍ عن الصحـّة، نفيناه مراراً، ورفضناه تكراراً.

♦ وبعد هذا التوضيح المختصر أقِفُ مع ما أورده السيّد الحلي تعقيباً على هذه الكلمة. قال في تعقيبه ذيلاً:

قال شيخنا العلاّمة المامقاني (ره) في معرض حديثه عن فرق الغلاة قال:
قال بعض أجلـّة من عاصرناه أنّ المعروف عند الشيعة عوامّهم وأكثر خواصّهم لا سيـّما شعرائهم إطلاق النصيري على من قال بربوبية علي (ع) أنظر مقياس الهداية (ص86).
كما وقال شيخنا العلاّمة المامقاني رحمه الله في نفس المصدر (ص88) ط نجف:
والمشهور أنّ الغلاة الذين يقولون في أهل البيت (ع) ما لا يلتزمون أهل البيت (ع) بثبوت تلك المرتبة لهم من يدّعي فيهم النبوّة كالبزيعيّة، والإلهية والنصيريّة فعُلِمَ مِمّا ذكرناه أنّ النُصيريّة قالوا بآلهية الأئمة (ع) جميعاً ومن هنا يُعلم أيضاً وجه ما اشتهر به بين الناس من إطلاق النصيري على من قال بربوبية أمير المؤمنين عليه السلام. انتهى.

هذا ما عقـّبه الحلّي ذيلاً على لفظة (النصيرية) الدخيلة على متن الحديث.
ولا أدري ما هي دلائله على صحة هذا الخبر كما ورد حرفيّاً. ولا يهم معرفته بقدر ما يهمّ نفيه.
أمّا قول المامقاني فلا يخلو من مبالغة كبيرة، وإسراف في حق هذه الطائفة المسلمة.

  • فمتى كان لفظ النصيري يُطلق على من قال بربوبية علي (ع)، وما الدليل على ذلك؟
  • وهل تـُعرف الحقائق بهذه الطرق الغير مستندة على أدلّة ثابتة؟
  • وهل قوله هذا مُجمعٌ عليه عند سائر العلماء؟
  • وهل يُلزم الجميع من دون استثناء؟

فأقول مُجيباً على جميع هذه التساؤلات:
أنا نصيريّ وأفتخر بذلك ولكنني لا أقول بربوبيّة علي (ع) ولا بنبوّته، بل أقول بإمامته الحقـّة، وعصمته الثابتة في كتاب الله. وكل علوي نُصيري يقول قولي هذا ويعتقده، ولسنا مضطرين إلى إقناع من لا يُريد الإقتناع، ولكنني أذكـّر بقول الله تعالى في مُحكم الكتاب: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ﴿ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .

وأقول أيضاً :
إنّ الحقائق لا تقوم إلاّ على أدلـّة ثابتة، ولا تـُعرف إلا من قِبل أهلها، ولا تـُطلب من غيرهم، هذا ما أراه، ويراه كل منصف.
ثم إنّ قوله هذا غير مُجمعٌ عليه عند سائر العلماء، ولا يقرّه أو يلتزم به من عايش هذه الطائفة، وتعرّف على حقيقتهم المُشرّفة.
ومن علماء الشيعة الكبار الذين نفوا هذه التهمة:

  • العلاّمة السيد محمد جواد مغنية.
  • السيد حسن مهدي الشيرازي.
  • السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي.
  • السيد محسن الأمين العاملي.
  • السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء.
  • الإمام موسى الصدر.
  • الإمام محمد مهدي شمس الدين.
  • المفتي عبد الأمير قبلان.
  • السيد محمد حسين فضل الله.
  • الشيخ الفقيه جعفر السبحاني.

وغيرهم الكثيرون من الذين عرفوا العلويين، وحاوروهم، وراسلوهم، وجالسوهم.

  • 1 إنـّما سُمّيَ أولوا العزم لأنـّهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع، وهم خمسة: نوح – إبراهيم – موسى – عيسى – محمد عليهم الصلاة والسلام.
  • 2 نقل الخبر حرفياً عن كتاب "الكلام الجلي للسيد حيدر الحلي" .