نائبان أم نائبتان.. بقلم المهندس ربيع معين سليمان..

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 21/03/2018 - 13:28

نائبان أم نائبتان............

كان اتفاق الطائف بالنسبة للمسلمين العلويين خشبة خلاص على الصعيد الوطني العام ، وعلى الصعيد الخاص .

» فعلى الصعيد الوطني :

كان لهذا الاتفاق الذي أنهى الاقتتال بين المكونات اللبنانية وأوقف الحرب فيما بينها ، أكبر الأثر على الطائفة العلوية ، حيث كانت هذه الحرب عليها حرب وجود وهوية ، وقد حمّلتها من الأعباء والتبعات ما يفوق واقعها وقدرتها ، وألقت عليها وزرًا يفوق حدودها و إمكاناتها .

» أما على الصعيد الخاص :

فقد كان اعلان اتفاق الطائف منح مقعدين في المجلس النيابي بمثابة إعادة اعتبار لوجود وتاريخ العلويين في لبنان ، ونقدًا تاريخيًا وسياسيًا للنظام الذي كرّس عهودًا من الظلم والحرمان على أبناء هذه الطائفة، ومدخلاً لاستعادة الحقوق ، وإعادة دمج للعلويين في مجتمع مارس بحقهم سياسة التهميش والإقصاء بقرار من السلطة .

لذلك كانت نظرة العلويين إلى هذا الإتفاق نظرة أمل ، باعتباره يُمثّل تصحيحًا لخطأ تاريخيٍّ ارتُكِبَ بحقّهم واستعادةً لحضورٍ وهيبةٍ تليقُ بتاريخهم وهُوِيَّتِهم وانتمائهم . وقد علَّقَ العلويون على هذا الموقع كل آمالهم وآلامهم ، وكان بالنسبة لهم بمثابة جسر العبور إلى منطِقِ الدولة ومدخلًا للإنصاف وتحصيل الحقوق .

  وقد توالى على هذين المقعدين منذ عام 1990 عدد من النُّوَّاب :

  • منهم من كَرَّسَ بالنيابة زعامته .
  • ومنهم من أضاع بممارسته قيمة النيابة وهيبتها .
  • ومنهم من ضيّعت النيابة ماضيه ، وخيّبت أحلام مُناصريه .
  • ومنهم من صنعت النيابة له حضورًا لائقًا ومستقبلًا واعدًا .
  • ومنهم من ارتضى أن تكون النيابة دورًا يُؤَدِّيه حين تُخرجه يد العبث السياسي من القُمْقُم لتنفيذ أوامر سيِّدِه الذي أخرجه من المُستنقع، ومن ثم إعادته إلى حيث كان .

وكانت سِمَةُ القرار النيابي في هذه المرحلة الأخيرة : التناقض والتضاد مع هُوِيَّةِ وتاريخ الطائفة العلوية ومع انتمائها ودورها الوطنيّ ، وتحَوَّلَ الموقع النيابي معها إلى نكسة ، كما تحولت تسمية النّائب إلى « نائبة » .

لقد كان النظام الانتخابي السابق الذي يُراعي مصالح الطوائف الأساسية المُقرّرة ، ويُكرّس نظرية الأكثرية الساحقة لخيار وحقوق الأقليات ، السبب في فرض وتعيين نُوَّابِ الطائفة العلوية ومُصادرة حقوق أبنائها في التعبير عن إرادتهم ، وإيصال صوتهم إلى موقع القرار السياسي .

أما في ظل القانون الانتخابي الجديد الذي يعتريه الاضطراب ، ولا يَرقى إلى مستوى الإجماع الوطني ، فإنّ القلق يَعترينا من إعادة مُصادرة الصوت العلوي ، وتكريس التبعيّة في ظل هذا النظام الجديد الذي يعتمد مبدأ اللوائح ، ويُعيد تجربة المَحادل السياسية..... كما يُعيدنا إلى حالة الهواجس والمخاوف حول الثمن المطلوب من المُرَشّح تقديمه لقبول انضمامه إلى إحدى اللوائح ؟
وما مدى الحرية والاستقلالية التي يتمتع بها ؟؟
وأي شروط سوف تملى عليه ؟؟
وهل يصل ثمن انضمامه إلى لائحة ما إلى حد الارتهان ؟؟
وإلى أي مدى سيكون قويا في المطالبة بحقوق أبناء الطائفة التي انتخب عنها، وحُرًّا في التعبير عن حقيقة مواقفها في القضايا الوطنية والسياسية ؟؟؟ .

ومع انتهاء مُهلة الترشح للانتخابات ، وكثرة المتقدمين إلى هذا الموقع ، فإن القلق هو سيد الموقف في الشارع العلوي... حيث لا يبدو هناك استثمار وتوظيف لمميزات القانون الانتخابي/الصوت التفضيلي/ وتحويلها إلى قيمة تفضيلية ، وإضاعة هذه الفرصة السياسية التي كان من الممكن أن يتحوّل الصوت العلوي/الموحد/ بموجبها إلى الصوت الوازن والمُرَجِّح الذي يُرتجى من القوى السياسية المتصارعة ، مما من شأنه تعزيز قيمة ومكانة هذا الصوت وحضوره .

فالصوت العلوي هو القادر على تغيير المعادلة النيابية في عكار وطرابلس وترجيح كفة الموازين السياسية ، وهذه القيمة سوف يتم تجييرها حتما إلى رصيد النائب العلوي المنتخب تحت قبة البرلمان لتعطيه مزيدا من القوة والحصانة والتأثير .

وفي ظل غياب هذا الوعي الجماعي ، وقع المرشحون العلويون في فخ الأنانية ، وربما في شرك الاستدراج الذي يُراد به عدم امتلاكهم لأسباب القوة . وأدى ترشح عدد أكبر منهم إلى تشرذم الأصوات ، وتشتيت هذه القدرة الوازنة ، وضياع القيمة التفضيلية للصوت العلوي، . بالتالي حرمان المرشح العلوي من مقومات القدرة على التحالفات الندية ، وإبقائه في موقع الضعف والاستجداء وتقديم التنازلات ، وربما، الارتهان لما يناقض هويته ، وينسف قيمة الموقع .

وإزاء ما تقدم فإننا نعيش اليوم بين حالين نقيضين:

» » بين أمل يعيشه الشارع العلوي بصحوة على مستوى الضمير والوعي ، أن يستعيد الموقع النيابي ألقه ، وأن يصل الى الندوة البرلمانية من يعيد الهيبة والاعتبار إليه ، ويستعيد للطائفة دورها الوطني وقرارها الحر ، ويعزز الثقة لأبناء الطائفة العلوية الذين ينظرون بعين الرجاء والأمل للمشاركة في مسيرة بناء وطن يفتخرون بالانتماء إليه . ومن السادة المرشحين لهذا الموقع من يستحق جدارة اللقب وأمانة التكليف في ازاحة قناع الخيبة والهزيمة وكشف حقيقة الوجه العلوي الممتلئ وطنية وعنفوانا وكرامة .

» » وبين مرارة واقع أوصلنا إليه غياب المرجعيات والمؤسسات الحاضنة لكل أطياف المجتمع والمسؤولة عن توحيد الصف والكلمة ، وغياب الوعي الجماعي ، ... الأمر الذي ضيع على العلويين استثمار هذه الفرصة السياسية السانحة وتحويلها إلى قدرة إيجابية تمكننا من استعادة زمام المبادرة فيما يخص الوجود السياسي والهوية الوطنية .

لذلك فإننا نعتبر أنفسنا في منعطف سياسي وتاريخي جديد ، يقف فينا على مفترق طرق ، فإما نسلك فيه طريق الحرية والقوة وتحصين وجود الطائفة وحدودها ، والانتصار على كل الصعوبات والتحديات...... وإلا فالعودة المكرهة إلى زمن الهزيمة واليأس وتكريس واقع الارتهان والتبعية الذي فرضته ظروف غير موضوعية ... إلى زمن الخيبة والمرارة ، زمن كان فيه النائبان نائبتين .

المهندس ربيع معين سليمان
طرابلس جبل محسن
15\03\2018م