شهادة الشيخ جعفر السبحاني

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

أورِدُ هنا هذه الشهادة المُنصفة من عالم منصف، وهو العلاّمة الفقيه الشيخ جعفر السبحاني نقلاً عن كتابه المطبوع حديثاً "تاريخ الإسماعيلية" قال:

الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب لا سيما وانّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم 1 إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة أو التعايش معهم في أوطانهم حتى ينجلي الحقّ ليقف الاِنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم 2 .

وقال بعض أن استعرض أقوال المؤرخين:

إذا كانت النصيرية هي التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين ، إلاّ إذا كان مُغفّلاً أو مُغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ممّا لا أصل له في الواقع 3 ، وإنّما اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قِبَل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شَعواء ودِعايات مُزيفة ومُضلّلة ضِدّهم ، حتى يَجد الباحث أنّ الكُتّاب والمُؤَلّفين المدعومين من قِبل السُلطات لا يَألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل حتى صارت حقائق راهنة في حقّ هوَلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا لحسن ظنّهم بما كُتِبَ حولهم 4 .

وقال متحدثاً عن عقيدتهم:

حسب المصادر المطّلعة على حالهم ، فإنّ عقائد العلويين لا تختلف عن عقائد الشيعة الاثنا عشرية الاِمامية ، وهي معروفة مُسجّلة.

وما يوجب السكون والاطمئنان في ذلك أنّ جميع الموَلفين وأرباب كتب الفرق و المذاهب عدّوهم من الشيعة الاِمامية الاثنا عشرية على الرغم ممّا نسبوا إليهم ورموهم بالغلو والتطرّف والباطنية وأمثال ذلك ممّا ستأتي الاِشارة إليه 5 .

فالعلويون يُؤمنون برسالة محمد بن عبد اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
ولا يشكّون بإمامة ابن عمه علي بن أبي طالب والاَئمة الاَحد عشر من صلبه (عليهم السّلام)
وينطقون بالشهادتين عن إيمان فحصنهم شهادة أنْ لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
والموالاة لآل بيته والصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل اللّه والمعاد في اليوم الآخر
وكتابهم القرآن ، ما زاغوا عن هواه ولا نهجوا منهجاً غير شريعته
ولهم مراجع دينية عُرفوا بتمسّكهم بالدين وإقامة شعائرهم الدينية الاِسلامية
ويَطرحون كلَّ حديثٍ لم يُشر إليه القرآن وجاء مخالفاً له
كما وأنّهم لا يُؤَيّدون قول من يقول بصحّة تأويل الآيات التي بحق محمد وآل محمد (عليهم السّلام)
ويحترمون كل الشرائع السماوية ، ويُقدّسون كلَّ الاَنبياء ، ولا يشكّون بصحّة ما أُنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاَسباط ، وما أُوتي موسى وعيسى والنبيون من ربّهم
وهم للّه مسلمون ، ولم يعصوا الرسول في عمل ولم يخالفوه في قول
ويحصرون كلمة العلم الكاملة بأهل البيت ، ويعتمدون على جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) في أبحاثهم الدينية وتأويل القرآن والفقه والفتوى ، فلا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي ولا حنفي عندهم ، وكلّهم للّه حنفاء متّبعون ملّة أبيهم إبراهيم ، وهو الذي سمّاهم المسلمين ويعبدون اللّه تعالى لا يشركون في عبادته أحداً.

ثمّ تحدّث عمـّا حيك حولهم فقال:

وفي غياب المصادر الموثوقة ، نسب مناوئوهم عقائد وآراء شتى إلى العلويين نشير في ما يلي إلى بعضها :

1. الاعتقاد بالحلول والغلو في حقّ الاَئمّة سيّما الاِمام علي بن أبي طالب عليه السّلام.

2. التناسخ.

3. نبوّة النميري محمد بن نصير.

4. شركة الاِمام علي مع رسول اللّه في نبوته.

5. إباحة المحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً.

6. افتراقهم إلى ثلاث فرق في خلافة محمد بن نصير النميري.

7. عبادة السماء والشمس والقمر على تقاليد الفينيقيين والاعتقاد بوجود الاَئمّة (عليهم السّلام) فيها.

وهذه الافتراءات والتهم إنّما تهدف إلى شيء واحد وهو تأليب الناس عليهم دون أن تستند إلى مصدر أو مستند أو وثيقة. ودون أن يتجشّم الموَلّفون لتحقيقها، فإنّ موَلّفي الفرق والملل والنحل كان همّ أكثرهم توسيع رقعة الخلاف ، وخلق أكبر عدد ممكن من الفرق وطرح أشياء غريبة عجيبة وغير معقولة ولا مشروعة.

وبعد أن نقل هذا الكاتب ما نـُسِب إلى السيد أبو شعيب من التهم المُنكرة عقـّب عليها قائلاً:

أقولُ: ما ورد من النسب في هذا الكلام مِمـّا يستبعده العقل جداً إذ كيف يُمكن أن يتبنـّى أحد في حاضرة الخلافة الإسلامية هذه المنكرات التي لا يرتضيها أيُّ إنسان ساذج؟!
ولو كان داعياً إلى هذه الأمور في أجواء نائية بعيدة ربّما يسهل تصديقه.

وقال أيضاً:

الحقّ أن يُقال إنّ ابن نصير شخصية قلقة ، يكتنفها كثير من الغموض.
فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنّه ضعيف.
وأُخرى من أصحاب الاِمام الجواد (عليه السّلام) .
وأُخرى أنّه من أصحاب الاِمام العسكري (عليه السّلام) وأنّه غال.
وطوراً عدّوه فهرياً بصرياً مع أنّ هذين لا يجتمعان.
وأخيراً تحيّروا في أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات.

♦ فهذا ما رأيتُ إثباته من أقوال هذا الكاتب المُنصف ليكون رداً أو تصحيحاً لما قاله السيد حيدر الحلي في كتابه.

وفي الختام لا يسعني إلاّ أن أتوجه بخالص الشكر إلى العلاّمة الشيخ جعفر السبحاني الذي كتب بإنصاف ولم يتعصب إلا للحقيقة وحدها فأكثر الله في الأمـّة الإسلامية من أمثاله، ونسأله بمحمد وآله أن يسير الجميع على منواله، حتى تتحقق الوحدة الإسلامية التي نصبوا إليها ونسعى إلى قيامها. لنتفيّأ جميعاً بظلها الوارف، ونعيمها الدائم، إنـّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

  • 1 هذا ما أكّدته في مواضع عدّة من هذا الكتاب.
  • 2 هذا ما يراه كل منصف دأبه معرفة الحقيقة من أقلام أصحابها وواقعهم، لا من أقلام المُفترين، والحاقدين.
  • 3 هذا هو الثابت والصحيح، فهذه النِسب افتـُعِلت عَمداً وأُلصقت بنا لغايات سياسية بحتة، فالمسلمون العلويون الموجودون الآن والذين برهنوا عن صدق إسلامهم وإيمانهم، هم أولئك النصيريون الذين تعرّضوا لأقسى أنواع التـّهم لم يختلفوا عنهم ومازالوا والحمد لله مُحافظين على صدق عقيدتهم وعروبتهم.
  • 4 ومن أمثال هؤلاء السيّد الحلي في كتابه هذا، والشيخ محمد رضا الحكيمي في كتابه "بداية الفرق ونهاية الملوك"، وغيرهم من الكتـّاب الذين نقلوا الأقوال على علاّتها، لحسن ظنٍ، أو لغاية ما، والله أعلم.
  • 5 علل المؤلف هذه الإتهامات بقوله:
    ويترأى أن رَميهم بالغلو والتطرّف كان ردّ فعلٍ من مُناوئيهم حيث كان يرميهم هؤلاء بالتقصير في حق علي بن أبي طالب (ع) أو عدم الإيمان بفضائله وأفضليته من سائر الصحابة، حتى عدائهم له بتحريض من خلفاء أمويين، فقابلوا تهمة بتهمة. ولا غرر في ذلك فإنّ التنازع السياسي والعسكري بين العشائر العلوية وخصومهم من الأمويين والعباسيين والعثمانيين الذين كانوا يتمتعون بالسلطة الرسمية في شن حرب إعلامية نفسية ضدّهم وسلب الشرعية عنهم حتى يُبرّر ذلك التنكيل بهم والفتك الذريع بحقـّهم.