تقديم الديوان بقلم آل الفقيد (حسين - حسن - محسن)

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 27/04/2021 - 06:04

تقديم الديوان بقلم آل الفقيد

 

والصلاة والسلام على سيدنا محمدِ المُصطفى ووصيه المُجتبى وآلهِ النُّجبا.

أما بعد:

فَقد أَذِنَ اللهُ سبحانه وتعالى بفضلٍ مِنه ورحمةٍ بإِنجاز ديوان السيد الوالـد الشاعر الشيخ علي أحمد كَتُّوب، بعد صراعٍ طويلٍ للوالد مـع الحيـاة والسفر والفقر والحرمان وظُروف الحياة ومرارة القلّة وضيق الحال وكثرة الترحال.

حيثُ وَرَدَ في الدّيوان قَصائد تمتد مِن  ١٩٢٧حتى عام انتقاله ١٩٧٨ هي عصارةُ فكرٍ وحصاد تجربةٍ وحصيلةُ تواصلٍ وتعارف وتراحمٍ مـع الشيوخ والشعراء والأصدقاء والأقارب، فيهم العالم المعروف، ومنـهم الصديق المغمور، ولكن همّةَ الوالد التي يعرفها أقرانه وأترابه كانت تـأبى عليه التقصير والتأخير، وهي ميزة سمعنا عنها بشكلٍ مُسهبٍ وتفـصيل دقيقٍ من شيوخٍ التقيناهم وعرفناهم أضافوا لنا حكاياتٍ لم نكن نعرفهـا عن تواضع الوالدِ وتَمسّكه بصلةِ الرّحم وتواصل الإخوان، وعن علاقاته الواسعة التي تظهر في الديوان من خلال تَهانٍ وتعازٍ على امتداد جغرافيـة سوريه وخارجها في لبنان والعراق ورسائل إلى إخوته وطلاّبه وتلامذتـه في المهاجر البعيدة.

لن أكتب عن الديوان؛ لأنّ أبياته التي فَاقـت العـشرة آلاف ونَيّف، تتحدث عن نفسها ثَقافةً وتنوعًا وغنًى لغويًّا، ونفَسًا مُمْتَدًّا فِي القـصائد الطّوال، خاصة تلك التي يتوسل بل يتغزّلُ فِيهـا بِمَوالينـا آل بيـت الرسول .

عندها ستعرف أيّها القارئُ الكريم مُعاناة الوالد فِي الدّراسـة أوّلاً مـع غياب المدارس آنذاك ١٩٠٥ وَما بعد، ورحلته إلى المقرمـدة حيـثُ مدرسة أستاذه وسيِّده وملهمهِ الشيخ حسين ميهوب حرفوش.

ومن خلال قصائده ستلمس اللّغةَ الدينية الواضحة والنغم القرآنِي الطّاغي على معظم القصائد، وعندما تقرأ تهنئةً لحاج في ريف حمص الـشرقي، وتعزيةً لفقيدٍ من جبال اللاّذقية، والكثير الكثير بينـهما مـن التـهاني والتعازي والعتاب والمراسلات، ستدرك أَبعاد تلك المعاناة وسـر تلـك القصائدِ، ومضمون حياة الوالد الصعبة من بويـضة الزمـام في ريـف الدريكيش إلى برمانة المشايخ والمقرمدة والمـسعودية في ريـف حمـص الشرقي إلى الدريكيش.

محطّات كثيرةٌ في قصائد الديوان، توثيق وتاريخ لتفاصيلها، تجعلك أَيهـا القارئ أمام ملحمةِ حياةٍ صعبةٍ وتعبِ ليالٍ وأيامٍ وقَساوةِ أَعوامٍ وأعـوام مختصرة الآن فِي هذا الديوان الذّي يبدو وكأنه سيرةٌ ذاتيةٌ لكن بِلُغـةٍ شِعرية.

وستعرف مِن خلالها معاناته، رحمه الله، حتى فِي طلبِ الأولادِ الـذّكور من موالينا آل البيت، وقصائد التوسل والاستشفاع بهم ولديهم، خاصةً سيدنا الإمام علي زين العابدين الذّي توسل إِلَيهِ واطمأنّ مسبقًا إِلَى النتيجة؛ لإيمانه الراسخ وعقيدته الصافيةِ أنَّ من يتصل بحبـلِ آل البيـتِ يكونُ كمن أمسك بحبل الله، فيطلب ويتجرأُ؛ لقناعته أنه يطلـب مـن كريمٍ ويرجو من لدنه الحصانةَ، ويسمي أولاده الثلاث ( حسين، حسن، محسن ) قبل أَن يأْتوا إلى الحياةِ.

إِنها حِكَايةٌ تُحكى ورِوايةٌ تُروى لِعاشِقٍ جَعَلهُ عِـشقُهُ واثقًـا بِالحَيـاةِ والمَماتِ مُسَلِّمًا أَمره لله ورسولهِ وأهل بيته.

وكم تحدث عن الختام والخاتمة بقصائده بعد مناجاتهم في الحلّ والترحال والمرض والصحة والصيام والإفطار، وكم غنّى أهل البيتِ قبل الذّريـةِ وبعدها، وكم جنح في شِعره إلى حماهم العالي وطار بِجناح الوَلاية إليهم في الرّثاء والتهنئة والتوسّل والاستشفاع، وأحيانًا بعيدًا عـن مُناسـبة القصيدة، وكأنه يقول: لا أَستطيع الطّيرانَ إِلاّ فِي أجوائهم، ولا التحليق إلاّ في فضاءاتهم.

أيها القارئ العزيز:

من يكتب عن أبيه فهو في موقفٍ صعبٍ أنّى اتّجَه، فَإذا قَصّر سيـشعرُ بالخجلِ من نفسه تجاه علّة وجوده في الحياةِ، وإذا أطال خـاف سـهام الآخرين بالمغالاة والتضخيم.

لذلك سنتركُ لك أيها القارئ متابعةَ الرحلة وحيدًا في أحياء وشـوارع وبيوت وغرف وتفاصيل هذا الديوان.

وبالعودة إلى تعب الوالد ومعاناته الماديّة والمعنويّة وجمعه لقصائد الديوان على شكل مخطوطة جامعة بخط يده، وبعد جهدٍ منّا نحن أبناءه في عَرضِهِ ومراجعته وتدقيقه مع الأخ الشاعر الشيخ تمّام أحمد، رعاه الله، الذي عمل بجهد واضحٍ وتفانٍ جليٍّ وعقلٍ مُنفتحٍ وقلبٍ مُنبسِطٍ على مُراجعة النسخة الأساسية الوحيدة، وهي بخط السيد الوالد.

وكم تعب -عظّم الله أجره- في عمله وسهِر لتنفيذه، واتّصل للاستيضاح وقارن للاستزادة، وشرح قصيدةً من قصائد الديوان بإحاطةٍ شاملةٍ ودراسةٍ وافيةٍ ومُقارنةٍ عميقةٍ، فذكر شواهد من كل العصور ووصفها للمقارنة مع فكرةٍ أو بيتٍ أو لفظةٍ وردت في قصيدة الوالد التي مطلعها:

بالمُصطفى والمُرتضى أستشفعُ *** وإلى الأئِمَّةِ في المخاوفِ أَفْزَعُ

مع ما فيها من اقتباسٍ قُرآنِيٍّ أو تاريخيٍّ، ومسائل البديع في اللغة ومُتون النّحو والصرف، ما ينُمُّ عن شاعريّة فَذَّة وثقافة موسوعيّة ورحابة صدر وسِعَة اطّلاع وذاكرة ذهبيّة عند الأستاذ تمّام، فجزاه الله عنّا كُلَّ الجزاء، وأثابه ثواب الصالحين، وعوّضه بالعلم والصحة والعافية، حيث أنّه لم يقصد من عمله سوى الثواب، والثواب فقط، وجعل نُصبَ عينَيْهِ واجبًا دينيًّا وأخلاقيًّا وأدبيًّا هو إِماطةُ اللثام عن مضمون هذا الديوان، وإظهاره إلى العلن، لنفض غُبار السنين عن وجهٍ من وجوه المنطقة الساحلية بعلمها وشاعريّتها وثقافتها وأصالتها وارتباطها كَكُلّ أبناء المنطقة بالتاريخ العربي الأصيل والإسلام الحقيقي المُعتدل بعد عُقودٍ من التجنّي والاتّهام والغمز واللمز على أبناء هذه المنطقة.

ولن ننسى مطالبة أصدقاء الوالد وطلاّبه ومحبيه بطباعة هـذا التـاريخ وتوثيق هذه المعاناة، وإظهار معالم هذه الشخصية من خلال نشر هـذا العمل، فلهم جميعًا الشكر الجزيل والثواب العميم، مع دور الأستاذ تمّـام كما أسلفت، والمساهمة الجلية من حفيده الأستاذ معن حيـدر يوسـف بالدعم المادي والمعنوي.

فلكلّ من ساهم ولكلّ من سأل، ولكلّ من طالب، ولكلّ مـن اهـتم وشجع، الشكر الجزيلُ والامتنان الكبير، وعسى أن نكون قد وفينا والدنا الجليل بعضًا من حقّه علينا، وجزءًا من واجبنا تجاهـه، وتجـاه الوالـدة الراحلة حيث كانت على أمّيتها تسأل وتشجّعُ.

فالرحمة الواسعة للوالدين الكريمين والغفران الكبير لروحيهما.

أبناء الشاعر الشيخ عليّ أحمد كَتّوب
(حسين، حسن، محسن)