المجلس الإسلامي العلوي، خيبة وأمل.. بقلم م. ربيع معين سليمان الحربوقي (آب 2017)

أُضيف بتاريخ السبت, 05/08/2017 - 01:34

المجلسُ الإسلاميّ العَلَوِيّ
خيبةٌ.. وأملْ

لم يكن الإعلان عند تأسيس المجلس الإسلامي العلوي في لبنان خبرًا عاديًا، بل كان لحظةً استثنائيّةً ينبغي التقاطها، وقيمةً دينيةً وجب إدراكها، لما لها من أبعاد ومدلولات تارخية وإجتماعية، ولما لها من تأثير في حاضر العلويين ومستقبلهم. 

فمع بداية القرن العشرين الذي بدأ فيه ظهور الدول في المنطقة وتشكّل المؤسسات والهيئات النّاظمة لحركة الشعوب. كان الظهور المتجدّد للعلويين المنبعثين إلى الحياة، بعد أشدّ فترات الظلم وأكثرها ظلاميّة. والتي امتدّت طيلة الاستعمار العثماني الذي دام أربعة قرون تمّ فيه تغييب العلويين عن حركة التاريخ والمجتمع، بدأ العلويون بإعادة هيكلية وجودهم وإثبات هُوِيَّتِهم الإسلاميّة الأصيلة.

وقد أخرجت الرحمة الإلهية، من رحم الظلم، العديد من الرجال الصالحين ذوي الألمعيّة الذين حملوا المسؤوليّة التاريخية في تحقيق مكانة تليق بهذا الانتماء الإمامي المُحَمَّدي الأصيل.

وقد برز منهم لا على سبيل الحصر:

  • العلّامة الإمام الشيخ سليمان الأحمد، الذي يمثّل موقع الإمامة بما اختزنه من العلوم الإسلاميّة الأصيلة، إضافةً إلى مهمّة الإصلاح الديني؛ فبرز إمامًا وعالمًا في مُنتديات الفكر والعلم. وحاز المكانة الدينية المرموقة.
     
  • والمجاهد الشيخ صالح العلي، الذي أضاف إلى القيمة الدينية الكامنة فيه، روح الثورة والنضال المستمدّة مددها من نهج نصرة الحق ومجابهة الظلم والطغيان، الذي رسّخ معالمه أهل بيت النبوّة  .
     
  • والقائد المؤمن حافظ الأسد، الذي جمع إلى القيم الدينية والنضالية، روح القيادة والعبقرية والألمعيّة الفكرية، والقدرة على بناء مجتمع تسوده قيم العدل والقوّة والكرامة، فبرز قائدًا تاريخيًا استثنائيًا.

إنّ "مثلّث الرحمة الإلهية" هذا، هو الذي رعى وأسّس بشكل مباشر أو غير مباشر، كل أشكال الوجود العلمي والسياسي والديني والاجتماعي لأبناء الطائفة الإسلاميّة العلويّة في العصر الحديث ومنها المجلس الإسلامي العلوي في لبنان الذي يعدّ إحدى بركات جهادهم المقدّس، دونما إغفال للتضحيات العظيمة التي قدّمها أبناء الطائفة الإسلاميّة العلويّة في لبنان على مستوى القيادة السياسيّة بدورها المشهود، بالتكاتف مع رجال الدين والجمعيّات المدنية والأهلية الذين كان لتضحياتهم ونضالهم الدور الكبير في تحقيق هذا الإنجاز.


وقد حمل الإعلان عن تأسيس المجلس الإسلامي العلوي، في طياته العديد من الدلالات وعلى أكثر من صعيد.


على الصعيد الديني:

من غير الخفي على أحد أنّ العقيدة الإسلاميّة العلويّة المتجذرة والمتّصلة بآل بيت رسول الله  أهل العصمة ونبراس الحكمة وموضع السّرّ الإلهي، قد اتُهمت في علومها ومعالمها، ونال منها التجنّي عبر فتاوى الظلام، وأُلصقت بها ظلامات الفكر الديني، وأُلحقت بها الإنحرافات العقائدية، وقد حدث كلّ ذلك ظُلمًا وتجنّيًا وبُهتانًا، لا سيّما بعد أن تمكّنت منها سيوف السلاطين تقطيعًا وتقتيلاً وتمزيقًا، وفتاوى أذناب السلطة تكفيرًا وتشويهًا وتحريفًا.

لكنّ هذه الفئة الراسخة في انتمائها الواثقة في عقيدتها الصلبة في إيمانها بقيت متمسّكة بانتمائها إلى مدرسة الإسلام المحمّدي الأصيل ونهج الأئمّة المعصومين، رغم قرون الظلم والتجنّي التي توالت بويلاتها وقسوتها، والتي كانت كافية لإزالة وتشويه أي معتقد آخر وطمس هُوِيَّتِهِ وتشتيت معالمه.

غير أنّ صحّة الدّين وثبات اليقين، والإيمان بوعد الله، أبقى هذا النهج الإمامي الأصيل متربّعًا على عرش الحقيقة.

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ  [الصف 8]

فكان تأسيس المجلس الإسلامي العلوي تجسيدًا لإرادة الله وتحقيقًا لوعده، ونصرًا لعباده المؤمنين.

كما كان تأكيدًا على أصالة ورسوخ المذهب الإسلامي العلوي في العقيدة الإسلامية، ولعلّ هذا القرار بإعتباره صادرًا عن السلطة الحاكمة فإنّه يُعتبر تكذيبًا لكل محاولات الافتراء والتكفير والتجنّي التي حاولت المسّ بقُدسيّة هذا المذهب على مرّ سنين خلت.


أمّا على الصعيد التاريخي:

فقد جاءت الخطوة تصحيحًا للخطأ التاريخي، وتكفيرًا عن الجريمة التي أبعدَت العلويين عن حركة التاريخ، وأخرجتهم ظلمُاً وتعدّيًا من دائرة التأثير والتأثّر، وتراجعًا عن قرار الإبعاد الذي جاء تحت وطأة التأثير الديني الذي أطفأ، بظلامية فكر وظلام سيف، صفحات مضيئة من تاريخ الحضور العلوي عبر الدويلات التي صُبِغَت بنور الهداية العلوية، كدولة الحمدانيين ودولة بني بويه ودولة بني عمّار...، وغيرها من الدويلات التي كانت منارات في الدين والعلم والأدب، وقدوة في الدفاع عن الإسلام، دينًا ودولةً، ومِثالاً في احتضان العلماء والأدباء وأصحاب الفكر، فكانت علامة فارقة في تاريخ العرب والمسلمين، إضافةً لمشاركة العلويين بقيّة مكوّنات المجتمع اللبناني عبر تاريخ تواجدهم في تفاصيل الحياة السياسيّة والاجتماعية وصولاً إلى تاريخ لبنان الحديث.


على الصعيد السياسي:

لعلّنا لا نُبالغ إذا اعتبرنا هذا الإعلان بمثابة النقد الذاتي الذي تمارسه السلطة السياسيّة، إمتداداً عبر العصور، بهدف تصحيح الأخطاء وإعادة بناء الكيان السياسي السليم الذي يحصّن نفسه عبر احتضان كافّة مكوّناته السياسية على أساس قيم العدل والمساواة.

ولعلّ هذه الخطوة هي التي تؤكّد وتكرّس مشاركة العلويين في الحياة السياسيّة. وتحفظ حقوقهم المدنية، وتعيد وهج العلويين في مجتمعاتهم؛ منهيةً بذلك زمن العزل والإقصاء، لفئة عاشت منذ قرون بعيدة في هذا البلد وساهمت في كتابة تاريخه وصياغة كيانه.

وفي وطن كلبنان، يُقاس فيه الحضور السياسي على أساس الانتماء الديني، يصبح تأسيس هكذا مجلس حقًّا لهم، وتصبح المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية من خلاله واجبًا عليهم وإن عارض ذلك منهجهم \ القائم على تغليب الوحدة الإسلاميّة ومنطق العيش المشترك \ المستمد جوهره من قول أمير المؤمنين علي   "النّاس صِنفان: إمّا أخٌ لك في الدّين، أو نظيرٌ لك في الخَلق".


أمّا على صعيد الانتشار العلوي:

فإنّ لهذا الإعلان تأثيرًا جوهريًا وعميقًا على العلويين في بلدان الانتشار. والتركيبة السياسيّة الفريدة في لبنان القائمة على المحاصصة الطائفيّة أتاحت للعلويين في هذا البلد الظهور عبر مؤسسة دينية، تحت عنوان ديني مستقل، وهذا الأمر غير متاح في بلدان الانتشار الأخرى، إمّا لاختلاف طبيعة الأنظمة السياسيّة في تلك البلدان، أو بسبب عدم وجود مستوى التنظيم الكافي والافتقار إلى التجربة وضعف المقوّمات، وفي هذه الحالة يصبح للمجلس الإسلامي العلوي قيمةً إضافيّةً ومسؤوليةً تاريخيةً في تأسيس نموذج يمكن الاعتماد عليه ويصبح المجلس الإسلامي العلوي في لبنان حينها هو الأمل الذي ينظر إليه العلويّون في تلك البلاد بعين الرجاء، كنواة، أو مركز، يتمحور عليه التواجد العلوي في بلدان الانتشار، وهو التجربة التي بالإمكان اعتمادها وتطويرها وملاءمتها، بحيث تناسب المنتشرين كُلّاً في وطنه، فتتشكّل بذلك المرجعيّة الموحّدة والتي أصبحت مطلبًا ملحًّا، تحفظ المذهب بوحدة الرّأي، من الإنحراف والضياع، وتنظّم حركة الأفراد، والتي بإمكانها تأكيد هويّة المذهب الإسلامي الإمامي، واستقلاليته، ونقل حالة أبنائه من التشتّت، إلى التنظيم ومن تعدّد الآراء إلى المرجعيّة الموحّدة، القادرة على إمداد جميع رعاياها بأسباب القوّة.

 وربما يصبح هذا المجلس هو الناطق الرسمي والمُمَثّل الشرعي للعلويين حين يستوجب الأمر سماع الصوت العلوي.


وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي:

أمّا الإعلان عن إنشاء المجلس الإسلامي العلوي في لبنان بالتحديد، فإنّه يُضيف بُعدًا آخر- ولعلّه ينطبق على العلويين في أكثر من بلد- هو البعد الاقتصادي والاجتماعي.

حيث عانى التواجد العلوي في البلد من التهميش والإقصاء والإبعاد...

وجرى حرمانهم ضمن مخطّط ممنهج، يحمل في طيّاته بذور الانتقام، ومن أهدافه تكريس الظّلم حتّى يصبح قرين حياة العلويين وسِمَتَها، ودفع أبناء المذهب نحو خيارين لا ثالث لهما:

  1. إمّا اليأس والإستسلام.
     
  2. وإمّا النقمة والثورة على الواقع المظلم الظالم والانفلات من الضوابط والتمرّد على النّظام القائم وعندها يسهل وصفهم بالخروج على القانون ومعاملتهم على هذا الأساس.

ولعلّ الخطر الأبعد من ذلك هو اعتبار هذه الممارسات بمثابة الحرب الاقتصاديّة والاجتماعيّة لإجبار العلويين على تغيير هويتهم ومفارقة مجتمعهم للتخلّص من الفقر والحرمان.

وقد اضطرّت هذه المعاناة الكثير من أبناء هذا المذهب إلى تغيير مذهبهم للحصول على الحقوق المدنية والسياسية والوظيفية، كما جرت محاولات استغلّت هذه المعاناة لإلغاء تسمية "العلويين" والإنضواء تحت مسمّيات مذهبيّة أخرى، ممّا شكّل خطرًا على المذهب برمّته.


إنطلاقًا من هذا التقديم:

فإنّ المجلس الإسلامي العلوي يكتسب قيمةً جوهريّةً، تستدعي لتحقيق المراد منها نفوسًا راقيةً، وهِمَمًا عاليةً، وعقولًا نَيِّرَةً مُؤهّلةً لفهم هذه الأبعاد العميقة والعمل بمقتضى ما تتطلّبه من أجل الارتقاء بها إلى مستوى المسؤوليّة التاريخيّة وتحقيق الغاية المرجوّة.

وإنّ الوصول إلى هذه الغاية يتطلّب تحقيق خطوات لا بدّ من تأمين أدواتها ومستلزماتها لإنجازها، أو على الأقل، البدء بتنفيذها، ووضع أسس السّير في إتمامها وإنجازها تباعًا، ووفقاً للأولويّات وضمن الإمكانات المتاحة.


ومن هذه الأولويّات:
  1. إنشاء المكتبة الإسلاميّة العلويّة التي من مهامها:

    ‌أ- رسم هويّة وملامح هذا النّهج الإسلامي العلوي الأصيل.
    ‌ب- الإجابة عن الشكوك والأسئلة عن جدوى وأحقّيّة الإستقلال عن المذاهب الإسلاميّة الأخرى.
    ‌ج- إبراز رجالات المذهب، ومصادر التشريع والحديث، وتبرئة الثقات، واستبعاد الدخلاء.
    ‌د- الرّد على فتاوى التكفير وتفنيد آراء مطلقيها، ودحض مفترياتهم بالحجج والأدلّة الدينيّة والتاريخيّة.
    ‌ه- تنقية المذهب مما اعتراه من شوائب، أُلصقت به بفعل عوامل الدّسّ.
    ‌و- استبعاد الأفكار والانحرافات التي أُلحقت بالمذهب من تيارات وفصله عن الاتجاهات الدينيّة والفكريّة التي أفرزتها ظروف سياسيّة وزمنيّة خاصّة \ كالحلوليين، وإخوان الصّفا...\
    ‌ز- إبراز الصفحات المضيئة من التاريخ والفكر العلوي، بالإضاءة على الدول والإمارات التي صُبغت بالصبغة العلويّة، وإبراز الحضور الديني والفكري الذي تحقّق بظل وجود هذه الدويلات، والإضاءة على رجال الدين وأصحاب الفكر من الفلاسفة والشعراء العلويين على مرّ التاريخ الإسلامي.
    ‌ح- تأسيس المناهج الشرعيّة الخاصّة بالمذهب الإسلامي العلوي التي تُلقى على الطّلاب في المدارس الرسمية، وفي المدارس الشرعيّة أسوةً ببقيّة المذاهب، إعتمادًا على ما صحّ عليه الإجماع من كتب السّادة المتقادمين، وتأليف ووضع ما تتطلّبه المدارس بعد توفّر المصادر والتمويل اللازم.
     
  2. تأسيس المدارس الدينية والمعاهد الشرعيّة الخاصّة التي تدرس وتخرّج الطّلّاب وُفق المذهب الإسلامي العلوي الصحيح المشرّب والبعيد عن الشبهات.
     
  3. إعطاء المثل والقدوة للانتشار العلوي في البلدان الأخرى وإبراز التجربة التي يمكن الاقتداء بها لتنظيم شؤونهم في بلدان الإغتراب.
     
  4. تنظيم وتفعيل العمل الديني، عبر تنظيم إرتداء الكسوة الدينيّة وإخضاعها لقانون الكفاءة والأهليّة وتفعيل دور الوعظ والإرشاد والتبليغ الديني وتنشيط دور الإعلام الديني \ إذاعة – مجلات – كُتَيِّبات – منشورات...\ وذلك من أجل النهوض بالمجتمع من حالة الركود والسبات إلى العمل الديني الفعّال والمنظّم.
     
  5. إستنفار كافّة الطاقات الدينيّة والفكريّة التي يزخر بها المجتمع العلوي في لبنان. والاستعانة بمن يستوجبه الأمر من خارج البلاد، واستنهاض الهمم الأمينة والمؤمنة ودمجها في خليّة العمل لأداء رسالة النهضة.
     
  6. إنشاء قنوات الاتصال مع المؤسسات الدينيّة للمذاهب الدينيّة الأخرى على أساس المشاركة وتفعيل الحضور.
     
  7. إنشاء وتشجيع المؤسسات الدينيّة والاجتماعيّة التي تدور في فلك المجلس (دور الأيتام- دور العجزة- مؤسسات الشهداء...) ورعاية ودعم المؤسسات الاجتماعيّة والصّحية، لملء الفراغ الناتج عن غياب الدولة، وغياب - أو تغيّب – المواقع السياسيّة عن العمل الاجتماعي، لما له من دور في تعزيز الأمان الاجتماعي وتعزيز الشعور بالمواطنة.
     
  8. إعطاء الدعم والمدد والدفاع عن مواقع أبناء الطائفة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، وتحصين المواقع الإداريّة المكتسبة وتدعيمها وتحصيل الحقوق المسلوبة. حتّى لا يكون الوجود العلوي عرضاً يقوم بغيره بل جوهراً يثبت حضوره، وقرارًا يستمدّ من قدرته الذّاتيّة أسباب وجوده وقوّته وحرّيته، وتحويل علاقة السياسي بجمهوره من حالة العبء إلى حالة الظهير.
     
  9. المطالبة بحقوق العلويين المهدورة وبمفعول رجعي، يسترجع حقوق وهيبة الطائفة الإسلاميّة العلويّة. ويستعيد ثقة أبنائها بحضورهم وانتمائهم الوطني.
     
  10. تحويل المجلس الإسلامي العلوي إلى البيت الجامع لكل أبنائه، الملائم بين مختلفاتهم، وتفعيل قدراتهم الدينية والفكرية والإقتصادية للوصول إلى واقع تشاركي مسؤول.
     
  11. إرساء القيادة الدينية الموحّدة والواثقة والقادرة على قيادة مجتمع عانى الكثير من الفوضى والاضطراب والجهل ونقله إلى مستوى لائق من الاستقرار والتنظيم والمعرفة.
  12.  
  13.  
  14. .......... وغيرها ممّا يزيده نباهةَ فِكرٍ، وعُلُوَّ هِمّة.

غير أنّ هذه الأهداف السّامية والمَرامي النبيلة وبمقارنتها مع الإمكانات، ومقومات التحقيق والنجاح اصطدمت بمرارة الواقع وظهرت كحلم يصعب تحقيقه، أو كغاية لا نملك مقومات وأسباب بلوغها وبدأت تبثّ في النّفوس هواجس الشك والريبة مستندة بذلك إلى قلّة النضج والوعي على المستوى الجماعي لإدراك الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية، وإلى قلّة الإمكانات المادّية وضعف الأهليّة العلميّة والدينيّة المتمثّلة بغياب الكفاءات القادرة على تحمّل هذه المسؤوليّة التاريخيّة والقيام بأعبائها وقدرتها على التصدّي لهذا الحجم الهائل من التراكمات وإحداث التغيير وتحصين هذا الموقع ونقل المجتمع من الحالة الفرديّة إلى حالة المؤسسة الجامعة، وإلى عدم وجود البيئة السياسيّة القادرة على احتضان ورعاية هذه المؤسسة وتأمين متطلّبات نجاحها.

كلّ هذه الأسباب كانت مُبَرِّرًا للسؤال الأكثر إيلامًا: ما مصير هذه المعركة لو خسرناها - لا سمح الله – وما حجم الضرر الذي سيلحق بالمذهب العلوي حينها؟؟؟.

وبمقابل هذه الهواجس والأسئلة المشككة كان هناك موقف نابع من الثقة والإيمان، ومن إرادة الغيارى على هذا المذهب الشريف، ومن أصحاب العقول المسؤولة والواعية لخطورة اللحظة التاريخية التي تعصف بنا، ولضرورة البدء بهذه المرحلة كخطوة أولى نحو غاية أعظم وأكمل.

فالقيام بهذه الخطوة بات ضرورةً حتميةً، وتكليفًا شرعيًا، وواجبًا مُقدسًا للدفاع عن وجود المذهب في لحظةٍ تاريخيّة عاصفة؛ وإنّ الإنصياع لهذا التكليف الشرعي والواجب الديني يستدعي إستنفار الطاقات والإمكانات على كل الصّعد، وإسكات الأصوات المشككة وتبديد الهواجس واستبعاد الظنون المريبة، فالقلق والاضطراب هما شكل من أشكال الهزيمة، وإنه لا مبرّر من تفويت إستثمار هذه الفرصة التاريخيّة الإستثنائية، وإنه لدينا القدرة والكفاءات ما يملأ الفراغ ويقوم بأعباء المسؤولية، وبالإمكان خلق الظروف المناسبة لنجاح هذه المؤسسة الحلم.

فالوجود العلوي يراهن على هذه المؤسسة لتوحيد الكلمة وتنظيم الصفوف، وإنّ عدم إيجاد هذه القيادة الدينيّة هو ترسيخ لحالة الضياع في زمنٍ تخطّ الشعوب وجودها على لوح الانقسامات الدينيّة؛ وإنّ الهزيمة إن حصلت ستجرّ هزائم أكبر ضررًا وأعمق أثرًا وتسبّب نكسةً يصعب تجاوزها، وهذا أمر غير مسموحٍ به.

إنطلاقًا من ذلك، وطالما أنّ المجلس قد أصبح أمرًا واقعًا فإنّه يفترض التعاطي مع هذا الواقع بإيجابيّةٍ إيمانيّة وأخلاقيّة، وبات المنتظر أن تلاقي هذه الإيجابيّة الأداء السليم الذي سسيسلكه العهد الأوّل.

وبات الإنتظار والترقب والقلق هو سمة هذه المرحلة، والناس في ذلك على ثلاثة أصناف: 

  1. متلهف ينظر بعين الرجاء،
  2. ومشكك ينظر بعين الريبة،
  3. وحاقد ينظر بعين النقمة.

وبات المجلس والقائمون عليه والداخلون فيه تحت أنظار هؤلاء، يرتجي كلٌ إثبات ما في نفسه.

غير أنّ المجلس الإسلامي العلوي في لبنان والذي بدأ عمله بحماس وقوّة، جعلت جمهور أبناء المذهب، ينظرون إليه بعين التفاؤل والأمل، لم يرقَ، في محصّلة ما أنجزه إلى مستوى المسؤولية التاريخيّة ولم ينتج عنه ما يرضي آمال الجمهور ولم يظهر من عمله خلال فترة القيادة الدينية الأولى، وما يدلّ على انسجامه كفريق عمل، وغلب عليه التنافس على المواقع الوظيفية التي باتت غاية لا تدرك سوى مكتسباتها المادّيّة، وكان مجمل ما أنتجته متواضعًاً جدًّا، ومخيبًا للآمال.
فمُسخَ دور المجلس وتقزّم حجمه ولم تُدرك الغاية التي أُنشئ لأجلها وتم تفريغه من مضامينه، وغاب عن مسرح القرار والتأثير، وحصل تباعد بينه وبين أبناء المذهب إلى حد بلوغ اليأس... كل هذا أوجد لدى جمهور العلويين شعورًا من الخيبة والمرارة.


ومن المظاهر السيئة التي شابت عمل المجلس في فترته الأولى/كتعداد دون حصر/:
  1. ضعف اهتمام المجلس بالمكتبة العلوية، وضعف رعاية الحالة الفكرية والدينية والثقافيّة خلال المرحلة الأولى، وإنّ ما صدر من كتب خلالها يفتقر إلى القيمة الدينية والعلميّة، ومنها كتاب رئيس المجلس السابق الذي تعتريه الكثير من الملاحظات، والمليء بالآراء الخاصّة التي لا تمثّل سوى رأي صاحبها ولا ترقى إلى مستوى الاجماع.
     
  2. فوضى العمامات: انتشرت العمامات الدينية التي يفتقر معظمها إلى الإمكانات المؤهّلة، وأصبح المعيار المعتمد لإرتدائها هو التبعيّة، وباتت هذه الظاهرة محل سخرية عند الجمهور ممّا أساء إلى رمزيّة وقدسيّة الزّي الديني وإلى مكانة المؤسسة التي ينتمون إليها.
     
  3. تغييب العائلات الدينية عن مواقع المجلس وإلغاء دورهم وحضورهم، فإنّ الأمر وإن كان دافعه إصلاحيًا تحت شعار محاربة الإقطاعيّة الدينيّة وتحميل العائلات الدينيّة المسؤولية عن تردّي الوضع الديني، فقد حمل طابع الإنتقام، ولم يأت بالبديل الأصلح، حتّى صار شعار المرحلة:
    عَجَبًا لِلَّزمانِ في حَالَتَيْهِ   وبَلَاءٍ ذَهَبْتُ مِنْهُ إِلَيْهِ
    رُبَّ يَومٍ بَكَيتُ مِنهُ فَلَمّا   صِرتُ في غَيرِهِ بَكَيتُ عَلَيهِ.

     
  4. إهمال جانب التبليغ والإرشاد والوعظ الديني وبقاؤه تحت حدّ المستوى الأدنى الذي لا يرتقي إلى مستوى المسؤولية.
     
  5. الغياب عن المشاركات الدينية التي تقدّم الرأي الديني العلوي إلى بقيّة المكوّنات الدينية وتكرّس التفاعل معها.
     
  6. ضعف الاهتمام بالمساجد وتأهيلها، وتأهيل أئمتها وتطوير أدائهم بما يواكب المهمّة الموكلة إليهم.
     
  7. عدم القدرة على إعطاء قدوة تنظيميّة يمكن اعتمادها في بلاد الانتشار بسبب العجز عن استكمال البنية الداخلية وملء المواقع وتفعيلها، وعدم القدرة على جمع الشمل السياسي والمدني.
     
  8. ضعف الاهتمام بالقُرى العكارية ومكوناتها الدينية والاجتماعية وضعف التواصل مع فعاليّاتها، وقلّة الاهتمام بمساجدها وأوقافها الدينية ممّا أوجد شعورًا بأنّ هذا المجلس لا يتعدّى كونه حالة معنويّة لا أكثر.
     
  9. عدم القدرة على ضبط وتوحيد الخطاب الديني بحيث ما زالت الآراء الخاصّة والنافرة عن الصواب والبعيدة عن الإجماع تتردّد وتتصاعد ممّا يزيد من حالة الانقسام والضياع.
     
  10. تحويل مواقع المسؤولية في المجلس إلى وظائف إداريّة يتمّ تداولها ضمن إطار عائلي ضيّق.
     
  11. عدم المطالبة الجادّة بالحقوق السياسيّة والمدنيّة المسلوبة \ مدير عام – سفير- مناصب عسكرية...\
     
  12. عدم المطالبة بتحسين الواقع الصحي في مناطق تمركز العلويين \ إنشاء مشفى – تطوير مستوصفات – مراكز رعاية صحّية... \ لا سيّما في منطقة جبل محسن التي باتت بأمسّ الحاجة لوجود هذه الرعاية.
     
  13. عدم إستكمال بنية المجلس (إفتاء – محاكم -...) ممّا يعرّض هذه المكتسبات للضياع، ويجعله عرضةً للتشكيك بقدرة الطائفة على إدارة مؤسساتها ويعيد طرح السؤال عن جدوى قيام مجلس لا يستطيع بناء مؤسساته.
     
  14. تسلل الانتهازيين والوصوليين إلى مواقع متعددة في المجلس الذي كان بنظرهم مطيّة سياسية واقتصادية يحققون فيها مصالحهم الشخصية، فتحوّل المجلس إلى مكان يحققون فيه المكتسبات المادّيّة والمعنويّة، مما خلق أجواء عكسيّة للعمل الجماعي المنتج.
     
  15. عدم الاهتمام بالمؤسسات الاجتماعية والأهلية ذات الصلة بحياة النّاس اليوميّة وحاجتهم الإجتماعيّة \دور أيتام وعجزة، شهداء، مراكز صحّة...\ والتي تعتبر الظهير، والبديل عن غياب الدولة.
     
  16. عدم قدرة المجلس على جمع مكونات المجتمع العلوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وافتقاره إلى روح المبادرة في اصطناع أسباب حالة الوئام والوفاق.
     
  17. العجز عن محاكاة المجالس الدينية للطوائف الأخرى فيما خص التأثير في الحياة السياسية والدفاع عن حقوق أبناء المذهب ومراكمة المكتسبات وتحويلها إلى حقوق ثابتة.
     
  18. تحوّل المجلس إلى معطّل للكفاءات وأصحاب الهمم العالية التي كان يرتجى من قدراتها وحماسها إحداث إضافة نوعية، حيث جرى تقييدها وتعطيل عملها وارتهانها بأدوار ومسميات وظيفية وإضاعة قدراتها في معارك ثانوية لا تليق بمكانتهم وبالأمل المعقود عليهم.
     
  19. عدم القدرة على مد جسور الحوار مع المذاهب الإسلامية الأخرى، ومع ممثلي الطوائف، وتوظيف هذا الحوار في تخفيف حالة الاحتقان والتشنج التي حكمت الطائفة العلوية بمرحلة الانقسام السياسي، وعدم القدرة على توظيف الموقع كشريك في صنع مصير البلد.
  20. ....


إنّ جمهور الطائفة الإسلامة العلوية، الممتلئة أملاً ورجاءً، وعلى قدر الأمال العظيمة التي كانت تعقدها على المجلس الإسلامي العلوي، وبسبب اجتماع هذه الأمور وسواها، /ممّا يضيق ويعف الكلام عن ذكره/ تحوّل شعورها إلى الخيبة وفقدان الثّقة، وتعزّز لديها شعور الهزيمة، وباتت تضيف هذه التجربة إلى قائمة اليأس.

غير أنّه من المُنصف القول بأنّ مدّة القيادة الدينية الأولى في المجلس الإسلامي شهدت صعوبات وظروفًا غير مؤاتية متمثّلة بالانقسام السياسي الحاد بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار وما سبّبه من خسائر كبيرة للطائفة العلوية على الصعيدين السياسي والاقتصادي باعتبارها الفئة الأضعف والأقلّ عددًا وعُدّة.

وحدثت خلالها محاولات لتصفية الوجود العلوي، عسكريًا: عبر توريطها في معارك شرسة مع قوى التطرّف، وسياسيًّا: عبر مصادرة المقعدين النيابيين لصالح قوى الأكثرية.

كما شهدت هذه المرحلة حالة تجاذب بين نوّاب الطائفة الحاليين والسابقين عطّلت محاولات النّهوض بعمل المجلس وإستكمال البنية الإداريّة والتنظيميّة، وقد عملت هذه الظروف مجتمعةً على خلق جو غير ملائم.


وفي ظل هذا الواقع...

فإنّ الحفاظ على وجود هذا المجلس في الظروف السياسيّة الصعبة التي مرّ بها لبنان وفي ظل محاولات الإفشال والإلغاء.هو موضوع تقدير يُحفظ للمجلس وللإدارة السياسيّة التي دافعت عنه وحفظت بقاءه.

لذلك فإنّ النّظر إلى المرحلة الأولى من عمر المجلس من زاوية الأخطاء والتقصير، هو أمر غير عادل، كما أنّ التنكّر للجهود التي بذلها العديد من أصحاب الكفاءات التي يضمّها المجلس، وللإنجازات التي حقّقوها، فهذا أمر يحمل طابع التجنّي... وهذا ليس صلب موضوع البحث.

غير أنّ الرضا والقبول بكل نتائج المرحلة الأولى من عمر المجلس، هو بالمقابل أمر لا يمكن قبوله، ولا يرقى إلى مستوى الآمال ولا يتلاءم مع القدرات.

وإنّ ما ورد ذكره سابقًا هو بمثابة مراجعة ذاتيّة، ونقد بنّاء، من منطلق الوعي والعمل بما يمليه الضمير، وليست محاولة تقييم، ولا أملك الحق بذلك، فالمجلس الإسلامي العلوي، يضمّ في تركيبته الكثير من أصحاب الكفاءات وذوي الخبرات والإمكانات الذين يملكون من الفهم والذوق ما يجعلهم يدركون ما ينبغي عليهم القيام به... إلّا أنّ لسان حالهم كان دائمًا: لا حول ولا قوّة إلّا بالله.

إنّ الشعور بالخيبة، الذي رافق المرحلة الأولى من تاريخ المجلس، هو أمر عرضي يمكن تجاوزه بالاستفادة من أخطائه، والانطلاق من التجربة الأولى نحو تجربة واثقة، بامتلاك أسباب النّجاح ومقوماته. فالمذهب العلوي الذي حفظته العناية الإلهيّة والنّفوس الآمنة المطمئنّة لا يزال في كنف هذه الرعاية؛ والمجلس الإسلامي العلوي هو صورة هذا المذهب الذي ينبغي أن تكون بهيّة، وهذا يتطلّب أمرين:

  • أوّلاً: وجود القيادة الدينية الأقدر والأكفأ على حمل الأمانة والقادرة على إحداث التغيير وتفعيل عمل المجلس واستنهاض طاقاته وتوظيفها بما يخدم هذه الرسالة النبيلة. وكلّنا أمل بحكمة أصحاب القرار وقدرتهم على انتخاب الرجال المؤهّلين لحمل هذه الرّاية.
     
  • ثانياً : إيقاظ حسّ المسؤولية والارتقاء بمستوى الإدراك والأداء إلى مرتبة استحقاق هذه المكرمة الإلهية، ونحن كلّنا كأفراد ندور في فلك هذا المجلس معنيّون بتحقيق ذلك.

.......... إنّ المجلس الإسلامي العلوي أضحى رمزاً يتضمّن الكثير من المعاني الدينيّة والسياسيّة والتاريخيّة وتنطوي فيه آلام وآمال شعب بكامله، وحلقةً هامّة في سلسلة الوجود العلوي، تتوسّط تاريخًا ثقيلاً، ومستقبلاً ينبغي أن يكون مُشرقًا وواثقًا،... وعليه تقع هذه المسؤولية.

هَذَا نِدَاءٌ مِنْ قَلْبٍ نَظَرَ بِعَيْنٍ عَلَوِيَّةٍ، فَرَأَى مَا اسْتَحَقَّ مِنَ الْحَقِيقَةِ.....

المهندس
ربيع معين سليمان
الحربوقي
طرابلس في 04\08\2017


  الرجَّاء حمّلوا الملف أدناه لتحصلوا على المقال بصيغة PDF، وشكرًا لاهتمامكم. (إدارة الموقع).


وهذه أجوبة هامة تخصّ المجلس الإسلامي العلوي في لبنان:

انقر على أي عنوان حتى تتمكّن من قراءته..

1- الفرق بين المجلس الإسلامي العلوي والمرجعية الدينية. 

2- المجلس الإسلامي العلوي في لبنان: وظيفته، فائدته، أهدافه، ماذا يُمثّل؟ كيف ومتى تمّت المطالبة به ولماذا، ومتى يبدأ عمله؟... 

3- المجلس الإسلامي العلوي، خيبة وأمل.. بقلم المهندس: ربيع معين سليمان الحربوقي طرابلس في 4 آب 2017م 

4- اإن المجالس الملية كالمجلس الإسلامي العلوي في لبنان ليست مرجعية روحية جامعة بل هو مجلس جزئي.. 

5- لا يوجد في سورية تقسيم وتوزيع طائفي في مناصب ووظائف الدولة بخلاف لبنان.. لكل طائفة مجلس ملي مستقل وهذا الأمر عائد للعصر العثماني.. 

6- إنّ تمثيل المجلس الإسلامي العلوي في أيّ بلدٍ خارج لبنان يَشترط موافقة الهيئتين الشرعية والتنفيذية، وهذا لم يحصل منذ بداية إنشاء المجلس حتى يومنا هذا.. يليه توضيحين من إدارة المكتبة.