معنى كلمة (( عَلَوِيّ ))

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 03/01/2012 - 16:10

مَعْنَى كَلِمَةِ (( عَلَوِيّ ))


إِنَّ النّسْبَةَ فِي كَلِمَةِ (( عَلَوِيٍّ )) عَلَى مَعْنَيَيْنِ :

أَحَدهمَا :

النّسْبَةُ إِلَى الإِمَامِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِب وَقَدْ تَكَلّمَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَإِيْجَازُهُ : العَلَوِيّ قِسْمَانِ : عَلَوِيٌّ نَسَْباً ، وَعَلَوِيٌّ وَلاءً، وَالعَلَوِيُّونَ فِئَتَانِ : عَلَوِيّو الهُوِيّةِ ، وَعَلَوِيّو الطَّوِيّةِ ، وَعَلَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النّسَبِ ، وَعَلَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الإِيْمَانِ وَالمَعْرِفَةِ .1

وَلَمْ تَخْرُجْ هَذِهِ النّسْبَةُ عَنِ النَّسَبِ مِنْ قِبَلِ الأُمِّ وَالأَبِ ، وَالنّسَبِ فِي المَذْهَبِ .

وَالآخر :

العُلُوُّ فِي المَعْرِفَةِ ، وَشَاهِدُهُ المَنْقُولُ مِنْ كَلامِ الإِمَام الصّادِق فِي كِتَابِ عِلَلِ الشّرَائعِ ، وَفِي بِحَارِ الأَنْوَار : (( المُؤمِنُ عَلَوِيٌّ لأَنّهُ عَلا فِي المَعْرِفَةِ .)).2

فَكُلُّ مُؤمِنٍ عَلَوِيٌّ ، سَوَاءٌ أَنُسِبَ إِلَى الإِمَامِ عَلِيٍّ ، أَمْ لَمْ يُنْسَبْ. فَالشّافِعِيُّ عَلَوِيٌّ لأَنّهُ عَلا فِي المَعْرِفَةِ ، وَالحَنَفِيُّ عَلَوِيٌّ لأَنّهُ عَلا فِي المَعْرِفَةِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ .

وَقَدْ وَهَِمَ الدّكتور أَسْعد عَلِيّ فِي هَذَا الاِسْمِ، فَذَهَبَ إِلَى أَنّ المَكْزونَ عَلَوِيٌّ وَلاءً ، فَقَالَ : (( وَالمكزونُ نفسُه ليس علويّاً نسباً ، ولكنّه علويٌ ولاء ...)).3

فَضَيَّقَ وَاسعاً مِنْ مَعْنَاه ، مَعَ زَعْمِهِ إِظْهَارَ عَالَمِيّةِ المَكْزُونِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ :

(( فقد تثمر العلوية سنياً وعلوياً؛ لأنَّ العلويّة نسباً ، أي انتماءً إلى علي بن أبي طالب، غيرُ العلوية ولاءً .فالعلويُّ نسباً ، قد يكون سنيَّ المذهب، وقد يكون علويّه. والعلويُّ ولاءً لا يشترط به إلاَّ الولاء لمذهبِ عليٍّ في التزام السنة النبوية .

وشاع اسمُ هذا النوع من العلويين على الشيعة، أي أشياعُ عليٍّ أو أتباعه.. ولكنَّ هذا الشيوع لا يمنع المكزون من تصويب الخطأ، فإذا كانت العلوية الولائية ، تعني ولايةَ عليٍّ وآل بيته، فإن المسلمين كلهم يلتقون بالعلوية، عندما يختمون صلواتهم بالصلوات الإبراهيمية على محمد وآل محمد كما صلّى الله على من اصطفى من إبراهيم وآل إبراهيم.)).
4

وَلا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لا يُحْتَجُّ بِهِ ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَهْلِ البَيْتِ وَلِكُلٍّ مَذْهَبٌ فِي عَدَدِهِم ، وَقَدْ ذَهَبْنَا إِلَى القَولِ : كُلُّ مُؤمِنٍ عَلَوِيٌّ ، كَائِناً مَنْ كَانَ ، وَلَكِنّ العَلَوِيّةَ الوَلائِيّةَ الّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا المُؤَلّفُ ، تَبَالُغٌ ظَاهِرٌ ، وَفِيْهَا مِنَ المُبَالَغَةِ مَا لا يُتَصَوَّرُ.

فَلا تَكُونُ الدَّعْوةُ إِلَى تَأْلِيْفِ المَذَاهِبِ وَتَقْرِيْبِهَا ، إِلاّ مَعَ المُحَافَظَةِ عَلَى مَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ مِنْ آرَاءِ أَهْلِهَا ، فَقَدْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ وَضْعٍ وَتَرْتِيْبٍ ، وَقَلَّ أَنْ يَبْلُغَ رَجُلٌ مِنَ الرّغْبَةِ فِي جَمْعِ شَمْلِ المُسْلِمِيْنَ مَبْلَغاً يَحْمِلُهُ عَلَى إِبْطَالِ مَذْهَبِهِ ، لِيَدْخُلَ فِي غَيْرِهِ.

وَلَسْتُ رَاغِباً فِي شِقَاقٍ ، وَلا دَاعِياً إِلَى تَفْرِيْقٍِ ، وَلَكِنّي أَمِيْلُ إِلَى لِسَانِ الحَالِ أَكْثَرَ مِنْ تَصَوُّرِ الخَيَالِ ، وَفِي المَثَلِ :

(( رُبَّ حَالٍ أَفْصَحُ مِنْ لِسَانٍ ، هَذَا كَمَا قِيْلَ : لِسَانُ الحَالِ أَبْيَنُ مِنْ لِسَانِ المَقَالِ )). 5

  قَال الشّيْخ مَحمود شلتوت :

(( وَلَيْسَتِ الدّعوة إِلَى تَقْرِيْب المَذَاهِب الإِسْلامِيّة دَعْوةً إِلَى إِلْغَاءِ مَذهبٍ عَلى حسابِ مَذهبٍ، وَلَكِنّهَا دَعْوةٌ إِلَى تَنْقِيَة المَذَاهِبِ مِنَ الشّوائِبِ الّتِي أَثَارَتْهَا العَصَبِيّاتُ وَالنّعرات الطَّائِفِيّةُ وَأَذْكَتْهَا العَقْلِيّةُ الشُّعُوبِيّة .)) 6

وَلِذَا قُلْنَا : إِنَّ العَلَوِيّةَ الّتِي تَعُمُّ هِيَ العُلُوُّ فِي المَعْرِفَةِ ، وَالعَلَوِيَّةَ الّتِي تَخُصُّ هِيَ النّسْبَةُ وَالوَلاءُ ، فَكُلُّ مُؤمِنٍ عَلَوِيٌّ فِي مَعْرِفَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَوِيّاً فِي نَسَبِهِ ، وَلا عَلَوِيّاً فِي وَلائِهِ.

وَلَسْنَا نَشُكُّ فِي إِيْمَانِ رَجُلٍ بِاللهِ سُبْحَانَهُ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَوِيّاً فِي نَسَبٍ ، أَوْ عَلَوِيّاً فِي وَلاءٍ ، وَعَلَى عُمُومِ العَلَوِيّةِ ، فَلا نُقِيْمُ وَزْناً لِمَا شَاعَ مِنْ قَدْحٍ وَتَكْفِيْرٍ ، وَعَلَى خُصُوْصِهَا ، فَلا نَرْضَى بِمَا يُنْسَبُ إِلَيْنَا مِمّا لا يَرْضَى بِهِ اللهُ سُبْحَانَهُ .

كُلُّ مُؤمِنٍ : عَلَوِيٌّ ، لأَنّهُ عَالٍ فِي مَعْرِفَتِهِ ، عَلَى مَذْهَبِهِ ، أَنّى ذَهَبَ ، وَكَيْفَمَا ذَهَبَ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ المَذَاهِبُ.

فَكُلُّ مُؤمِنٍ يُنَزِّهُ اللهَ تَعَالَى بِالإِجْلالِ وَالتّعَالِي عَنِ الشّبِيْهِ وَالنّظِيْرِ وَالنّدِّ وَالمَثِيْلِ ، وَيَعْلُو فِي مَعْرِفَتِهِ وَتَنْزِيْهِهِ.

فَالعَلَوِيّةُ مِنَ العُلُوِّ فِي المَعْرِفَةِ لا تَقْتَضِي مَذْهَباً بِعَيْنِهِ ، لأنَّهُ عَامٌّ فِي وُقُوْعِهِ عَلَى جَمِيْعِ صُوَرِ المَعْرِفَةِ ، وَالعَلَوِيَّةُ فِي النَّسَبِ وَالوَلاءِ تَقْتَضِي نَسَباً وَمَذْهَباً .

أَلا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا  . [ سورة النساء 34]. لَمْ يَخُصَّ مَذْهَباً دُوْنَ غَيْرِهِ .

وَأَنّ قَوْلَهُ :  وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ  . [سورة سبأ ] .

وَقَوْلَهُ :  وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ  .[ سورة البقرة] . لا يَقْتَضِي نَسباً ، وَلا وَلاءً.

وَمَا فِي المُؤمِنِيْنَ أَحَدٌ يَأْنَفُ مِنَ القَولِ : (( إِنَّ اللهَ أَعْلَى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ .)). 7

فَمَنْ كَانَ عَلَى المَذْهَبِ العَلَوِيِّ فِي أَحْكَامِهِ ، فَهُوَ عَلَوِيٌّ فِي مَعْرِفَتِهِ وَوَلائِهِ للإِمَامِ عَلِيٍّ ، لاخْتِيَارِهِ هَذَا المَذْهَبَ .

وَمَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبٍ غَيْرِهِ ، فَهُوَ عَلَوِيٌّ فِي مَعْرِفَتِهِ ، وَإِنِ اخْتَارَ مَذْهَبَ الإِمَامِ الشّافِعِيّ ، أَوْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيْفة ، أَوْ رَأَى رَأْيَ الإِمَام مَالِك، أَوِ اسْتَحْسَنَ قَولَ الإِمَام أَحْمد ، أَوِ اسْتَحَبّ طَرِيْقَةَ الإِمَامِ الأَوْزَاعِيّ ، أَوِ اسْتَصْوَبَ مَذْهَبَ الثّورِيّ ، أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا تَقَدّمَ مِنَ المَذَاهِب وَالأَئِمّةِ ، رضْوانُ اللهِ عَلَيْهِم أَجْمَعِيْن .

قَالَ الشّيْخ عَبْد اللّطِيْف إِبْرَاهِيم ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ :

كُلُّنَا أَبْنَاءُ دِيْنٍ وَوَطَنْ   فَمِنَ الجَهْلِ افْتِرَاقٌ وَفِتَنْ
قُلْ لِمَنْ سَوَّدَ مِنْ صَفْحَتِنَا   لَيْسَ فِعْلُ السُّوْءِ مِنْ عَادَتِنَا
نَحْنُ كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أُسْرَتِنَا   مَنْ يُفَرِّقْ بَيْنَنَا لا سَلِمَا. 8

 

وَعَلَيْهِ نَحْمِلُ قَولَ أَبِي نُواس :

مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَوِيًّا حِيْنَ تَنْسُبُهُ   فَمَا لَهُ فِي قَدِيْم الدّهْرِ مُفْتَخَرُ 9

 

وَلَئِنْ حَمِدْنَا اللهَ عَلَى النّسْبَةِ فِي الوَلاءِ، لَنَجْعَلَنَّ قَولَ الإِمَام الصّادق (( المُؤمِنُ عَلَوِيٌّ لأَنّهُ عَلا فِي المَعْرِفَةِ .)). نِسْبَةً جَامِعَةً لِمَنْ أَحَبَّهَا.

قَال بَدوي الجَبل :

نُنَضِّرُ البُؤسَ عِنْدَ البَائِسِيْنَ مُنىً      وَالعَقْلَ عَاطِفَةً وَالثّكْلَ إِيْمَانا
وَكُلَّ ذَنْبٍ سِوى الطُّغْيَانِ نُنْزِلُهُ      عَلَى جَوَانِحِنَا حُبًّا وَغُفْرَانا
وَهَمَّ كُلِّ عُفَاةِ الأَرْضِ نَحْمِلُهُ    كَأَنّنَا أَهْلُهُ هَمًّا وَحِرْمَانا
نُشَارِكُ النّاسَ بَلْواهُم وَإِنْ بَعُدوا      وَلا نُشَارِكُ أَدْنَاهُم بِبَلْوانا
ضَمَّتْ مَحَبّتُنَا الأَشْتَاتَ وَاتَّسَعَتْ      تَحْنو عَلَى الكَونِ أَجْناساً وَأَدْيَانا
10

 


  • 1النبأ اليقين عن العلويين ص45، وانظر العلوية تاريخا وعقيدة وسلوكا ص71، والعلوية والمناهج الأخرى ص 18، وبحار الأنوار مج26 ص 114.
  • 2علل الشرائع 2\177 ، وفي بحار الأنوار مج26\113. وفي ميزان الحكمة 8\3402.
  • 3معرفة الله والمكزون السنجاري 1\44.
  • 4معرفة الله والمكزون السنجاري1\44ـ45.
  • 5مجمع الأمثال 1\439.
  • 6مقدمة كتاب إسلام بلا مذاهب ط5 ، ص 22.
  • 7الكافي للكليني 1\155، وفي بحار الأنوار مج1\591، وفي شرح أصول الكافي 3\210، وفي مرآة العقول 1\351.
  • 8التراث الأدبي للعلامة الشيخ عبد اللطيف إبراهيم 1\95ـ 96.
  • 9وفيات الأعيان 3\271.
  • 10ديوان بدوي الجبل 131 ـ 132.