الزكاة عند العلويين

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

وبعد هذا أتانا بتُهمة لم يسبقه إليها الشهرستاني، والقلقشندي، وابن الأثير، وابن تيمية، وغيرهم، حيث قال:

إنـّهم كانوا حتى الأمس القريب ينذرون المرأة للزيارة أو للمشائخ الذين صارت الزكاة وقفاً عليهم خلافاً للشرع المقدّس.

إنّ هذا الكلام الخالي من النظام نقله عن الكاتب محمد علي إسبر صاحب كتاب "عاداتنا وتقاليدنا" الذي ليس له أيُّ علاقةٍ بعادات العلويين وتقاليدهم.

وكنت أتمنى أن يوضح لنا كيف تُنذر المرأة للزيارة أو المشائخ؟
وحينما قرأت كتابه "العلويون في دائرة الضوء" تبيـّن لنا معنى كلامه، من أنـّه أراد القول أنّ مُهرَ المرأة هو الذي يُنذر وليس المرأة عينها 1 ، ومع هذا فإنـّا نقول له ولمن نقل عنه:
إنّ هذا الكلام بعيدٌ عن الواقع، خالٍ من المنطق، مُجانب للصدق، فمهر المرأة عندنا يُدفع لها كما أمر الله تعالى في كتابه ﴿ وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً ﴾ النساء\4.
والمسلم العلوي لا ينذر إلا ما يملكه، ومُهرُ المرأة ليس من أملاكه بل هو ملكٌ لها، وعلى هذا الأساس تسقط هذه الفِرْيَة الباطلة والتُهمة العاطلة التي أُلصقت بنا كغيرها.

» أمـّا الزكاة الشرعية والتي هي ركن من أركان الدين الإسلامي 2 فليست وقفاً على المشائخ وحدهم كما يُحاول أن يؤكـّد، بل توزّع على أهلها ومستحقيها المنصوص عنهم في كتاب الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة\60 3 .

وهل كما أوضحها الإمام علي الرضا (ع) بقوله:

والزكاة المفروضة من كلّ مئتيّ درهم خمسةُ دراهم ولا تجب في ما دون ذلك وفيما زاد في كل أربعين درهم درهمٌ ولا تجب فيما دون الأربعينات شيء، ولا تجب حتى يحول الحول، ولا تُعطى إلا لأهل الولاية والمعرفة. =فهمش تحف العقول: لإبن شعبة الحرّاني.

وهي تجب في النقدين "الذهب والفضـّة".
والأنعام الثلاثة "الإبل والبقر والغنم".
والغلات الأربع "الحنطة والشعير والتمر والزبيب". وتستحب في غيرها.

وعلى هذا أقول:
إنـّه يوجد بعض الشيوخ من هم فقراء ومساكين وعاملون عليها وغارمون، وهؤلاء الأصناف بصريح الآية من مستحقيها، فلهم سهمهم والباقي للباقي.
ومنهم من هم أغنياء ميسورون وهي مفروضة عليهم كغيرهم من أبناء هذا الشعب وهم يُؤَدّونها كما فـُرضت.
أمـّا القول من أنـّها (وقفٌ عليهم) فلا يخلو من مبالغة مقصودة.

وأختم هذا الفصل بما أورده العلامة الفيلسوف الشيخ يونس حمدان بيصين (ق) في كتابه "المبادئ والأحكام في أصول الدين والإسلام" حيث يقول في المطلب الخامس عشر من البحث العاشر، حول الزكاة:

إعلم أنـّه لما كان الدين الإسلامي دينَ التعاون بكلّ ما في هذه الكلمة من معاني ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ جعل الله الأغنياء وُكلاء الله في أرضه، والفقراء عبيده المُحبين له، فإن بخل وكلاؤه على أحبـّائه أذاقهم الوبال الشديد، فكان لهذا التعاون الأثر العظيم في بثّ روح الإلفة والإيفاء والوداد، وقد ورد في الأثر "لا يؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحب لنفسه" ففي هذا التعاون تنمو عاطفة الرّحمة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم وتدفع غائلة البؤس والشقاء عن الفقير المسكين وتولّد بين الناس التراحم ولا يحسد فقيرهم غنيـّهم، ولعلّ أكثر الأمراض الإجتماعية المنتشرة في العالم ترجع إلى عدم إخراج الزكاة التي هي الدواء الشافي لجروح الإنسانية وأوجاعها القاتلة ولهذا السبيل فرضَ الله الزكاة. انتهى.

  • 1 إنّ هذا التمويه لا يخلو من غايات سيئة، ومن توجيه إساءات مُبطـّنة.
  • 2 الزكاة من الفرائض الخمس، وهي في اللغة النماء والطهارة، وفي الشرع عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالك مخصوص. وقيل الزكاة صفوة الشيء وما أخرجته من مالك لتطهـّره به، وهي حق معيّن عن الأبدان والأموال.
  • 3 الْفُقَرَاء: هم المُعدمون الفاقدون لما يرفع الحوائج الحيوية.
    الْمَسَاكِينِ: هم الذين دنا بهم فقرهم إلى المسكنة والمذلة..
    وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا: الساعين لجمعها.
    وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: هم الذين يُعطـَوْن سهماً من الزكاة ليسلموا أو ليدفع بهم العدو، أو ليُستعان بهم على قضاء حوائج الدين.
    وَفِي الرِّقَابِ: كالرق الذي يكون في شدّة، أو المُكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه.
    وَالْغَارِمِينَ: الذين ركبتهم الديون.
    وَفِي سَبِيلِ اللّهِ: لحفظ الإسلام والمسلمين، كالجهاد وشق الطرق.. الخ.
    وَابْنِ السَّبِيلِ: المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به...