المجلس الإسلامي العلوي - الثوابت والمطالب - بقلم المهندس ربيع معين سليمان\الحربوقي. طرابلس جبل محسن 14\05\2019م

أُضيف بتاريخ الأثنين, 20/05/2019 - 06:28

المجلس الإسلامي العلوي
- الثوابت والمطالب -

لطالما كان الحضور العلوي في لبنان مقترنًا بالاضطراب والقلق الدائمين لأسباب دينية وسياسية واقتصادية مجتمعة، وهو يحتاج في سبيل تثبيت هذا الحضور إلى وجود المؤسسات لتأكيد أسباب الثبات واكتساب الشعور بالثقة.

وبما أن الحالة السياسية تتصف بالتغيير المتصل بتبدل الظروف وبالتأثير الذي تمارسه هيمنة الأكثرية، فهي غير قادرة على تأمين الضمانة لهذا الوجود؛ لذلك فإن المؤسسة الدينية التي تتصف بالثبات والمبدئية... هي الوحيدة القادرة على تحصين هذا الوجود ومنحه أسباب الاستقرار والديمومية.

ولكي تتمكن المؤسسة الدينية من ذلك، فعليها أولاً أن تمتلك لنفسها أسباب الثبات والقوة والاستقرار، وهذا ما يفسر حالة الاضطراب والقلق الذي يسود الشارع العلوي في الفترة الأخيرة مع دخول عملية إعادة بناء المؤسسة الدينية المتمثلة بالمجلس الإسلامي العلوي مرحلة التسارع الجديّ من القوى المؤتمنة على الوجود العلوي.

ولعل الشعار الذي لخّص المرحلة السابقة هو "الخيبة" - على المستوى السياسي والديني - التي أوجدت حالة من الغضب والتشنج والانقسام في الشارع العلوي وذلك لأسباب عدة باتت معروفة لدى الجميع، وتمّت الاشارة إليها في أكثر من مناسبة، من قبل جهات عدّة.

وفي سياق هذا الواقع المضطرب والمشحون كان هناك حالة من عدم الوضوح في الرؤيا والتخبّط في تفسير القوانين وتقاذف المسؤوليات، وكان الاندفاع في اتجاه تغيير هذا الواقع يسبق الإمكانات المتاحة، فيشكّل ضغطًا في اتجاه الإسراع ببدء عملية التغيير أحيانًا، ويحيد ببعض أصحابه عن الغاية المنشودة أحيانًا أُخرى، كما كان التأخّر في تنفيذ هذا التغيير سببًا في إفساح المجال أمام مزيد من الانقسام الحاد في الطروحات والسُّبُل المُقترحة في اتباعها ما أدّى إلى حدوث حالة سلبية دفعت إلى خروج البعض عن جادّة الصّواب وأتاحت الفرصة أمام أصحاب المشاريع المشبوهة في خلق جوٍّ من العبث والتخريب الممنهج. 


وفي رحاب هذا الجو الذي ساد وأساء إلى واقع العلويين، فلا بد من التأكيد على بعض الأمور التي يعتقدها أصحاب الرأي ممن لم يفقدوا حدةّ البصر والبصيرة في الجو الضبابيّ، ومنها :

  1. إن الوجود العلوي الراهن هو نتيجةُ مباركةُ من منظومة « مثلث الرحمة الإلهية» الذي رعى وأسّس الوجود العلويّ في العصر الحديث، والذي يمثّله:
    1. العلّامة الشيخ سليمان الأحمد.
    2. والمجاهد الشيخ صالح العلي.
    3. والقائد المؤمن حافظ الأسد.
    ونحن مكلّفون باستقبال هذه المَكْرُمة ومُجبرون على توريث أبنائنا بركتها وثمارها، باعتبارها رسالة نبيلة تستدعي النفوس الرفيعة التي أوجدتها الإرادة الإلهية رحمة بالعباد والبلاد واجتبتها للقيام بمقتضياتها السامية. وإنّ إضاعة هذه العطيّة الإلهية هي بمثابة الخيانة للأمانة والنكث بالعهد.
     
  2. إنّ المجلس الإسلامي العلوي هو مجلس دينيّ بامتياز، أُنشئَ لتكريس استقلالية المذهب ولرعاية وتنظيم الشؤون الدينية للمسلمين العلويين في لبنان وللدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. 
    وهو مجلس مِلّيٌّ عِماده التكليف الديني، يكتسب ويضيف بعض المزايا الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وإن اقتصار النظر على هذه الزاوية الأخيرة هو قصور في الرؤيا وإضاعة للغاية النبيلة، وإن بعض المكاسب المادية التي تمنحها مؤسسة المجلس هي مجرّد تفصيل لا ينبغي أن يتقدّم على جوهر القضية.
     
  3. يمتلك المجلس الإسلامي العلوي أهمية دينية وسياسية كبرى، باعتباره المؤسسة العلوية الوحيدة ذات الطابع الرسمي - الأمر غير المتاح للعلويين في بلاد الانتشار الأخرى - وهذه ميزة خطيرة تُعطى له وتلقي عليه قدرًا كبيرًا من المسؤولية، لذلك فإن قيمة هذه الميزة وخطورتها في آن معًا تجعل من تشكيل وإدارة هذه المؤسسة - وإن كانت تتبع إداريًا للدولة اللبنانية - أمرًا ينبغي أن تشرف عليه المرجعيات الدينية والسياسية التي ترعى وتصون الوجود العلوي والتي يعود إليها تقرير الأمور المصيرية وذلك لضمان نجاحها في المهمة المزدوجة:
    -   تحصين الوجود العلوي في لبنان.
    -  التعبير الرسمي والمسؤول عن المذهب العلوي.
     
  4. إن مسألة تشكيل وتنظيم أوضاع وهيكلية المجلس الإسلامي العلوي هي:

    -   شأن علويٌّ خاص يقوم به أهل البيت الداخلي بما يلائم رفعة ومنعة هذا المذهب الشريف،
    -  وأية محاولة لاستقدام أو للاستقواء بتدخل خارجي سياسي أو ديني أو إعلامي هو خروجٌ عن الإجماع واعتداءٌ على قدسية المذهب وكسرٌ لهيبة المؤسسة، وهي محاولات تُدخل أصحابها في دائرة الاتهام والشبهات.
     
  5. إنّ المطالب بتفعيل العمل في المجلس الإسلامي العلوي هو:
    -  سعي لإحداث التغيير الإيجابي، على قاعدة اختيار الأصلح والأكفأ، والأكثر وعيًا لإدراك حساسية الموقع، وقدرةً على قيادة السفينة في بحر الصّعاب...
    -  وليس الهدف منه ممارسة الانتقام أو التنكّر لأي جهة، أو استبدال الوصاية عليه، ولا إدخاله في لعبة الديمقراطية والحرّية الخداعة التي لا يمكن ضمان نتائجها والتي لا تتوافق مع مؤسسات يفترض بناؤها اتّباع نظرية الانتقاء النوعي، بل تحتاج إلى فائق عناية الطبيب الماهر في استئصال مكامن العلّة وإعادة وصل شرايين الحياة ليستعيد الجسد المريض عافيته.
     
  6. إن الناظرين بعين الرجاء إلى موقع القرار الحكيم يرجون ويأملون أن تترجم شمولية الرؤيا في إخراج مجلس متكامل بكافة مؤسساته:
    / المحاكم، الإفتاء، القضاء، الأوقاف، .../
    وهذا ما يمكّنه من احتواء وتفعيل كافة القدرات الموجودة وتحويل حالة التنافس على مكتسبات المنصب إلى تنافس في إبراز الكفاءة وإنجاح المؤسسة، وتحويل القدرات المتوافرة من محاولات للانتقاص والاقتناص إلى جهد مكرّس للدفاع عن الموقع والمؤسسة معاً.
     
  7. إن الوجود العلوي في لبنان بحاجة للالتزام بـ « وثيقة شرف إعلامية »، جوهرها:
    -  ضبط وتوجيه الخطاب ورفع مستوى المسؤولية وتصويب استخدام الوسائل الإعلامية المتاحة في بث الكلمة الطيبة وتوحيد المواقف بما من شأنه خلق موقف جماعي مؤثر يهدف إلى الارتقاء بواقع الحال إلى ما يليق برفعة الانتماء..
    -  وتجنب السقوط في فخ الحرية الزائفة وعدم الانجرار وراء زيف وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل النفوس المشبوهة على استخدامها في التشويش والفوضى..
    -  والعمل على إسكات أبواق الفتنة وقطع ألسنة السوء وفضح أصحاب المشاريع والنوايا الخبيثة وأرباب القبائح اللفظية التي تعبث بالمجتمع وتنفذ مشروعًا من الفتنة الهدّامة والخراب الممنهج تحت مسمّيات دينية وثقافية وسياسية.
     
  8. إن المجلس الإسلامي العلوي وإن كان يتبع إداريًا وتنظيميًا لمؤسسة رئاسة مجلس الوزراء غير أن هذه المؤسسة لا تملك حق الوصاية عليه، كما لا يحق لها التدخل في إدارة شؤونه الداخلية إلا بما يرتضيه أبناء الطائفة، فهو يمتلك حصانة ذاتية واستقلالية تمنحها إياه شرعية استقلال المذهب وأحقية تشكيله وإدارته من قبل أبناء الطائفة دون سواهم بما يتوافق مع خصوصية ومصلحة المذهب الإسلامي العلوي، وعليه فإنه من الواجب نزع ذرائع التدخل والوصاية التي تحاول اليد العابثة تشويه نسيجه.

ولأن المجلس الإسلامي العلوي يكتنزُ كلّ تلك القيم، وتنعقد عليه آمال المؤمنين باعتباره الوديعة والخلاص، ولأنه أنفس المكتسبات ورأس الهرم في المؤسسات العلوية في لبنان..

ولأن قدسية الدين فوق كل الاعتبارات - وبغض النظر عن الآلية المتبعة في إعادة إنتاج مؤسسة المجلس الإسلامي العلوي - ..

ومن منطلق الغيرة على المذهب ومن باب المسؤولية التي يمليها علينا التكليف الديني..

فإن المحكمة العلوية القائمة في عقول المؤمنين ونفوسهم تضع مؤسسة المجلس ورئيسه المرتقبين أمام موجبات ينبغي تحقيقها لتحقيق المكانة والدور المنشودين لتحقيق الغاية النبيلة، ومنها :


أمور تتعلق برئيس المجلس:

أن يكون علويّاً حراً، صحيح العقيدة ثابت الولاء، ممتلئاً علماً، مزداناً بالحكمة والرصانة، شجاعاً وصادقاً، مشهوداً له بسعة العلم، متسلحاً بإجماع الثقات، لا يُشك عليه في الولاء، ولا يُزاود عليه في الانتماء، بل أن يمتلك خاصية الولاء والانتماء بالفطرة الإيمانية التي تتسم بالثبات والقوة.

وأن يُحسن انتقاء مساعديه من الأحرار والأخيار وأن يعمل على توزيع المهام بينهم بما يحقق التكامل وتفعيل القدرات.

وينبغي له أن يكون متصلاً مع العمق العلويّ في خياره، ومستنداً إليه في قراره، ومتوحداً معه في مساره، وأن تكون مرجعيته الدينية والسياسية علويّةً محضةً، فيحفظَ للدين نقاءه ورفعته، وتحفظ السياسةُ قوتَّه ومنعته.


أمور تتعلق بمؤسسة المجلس:

على الصعيد الديني:
  1. إيلاء المكتبة الدينية اهتماماً فائقاً باعتبارها هوية المذهب، عبر توثيق الكتب السابقة واغنائها بالمؤلفات الحديثة الموافقة، واستبعاد المؤلفات التي لا تتوافق مع استقلالية ورفعة المذهب.
     
  2. تفعيل المنهج الديني الخاص بالتعليم الأساسي، وتأسيس المدارس الدينية والمعاهد الشرعية التي تدرّس وتخرّج طلابها على منهج صحيح المشرب.
     
  3. تفعيل الوعظ والإرشاد والتبليغ، وتنشيط دور الإعلام الديني /إذاعة، مجلات، إصدارات شهرية، .../ وإقامة النشاطات والمناسبات الدينية.
     
  4. تنظيم ارتداء الكسوة الدينية وإخضاعها لقانون الأهلية والكفاءة، لإعادة الاعتبار والهيبة إلى رمزية ودور الزيّ الدينيّ.
     
  5. استنفار كافة الطاقات الدينية والفكرية التي يزخر بها المجتمع العلوي في لبنان والاستعانة بمن تستوجبه الحاجة من خارج البلاد، لإغناء المؤسسة بأسباب النجاح والقوة.
     
  6. استكمال بناء المؤسسات الدينية للمجلس / إفتاء، محاكم، أوقاف، .../ وتهيئة الإمكانات المادية والبشرية لها، وبناء المؤسسات الملحقة /دور للعجزة والأيتام، مؤسسات أبناء الشهداء، .../ بما يضمن تحصين المجتمع وسدّ الفراغ الناتج عن غياب خدمات الدولة.
     
  7. إنشاء قنوات التواصل مع المؤسسات الدينية للمذاهب الأخرى على أساس الندّية والمشاركة في بناء المجتمع والدولة.
     
  8. ...
  9. ...

على الصعيد الوطني:

يستوجب على المجلس الإسلامي العلوي التعبير عن موقع وموقف الطائفة من الناحية الوطنية تجاه القضايا المصيرية المطروحة بما يلائم تاريخها الديني المتصل بآل بيت النبوة  ودورهم في إحقاق الحق ومجابهة الظلم والطغيان وصون الرسالة السماوية، وبما يلائم تاريخها الوطني في الدفاع عن الدين والدولة ضد الغزاة والمعتدين:

  • كما أبرزته الدويلات العلوية في التاريخ البعيد /بني بويه وبني عمار والحمدانيين.../..
  • وكما أثبتته مواقف رجالات العلويين في التاريخ القريب في صون العروبة والدفاع عن جوهر الدين /ثورة الشيخ صالح العلي ضد الاستعمار والتقسيم، وقيادة القائد حافظ الأسد التي بلغت المجد في تثبيت مفهوم العروبة ووحدة الأمة، وريادة الرئيس بشار الأسد في قيادة معركة الحق ضد الباطل الذي جمع كل أدواته الشيطانية/..

والإعلان عن الالتصاق والاتحاد الكامل مع هذا النهج الذي يتصل بمدرسة الكبرياء والكرامة ويعبّر عن الهوية العلوية الحُرّة والأصيلة، والسموّ بهذا النهج الوطني من مرتبة الخيارات إلى منزلة المُسلَّمات.


على الصعيد الاجتماعي:
  1. تحويل المجلس إلى البيت الجامع لكل أبناء الطائفة والملائم بين مختلفاتهم، والعمل على تفعيل قدراتهم الفكرية والدينية والاقتصادية وإشراكهم في عملية النهوض، وتحقيق التفاهم والانسجام اللازمين لنقل المجتمع من حالة الاضطراب والفوضى إلى مستوى لائق من الاستقرار والتنظيم.
     
  2. المطالبة بحقوق العلويين المهدورة والمغتصبة وبمفعول رجعيّ يسترجع حقوق وحضور الطائفة ويستعيد ثقة أبنائها بانتمائهم ودورهم الوطني.
     
  3. إعطاء الدعم والاحتضان لمواقع أبناء الطائفة العلوية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتحصين المواقع الإدارية المكتسبة وتدعيمها وتثبيتها.
     
  4. السعي بالمطالبة لتأمين الخدمات الطبية /مشافي، عيادات، مراكز طبية ..../، والنشاطات الاقتصادية /مصانع، ورشات، نقابات .../ في مناطق تواجد العلويين.

وهذان الدوران الاجتماعي والاقتصادي يحتاجان إلى التكامل بين مؤسسة المجلس والمؤسسة السياسية المتمثلة بنوّاب الطائفة بحال توافقهم مع المؤسسة الأعلى على الهوية الدينية والوطنية، وهذا من شأنه أن يعطي قوة للمؤسستين معاً، وينتج واقعاً يقارب الطموح المنشود.


إن المجلس الإسلامي العلوي يمثّل بالنسبة للعلويين في لبنان - الذي يُعتبر بلد التغيرات والمنازعات التي تستند إلى مبدأ القوة والأكثرية - المؤسسةَ الضامنة لحضورهم وحقوقهم، وخشبةَ الخلاص من مستنقع الضياع والحرمان.

وبالنسبة للوجود العلويّ فإن هذا المجلس الذي يُعدُّ ثمرة مباركة من صانع مجد العلويين، هو حلقة مضيئة في سلسلة هذا الوجود، وقد شاء القدر أن ينفرد بصفة التنظيم والمؤسسات والاعتراف الشرعيّ والرسميّ في زمن يقوم الصراع فيه على أساس التكتّلات والمُسمّيات الدينية، مما يُحمّله ثقل هذه المسؤولية ويعطيه بُعداً دينياً وسياسياً يفوق حجمه الجغرافيّ.

لذلك فنحن الواثقون بديننا وتاريخنا وقادتنا، مجبرون على مواجهة القدر بمزيد من المسؤولية صوناً للأمانة ووفاءً بالعهد، من أجل تثبيت دعائم هذا الوجود وتحصينه واستحقاق أهلية الإنتماء إلى مذهب الحقيقة.

إن المجلس الإسلامي العلوي ثغرٌ من ثغور الدين يذود فيه المرابطون عن مذهبهم الشريف، وهو قيمة تُبتغى وغايةُ تُرتجى، إذا رُزِق القائمون على إدارته التوفيق فذلك لهم رفعةٌ، وللدينِ منعةٌ، وإذا حُرِموا التوفيق فذلك لهم سقطةٌ وعلى الدين نكسةٌ.

المهندس ربيع معين سليمان/الحربوقي.
طرابلس جبل محسن
14\05\2019م
ملفات خاصة بالأعضاء (يجب تسجيل الدخول للموقع أولاً)