حول تشكيك بعض الجهلة بإيمان المرأة.. المرأة العلوية أكثر قبولاً للثقافة الدينية من غيرها.. التكوين والإيجاد في المنطق المعصوم.. ذكر الله إيجاد الخلق برمتهم ولم يكتف بذكر الرجال دون النساء أو العكس..

أُضيف بتاريخ الخميس, 06/03/2014 - 11:15

المرسل: Noor Lattakia في 13\02\2014م

مساء الخير
عندي سؤال لفضيلة الشيخ
ما هو سبب حرمان الفتاة العلوية من الثقافة الدينية أوليست المرأة نصف المجتمع وتربي النصف الأخر كيف لأم غير متدينة أن تغرس القيم الدينية في نفوس أبناءها. 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين وأصحابه المنتجبين.

  الثقافة الدينية متاحة للجميع من ذكر وأنثى وليست حكراً على أحد ولا ممنوعة عن أحد، ولا يوجد أي سبب يمنع المرأة من أن تنهل من هذا المورد العذب.

  والمرأة العلوية بحسب الواقع والعيان أكثر قبولاً لهذه الثقافة من غيرها وليس كما يُشاع من قبل بعض المُغرضين من أنها محرومةٌ من هذا الجانب الروحي والعَيان يُغني عن البَيان .

  هذه القضية تناولتُها من عدة جوانب بما لا يَدعُ مجالاً للشك والتقوّل، ولكن البعض لا يريد أن يَقتنعَ لا لِعَدَم وجود بُرهانٍ بل لأنه فقط لا يُريد أن يقتنع مستنداً إلى سخافاتٍ روّجَّ لها بعض المُغرضين.

  وجواباً على مجموعة أسئلةٍ وردتني كتبتُ هذا التوضيح الذي لا يخلو من فوائد:

حول تشكيك بعض الجهلة بإيمان المرأة تقليداً للمُفترين.

  مما لا جدال فيه أننا نُعاني الكثير من المشاكل الحساسة والدقيقة التي يصعب علاجُ بعضها، والسببُ الأساسيّ هو الجهل المُرَكّبُ لا البسيط الذي يزول بالتَّعَلُّمِ، أما المُرَكّبُ فهو غير قابلٍ للزوالِ ما لم يَتَخَلَّ صاحبُهُ عن جهله بأنّه جاهل.

  ومن جملة هذه المشاكل هو تصدّي من لا يعلم للفتوى في دين الله، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الصادق عليه السلام: (أنهاك عن خصلتين ففيهما هلك من هلك، أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم)، فمن أفتى الناس برأيه فقد نازع القادر في سُلطانه بتشريعه للناس ما لم يُشَرِّعُهُ الله أو بما يُغاير ما شَرَّعَهُ تعالى، وكلاهما يعود إلى واحدٍ وهو منازعةُ الحق، ومن اعتقد ما لا يعلم فلا دين له لأنه وقع على مجهولٍ، وخالف نهج المعصومين الذين أمرونا باعتماد البحث والنظر في أصول العقائد ونهونا عن التقليد عملاً بقوله تعالى: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف:22] فتقليد الآباء دون البحث والتحقيق والنظر الثاقب في أصول المعتقد مخالف لنهج أئمتنا وهو إلغاء للفطرة السليمة، وتعطيل للعقل الإنساني الذي ما خاطب الله غيره ولا يناط التكليف إلا به والذي هو عقال من الجهل، وعليه فإن أي قضية عقائدية لا يجوز التسليم بها ابتداءً إلا بعد معرفة أدلتها التفصيلية من متونها الحقة وأعني بذلك نهج المعصوم نبياً كان أم إماماً.

  الموضوع المبحوث عنه يصنف في دائرة الأصول لأنه يتعلق بالتكوين الوجودي وعليه فيجب بحثه بدقة متناهية وفق أصوله المعتبرة.

  حين نتحدث عن التكوين والإيجاد فلا بد من سلوك النهج القرآني المحكم، مستعينين بنصوص المعصومين على التفسير والتأويل دون الرجوع إلى أي مصدر أخر، لأن القضية عقائدية ونجاة الأرواح أو هلاكها منوط بنتائجها لذا وجب الحذر، وبعد هذا التقديم نسأل ما هو دليلنا القطعي على إننا من أهل الإيمان ؟، وكيف نستدل على هذه الحقيقة ونلامسها بكل جلاء ملامسة عينية جلية من دون أمثلة خيالية، وكيف لنا أن نتذوق روحية ما نعتقده ؟، أنه سؤال كبير ومطلب بديهي لكل نفس سالكة إلى الله، الجواب وبالله التوفيق.

  بسندٍ صحيح لا يقبل التشكيك برواته، ومتن فصيح ترجمه المعصومون في أكثر من موضع روي عن مولانا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَلَيهِما السَّلام) قَالَ:
إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ النَّبِيِّينَ مِنْ طِينَةِ عِلِّيِّينَ قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ وَخَلَقَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ وَجَعَلَ خَلْقَ أَبْدَانِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَخَلَقَ الْكُفَّارَ مِنْ طِينَةِ سِجِّينٍ قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ فَخَلَطَ بَيْنَ الطِّينَتَيْنِ فَمِنْ هَذَا يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَيَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ السَّيِّئَةَ وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ فَقُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ تَحِنُّ إِلَى مَا خُلِقُوا مِنْهُ وَقُلُوبُ الْكَافِرِينَ تَحِنُّ إِلَى مَا خُلِقُوا مِنْهُ.

  وعن سيدنا أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلام) يَقُولُ:
إِنَّ الله جَلَّ وَعَزَّ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَخَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا لأنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا مِنْهُ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ كَلا إِنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ وَخَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لأنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ كَلا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.

لا بد من الوقوف على هذين الحديثين الصحيحين لتنجلي لنا الحقائق الكامنة في طياتهما:

  • عرفنا أنّ إيمان المؤمن بهذه الولاية هو إيمانٌ تكوينيٌ أي فطريٌ في عالم الأمر، يشترط تجديد البيعة في كون التشريع أي في عالم الخلق، وبالنتيجة فالمؤمن مفطور على قبول الولاية ونسبة القرب والبعد مرهون بصحة العمل وفساده.
  • عرفنا أنّ ماهية أرواح المؤمنين من الطينة الطيبة لذلك فهي تَحِنُّ إلى الولاية وتؤوبُ إليها.
  • عرفنا أنّ الأفعال الذميمة هي من سَنْحِ الطينة الخبيثة، وإن المؤمن ليس مجبوراً على فِعلها بل يَفعلها بإرادته، ولذلك فهو يُجازى عليها بالموبقات النازلة، وهو ما يُسمى بالتَّمْحيص.
  • عرفنا أنّ بُغض المؤمن للكافر والعكس تكوينيٌ وهو عائدٌ إلى اختلاف العُنصرين.

  وبعد هذا الاستنطاق لهذين الحديثين لا بد لنا من قول التالي:

  هل عالج المعصوم قضية تكوين الأرواح بشكل كامل أم لا؟
فإن أجبنا بالنفي فقد خدشنا بعصمته وهذا محال.
وإن أجبنا بالإيجاب وهو مما لا شك فيه فإن هذا الجواب يقودنا إلى السؤال التالي:
  هل قصد المعصوم (بالقلوب) المؤمنين دون المؤمنات، أم الاثنين معا؟
فإن قلنا كما يتوهم البعض بأنه عنى المؤمنين دون المؤمنات، فهذا يقودنا إلى القول بأن المعصوم لم يعالج القضية بشكل كامل، فنكون بذلك نفينا ما أثبتناه في البداية، واتهمنا الإمام بالنقص وهذا محال، وإذا أراد البعض تجنب هذه المعضلة والهروب من هذه النتيجة التي تتنافى مع عقيدتنا في الإمام بالقول إنه عالجها في موضع ثان فمن حقنا أن نسأله عن هذا الموضع ولن يجده لعدم وجوده ولأن الإمام عالج القضية بشكل كامل في هذين الحديثين.

  إن هذا المنطق المعصوم هو منطق قرآني محكم والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1] فقد ذكر الله إيجاد الخلق برمتهم في هذه الآية ولم يكتف بذكر الرجال دون النساء أو العكس بل أكد أنهم خلقوا من نفس واحدة ثم تكاثروا ولكنه تعالى قبل أن يوجدهم في العالم الثاني أخذ عليهم العهد والميثاق ولم يستثن أحداً ولو فعل لما تمت الحكمة قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف:172] فثبتت الحجة على الجميع.

  فالإمام عالج موضع التكوين برمته كما في منطوق القرآن، وقصد بقلوب المؤمنين رجالهم ونسائهم، وبقلوب الكافرين رجالهم ونسائهم ولولا ذلك لكان في القضية نقص وجب كماله من موضع ثان وهو غير موجود، أو من الخارج وهو غير جائز، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأقول:

  إنّ الإمام المعصوم حين تكلم عن بدأ التكوين استعمل الإطلاق لا التعيين أو التنويع، لأنه في العالم المجرد وقبل التعلق في الأبدان تنتفي الحاجة إلى التخصيص النوعي لأن هذا التخصيص يواكب المركبات في عالم الإمكان، فالروح قبل تعلقها في البدن لا تُذَكّر أو تُؤَنّث، لأنّ هاتين المفردتين مُلازمتان للروح في حال تعلقها في البدن والدليل على ذلك من كتاب الله قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [الإسراء:85]
فنلاحظ إن الله ذكر الروح من دون كشف نوعي، وكذلك الأمر فحين تتجرد من البدن لتعود إلى عالمها ينتفي هذا التخصيص أيضاً، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [27] ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً [28] فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [29] وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر:30].
أما هذا التنويع أو التخصيص فإنه ملازم لعالم التركيب لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾ [الأحزاب:36].
فقد نوع في هذه الآية ولم يقتصر النهي على الرجال دون النساء ولم يكن الخطاب في صيغة الجمع بل حذر كل طرف مع تحميله المسؤولية من الرد على الله ورسوله.
  ولأن هذه الآية من آيات العقائد وهي تتعلق بموضوع الإمامة وأنها بتعيين من الله لا باختيار الناس، فقد كان التشديد حاسماً لإثبات الحجة وإيضاح المحجة وليتحمل كُلٌ مسؤوليته من مَغَبّة الاعتراض.

  بالإضافة إلى ذلك فإن الله سبحانه وتعالى حين أمر عباده بالتكاليف الشرعية فقد خاطب إيمانهم دون تنويع وهذا يتواكب مع حديث التكوين ويؤيده، قال تعالى: ﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران:97]
فالخطاب في الآية لعموم الناس من ذكر وأنثى وهذا أمر بديهي ولو كان غير ذلك لاقتضى التحديد ولم نجده في الآية بل لمسنا الإطلاق ، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:183].
فالمراد بالذين آمنوا الذكور والإناث لأن هذا الفرض واجب على الجميع ولا تخصيص في الفروض والواجبات الشرعية، فهل من الحكمة أن يخلق الباري مخلوقاً ولا يكلفه، ألا يدل ذلك على العبث التكويني والعياذ بالله، وهل يجوز في الحكمة محاسبة من رفع عنه التكليف، إن الله تعالى وضع الزكاة عن الفقراء فهل يجوز أن يحاسبهم على عدم دفع الزكاة وهو الذي أعفاهم منها رحمة بهم، وكذلك في الحج الذي وضعه الله عن غير المستطيع والصلاة الموضوعة عن العاجز عجزاً كلياً، والصيام الموضوع عن الشيخ الهرم والطفل الصغير وأصحاب الأمراض المستعصية التي يؤذي أصحابها الصيام فهل يرحمهم من جهة ويعذبهم من جهة أخرى حاشا لله تعالى، فحين تناول المعصوم موضوع التكوين عنى بالقلوب المؤمنة كل روح أقرت بولاية المعصومين من ذكر وأنثى وهذا يندرج أيضاً على سائر التكاليف الشرعية والتي لاحظنا إن الله خاطب بها عموم عباده وخصوصهم دون التنويع أو التمييز بين ذكر وأنثى فالكل مكلف والكل يثاب أو يعاقب على مقتضى الأعمال، لقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ [النساء:124].
فنلاحظ أن مفردة المؤمن أطلقت على الصورتين ولم تقتصر على الذكور فقط، وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97].
وهذا دليل آخر من كتاب الله يدل على ما ذهبنا إليه،وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر:40].
أما التفاضل فله موازين إلهية ليس لبشر أن يقننها قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13].
ثم إن الاختلاف البنيوي عائد إلى حكمة الحكيم وليس لمخلوق أن يعترض عليه أو يتكلم فيه أو أن ينتقص الطرف الثاني لأن ذلك تدخل في الحكمة الإلهية قال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى ﴾ [النجم:45].
فهذا موضوع خارج عن دائرة التكليف لأنه أمر تكويني.

  فلنتأمل هذا الخطاب الإلهي الجامع الدال على عدل الله تعالى لا كما يتوهم القاصرون ويظن الغائبون، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [191] رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [192] رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ [193] رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [194] فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾ [آل عمران:195]
فمن خلال جواب الحق عرفنا الذين يذكرون الله والذين آمنوا بدعوة الداعي إلى الإيمان فهم الذين استجاب لهم ربهم ولم يضيع لهم عملهم من ذكر وأنثى وكيف لا وهو العدل الذي لا يجور.

  أما التخصيص والتعيين أو التمييز فهو في قضايا تكوينية بنيوية كقوله تعالى: ﴿ اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد:8]
وقال تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ﴾ [الطلاق:4]
فهذا التحديد والتعيين يرتبط بفوارق تكوينية، وهذا أمر مفهوم أما القضايا العقائدية فلا تخصيص فيها فالتكليف منوط بكل مخلوق ولا يستثنى منه أحد.

  والأدلة على إثبات هذه الحقيقة لا تحصى ولا تستقصى والقليل يغني عن الكثير، وتفسير العقائد بالرأي خروج عن المنهاج اللاحب، ورد على المعصوم وبالتالي خروج عليه، فليتق الله من نصب نفسه معلماً وهو يجهل أبسط القواعد الدينية.

  وبعد هذا البيان المحكم الذي لا يقبل الجدل أعود لأجيب عن الأسئلة التي طرحتها في بداية حديثي لغاية ستنجلي:

»   ما هو دليلنا القطعي على إننا من أهل الإيمان ؟

دليلنا القطعي هو هذا الحديث القطعي الذي لا يقبل الجدل، فإيماننا فطري ينمو بالعلم اليقيني والعمل الخالص والتأدب بآداب أهل البيت عليهم السلام الذين لا يقبل الله عمل عاملٍ إلا بولايتهم، تلك الولاية المعصومة التي أخذ الله العهد على قبولها.
وبالعودة إلى الحديث فربما يشكك البعض بقطعيته لذلك أقول وفق منهاجنا الثابت في معرفة الحديث دون الدخول في التفاصيل الجزئية أو القواعد الكلية بأن قطعية هذا الحديث كقطعية عصمة أهل البيت، ومن شكك به فقد شكك بنهج المعصومين ومتنه دال على النهج العلوي الأمثل، ولا حاجة إلى الإطالة فلا أثر بعد عين.

»   كيف نستدل على هذه الحقيقة ونلامسها بكل جلاء ملامسة عينية جلية من دون أمثلة خيالية؟

نستدل على هذه الحقيقة بما روي عن المولى الصادق عليه السلام حيث يقول من وجد منكم برد حبنا على قلبه فليحمد الله على أولى النعم، قلت – المتحدث إسحاق بن عمار – وما أولى النعم؟ قال: طيب الولادة.
ومن المعلوم كما ورد في روايات الخصوص والعموم بأن ابن الزنا لا يحب علياً، ولا يمكنه ذلك ، وإن شيعة علي لا تلدهم العواهر لا في الجاهلية ولا الإسلام، فمن طاب منبته طاب منشأه وهذا مُسَلمٌ به، ومن منا لا يلمس هذا الحب القدسي الذي ينتعش القلب به وخصوصاً إذا ذكر المولى أو حتى أحد الأولياء الصالحين.

»   كيف لنا أن نتذوق روحية ما نعتقده؟

إن تزوّق روحية هذا المعتقد يعود إلى كل فرد بمفرده والتماس ذلك له عدة طرق، وهنا بيت القصيد ولا بد من توجيه السؤال التالي:
  ما هو شعورنا حين نسمع بمعجزة للمولى أو كرامة لولي، ألا نشعر ببهجة قلبية لا يمكن للإنسان أن يُعَبّر عنها وصفاً، فإذا لمسنا ذلك فنستطيع أن نعلم إن هذه البهجة هي عودة إلى الفطرة الأولى والطينة الطيبة التي يحس بها الموالي في أوقات دون أخرى ولأسباب تبعث عليها.
وفي حال شاهدنا مؤمناً جليلاً يتعرض للقتل أو الإهانة ألا نشعر بغضبٍ داخلي يكاد أن يتفجر قهراً على هذا المؤمن الجليل، إنّ هذا الغضب هو غضب للحق لا يصدر إلا عن قلب عرف الحق فطرةً واكتساباً، من هنا فإنّ المؤمن يستطيع أن يعيش تلك البهجة الروحية كلما استحضر معاني هذه الولاية الخالدة، فهل نُكَذّب وجداننا أو نصوص المعصومين بسبب لقلقة جاهلٍ لا يعرف من الدين إلا اسمه، وربما يَميلُ إلى الشهوات أكثر من ميله إلى الطاعات، ولا أستبعد ذلك دون أن أتهمه مباشرة.

  وبعد هذا العرض الموجز للقضية وفق القواعد الأصولية المعتمدة أقف عند بعض النقاط التي أثارها بعض المغفلين.

  إنّ عدم امتلاكه الدليل دليلٌ بينٌ على جهله، ولعلّه متأثر ببعض الجاهلين الذين أخذوا هذه التهمة عن سيدهم ابن تيميّة، فابن تيمية قال في حقنا ما هو أبشع من ذلك وفتواه الباطلة بين أيدي الجميع، وأخر من تبنّى أفكاره هو المُفتري محمد علي أسبر الذي جرد قلمه المبتور منذ وقت طويل للطعن بأبناء جلدته بحجة أنه يُصلح الخلل دون أن يعلم أنه بذاته خللٌ مُتحركٌ في هذه الطائفة المؤمنة، والتي أُجزم يقيناً أنه لا يَمِتُّ إلى الولاية بصِلَةٍ بدليل ما أَلصق بنا من التُّهَم التي فاق بها ابن تيمية ، وأخر عمل قام به هو اتهامنا بهذه التهمة مع تُهَمٍ أُخرى، وطعنه ببعض الأولياء والصالحين في كتاب أسماه (روايات وأحاديث موضوعة) وقد قمت بالرد عليه في كتابي (الأدلة المرفوعة) ، ومن الذين ألصقوا بنا هذه الفرية فضل خاسكه وهو أيضاً من مُدَّعي العلوية، وفي كل الأحوال ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ .

  أما قول البعض إن هذا الكلام من العقيدة، فهو محض افتراء، والعقيدة العلوية بريئة من هذه الأقوال المناقضة لكتاب الله ونهج أهل البيت، وعين هذا الكلام ما قاله اسبر وخاسكي حين ادّعا أنّ هذه الأقوال من صميم معتقداتنا.

  وقول أحدهم أن السيدة الزهراء ذكرٌ، تكذيبٌ للمعصومين وإنكارٌ للواقع الملموس، فلا هو ولا غيره أدقّ وأوثق من الشيخ الخصيبي والسلف الصالح، نعم للسيدة الزهراء مكانة غير خافية، فهي المعصومة في حديث الكساء وإنّ غضبها غضبُ الرسول، ولكن أن نُحَوّلها إلى ذَكَرٍ بالقوة لنطعن بقسم كبير من عباد الله فهذا مُنافٍ للعقل والنقل، ومجافي للحقيقة المجردة التي لا تقبل المداهنة، وهذا عينُ ما قاله ابن تيمية أيضاً.

  قاتل الله الحمق فإنه الداء العضال الذي أعيا الأنبياء والأوصياء والكُمَّل من الأولياء.

  فالعقيدة العلوية بريئة من هذه السخافات المُضِلّة والأقوال المُعتلة وهي وليدة الفكر الحاقد، وبسبب الجهل المتفشي أصبحت الأوهام حقائقاً عند البعض ، والسبب في ذلك تقصير بعض رجال الدين عن القيام بواجباتهم، ثم أن هذه اللهجة لم نكن نسمع بها في الماضي لا من أمهاتنا أو جداتنا وقد حدثونا كيف كانوا يجتمعون حول الشيوخ الطاهرين لسماع الآداب الدينية وسير الأنبياء وأصحاب الكرامات، أما اليوم فإنّ الوسائل الحديثة سلبت منا محاسن ذلك الماضي الجميل.

  وفي كل الأحوال فأن هذه الأقوال ألصقها بنا أعداء الولاية:

  • وقضية ذم الإمام للمرأة واضحةٌ فهو ذمٌ تعيينيٌّ لا إجماليّ.
  • وأما وصف المرأة بالنقص في بعض النصوص فهو نقص تكويني وليس تشريعياً، فلا يجوز ذمّه، ولا يحق لمخلوقٍ أن يتخذه ذريعةً، لأنّ في ذلك تعرُّضٌ للحكمة الإلهية.
  • وإن وصفه بالنقص فلا تعلق له بالمقدار بل هو نقص لما يقابله، فالمرأة التي ترث نصف ما يرث أخاها نقول إنّ حصتها ناقصة عن حصة أخيها ولا يجوز أن نذمها لذلك فالنقص ليس فيها، ولأنّ هذا التقسيم إلهيّ وقد عوّضها الله عن هذا النقص من رجلٍ آخر أراد أن يتزوج بها فدفع لها مهرها، وأخوها الذي أخذ ضعف ما أخذت وزاد عليها فإنّه دفع هذه الزيادة لمن أراد التزوج بها.
  • والمرأة التي تمتنع عن الصلاة بسبب حيضها فإنّ الله لا يسألها عما فاتها، فكيف يسألها وهو الذي وضع عنها الصلاة في هذه الأيام فالنقص لا يعود إلى ذاتها بل إلى نقص أيام صلاتها عن الرجل.
  • والمرأة التي تُعد شهادتها بنصف شهادة رجل هي امرأة مُفَكّرَة وهذا النقص الذي ذكره الإمام ليس نقصاً في التفكير أو التمييز العقليين بل هو نقص في الشدة والصرامة العقلية التي تبرز عند الرجل أكثر من المرأة وقد حوّله الله تعالى إلى عاطفة ورحمة، وهاتان الصفتان حميدتان موجودتان في المرأة أكثر من الرجل لحكمة إلهية ذرعها الله في قلبها لتكلأ ذاك الوليد برعايتها وحنانها، وبالنتيجة يجب التفريق بين الحقيقة والمجاز.

  ربما أطلت قليلاً ودخلت في بعض التفاصيل وما ذلك إلا لأن البعض أراد أن يصطاد في الماء العكر لغاية في نفسه.

  فالثقافة الدينية مُلكٌ للجميع ولا يحق لأحد أن يمنعها عن أحد، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله (أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.) وهذا خطاب يشمل الجميع ولا يَستثنِ أحداً.

  والحمد لله رب العالمين.

حسين محمد المظلوم
26\2\2014



هنا إعلان هذا الموضوع على صفحتنا في الفايسبوك.