تحقيق نِسْبَة الكتب [لو تحقّقوا لبرّؤوا المتهمين ولما كفّروا العلويين]

أُضيف بتاريخ الأحد, 07/04/2013 - 12:41

تَحْقِيْقُ نِسْبَةِ الكُتُبِ


قُلْنَا : إِنَّ مِنَ الكُتُبِ مَا لَمْ يُعْرَفْ مُؤَلِّفُهُ، فَنُشِرَ بِلا نِسْبَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ شَرْح أَبْيَات الدّاني الأرْبَعة فِي أُصُول ظَاءات القُرْآن 1 ، وَمَجْمُوعَةُ المَعَانِي 2 ، وَكِتَابُ مُخْتَصَر جَمْهَرة ابنِ الكَلبيّ 3 ، وَكِتَابُ آخِر أَيّام غَرْنَاطَة 4 ، وَأرجوزة فِي الضّاد والظّاء 5 ، وَالذّخِيرة السنية فِي تاريخ الدّولة المرينية 6 ، وَغَيْرُهَا7 .

وَمِنْهَا مَا نُسِبَ إِلَى غَيْرِ أِهْلِهِ، فَكَانَتْ نِسْبَتُهُ وَهْمًا، وَالاِسْتِشْهَادُ بِهِ فِي التّأْلِيْفِ مُقَوِّيًّا لِذَلِكَ الوَهْمِ، فَجَرَّ الخَطَأُ إِلَى خَطَأ، وَقَدْ أَشَارَ كَثِيْرُونَ إِلَى الوَهْمِ فِي نِسْبَةِ الكُتُبِ، وَنَبَّهُوا عَلَى عِلَلِ الوَهْمِ فِي عَزْوِ المُؤَلّفَاتِ .

وَمِنْهُ فِي بِحَار الأَنْوَار :

(( وَكِتَابُ دَعَائم الإِسْلام، قَدْ كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ عَصْرِنَا يَتَوَهّمُونَ أَنّهُ تَأْلِيْف الصّدوق رَحِمَهُ اللهُ، وَقَد ْظَهَرَ لَنَا أَنّهُ تَأْلِيْف أَبِي حَنِيْفة النّعْمَان بن مُحَمّد بن مَنْصُور ...))8

وَقَال الدكتور صَلاح الدّين المنجد ـ فِي اسْتِدْرَاكِهِ عَلَى الأستاذ مُحَمّد علي سلطاني ـ :

(( رُمُوز الشّجَرة النّعمَانِيّة : أَوْرَدَ المُحَقِّقُ هَذَا الكِتَاب فِي مُؤَلّفَات الصّفدي . وَلَيْسَ لَهُ .

( فَالشّجَرَةُ النّعمَانيّة فِي الدّولةِ العُثْمَانِيّة )) كِتَابٌ يُنْسَبُ إِلَى الشّيْخ مُحيي الدّيْن بن عَربِيّ .... وَقَدْ رَجَعْنَا إِلَى الكِتَابِ المَنْسُوب إِلَى الصّفدي فَوَجَدْنَا فِي أَوَّلِهِ مَا يَلي : (( شَرح رُمُوز الشّجرة النّعمانِية للصّلاح الصّفدي نَفعَنا اللهُ بِه وَبِبَرَكاتِه فِي الدّنيا وَالآخرة ..))

كدْنا نَقْرَأُ الوَرقَةَ الأُوْلَى حَتّى جَزَمْنَا بِأَنّ الكِتَاب لَيْس للصّلاح الصّفدي ...))9

وَقَال الدكتور يحيى مير علم :

(( وَهِمَ بَعْضُ المُحْدَثِيْن فَنَسَبَ إِلَى أَبِي البَقَاء كِتَاب (( المصنّف )) وَذَلِكَ لِتَشَابُه الأَسْمَاء وَالحَمْل عَلَى الأَشْهر . وَالتّحْقِيْقُ أَنّهُ لأَبِي حفص عمر بن إِبراهيم العكبري (329هـ) وَهُوَ أَوّلُ مَنْ وَضَعَ مُؤَلّفاً كَامِلاً فِي أَسْبَابِ وُرُود الحَدِيث. وَجَاءَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمّد بن حَمْزة الدّمشقي ( 1120هـ) فَلَخّص (( المصنّف )) وَزَادَ عَلَيْه ، وَسَمّاه (( البَيَان وَالتّعْريف فِي أَسْبَاب وُرُودِ الحَدِيث الشّرِيف )) . فَجَاء صَاحِب (( مُعجم المطبوعات )) وَنَسَب (( مُصنّف )) أَبِي حفص العكبري إِلَى أَبِي البَقاء العكبري . قَال (( البَيَان وَالتّعريف فِي أَسْبَاب وُرُودِ الحَدِيث الشّرِيف لَخَّصَ فِيْه مصنّف أَبِي البَقَاء العكبري وَزَاد عَلَيْه )). وَتَبِعَه بروكلمان فَنَقَلَه عَنْهُ وَأَدْرَجَه ضِمْنَ آثَار العكبري ....... وَالرّاجحُ أَنّ المُحْدَثِين فِي وَهْمِهم تَبَعٌ للمرادي حَيْث قَال فِي تَرْجَمَتِه ابن حَمزة (( .. وَلَهُ مُؤَلَّفَات مِنْهَا أَسْبَاب الحَدِيْث، مُؤَلَّفٌ حَافِلٌ لَخَّص فِيْه مصنّف أَبِي البَقَاء العكبري وَزَادَ عَلَيْه زِيَادَات حَسَنة )) .

وَمِنْ تَمَام الحَدِيث وَالفَائِدة الإِشَارَةُ إِلَى أَنّ الدكتور ابن عثيمين تَسَرّع فَحَمّل وَاهِماً نَاشِرَ كِتَاب ابن حَمْزة المتقَدّم وِزْرَ خَطَأ صَاحِب مُعْجم المطبوعات وبروكلمان حَيْث قَال (( .. وَإِنّمَا هُو خَطَأ وَقَع فِيْه نَاشِر كِتَاب الحسيني فِيْمَا يَبْدو حَيْث ترجم لَه ، وَذَكَر أَنّهُ لَخّص كِتَاب أَبِي البَقاء ، فَرُبّما أَنّ سركيس اعْتَمَد عَلَى هَذِه التّرجَمة الّتِي وَقَع فِيْهَا الخَطَأ ، وَعَنْ مُعجم سركيس نَقَل بروكلمان فِيْمَا يَظْهَر )). وَهَذَا غَيْر صَحِيْح، وَهُو يَدُلّ عَلَى أَنّهُ صَدَرَ عَمّن لَمْ يَطّلِعْ عَلَى مَا قَالَهُ نَاشِر كِتَاب ابن حَمزة ..))10

أَقُولُ :

إِنَّ الغَرَضَ مِنْ هَذا السَّرْدِ، تَذْكِيْرُ بَعْضِهِم بِوُقُوعِ الأَخْطَاءِ فِي نِسْبَةِ المُؤَلَّفَاتِ، لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى تَأْيِيْدِ التّوْهِيْمِ فِي بَعْضِ مَا نُسِبَ إِلَى المُسْلِمِيْنَ العَلَوِيّيْنَ، لأَنّ أَكْثَرَهُ مُؤَسّسٌ عَلَى أَوْهَامٍ وَظُنُوْنٍ . وَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ بَعْضُ المُؤَلِّفِيْنَ، وَحَازَوا بِإِخْرَاجِهِ إِجَازَاتٍ وَشَهَادَاتٍ، وَصُوِّرَ بِصُوْرَةِ الكِتَابِ المُحَقَّقِ المَوْثُوقِ بِهِ، الّذِي رَاعَى مُحَقِّقُهُ قَوَاعِدَ التّحْقِيْقِ، وَبَذَلَ الوُسْعَ فِي تَنْقِيْحِهِ وَتَهْذِيْبِهِ، وَهُوَ بِخِلافِ ذَلِك.11

ثُمَّ كَانَ مِنْ مَسَاوِئِهِ اعْتِمَادُ بَعْضِ الكُتّابِ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ بَعْضِ النّقّادِ إِلَيْهِ، فَكَمَا وَهِمَ مُؤَلّفُو كُتُبِ التّرَاجم وَالطّبَقَات فِي نِسْبَةِ المُؤَلّفَاتِ؛ لاعِتْمِادِهِم عَلَى وَاهِمٍ كَتَبَ جُمْلَةً عَلَى جِلْدِ مَخْطُوطٍ، أَو فِي إِحْدَى أَوْرَاقِهِ، فَنَشَأَ مِنْهَا خَطَأٌ فِي عَزْوِ الكِتَابِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي كِتَابِ الدّعوات وَالفُصول :

(( وَكَذَلِكَ عُزِيَ للثّعَالِبِيّ كِتَابٌ بِعُنْوَان : " المُنْتخب فِي مَحَاسن أَشْعَار العَرَب ". وَأَصْلهُ المَخْطُوط فِي مَكْتَبة المتحف البريطاني. وَبَعْد أَنْ فَحَصَهُ وَمَحَّصَهُ الدكتور الباحثُ (عادل سليمان جمال) اكْتَشفَ أَنّهُ لَيْسَ للثّعَالِبِيّ . وَكَانَ سَبَب الخَطَأ فِي نِسْبَتِه إِلَيْهِ، هُوَ أَنَّ أَحَدَ مَالِكِي المَخْطُوطَة المَعْنِيةِ كَتَبَ عَلَى هَامِشِهَا عِبَارَةً تَقُولُ : " صَاحِبُ اليَتِيْمَة أَبُو مَنْصُور عَبْد المَلك بن مُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الثّعَالِبي تُوُفِّيَ 429هـ". وَكَانَ غَرَضُ هَذَا المَالِك أَنْ يُحَدِّدَ اسْم مُؤَلِّف كِتَابِ " اليَتِيْمَة "، لا أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ مُصَنّف كِتَاب " المُنتخب " الّذي أَخْرجَهُ الدكتور (جمال) فِي القَاهِرة فِي العَام 1994. وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا بَعْضهم، فَنَسَبُوا الكِتَابَ خَطَأ، إِلَى الثّعَالبِيّ ...))12

وَعَبَثُ أَحَدِهِم بِكِتَابِ ( مُخْتَصر جَمْهرة ابن الكَلبي )، عَلَى مَا أَشَار إِلَيه الشيخ حَمد الجاسر بِقَولِهِ :

(( وَقَدِ اطّلعَ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ بَعْدَ البَغْدَادي، أَحَدُ الجُهَّالِ، فَرَأَى فِي آخِر الصّفْحَةِ الأُوْلَى مِنْهُ اسْمَ كِتَابِ ( التبيين فِي نَسب القُرشيين ) لِمُوفّق الدّين ابن قدامة، فَظَنَّ أَنَّ هَذَا هُو اسْم الكِتاب فَكَتَبه بِخَطّ عريضٍ فِي أَعْلَى الصّفْحَة ، وَإِنّمَا وَرَد اسم ( التبيين ) فِي سِيَاق الكُتُب الّتي نَقَل عَنْها المُخْتصر ...))13

وَتَزْوِيْرُ أَحَدِهِم اسْمَ جُزْءٍ مِنْ كِتَابِ ( الفنون ) لابن عقيل، فَوَهِـَمَ بَعْضُهُم فِي نِسْبَتِهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الدكتور مصطفى جَواد عَلَى الوَهْمِ فِي نِسْبَة ذَلِك الجُزءِ للإِمَام الشّعْرانِي، وَمِنْ ذَلِك قَوْلُهُ:

(( فَأَمَّا جُزْءُ دَارِ الكُتُبِ الوَطَنِيّة بباريس فَقَدْ فَهرسَه مُؤَلِّفُ فَهْرَسَتِها فِي الرّقم (( 787)) مِنَ العَرَبِيّات بِالاِسْمِ الّذِي زَوَّرَهُ عَلَيْهِ أَحَدُ المُزَوِّرِيْنَ وَهُوَ (( كَشْف الغُمّة فِي المَسَائِل المُخْتَلفة في الأربع مَذاهب ( كَذا ) للإمَام المُحَقِّق الشّعْرانِيّ ))...

ثُمّ إِنَّ الشّعْرانيّ وَهُو عَبد الوهّاب بن أَحْمد المُتَصَوّف المَشْهُور، تُوُفِّي سَنَة (( 973 هـ ))، وَهَذا الكِتَابُ قَدْ جَاء فِي آخِره، فِي الوَرقة (( 267 )) مَا نَصُّهُ :

(( وَالحَمْد لله وَصَلَواتُه عَلى سَيِّدِنَا مُحَمّد وَآلِه وَسَلّم. وَقع الفَرَاغ مِنْه ضحوة نَهار يوم الخميس ثَامن عشر شوّال سنة أَرْبعٍ وثلاثين وَخَمسَمائة، كَاتِبُه العفيف بن المبارك ابن الحسين بن مَحْمود رَحِمه اللهُ مَن دعَا لَهُ بِالعَفو وَلِوَالِدَيْه بِالمَغْفِرةِ وَهُو حَسْبِي وَنِعْم الوَكِيل ))، فَكَيْف تَصِحُّ نِسْبَةُ كِتَابٍ مَنْسُوخٍ سَنَة (( 534 هـ )) إِلَى عَالِمٍ تُوُفِّيَ سَنَة (( 973 )) ? هَذَا هُو الّذِي حَدَانا عَلَى تَفَحّصِهِ وَتَقَصّي أَمْرِهِ وَالبَحْثِ عَنْ مُؤَلِّفِهِ، فَأَلْفَيْنَا أَنّهُ مُجَلَّدَةٌ مِنْ مُجَلّدَات كِتَاب (( الفنون )) لأَبي الوفاء بن عقيل المَذكُور بَعد التّأَمّل الرّشِيد وَالتّفْكِير المَدِيد.))14

أَوْ تَعْوِيْلِهِم عَلَى مُتَعَجِّلٍ فِي قِرَاءةِ سَرْدِ كُتُبٍ، قَرَأَ عَدَدَ كُتُبٍ، فَظَنَّ أَنّهُ اسْمُ كِتَابٍ ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَولُ الدكتور يحيى مير علم :

(( زَاد الدكتور ابن عثيمين عَلَى مُؤَلَّفَاتِ أَبِي البَقَاء كِتَاباً دَعَاهُ (( الثّلاثَة فِي الفَرائِض )) . قَال : (( 21 ـ الثّلاثة فِي الفَرَائِض : ذُكِر فِي البُغْيَة 2\39، وَتَفَرَّدَ السّيوطي بِذِكْرِهِ )) . وَهَذَا غَيْرُ صَحِيْح، وَمَرْجِعُهُ إِلَى وَهْمٍ فِي النّقْلِ عَنْ عِبَارَةِ السّيوطي ، وَهِيَ وَاضِحَةٌ لا لَبْسَ فِيْهَا ، وَلَفْظ السّيوطي ثَمَّة (( .. النّاهِض، البُلْغَةُ، التّلْخِيْص . وَالثّلاثَة فِي الفَرَائِض )). فَأَشَارَ السّيوطيّ بِعِبَارَتِهِ الأَخِيْرَة إِلَى الكُتُبِ الثّلاثَة قَبْلَهَا، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهَا جَمِيْعاً فِي الفَرَائِض .))15

وَقَوْلُهُ :

(( زَاد الدكتور ابن عثيمين كِتَاباً عَلَى مُصَنَّفَات العكبري لِفَهْمِهِ عِبَارَة السيوطي عَلَى غَيْر وَجْهِهَا. قَال : (( 2ـالأَرْبَعَة فِي النّحو : ذَكَرَهُ السيوطي فِي بُغْيَة الوعَاة 2\39 )) وَالصّوابُ أَنّ السّيوطي لَمْ يَذْكُرْهُ ، وَلَمْ يَرِدْ فِي أَيٍّ مِنْ مَصَادِرِ تَرْجَمَتِهِ عَلَى وفْرَتِها إِضَافَةً إِلَى أَنَّ كَلامَ السّيوطي وَاضِحٌ لا لَبْسَ فِيْهِ، وَنَصُّهُ : (( ..الإِشَارَةُ، التّلْخِيْص، التّلْقِيْن، التّهْذِيب، وَالأَرْبَعَةُ فِي النّحْو )) فَقَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَ الكُتُبِ الصّغِيْرَةِ الخَاصّةِ بِالفَنِّ الوَاحِدِ مُتَتَابِعَةً بِلا عَاطِفٍ، ثُمّ نَبّهَ عَلَى مَوْضُوعِهَا ...))16


فَكَذَلِكَ ظَنَّ بَعْضُهُم أَنّهُ وَجَدَ كِتَاباً للمَكْزُونِ، وَدِيْواناً للمُنْتَجَب، ثُمّ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بَعْض المُؤَلّفِيْن، فَكَانَ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ . وَلا عَجَبَ مِنْ وَهْمٍ فِي التّأْلِيْفِ يَنْشَأُ مِنْ سَهْوِ مُؤَلّفٍ أَوْ زَلَّةِ نَاسِخٍ، وَلَكِنَّ العَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ طَائِفَةٌ بِجَرِيْرَةِ قَلَمٍ سَهَا الكَاتِبُ بِهِ، أَوْ بِذَنْبِ مُؤَلِّفٍ يَقُوْدهُ الهَوَى .

فَمِنْ أَمْثِلَةِ المَنْسُوبِ بِلا تَحَقُّقٍ، كِتَاب مَعْرِفَة اللهِ وَالمَكْزون السّنْجاري الّذِي شَاعَ أَنّهُ نَشْرٌ لِرِسَالَةٍ مَخْطُوْطَةٍ فَازَ مَنْ نَشَرَهَا بِإِظْهَارِ مَا فِيْهَا مِنَ التّصَوّفِ وَالفَلسفَة، وَالّذِي نَمِيْلُ إِلَيْهِ أَنّهَا مَخْطُوْطَةٌ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهَا، وَإِنَّمَا كَتَبَ أَحَدُهُم فِي صَفْحَةٍ مِنْهَا اسْمَ المَكْزون، أَوْ عِبَارَة : تَزْكِيَة النّفْس أَوْ أَرَادَ نِسْبَة كِتَاب إِلَى المَكْزون، فَذَكَرَ اسْمَهُ، فَظَنَّ بَعْضُهُم أَنّهَا لَهُ، كَمَا وَقَعَ فِي الرّسَالَتَين اللّتَين نُسِبَتَا إِلَى صَدر الدين الأدمي؛ وَهُمَا لِصفي الدّين الحليّ، وَذَلِكَ بِعَبَثِ قَلَمٍ كَانَ سَبَبَ اخْتِلالِ ذِهْنٍ، وَلَوْلا التّنْبِيْهُ عَلَيْه لأَفْسَدَ عُقُولاً وَتَرَكَ مِنَ التّخْلِيْطِ مَا يَجْعَلُ الثّقَافة اعْوِجاجًا، وَقَدْ أَشَار الأستاذ محمّد كرد علي إِلَى عَبَثِ النّاسخِ الّذِي يَسْتَطِيعُ قَلَمُهُ أَنْ يُبَدِّلَ عُقُولاً وَيُغَيِّرَ حُقُوقًا، وَمِنْ كَلامِهِ عَلَى سَبَبِ الوَهْمِ فِي نِسْبَةِ الرّسَالَتَيْن :

(( وَتَبَيّنَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَقَع الكِتَابُ لَهُ أوَائل المِئة الحَادِية عَشرة وَهُو ( أحمد بن يوسف العدوي ) سنَة 1002 أَلْصقَ وَرَقةً عَلَى الوَرقة الأُوْلَى وَكَتَبَ فِيْها بِخَطّه طُرّة الكِتاب أي العِبارة الّتي نَسَبَ هُو أَوْ غَيْرهُ لِصَدر الدّين الأدمي كِتاباً هُوَ لِصفي الدّين الحلي وَالفَرقُ بَيْن الرّجُلَين فِي المِيلاد نَحو مِئة سَنَة، وَزَادَ سَامَحَهُ اللهُ أَنْ وَضَع وَرَقةً فِي أَوّلِ المَجْمُوعَة الثّانِية وَكَانَتْ لِنَقص عَلى مَا يَظْهر وَرقة أَو وَرقات كَتَب عَلى طرّتها بِخطّه وَهُو يُخَالِفُ كَثِيْراً الخَطّ المَكْتُوبة به الرّسَالَة ..... وَوَضع أَحمد بن يوسف العدوي وَرَقة ثَالِثة فِي آخِر الرّسَالَة الأوْلَى وَقَالَ فِيْها إِنّ الكِتاب تَمّ عَلى يَدِهِ ...))17

وَهَذَا أَفْضَلُ مَا يُقَالُ فِيْمَا نَسَبَهُ الدكتور أسْعد عَلي للمَكْزون، فَمَا هُوَ إِلاّ وَهْمٌ، قَلَّدَهُ فِيْهِ بَعْضُهُم ، فَمِنْ وَهْمٍ إِلَى تَوْثِيْقٍ.

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشّيْخ عَبْد الرّحمن الخَيّر، فِي قَوْلِهِ :

(( وَلَمْ أَعْثرْ خِلال تَحرّيَاتِي عَلَى كِتَابٍ يُعْتَبَرُ مَصْدراً مَوْثُوقاً للتّصوّف لَدَى الجَمَاعَةِ الجَعْفَرِيّة المَحْكِيّ عَنْهَا؛ لأَعْتَمِدَهُ فِي عَزْوِهَا إِلَى طَرِيْقَةِ تَصَوّفٍ خَاصّةٍ، مَا عَدَا الدِّيْوان الشّعْري مَوْضوع الدّراسة الّتِي نَشَرَهَا الدكتور أسْعد عليّ بِعُنوان ( مَعْرِفَة الله وَالمَكْزُون السّنجَاري ) وَكَانَ لِي حَظُّ المُشَارَكَةِ الجَانِبِيّة بِدِرَاسَتِهِ . وَقَدْ سَبَقَ لأَكْثَر مِنْ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا أَنْ أَبْدَى شَكّاً عِلْمِيّاً فِي بَعْضِ مَا وَرَدَ فِيْهِ، وَقَرّرَ أَنّهُ لَيْسَ مِنْ إِنْتَاجِهِ، بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ نِسْبَةً بَاطِلةً . كَمَا أَنَّ فِيهِ شَطحاتٍ صُوفِيّة، وَأَقْوَالاً سِيَاسيّة عدائِيّةً، تركت جانِباً، مَثَلُهُ فِي هَذَا مَثَلُ أَكْثَر الدّواويْن الشّعْرِيّة وَكُتُبِ التّصَوّفِ وَالجِدَال في ذَلِكَ العَصْرِ .)) 18

وَسَيَأْتِي التّنْبِيْهُ عَلَيْهِ، إِنْ شَاء اللهُ .

لَعَلَّ تَصْحِيْحَ نِسْبَةِ الكُتُبِ إِلَى غَيْرِ مُؤَلِّفِيْهَا، يُصَحِّحُ مَا اسْتَفَادَتْهُ بَعْضُ العُقُولِ مِنَ الأَخْطَاءِ، وَيُزِيْلُ غَشَاوَةَ الأَوْهَامِ عَنْ أَبْصَارِ مَنْ بَنوا عِلْمَهُم عَلَى خَطَأٍ فِي نِسْبَةٍ وَسَهْوٍ فِي عَزْوٍ، فَقَدْ دَخَلَ الخَلْطُ فِي أَكْثَرِ الكُتُبِ، وَنَمَا الوَهْمُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى الحَقَائِقِ، وَأَكْثَرُنَا فِي مَدْحٍ عَلَى ظُنُوْنٍ، وَثَنَاءٍ عَلَى أَوْهَامٍ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الأَوْهَامِ الّتِي نَفَذَتْ إِلَى وَضْعِ الشّيءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، نِسْبَةُ شَرْحِ ابن عدلان المَوْصِلِيّ عَلَى دِيوان المُتَنَبّي، إِلَى أبِي البقاء العكبري، الّتِي نَبّهَ عَلَيْها الدكتور مصطفى جواد وَمِنْ ذَلِك قَولُهُ :

(( فَمِنَ الّذِيْنَ أَغْفَلُوا شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِم (( عَفِيف الدّين عَليّ بن عدلان المَوْصلي )) شَارحُ دِيْوان المُتَنَبّي الشّرْحَ المَعْروف عِنْدَ المُعَاصِرِيْنَ لَنَا بِشَرْحِ أَبِي البَقَاء العكبري غَلَطًا مِنْهُم، وَقَدْ أَظْهَرْنَا مُؤَلّفه، بَعْد عشرات سنين مِنْ نِسْبتِه إِلى غَير مُؤلّفه وَالاِعْتِمَادِ عَلَيه مِنْ حَيْثُ هُو شَرح العكبري، عَلَى الوَهم ..)) 19

فَكَمَا كَانَ التّصْوِيْبُ وَالتّخْطِئَةُ وَالمَدْحُ وَالقَدْحُ فِي شَارِح الدّيوان بِنَاءً عَلَى نِسْبَةِ الشّرْحِ لَهُ، فَكَذَلِكَ كَانَ تَكْفِيْرُ بَعْضِهِم بِنَاءً عَلَى مَا نُسِبَ إِلَيْهِم، وَلَوْ تَحَقّقَ المُنْتَقِدُ لَبَرّأَ أَكْثَر المُتّهَمِين، فَهَذِهِ حَالُ الكُتُبِ الّتِي أَسّسَ عَلَيْها المُؤَلّفُونَ فِي أَحْوَالِ العَلَوِيّيْنَ بُنْيَانَهُم.

عَسَى أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا تَنْبِيْهٌ عَلَى كَثْرَة الأَوْهَامِ، وَاسْتِعْدَادٌ لِقَبُولِ التّصْحِيْح، وَإِنْ كَان بَعْد حِين.

فَإِنَّ أَكْثَرَ المُؤَلِّفِيْنَ فِي أَحْوالِ المُسْلِمِيْنَ العَلَوِيّيْنَ، وَرَدُوا مَوْرِداً غَيْرَ مُحَقّقٍ، ثُمَّ صَدَرُوا عَنْهُ فِيْمَا أَصْدَرُوا، وَمِمّا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ تَصَفُّحُ كِتَابِ ( البَاكورة السّليمانية ) فَإِنّهُ يُغْنِيْكَ عَنْ أَكْثَرِ الكُتُبِ المُؤَلّفَةِ فِي أَحْوالِ العَلَوِيّيْنَ.

فَلَمْ يَزِدْ مَنْ كَتَبَ بَعْدَهُ إِلاّ تُهَماً، وَمَا دَعْوى التّحْقِيْقِ وَالإِنْصَافِ إِلاّ تَفَنُّنٌ فِي الاتّهامِ، فَإِنْ كَذّبْنَا صَاحِب كِتاب ( البَاكورة ) تَعَلّقَ بَعْضُهُم بِمَا نُسِبَ إِلَى بَعْضِ العَلَوِيّيْنَ، وَوَازَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِلْك البَاكورة، فَعَدَلَ عَن شَكِّهِ فِي نِسْبَتِها إِلَيْنَا، وَمِنْهُ قَول الدكتور مصطفى الشكعة :

(( إننا أوشكنا أن نرفض كل ماجاء في كتاب الباكورة سالف الذكر ـ وما جاء فيه مفزع خطير ـ لولا أننا رأينا اتفاقا ومطابقة في الكثير الذي أورده مع آراء محمد بن الحسن العاني الخديجي المشهور باسم المنتجب العاني المتوفى حوالي سنة 400هـ.

والمنتجب العاني واحد من أعلام المذهب العلوي وشعرائه.))
20

وَمَا أَدْري أَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَعْلِيْقِ الشّبْهَةٍ بِشُبْهَةٍ مِثْلِهَا.

لَقَدْ كَان الدكتور مصطفى الشكعة خَلِيقاً بِرَفْضِ مَا يُوافِقُ كِتاب الباكورة، مِمّا يُنْسَبُ إِلَى العَلَوِيّيْنَ، بَدَلاً مِنْ تَوْثِيْقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَ فِي اسْتِنْكَارِنَا جَدْوى.

وَمَا دَامَ الاعْتِمَادُ عَلَى ذَلِك الكِتابِ، فَلا حَاجَةَ بِنَا إِلَى الرّدِّ عَلَى مَنْ يَعُدّهُ مَصْدَراً فِي كُتُبِهِ، إِلاّ أَنْ نَنْظُرَ فِيْهَا، فَنُنَبّهَ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْه، أَوْ نَقص مِنْهُ.

فَقَدْ كَثُرَتْ بَواكير المؤَلّفِين، كَأَنّهم يُرِيْدونَ أَنْ يُوسِعوا ذَلِك الكِتابَ شَرْحاً.

وَلَيْسَ حُصُولُ فَائِدَةٍ حُصُوْلاً      إِذَا مَا أَخْطَأَ الغَرَضَ الحُصُولُ21

 


  • 1حقّقَه الأستاذ الدكتور حاتم صالح الضامن، وأصدرته دار البشائر بدمشق في سلسلة كتب الضاد والظاء، ومن كلام محقّقه : (( وقد بذلت جهداً كبيراً لمعرفة هذا الشارح المجهول ولكنني لم أوفّق في ذلك وعسى أن يقف أحد الباحثين عليه فيفيد العلم وأهله .)) . انظر شرح أبيات الداني الأربعة ص 7.
  • 2ذكر الأستاذ محمد حسين الأعرجي في كتابه ( أوهام المحققين )، أنه مجهول المؤلف، نشرته مطبعة الجوائب بالقسطنينيّة، وتاريخ الطبعة التي اعتمد عليها 1401هـ، انظر أوهام المحققين ص 243 .
  • 3أشار إليه الأستاذ حمد الجاسر، ومما نقله وصف الشيخ عبد القادر البغدادي لذلك الكتاب ، في كتابه ( خزانة الأدب ) : (( هذا كتاب مختصر جمهرة ابن الكلبي ولم أعرف مصنفه ، وقد أنعم الله به على عبده الفقير ...)) . انظر مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م27 ج1\43. ورجّحَ الدكتور مصطفى جواد أنه لابن الشعار الموصلي، ومن كلامه عليه : (( أما مؤلف (( مختصر جمهرة النسب )) فأنا أظنه من الموصل أيضاً، وأسترجح أن يكون (( كمال الدين أبا البركات المبارك بن أبي بكر أحمد بن حمدان الموصلي المعروف بابن الشعار الموصلي )) المتوفى سنة ( 655) )). انظر مجلة المجمع العلمي العربي م28 ج4\658.
  • 4حقّقه الدكتور محمد رضوان الداية، ونشرته دار حسّان بدمشق سنة 1984م، ومن كلامه :
    (( ونقول في تعليل غياب اسم المؤلف برأيين:
    ـ فإمّا أن يكون اسم المؤلف غاب بعد كثرة تداول الكتاب في الأندلس والمغرب، وغلبة الاهتمام بالحوادث وتصوير المأساة؛ أهمله شهرة الكتاب، ودخوله في الاهتمام الشعبي.
    ـ وإما أن يكون المؤلف أغفل اسم نفسه تقيّة . وهذا راجح ـ فيما يبدو ـ .... )) انظر ص 21، واعتمد عليه الدكتور محمد حسان الطيان في تحقيقه كتاب ( الدّرّ النثير والعذب النمير في شرح كتاب التيسير ). انظر فهارس كتاب ( الدر النثير ) ص 127.
  • 5نشرت في مجلة المجمع العلمي العربي م4 ج3 ـ 4 \ 161، ومن كلام الأستاذ عبد الله بك مخلص عليها : (( وقعت في بعض مجاميع خزانة الكتب الخالدية في بيت المقدس على أرجوزة في الظاء والضاد لم يُعلم اسم ناظمها ولا من نظمت برسمه ...))، ثم استشهد بكلام للأستاذ أحمد تيمور في أن اسم ناظمها هو الشيخ محمد الخزرجي، انظر المجلد نفسه ج9ـ 10\415.
  • 6نشره الشيخ محمد بن ابي شنب، انظر الكلام عليه في مجلة المجمع العلمي العربي م2\224.
  • 7انظر مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م 5 ج 7\319، وج10\484.
  • 8بحار الأنوار مج1\33، مقدمة المؤلف.
  • 9في مقالته (( حول مقدمة كتاب : نصرة الثائر . ومؤلفات الصلاح الصفدي )) ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م49ج2\423.
  • 10في مقالته (( التنبيه على أوهام الباحثين في ذكرهم مصنفات العكبري ))، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م68ج3\537ـ 538.
  • 11من ذلك كتاب معرفة الله والمكزون السنجاري ، وفن المنتجب العاني وعرفانه ، للدكتور أسعد أحمد علي ، وأكثر من ألفوا في هذا الباب .
  • 12كتاب الدعوات والفصول 8.
  • 13مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م27ج1\43.
  • 14مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م29 ج1\39 ـ 40، وبين يدي كتاب يقرب اسمه من اسم الكتاب الذي أشار إليه الدكتور مصطفى جواد عنوانه (( كشف الغمّة عن جميع الأمة )) نُسِبَ إلى الإمام الشعراني، أصدرته دار التقوى بدمشق ودار الرسالة بداغستان، سنة 2008م، وحقّقه الأستاذ أحمد عزّو عناية ، ولم يشر إلى الجزء الذي ذكره الدكتور مصطفى جواد لينبّه على أنَّ للشعراني كتابا آخر له الاسم نفسه، لنطمئنّ إلى حال، أهُما كتابان تشابهَ اسماهما، أم كتاب واحد وَهِمَ من نسبه إلى الشعراني، أم وَهِمَ من أنْكر نسبته إليه.
    والذي نرجوه ممن اطّلع على الجزء الذي ذكره الدكتور مصطفى جواد أن يعارض الكتاب المطبوع به، والأولى التوقف في أمر نسبة هذا الكتاب للشعراني، وإن اعتمد محقّقه على مخطوطة محفوظة بمكتبة الأسد الوطنية، بعدما ذكره الدكتور مصطفى جواد من وقوع الوهم في الجزء المحفوظ في دار الكتب الوطنية بباريس، إلاّ أنْ نقف على الجزء الذي ذكره فنعارضه بالمخطوط الذي اعتمد عليه المحقّق، فنتحَقّق الحال .
    وَقد ذهب الدكتور إحسان عباس إلى ما ذهب إليه الدكتور مصطفى جواد، إلاّ أنّه عدَّ شواهده على نسبة الكتاب لابن عقيل شواهد ترجيحية. انظر مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م47 ج3\526.
  • 15في مقالته (( التنبيه على أوهام الباحثين في ذكرهم مصنفات العكبري ))، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م68ج3\533ـ 534.
  • 16نفسها ص 536.
  • 17مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م4 ج 5 ـ 6\211 ـ 212.
  • 18الردّ على الدكتور شاكر مصطفى 29.
  • 19مجلة المجمع العلمي العربي م28 ج4\658.
  • 20إسلام بلا مذاهب 284.
  • 21 ديوان ابن الرومي5\2083.