الجُمُعَة 31 تمّوز

أُضيف بتاريخ الأحد, 07/08/2016 - 15:07
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 31 تموز 2015م.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: الحَرُّ الشَّدِيْدُ، يَجِبُ أَنْ يُذَكِّرَنَا بِحَرِّ جَهَنَّمَ، فَنَعْمَلَ مِنَ الصَّالِحَاتِ مَا يُبْعِدُنَا عَنِ النَّارِ.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: مَا خَفَّفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الصَّدَقَاتِ عَلَى عِبَادِهِ، حَتَّى كَانَ أَقَلُّ شَيءٍ أَنْ يَكُفَّ الإِنْسَانُ أَذَاهُ.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
  ... في هذه الأيّام وعلى ما تنبّأ غيرُ واحدٍ أنَّ الحَرَّ سيكون شديدًا، وقد يُؤَثِّرُ ذلك في كثيرٍ مِمَّن يخرُجُ من بيته وقد يُؤذيه، وقد يحمِلُهُ على أن يجلِسَ في بيتِهِ حتى يذهبَ عنه ذلك الحَرّ.

  في شيءٍ ممّا جاء في كُتُب السِيرَةِ والتَّراجِم أنَّ الحجّاجَ بنَ يوسُفَ الثَقَفِيّ -وأكثرُ النّاس سمعوا اسمهُ وقرؤوا شيئًا من سِيِرَتِهِ- مَرَّ يومًا على مَجرى نهرٍ في يومٍ حارّ فقال لمَن معهُ: أحضِروا لنا طعامًا لنُفطِر، وكان حينئذٍ في شهرِ رَمَضان، ثمّ قال للخادم الذي دعاه: اذهَب وابحَث لي عن رَجُلٍ يأكُلُ معي لا يكون من أهلِ الدُّنيا. فذهبَ ذلك الخادمُ ينظُر فوجَدَ أعرابيًا نائمًا، فنبَّهَهُ من نَومِهِ وقال له: إنَّ الأمير يَدعُوك لتأكُلَ معه.
فقال له الأعرابيّ: لقد دعاني من هو خيرٌ من الأمير فأَجَبْت. (إذا دعاني أميرُكَ هذا فإنَّهُ قد دعاني من هو خيرٌ منه وأعظَمُ منه، وأكبَرُ منه، فأجبتُهُ).
فقال لهُ ومن ذلك الذي دعاك؟ فقال له: دعاني الله سبحانه وتعالى أن أصوم فصُمت، فإذا دعاني أميرُكَ لأن أُفطِرَ فلستُ أُجيبُهُ لأنني أجبتُ من هو أكبرُ منه.
فقال له: هذا يومٌ شديدُ الحَرّ فكيفَ تصومُ فيه؟!
فقال له الأعرابيُّ يُذَكِّرُهُ بآيةٍ من كتاب الله عزّ وجلّ: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)} سورة التوبة.
فقال له: أَفطِر اليوم وصُم غدًا.
فقال الأعرابيُّ: على أن تضمَنَ لي البَقاءَ إلى غَدٍ.
فقال: ذلك شيءٌ لا أستطيعُ أن أَضْمَنَهُ.
فقال له: إذا لم تكُن تستطيعُ أن تضمَن لي البَقاءَ إلى غَدٍ! فكيفَ تدعوني إلى أن أُحدِثَ في هذا اليوم ما لا أستطيعُ أن أضمَنَ أنني أجِدُ يومًا أقضي فيه أو أُكَفِّرُ فيه أو أستغفِرُ فيه ممّا فعلتُ في يومي هذا ولستُ مُضطَّرًّا إليه.!

  في هذه الروايةِ لمن تأمَّلها وتذكيرُ ذلك الأعرابيّ بقوله تعالى {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)} أنكَرَ ذلك الأعرابيُّ على مَن دَعاه أن يُفطِرَ في يومٍ كان صامَهُ، مُذَكِّرًا إيَّاه بأنّهُ إذا كان في يومٍ حارٍ كالذي في أيّامنا هذه فإنَّ هنالك من الحَرِّ ما هو أعظَم، وإنَّ الطّعامَ الذي دعاهُ إليه وقال له إنّهُ طعامٌ طيّب فكان من جوابِهِ، ما طيَّبتَهُ أنت ولا طيّبَهُ لكَ الخَبَّاز، الذي صَنَعَ لك الخُبزَ ولكن طيّبتهُ لك العافية.

  إذا كان أحَدُنا في يومٍ شديدِ الحَر كالذي في أيّامنا هذه، وقد يكون ما هُوَ أشَدُّ مِنها، فليذكُر أنّهُ إذا كان في يومٍ حارّ فإنَّ هناك ما هو أشدُّ حرًا وأعظَمُ نارًا.

  إذا أصابنا شيءٌ من الحَرّ فإنّنا نستطيعُ اليَوم أن نستعين عليه بظِلالِ الأشجار، وأن نستعين عليه بالماءِ البارد، وأن نستعين عليه بكُلِّ وسيلةٍ من الوَسائلِ التي تُخَرِّجُ لك هواءً باردًا، ولكنّك لا تستطيع يوم تكون في موضِعٍ فيه من الحَرِّ ما هو أشدُّ ممّا أنتَ فيه، وفيه من النّارُ أشدُّ ممّا أنتَ فيه، يومئذٍ لا تستطيعُ أن تستعين على ذلك الحَرِّ بشيء إلّا بعَمَلٍ صالح يدفعُ عنك ذلك الحر، فإذا اشتدَّ الحَرُّ في دُنيانا وفي يومٍ من أيّام أعمارنا، فلنذكُر أنَّ هُناك ما هو أعظَمُ منه. وإنّه لو بلَغَ أن أصبَحَ نارًا فإنَّ النّار التي حرَّمَ الله سبحانه وتعالى عباده وأمَرَهُم أن يجتهدوا في وِقايةِ أنفُسِهِم منها هي أشدُّ من هذه النّار، وهي أعظمُ من هذه النّار.

  إذا كان الحَرُّ اليوم يحمِلُكَ على أن تقتربَ من الماء وأن تبحَثَ عن شيءٍ تُذهِبُ به ذلك الحَرّ، فأنتَ اليوم في الدنيا قد مَلَكْتَ مِن أمرِكَ شيئًا، فإنّهُ سيكون لنا يومٌ لا نستطيعُ فيه أن نملِكَ مِن أمرِنا شيئًا.

  ذلك الذي إذا أردنا أن نتصوّرَهُ لا نجِدُ أبلَغَ من قولِهِ تعالى وهو يَصِفُ ويحكي قولَ من تَخَلَّف عن رسول الله ص وآله وسلّم بِلا عُذرٍ ولم يكُن مشغولًا بِما يُجيزُ له أن يتخلَّفَّ عن الجِهادِ في سبيل الله بمالِهِ وبنفسِهِ، والذي كان يستصعِبُ العِبادَة، والذي كان يستصعِبُ الصَّوم، والذي كان يستصعِبُ قَضاءَ ما أوجَبَ الله سبحانه وتعالى عليه حكى سبحانه قولهم إذا قالوا: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)} التوبة.

  إذا كان لنا في هذه الأيّام يومٌ فيه من الحَرِّ ما أزعجنا، وما أقلقنا، وما أكرَهَنا على أن ننتقل من مكانٍ إلى غيرهِ، ونحن في سَعَةٍ مِن أمرِنا، وفي فُسحَةٍ من أعمارنا، فإنَّ هناك يومًا لا نستطيعُ فيه أن ننتقل ولا أن نجتنِبَ حَرَّ النّار إلّا بعملٍ صالح. هذه أيّامٌ ثم تنسلِخُ وتَمضي، أمّا فإنَّ هُناك النّار لا يدفَعُها شيء.

  ولسنا كما ذكر أمير المؤمنين عليّ بنُ أبي طالب عليه السلام، لسنا بالذين يستطيعون الصَّبرَ على تلك النّار، يقول عليه السلام (واعلموا أنّهُ ليس لهذا الجِلدِ الرّقيقِ صبرٌ على النّار، فارحموا أنفُسَكُم، لقد رأيتُم جَزَعَ أحَدِكُم من الشّوكَةِ إذا شاكتهُ ومن العَثَرَةِ تُدميه، فكيف إذا كان بين طابقين من النّار!).

  من لا يستطيعُ أن يتحمَّلَ أَلَمَ الشّوكَةِ إذا أصابتهُ وإذا مَزَّقَت جِلدَهُ، فكيف يستطيعُ أن يتحمّلَ حَرَّ النّار، من لا يستطيعُ أن يتحمَّلَ شيئًا من حَرِّ الشمس في الدُّنيا فكيف يستطيعُ أن يتحمَّلَ حَرَّ النار وهي لا تُقاس بها حرارةٌ ولا تُقاسُ بها نار في هذه الدّنيا!

  فكيف يستطيع أن يصبِرَ عليها؟!

  أن يحمِلَ من دُنياه عَمَلًا صالحًا يُبعِدُهُ عن النار فإنّهُ ما بقيَ شيءٌ على ما جاء في كلام رسول الله ص آله وسلّم وما يقتضيه دينُ الله سبحانه وتعالى (ما بقيَ شيءٌ يُقَرِّبُ من النّار إلّا ودلّنا اللهُ سبحانه وتعالى كيف نَعمَلُ إذا وقفنا في موقِفٍ يُقَرِّبُنا أو يُبعِدُنا، ما بقيَ شيءٌ يُقَرِّبُ من النّار إلّا وقد حَذَّرَنا منه، وما بقيَ شيءٌ يُقَرِّبُ من الجَنَّةِ إلّا وقد دَلَّنا عليه، وما بقيَ شيءٌ يُبعِدُ من النّار إلّا وأرشَدَنا إليه، ما بقيَ شيءٌ يُبعِدُ عن الجَنَّةِ إلّا وقد نهانا عنه، فليس لأحَدٍ أن يجعلَ حُجَّةً على الله سبحانه وتعالى أنّهُ لا يعرِفُ ما يُقَرِّبُهُ من الجنّة وما يُبعِدُهُ من النار).

  نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم ممّن إذا ذَكَر الجَنَّة إلاّ سألَ الله عز وجل نعيمَهَا، ومِمَّن إذا ذَكَرَ النَّار تَعَوَّذَ باللهِ عزّ وجَلّ من جحيمِها.

  اللهم صلّ على محمد وآل محمد...

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  قد يُقالُ لأحَدِنا إذا دَلَّ غيرَهُ على طريقٍ من طُرُقِ الخَير قد يسمعُ من يقول له، إنَّ فُلانًا أولى بذلك، وقد تكونُ في حالٍ تذكُرُ فيها مَن تراهُ أهلًا لأن يُعان، فيقول لك قائل إنَّ فُلانًا أولى بأن يفعل ذلك.

  فكأنَّ ما يُطلَبُ منه يكون شاقًا عليه إلى حَدٍّ يَعْجَزُ معه عن شيءٍ منه، فالذي يقول هذا يكون ممّن دعا على نفسه بأن يُصبِحَ غيرُهُ أولى بفِعلِ الخَيرِ منه.

  لولا أن يكونَ ذلك كما قال أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام (ولا يقولَنَّ أحَدُكُم، إنَّ أَحَدًا أولى بفِعلِ الخَيرِ مِنِّي فيكونَ واللهِ كذلك)، إنَّ للخيرِ أهلًا وإنَّ للشَرِّ أهلًا، فإمّا أن يكون أحَدُنا من أهل الخير وإمّا أن يكون من أهلِ الشَّر، لكنّهُ مكانَ أن يقول كذلك ليُخرِجَ نفسهُ من أهل الخير كان يستطيعُ أن يبذِلَ شيئًا وإن كان صغيرًا، وإن لم يستطع أن يبذِلَ شيئًا لأنّه لا يملكُ شيئًا، فليس الأمرُّ بالشِّدَّةِ التي يَظُنُّها.

  (الصدقةُ شيءٌ عجيب) كما جاء في حديث رسول الله ص وآله وسلّم، ولكنّها ليست ممّا يشُقُّ على المرء، وليست ممّا يَعجَزُ عنه، وإن كان عاجزًا، لقد جعل صلى الله عليه وآله وسلّم لكُلِّ إنسانٍ بحسب طاقتِهِ ووُسعِهِ أن يَبْذِلَ مِن جاهِهِ، أو يَبْذِلَ مالِهِ، أن يبذِلَ من عِلمِه، أن يبذِلَ من قوة جسده، أن يبذِلَ بكلام لسانه، بصدقة الشفاعة، بصدقة العلم، بغير ذلك، فلا يقولَنَّ أحَدٌ إنّها عظيمةٌ عليه، فإنَّهُ لم يترُك صلى الله عليه وآله وسلّم أن يقول أحدٌ؛ أنا لا أستطيعُ أن أتصَدَّق، إن كان في قوله (إنَّ على المُسلِمِ في كُلّ يومٍ صدقة)، إن كان في قوله لأبي ذَرّ الغَفارِيّ رضي الله عنه (إنَّ الصَدَقَةَ شيءٌ عجيب) ولكنَّ الإنسان إذا عَجَزَ عن هذا ماذا يفعل؟!

  (قال أبو الذّر: أيُّ الصدقات أفضلُ يا رسول الله؟
فقال: أغلاها ثمنًا.)

  أن يتصدّقَ الإنسان بأغلاها، بأنفَسِها، بأعظَمِها مِمَّا يملِك، فإن لم يجِد، إن لم يكُن يملِكُ مالًا، أو يملِكُ شيئًا ثمينًا يتصدَّقُ به، أو قد ادَّخَرَ شيئًا نفيسًا ليجود به فماذا يفعل!؟

  (قال أبو الذّر: فإن لم يستطِع يا رسول الله، إن لم يجد، ليسَ له، فماذا يفعل؟
قال (ص وآله) : عَفْوُ طَعَامِك.)

يعني فَضْلَةُ طَعَامِك، إن لم تكُن تملِكُ شيئًا نفيسًا فعَفْوُ طَعَامِك، تصدّق بعَفْوِ طَعَامِك، بِفَضْلَةِ طَعَامِك، تصدّق بهذا، وهل تَعْجَزُ عن هذا؟!
إذا كان يعجزُ عن هذا، أو ليس لديهِ فَضْلُ طَعَام، ماذا يفعَل؟!

  (قال يا رسول الله فإن لم يكُن لهُ فَضْلُ طعام؟)

  هذا رجُلٌ ليس له من الطّعام ما يكفيه، فهو يأكُلُ ويأتي على طعامِهِ ورُبّما يقوم عن طعامه وهو لم يشبع، فهو لا يجِدُ شيئًا من فَضْلِ طعامِهِ ليتصدّق به، فماذا يستطيعُ أن يفعل؟

  (قال رسول الله (ص وآله) : فضلُ رأيٍ يُرشِدُ به.)

  فَضْلُ رأيٍ تُرشِدُ به، إذا لم تكُن قادرًا على أن تُطعِم، ففَضلُ رأيٍ، شيءٌ جيّدٌ من الرَّأي تُرشِدُ به.

  (قال: فإن لم يكن لهُ ذلك يا رسول الله؟
قال (ص وآله) : تُعينُ مظلومًا، حُسْنُ الصَّنِيع، وقُوَّةٌ من بدنِكَ تُعينُ بها ضعيفًا.)

  إذا لم تستطع أن تتصدّق بالطّعام ولا أن تتصدّق برأيٍّ، أفلا تستطيعُ أن تتصدَّقَ بما آتاك الله وما وَهَبَك من قوّةٍ في بَدَنِكَ أن تُعينَ أو تنصُرَ ضعيفًا. قال فإن لم يستطع؟! إن لم تكن له تلك القوّة وإن لم يكن له جسدٌ قويّ فماذا يفعل؟ قال: أن يُعينَ مظلومًا.
إن لم يستطع أن يدفَعَ بجسدِهِ أَفَلا يستطيعُ أن يُعينَه بشيءٍ من الكلام الحَسَن يُخَفِّفُ به عنه ويُطَيِّبُ به خاطره!.

  (قال: فإن لم يجد، وإن لم يستطِع؟!
قال (ص وآله) : لِيُنَحِّ عن طريق المُسلمين الأذى.)

  إذا كان يعبُرُ طريقًا، أو يمشي على دَرب، فوَجَد شيئًا من الأذى، قد يُؤذي غَيرَهُ، كأن يجِدَ شيئًا من القُمامَةِ، كأن يَجِدَ شيئًا من الحِجارَةِ، أفلا يستطيعُ أن يُنَحِّيَهُ وأن يُخْرِجَهُ عن الطريق؟!

  (إذا قدّرنا أنَّ هُناك رجُلًا يَعجَزُ عن هذا، فماذا يفعلُ يا رسول الله؟)

ربما كان من الضَّعفِ بحيثُ لا يستطيع أن يحمِلَ حَجَرًا، فإن لم يستطِع فماذا يفعلُ يا رسول الله؟

  (فقال (ص وآله) : تكُفُّ أذاكَ عن النّاس فإنّها صدقةٌ تُطَهِّرُ بها نفسك.)

إذا لم تكُن تملك شيئًا ثمينًا لتتصدَّقَ به، فتصدّق من عَفوِ طَعامِك، وإن لم يكُن يبقى من طعامِكَ فضلَةٌ لتتصدَّقَ بها فقُل رأيًا جيّدًا تُرشِدُ به النّاس، وإن لم تستطع ولم يكُن لك رأيٌ جيّد فأَعِن بقوّة بدنك ضعيفًا، وإن لم يكُن بدنُكَ قويًا فأعِنهُ بلسانِك، وإن لم تكُن تستطيعُ أن تتكلم، إن كُنتَ تعجَزُ أن تقولَ شيئًا جيّدًا بلسانك، فإذا رأيتَ شيئًا في الطريق، فأخرجه، فنَحِّهِ عن الطريق، وإذا عَجَزتَ عن هذا بقيَ أمرٌ واحدٌ لا تَعجَزُ عنه، كُفَّ أذاكَ عن النّاس فإنّها صدقةٌ تُطَهِّرُ بها نَفْسَك.

  هل يجِدُ أحدُنا بعد هذا مفرًا أو حُجَّةً أو عُذرًا ليقول: أنا لا أستطيعُ أن أفعَلَ الخَير.
(ولا يقولَنَّ أحَدُكُم، إنَّ أَحَدًا أولى بفِعلِ الخَيرِ مِنِّي فيكونَ واللهِ كذلك)، وإذا تركَ أحَدُنا شيئًا من الخَير فإنَّ للخير أهلًا، وإذا تركَ الشَرّ، رَدَّ الشرّ إلى أهله فإنَّ للشرّ أهلًا، ولكن من يستطيعُ أن يقول أنا أعجزُ عن الصدقة!

  تعجزُ أن تتصدَّقَ بالثمين، فأعطِ فَضْلَةَ طعامِك، لم يكُن لك فَضْلَةٌ من طعامك قُل رأيًا جيّدًا، لا تعرف لا تستطيع لا تَعْلَمُ رأيًا جيّدًا، أعِن ضعيفًا بقوّة بدنِك، أيضًا كُنتَ عاجزًا وكان بَدَنُكَ ضعيفًا، قُل كلمةَ حقٍّ بلسانِك، لا تستطيع، أزِل الأذى عن الطريق، إذا رأيتَ شيئًا قد يُؤذي غيرَكَ فأزِلهُ، إذا عَجَزتَ عن كُلِّ هذا فكُفَّ أذاكَ عن النّاس، وهل يُستصعَبُ هذا ويُستعظَم؟!

  هذه الصدقةُ التي لا تبذِلُ فيها مالًا! ولا تبذِلُ فيها طعامًا، ولا تُعاني فيها شيئًا، ولا تتعَبُ فيها، كُفَّ أذاكَ عن النّاس، إنّها صدقةٌ تُطَهِّرُ بها نفسك، فهل يستطيعُ أحدُنا أن يقول بعد هذا، إنَّ اللهَ عزّ وجَلّ كلّفني ما لا طاقة لي به، وأنَّ رسول الله (ص وآله) قد أوجَبَ علينا ما لا نستطيع! أوجَبَ عليك أن تكُفَّ أذاكَ عن النّاس، فهل صار هذا عظيمًا، فهل صار هذا مُستصعبًا، لا تفعَل من الخير شيئًا إلا أن تَكُفَّ أذاكَ عن النّاس، تَكُن مُتَصَدِّقًا عند الله عزّ وجَلّ.

  أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم من المُتصدّقين، وأن يجعَلنا وإيّاكُم من الذينَ يُؤثِرون الحَق وإن كان فيه ما يضُرُّهُم.

  اللهم صلّ على محمد وآل محمد...