السالكُ إلى الله سبحانه وتعالى يجب أن يتخلّى عن الرذائل ويتحلّى بالفضائل.. اتصال المؤمن بالمُجَرّدات العقلية من القضايا العرفانية.. الاتصال ليس اختلاطاً ولا ممازجةً إنّما هو اتصافٌ بصفات الملائكة والأنبياء حتى يكون ذلك مَلَكَةً..

أُضيف بتاريخ الأثنين, 06/01/2014 - 12:37

المرسل: هاشم محمد في 23\11\2013م

هل يمكن للعالم الناسوتي الاتصال مع العالم النوراني وإذا كان بالإمكان ما هي شروط الاتصال. 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.

  موضوع اتصال المؤمن بالمُجَرّدات العقلية من القضايا العرفانية التي أشبعها علماء العرفان والتصوف بحثاً وتمحيصاً.
والاتصال ليس اختلاطاً ولا ممازجةً لامتناع ذلك عقلاً ونقلاً، إنّما هو اتصافٌ بصفات الملائكة والأنبياء حتى يكون ذلك مَلَكَةً.

  فالسالكُ إلى الله سبحانه وتعالى يجب أن يتخلّى عن الرذائل ويتحلّى بالفضائل، ويُطبق شرع الله كما يجب مُقتدياً بالأنبياء والأوصياء والأولياء على قدر الطاقة، ومن حَقّق ذلك تمكّن من التشبّه بهم تشبهاً صحيحاً وحَصلت له مكانةً عند الله جلً وعلا.

  وقد أبانَ أميرُ المؤمنين عن حالة السالك إلى الله بإيجازٍ وإعجازٍ حيث يقول: قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظُه، وبرق له لامعٌ كثيرُ البرقِ، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة، ودار الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة، بما استعمل قلبه، وأرضى ربه.

  فالسالك إلى الله سبحانه وتعالى لا يُمكن له الوصول إلاّ وفق الأصول وإلا انحرف عن السبيل، وقد أبان عن هذه الأصول الناجعة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بما ليس عليه مزيد، فعلى السالك أن يُحيِ عقله، ويُميت نفسه، ولا يحيا العقل إلاّ بمعرفة الله التي خُلق الإنسان لأجلها لقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56] أي ليعرفونِ، وهذه المعرفة لا تَكمُلُ إلاّ بالطاعة الخالصة لأنّها الصورة المُعبّرة عنها، وهي البُرهان النفسي على قبول المُعتقد فمن آمن عَمَلَ بإيمانه، وكمالُ هذه الطاعة الإخلاص، وهو خلوصُ العمل من الرِيَاء، وترجمتُه الإقبالُ على الله بالكُليّة والإدبارُ عَمّا سواه، فمن لم يُقبل على الله لم يُدبِر عَمّا سِواه، ويجب أن يكون هذا الإقبال قلباً وقالباً، سراً وجهراً، تصوراً وتصديقاً، قولاً وفعلاً، وإلاّ فإنّ صاحبه يَدّعي الوَصل بلا وصول.

  والإخلاص من أرقى درجات العبادة والوجد، قال تعالى حاكياً عن إبليس: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [39] إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر:40] فقد استثنى المخلصين من الغواية الإبليسية والأوهام الشيطانية، ونلاحظ ذلك في الكثير من آيات الكتاب كقوله تعالى في قصة يوسف: ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف:24] وآيات كثيرة تستثني المخلصين من الغِواية والفَحشاء والمُنكر، فإذا تحققّنا ذلك عَرفنا كيف أحيا هذا العارفُ عقله وأماتَ نفسه، لقد أحيا عقله بمعرفة الله، وحُسن القيام بطاعته، والإنصراف عمّا سواه، والتعلق بالجواهر العقلية، والتخلّي عن النقائص المادية، ومن أحيا عقله فقد أمات نفسه.
والمراد بالنفس هنا الأمارة بالسوء قال تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [يوسف : 53] فمن حَجَرَها عن المُنكرات مُستضيئاً بنور العقل فقد أماتَها، ومن أماتها فقد أحيا عقله واستضاء بنور ربه، قال تعالى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ [النور 4]
وقال تعالى: ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة : 257]
وقال تعالى: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:122]

  فحياة العقل تكون بمعرفة الله وطاعته كما أمر لا كما يتوهّم المُتوهّمون، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (التوحيد أن لا تتوهّمه). لأنّ الوهم لا يدلّ إلاّ على مِثله ولا يدلّ على حقيقةٍ وجوديةٍ لها الكمالُ المُطلق.
فمعرفة الله لا تصحّ إلا بذاته، لقوله عليه السلام: اعرفوا الله بالله.
وموت النفس لا يكون إلا بترك المُحَرّمات والفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا يمكن تخليصها من مِزاجها المُظلم إلاّ بمُلازمة العقل ليتم تزكيتها بالأفعال الصالحة، قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [7] فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [8] قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا [9] وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس:10] فتزكيتها يَكمُنُ بالأعمال الصالحة الدالّة على قبولِ المُعتقد وصحّته، ومن تمكن من ذلك فقد بلغ مُبتغاه.

حسين محمد المظلوم
2\1\2014

 


هنا إعلان هذا الموضوع على صفحتنا في الفايسبوك.