قضية الإحباط وأسبابه.. فمن هو المُسلم الذي لم يَرْقَ إلى مَرتبة الإيمان؟.. من يرتكب هذه الكبائر وما شاكلها فلن ينفعه عمله السابق وهو وقود للنار وما ربك بظلام للعبيد..

أُضيف بتاريخ الأثنين, 03/10/2011 - 13:55

المرسل: علوية حتى النخاع \25\09\2011م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزيل الشكر لكم سيدنا الشيخ على الاجابات الهامة بخصوص تساؤلاتنا جعله الله في ميزان حسناتكم بإذن الله
قلتم في جوابكم على أحد الأسئلة أن النار محرمة على المؤمنين وقد أعدت للكافرين 
وأنا أسأل هنا هل ينطبق هذا الأمر على كل مسلم باعتبار أنه ليس كل مسلم مؤمن ..فالسؤال عن إمكانية خلود المسلم من نطق الشهادتين بالنار لارتكابه إحدى الكبائر دون أن يتوب عنها كقوله سبحانه مثلاً :
﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما ﴾ فهنا إشارة إلى ان من يقتل مؤمناً عاقبته الخلود في النار دونما تحديد إن كان ذلك للمسلمين أو للكفار دونهم، فكيف يمكن تفسير هذا النص ؟
وأيضاً كما نعلم من التاريخ فهناك بعض المسلمين قاموا بكبائر عظيمة توجب الطرد من رحمة الله سبحانه كمثل من قام بقتل الذرية النبوية الطاهرة وقتل الصحابة المؤمنين وغير ذلك فتحت أي حكم يصنف هؤلاء ؟؟ 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله.

  الأخت الكريمة تحية طيبة.

سؤالٌ في مَحَلّه ينقلنا إلى قضية أخرى وهي قضية الإحباط، وقبل أن نوضّح معناها الوارد في الكتاب والسنة القطعية فلا بأس من توضيح السابق لربطه باللاحق.

  النار مُحَرَّمَةٌ على المؤمنين وأعدت للكافرين: قضيّة أولى قطعية دليلها الكتاب والسنة ونهج المعصوم.
والمؤمن محفوظ بإيمانه من ارتكاب الكبائر لترسخ الإسلام في قلبه فيحجره عن الإتيان بالمنافيات المناقضة لما آمن به.
ولما كان كل مؤمن مسلم ولا يُعكس، فمن هو المُسلم الذي لم يَرْقَ إلى مَرتبة الإيمان ؟
إنّه المُقرّ بالشهادتين والقائم بأركان الإسلام دون أن يترسّخ هذا الإقرار في قلبه، فإذا ارتكب إحدى الكبائر فإن الله يُحبط عمله.

  والإحباطُ في اللغة بمعنى: الإبطال. وفي الاصطلاح: هو سقوط ثواب العمل الصالح بالمعصية المُتأخرة عليه، أي المعصية والكبيرة التي يفعلها بعد قيامه بالصالحات السابقة، وهو – أي الإحباط - لا يكون في كُل الأعمال بل له بعضُ المَوارد، وقد سألتِ عن بعضها.

  • فالسبب الأول للإحباط: الشرك بالله، وهو من أكبر الكبائر، وهو الذنب الذي لا يَغفره الله، لقوله تعالى:
    ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:88].

  • ومن أسبابه أيضاً: الارتداد عن الدين، لقوله تعالى:
    ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة : 217].

  • والكفر بآيات الله ولقائه، لقوله تعالى:
    ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً [103] الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [104] أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [105] ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ﴾ [الكهف:106].

  • وقتل دعاة الحق والذرية المعصومة والداعين إلى القسط والعدل، لقوله تعالى:
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [21] أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران:22].

  • والذين يَصدّون عن سبيل الله ويُعارضون رسوله، لقوله تعالى:
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:32].

  • والذين يتعلقون بالدنيا وزخارفها بجعلها الهدف الوحيد، لقوله تعالى:
    ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ [15] أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [هود:16].

فمن يرتكب هذه الكبائر وما شاكلها فلن ينفعه عمله السابق وهو وقود للنار وما ربك بظلام للعبيد.

ثم إنّ هذا السَرد لمُستحقي الإحباط تضمن ما سألتِ عنه، حول جزاء من قتل الذرية المعصومة والصحابة المؤمنين والأولياء الصالحين نسأل الله تعالى أن يشملنا بعفوه.

حسين محمد المظلوم
29\9\2011