ج19 : رأينا ورأي غيرنا في مسألة الغناء.. أقسامه والاختلاف فيه.. تحريم، إباحة أم كراهة.. زور، لهو أم لغو.. كيف هو حلال من جهة وحرام من جهة.!؟

أُضيف بتاريخ السبت, 12/12/2015 - 12:21
المرسل: Robin في 12\04\2015م
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم شيخنا الكريم
ما حكم الإستماع إلى الأغاني و المعازف و هل هذا الحكم يختلف حسب طبيعة الأغنية أي صاخبة أو هادئة مثلا ، و إن كان مسموحا فهل هناك حدود ؟ و خاصة أن الاستماع إلى الأغاني و منها الأغاني الأجنبية انتشر بين الشباب و الشابات علما أن البعض يطلق على الأغاني خمر العقول و النفوس أو ترانيم الشيطان أو...
فهلا بينت لنا من فضلك حكم الإستماع لها من كتاب الله أو سنة نبيه أو أقوال الآئمة المعصومين عليهم أجمعين صلوات الله و سلامه و بركته

بَيَانُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

لَيْسَ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ آيَةٌ صَرِيْحَةٌ فِي النَّهْي، تَشْتَمِلُ عَلَى هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَوْ مَا يُشْتَقُّ مِنْهُمَا، عَلَى دَلالَتِهِمَا فِي السُّؤَالِ.

وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ المُتَكَلِّمُونَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ إِلَى تَفْسِيْرِ بَعْضِ الأَلْفَاظِ القُرْآنِيَّةِ بِالغِنَاءِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَمِنْهُ لَفْظُ ( لَهْو الحَدِيْث، وَالزُّور، وَاللَّغْو ) فِي قَولِهِ تَعَالَى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ 6  [ سورة لقمان]         

وَلَفْظ (( الزُّور )) فِي قَولِهِ تَعَالَى: 

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 30 [ سورة الحجّ ]

وَلَفْظ (( اللّغْو )) فِي قَولِهِ:

وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا 72  [ سورة الفرقان]

فَنُسِبَ تَفْسِيْرُ ( لَهْو الحَدِيْث، وَالزُّور، وَاللَّغْو ) بِالغِنَاءِ، إِلَى الإِمَامِ الصَّادِقِ ، وَإِلَى غَيْرِهِ، وَمِنْهُم عَبْد الله بن عَبّاس، وَالضّحاك، وَابن كَثِيْر. 1



أَقْسَامُ الغِنَاء فِي المَنْقُولِ

الغِنَاءُ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:

  1. النَّصْبُ: غِنَاءُ الرُّكْبَانِ،
     
  2. وَالسِّنَادُ: الغِنَاءُ الكَثِيْرُ النَّغَمَاتِ،
     
  3. وَالهَزَجُ: الغِنَاءُ الخَفِيْفُ الذّي يُثِيْرُ القُلُوبَ. 2

وَفِي مَعْنَى كُلِّ قِسْمٍ، أَقْوَالٌ مُلَخَّصُهَا:

النَّصْبُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الصَّوتَ يُنْصَبُ فِيْهِ، أَي: يُرْفَعُ وَيُعْلَى، وَيُسَمَّى الغِنَاءَ الجَنَابِيَّ، نِسْبَةً إِلَى جَنَاب بن عَبْد اللهِ، وَمِنْهُ كَانَ أَصْلُ الحُدَاء، أَي: سَوق الإِبِلِ وَالغِنَاء لَهَا، وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ رَجَّع فِي الحُدَاء: مُضَر بن نِزَار، سَقَطَ عَنْ جَمَلٍ فَانْكَسَرَتْ يَدُهُ، فَصَارَ يَقُولُ: وَايَدَاهُ، وَايَدَاهُ، فَجَدَّتِ الإِبِلُ فِي السَّيْرِ، وَقِيْلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَالهَزَجُ: صَوتٌ مُطْرِبٌ، أَو صَوتٌ فِيْهِ بَحَحٌ، أَو صَوتٌ دَقِيْقٌ مَع ارْتِفَاعٍ، أَو مَا فِيْهِ تَرَنُّمٌ.

وَالتّرَنُّمُ يَعْنِي: التّطْرِيْب وَالتّغَنِّي وَتَحْسِيْن الصَّوتِ، وَتَرْجِيْعَهُ، أَي: تَرْدِيْدُهُ فِي الحَلْقِ وَتَكْرِيْرُهُ.

وَهَذَا القِسْمُ يُرْقَصُ عَلَيْهِ وَيُمْشَى بِالدُّفِّ وَالمِزْمَارِ.

وَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ صَارَ غِنَاءُ العَرَبِ مِنَ المُجَزَّأِ المُؤَلَّفِ بِالفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ. 3

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى تَقْسِيْمِهِ عَلَى:

  • غِنَاءٍ بِغَيْرِ آلَةٍ مُلَحَّنٍ بِأَلْحَانٍ،
     
  • وَغِنَاءٍ مُقَارِنٍ للدُّفِّ وَالشَّبَّابَةِ،
     
  • وَغِنَاءٍ بِالأَوْتَارِ وَسَائِرِ المَزَامِيْرِ.

وَذَهَبَ قَومٌ إِلَى إِبَاحَةِ القِسْمِ الأَوَّلِ بِلا كَرَاهَةٍ، وَمِنْهُم مَنْ قَسَمَهُ عَلَى: مُبَاحٍ وَمُسْتَحَبٍّ، فَالمُسْتَحَبُّ: مَا كَانَ فِي العُرس وَنَحْوه، وَالمُبَاحُ: فِيْمَا سِوَى ذَلِكَ.

وَفِي كُلِّ قِسْمٍ، مَنْ حَرَّمَ، وَمَنْ أَجَازَ. 4


الاخْتِلافُ فِي الغِنَاءِ

اخْتَلَفُ المُفَسِّرُونَ فِي تَعْرِيْفِ الغِنَاءِ،

  • فَمنْهُم مَنْ قَالَ: مَا طُرِبَ بِهِ،
     
  • وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: تَحْسِيْنُ الصّوتِ وَتَرْقِيْقُهُ،
     
  • وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: تَرْجِيْعُ الصَّوت وَمَدُّهُ،
     
  • وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: الصَّوتُ المُشْتَمِلُ عَلَى التّرْجِيْعِ المُطْرِبِ وَإِنْ لَمْ يُطْرِب، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الشِّعْرِ أَمْ كَانَ فِي القُرْآنِ. 5

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى تَقْسِيْمِِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ:

  1. قِسْمٍ مُحَلَّلٍ: اعْتَادَهُ النَّاسُ، مِثْل حُدَاء الإِبِل، وَغِنَاءُ النِّسَاءِ لِتَسْكِيْنِ أَطْفَالِهِنِّ، وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ الذّي يُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَيُرَغِّبُ فِي الآخِرَةِ.
     
  2. وَقِسْمٍ مُحَرَّمٍ: وَهُوَ مَا يَنْتَحِلُهُ المُغَنُّونَ مِمَّا يُهَيِّجُ النُّفُوسَ، وَهَذَا هُوَ القِسْمُ المُخْتَلَفُ فِيْهِ، عَلَى تَحْرِيْمٍ وَكَرَاهَةٍ وَإِبَاحَةٍ. 6

مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُحَرِّمُ الغِنَاءُ

يَسْتَدِلُّ مَنْ يُحَرِّمُ الغِنَاءَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تَفْسِيْرِ بَعْضِ الآيَاتِ، وَبِبَعْضِ مَا رُوِيَ مِنَ الحَدِيْثِ، وَمِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ : (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَومٌ يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ وَالحَرِيْرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ )) 7

وَقَولُهُ: (( الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ فِي القَلْبِ، كَمَا  يُنْبِتُ المَاءُ البَقْلَ ))

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى عَدِّ أَحَدِهِمَا صَحِيْحًا، وَالآخَرِ ضَعِيْفًا. 8

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى صِحَّةِ حَدِيْثِ إِنْبَاتِ النِّفَاقِ. 9

وَفِي الاسْتِدْلالِ بِالمَعْقُولِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أُمُورٌ، مِنْهَا: أَنَّ الغِنَاءَ يُسَبِّبُ زَوَالَ الحَيَاءِ، وَيُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ، وَفِيْهِ تَشَبُّهٌ بِالمُخَنَّثِيْنَ. 10

وَيَنْتَقِدُ بَعْضُهُم عَلَى المُحَرِّمِ قَولَهُ، بِتَعْلِيْلِ الغِنَاءِ بِأَنَّهُ فِطْرَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ تُحَاكِي الخِلْقَةَ الإِلَهِيَّةَ، عَلَى أَنَّ الصَّوتَ الجَمِيْلَ الصَّادِرَ مِنْ حَنْجَرَةِ الإِنْسَانِ يُحَاكِي الأَصْوَاتَ الصَّادِرَةَ مِنْ حَنَاجِرِ البَلابِلِ وَالعَنَادِلِ، وَكَمَا لا يُعْقَلُ تَحْرِيْمُ أَصْوَاتِهَا، فَكَذَلِكَ لا يُعْقَلُ تَحْرِيْمُ الغِنَاءِ. 11

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى تَعْلِيْلِ التّحْرِيْم بِأَنَّهُ إِذَا اشْتَمَلَ الغِنَاءُ عَلَى التّغَزُّلِ بِالنِّسَاءِ وَأَدَواتِ العَزْفِ، فَهُوَ يَجُرُّهُ إِلَى اسْتِحْسَانِ القَبِيْحِ، وَإِذَا خَلا مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ سَبَبًا فِي تَذْكِيْرِ السَّامِعِ بِشَيءٍ مِنَ الأَخْلاقِ، فَلا حَرَجَ فِيْهِ. 12

وَكَثِيْرًا مَا يَسْتَنِدُ مَنْ يُحَرِّمُ اسْتِمَاعَ غِنَاءِ المَرْأَةِ، عَلَى تَحْرِيْمِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَتَحْرِيْمِ سَمَاعِ صَوتِهَا. 13

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّ صَوتَ المَرْأَةِ لَيْسَ عَورةً، فَقَدْ كَانَ النِّسَاءُ يُحَاوِرْنَ رَسُولَ اللهِ فَالنَّهْيُ عَنِ الخُضُوعِ بِالقَولِ، أَي: أَنْ تُلِيْنَ كَلامَهَا. 14


مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُبِيْحُ الغِنَاءَ

يَسْتَدِلُّ مَنْ يُبِيْحُ الغِنَاءَ بِآيَاتٍ مِنْهَا، قَولُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [ سورة الزمر 18 ] 

عَلَى أَنَّ ( القَول ) يَعُمُّ الغِنَاءَ وَغَيْرَهُ، وَالغِنَاءُ يُنَشِّطُ القُلُوبَ.

وَبِمَا جَاءَ في الحَدِيْث: (( رُوَيْدَكَ يَا أَنْجشَة رِفقًا بِالقَوَارِيْر )) وَكَانَ أَنْجشة حَادِيًا.

وَمِنْهُ: (( حَسِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُم ))، وَبِمَا كَانَ مِنْ نَشِيْدٍ فِي اسْتِقْبَالِ رَسُولِ اللهِ : طَلَع البَدْرُ عَلَيْنَا...

وَالاسْتِدْلالُ بِالمَعْقُولِ: أَنَّهُ يُحَرِّكُ القُلُوبَ بِالعَطْفِ وَالشَّفَقَةِ، وَالغِنَاءُ كَأَصْوَاتِ العَنَادِلِ فَلا بَأْسَ بِاسْتِمَاعِهِ. 15


 مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِالكَرَاهَةِ    

يَسْتَدِلُّ مَنْ يَقُولُ بِالكَرَاهَةِ إِلَى أُمُورٍ، مِنْهَا:

مَا نُسِبَ إِلَى رَسُولِ الله أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ غِنَاءِ جَارِيَةٍ وَخَمَّرَ وَجْهَهُ، في رِوَايَةٍ قَالَ فِيْهَا: (( نَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي مَنْخَرَيهَا )) وَذَلِكَ لَيْسَ مَنْعًا وَلَكِنْ تَنَزَّهٌ عَنْ سَمَاعِ الغِنَاءِ. 16

وَأَنَّهُ سَمِعَ مِزْمَارًا، فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. 17

وَأَنَّ الغِنَاءَ مِنَ الأُمُورِ المُتَشَابِهَاتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّقَى. 18

وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا، فِي صَحِيْح البخَاري:

(( ... عَن عَائِشة قَالَت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاء بُعَاث، فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْر فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُول الله فَقَالَ: دَعْهُمَا...)) 19

وَفِي كَلِمَةِ ( دَعْهُمَا ) آرَاء، فَقَدْ ذَهَبَ ابن تَيمية إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ أَقَرَّ الجَوَارِي؛ لأَنَّهُ يَوم عِيْدٍ، وَلَمْ يَعُدَّهَا دَلِيْلاً عَلَى إِبَاحَةِ الغِنَاءِ. 20

وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّ اعْتِرَاضَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ اجْتِهَادًا، وَأَنَّ النَّبِيّ أَكَّدَ الإِبَاحَةَ، وَتَحْويْل وَجْهِهِ كَانَ لِغَضِّ البَصَرِ، وَلَيْسَ لِكَفِّ الآذَان عَنِ السَّمَاعِ. 21


التَّفْصِيْلُ

المُرَادُ بِالتّفْصِيْلِ، هُوَ تَقْيِيْدُ التَّحْلِيْل بِشَيءٍ، وَتَقْيِيْدُ المَنْعِ بِشَيءٍ، أَي: التّحْلِيْل تَارةً، وَالتّحْرِيْمُ تَارَةً؛ لأَسْبَابٍ.

مِمَّا يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ فِي هَذَا، قَولُ رَسُولِ اللهِ :

(( فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَلالِ وَالحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوتُ فِي النِّكَاحِ )) 22

وَذَلِكَ لاتِّقَاءِ الرّمي بِالفَاحِشَةِ بِإِعْلانِ النِّكَاحِ.

فَقَالَ قَومٌ: مُقَيَّدٌ بِالأَعْرَاسِ، وَتُحَرَّمُ الدُّفُوفُ وَالمَعَازِفُ فِي غَيْرِهِ. 23


لَمْحَةٌ إِلَى بَعْضِ الآرَاءِ

مُلَخَّصُ بَعْضِ الآرَاءِ فِي كِتَابِ حُكم الغِنَاء:

رَأْي الشَّيخ مُحسن الكاشانِيّ: يُحَرَّمُ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَى المَلاهِي وَالعِيْدَان، وَلا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. 

وَرَأْي الشّيخ حَبيب الله الشّريف الكاشاني: إِذَا كَانَ يُهَيِّجُ الشَّهَوَاتِ، أَو صَدَرَ عَمَّنْ يُهَيِّجُهَا كَالأَمْرَدِ، أَو المَرْأَة، فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا خَلا مِنْ هَذَيْنِ فَالأَقْوَى أَنَّهُ مُبَاحٌ. 

وَرَأْي السَّيّد عَلِي الخَامنئي: إِذَا كَانَ التَحَدُّثُ عَنْ مَضْمُونٍ مُحَرّمٍ فِيْهِ مَعْصِيَة، فَهُوَ مُحَرَّمٌ.

وَرَأْي السَّيّد مُحَمّد حُسَين فَضل الله: إِذَا كَانَ المَضْمُونُ بَاطِلاً، أَي: يَرْجعُ إِلَى الغَرِيْزَةِ الجِنْسِيّةِ، فَلَيْسَ حَلالاً.

وَرَأْي الشَّيخ مُحَمّد المؤمن: إِذَا كَانَ مُنَاسِبًا لِمَجَالِسِ اللّهْو، فَهُو حَرَامٌ، وَلا دَلِيْلَ عَلَى حُرْمَةِ غَيْرِهِ.

وَرَأْي ابن حَزم الظّاهِري: مَنْ نَوَى بِالاسْتِمَاعِ المَعْصِيَةَ، فَهُو فَاسِقٌ، وَمَنْ نَوَى تَرْوِيْحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَهُو مُطِيْعٌ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلا مَعْصِيَةً، فَاسْتِمَاعُهُ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.

وَرَأْي الشَّيخ مَحْمود شلتوت: يُحَرَّمُ إِذَا اسْتُعِيْنَ بِهِ عَلَى مُحَرَّمٍ، أَو اتّخِذَ وَسِيْلَةً إِلَى مُحَرَّمٍ، أَو النَّهْيِ عَن وَاجِبٍ. 24

وَبَعْضُ الآرَاءِ عَلَى تَعْلِيْلِ التّحْرِيْمِ بِدُخُولِ الأَمْرِ فِيْمَا يُعَدُّ لَهْوًا يَبْعَثُ سَامِعَهُ عَلَى ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ.

فَمُلَخَّصُ إِجَابَةِ الدكتور البوطيّ: يُحَرَّمُ سَمَاعُهُ فِي المَلْهَى... وَمَا يُسْمَعُ فِي البَيْتِ لَيْسَ مُحَرَّمًا إِذَا خَلا مِنَ الأَلْفَاظِ النَّابِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي لَحْنِهِ إِغْرَاءٌ بِارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ. 25

وَمُلَخّصُ إِجَابَةِ السَّيّدِ عَلِيّ الخَامنئي: مَا يُعَدُّ فِي العُرْفِ مُنَاسِبًا لِمَجَالِسِ اللّهْوِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَالمُوسِيْقى اللّهْوِيّة هِيَ التّي تُبْعِدُ الإِنْسَان عَنِ الحَقِّ وَعَنِ الأَخْلاقِ الفَاضِلَة...لا فَرْقَ فِيْهِ بَيْنَ اللُّغَاتِ وَلا بَيْنَ بِلادِ الإِنْتَاجِ.. 26

وَمُلَخَّصُ رَأْي السَّيّدِ الخوئِي: المُحَرَّمُ مَا نَاسَبَ مَجَالِسَ اللّهْو وَالطَّرَبِ.. 27


رَأْيُنَا فِي مَسْأَلَةِ الغِنَاءِ


فِي تَفْسِيْرِ الغِنَاءِ بِالزُّورِ وَاللّغْوِ وَاللَّهْوِ، نَظَرٌ؛ لأَسْبَابٍ، بَيَانُهَا فِي الكَلامِ عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ.


لَفْظ ( الزّور )

الزُّوْرُ فِي اللُّغَةِ أَصْلٌ وَاحِدٌ: يَدُلُّ عَلَى المَيْلِ وَالعُدُولِ، مِنْ ذَلِكَ، الزُّورُ: الكَذِبُ؛ لأَنَّهُ مَائِلٌ عَنْ طَرِيْقَةِ الحَقِّ. 28

وَعَلَى هَذَا فََإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْ تَفْسِيْرِ الغِنَاءِ بِالزُّورِ لَيْسَ عَامًّا، وَإِنَّمَا مُقَيَّدٌ بِاتِّخَاذِ الغِنَاءِ ذَرِيْعَةً إِلَى الفَاحِشَةِ، فَمَنْ جَعَلَهُ سَتْرًا عَلَى مَا أَخْفَاهُ مِنْهَا، فَقَدْ عَدَلَهُ عَنِ السَّمَاعِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا حُرِّمَ لِمَا فِيْهِ مِنَ الفَسَادِ.

وَلَعَلَّ الإِمَامَ البَاقِرَ عَنَاهُ بِإِجَابَتِهِ عَنْ كَسْبِ المُغَنِّيَاتِ:

(( التّي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ: حَرَامٌ، وَالتّي تُدْعَى إِلَى الأَعْرَاسِ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَهُوَ قَولُ اللهِ عزّ وجلّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ سورة لقمان 6] )) 29

وَالإِمَامَ الصَّادِقَ فِي قَولِهِ:

(( أَجْرُ المُغَنِّيَةِ التّي تَزُفُّ العَرَائِسَ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَيْسَتْ بِالتّي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ )) 30

وَيُسْتَدَلُّ مِنْ تَحْلِيْلِ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ فِي الأَعْرَاسِ عَلَى تَحْلِيْلِ عَمَلِهَا، وَفِي وَصْفِ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ التّي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَسْبَ المُغَنِّيَةِ التّي لا يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ كَسْبٌ حَلالٌ.

وَعَلَى هَذَا فَالمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا يُخَالِطُ الكَسْبَ مِنْ حَرَامٍ نَشَأَ عَنِ اسْتِحْلالِ الحَرَامِ، وَلَيْسَ عَنِ الغِنَاءِ الذّي لا يُحَرَّمُ كَسْبُ المُكْتَسِبِ بِهِ.

فَالأَصْلُ فِيْهِ إِبَاحَةُ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ، فَإِذَا شَابَهُ شَيءٌ اكْتُسِبَ بِالبِغَاءِ، فَهُوَ طَارِئٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الطَّارِئُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الغِنَاءِ، لَمْ يُدْخِلِ الكَسْبَ كُلَّهُ فِي الحَرَامِ، وَإِنْ خَالَطَ الكَسْبَ المُبَاحَ.

وَلَولا ذَلِكَ لَمَا فُرِّقَ بَيْنَ الجِهَتَيْنِ، فَفَصَلَ الإِمَامُ بَيْنَ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ فِي الأَعْرَاسِ، وَبَيْنَ كَسْبِ البَغِيِّ.

فَلَيْسَ الغِنَاءُ عِلَّةَ تَحْرِيْمِ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ، وَإِنَّمَا بِغَاؤهَا إِنْ كَانَتْ لَهَا صِفَةُ المُغَنِّيَةِ، فَالكَلامُ هُنَا عَلَى المُكْتَسَبِ بِالغِنَاءِ وَعَلَى المُكْتَسَبِ بِالبِغَاءِ، وَإِنِ اجْتَمَعَتِ الصِّفَتَانِ فِي شَيءٍ وَاحِدٍ.

وَذَلِكَ لأَنَّ تَحْلِيْلَ الكَسْبِ دَالٌّ عَلَى تَحْلِيْلِ العَمَلِ، وَتَحْلِيْلُ العَمَلِ دَالٌّ عَلَى تَحْلِيْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّوتِ وَمِنِ اسْتِمَاعِهِ.

وَلَعَلَّ شُيُوعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ سَبَبُ التَّشْدِيْدِ فِيْمَا تَقَدَّمَ مِنَ التّفَاسِيْرِ.

وَلَعَلَّ مِنْ أَسْبَابِ كَرَاهَتِهِ مَا كَانَ مِنِ اسْتِعْمَالِ مَنْ خَرَجَ مِنْ نِسَاء مَكَّة الدُّفُوفِ يَوم أُحُد فِي التّحْرِيْضِ عَلَى القِتَال، فَأَدَّى إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ.

وَمَا كَانَ مِنْ إِسْرَافٍ فِي النَّفَقَةِ عَلَى المُغَنِّيَاتِ فِي قُصُورِ الخُلَفَاءِ وَإِضَاعَةِ المَالِ فِي الشَّهَواتِ، فهُنَاكَ مَجَالِسُ اللَّهْوِ الذّي كَانَ يَتَبَذَّخُ فِيْهِ المُؤْتَمَنُ عَلَى خَلْقِ اللهِ بِمَالِ اللهِ.

وَيُؤَيِّدُهُ تَشَابُهُ لَفْظِ ( الزَّمَّارَة ) وَلَفْظِ ( الرَّمَّازَةِ )، وَتَصْحِيْحُ بَعْضِ اللّغَوِيِّيْنَ القَول: (( إِنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ كَسْبِ الزَّمَّارَةِ ))، عَلَى مَا جَاءَ فِي مُعْجَمَاتِ اللُّغَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُ (( الزَّمَّارَةُ )) وَذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّهُ (( الرَّمَّازَةُ )) بِتَقْدِيْمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ، مِنَ الرَّمْزِ، وَهِيَ التّي تُومِئُ بِشَفَتَيْهَا وَبِعَيْنَيْهَا وَبِحَاجِبَيْهَا، فَوَقَعَ الاخْتِلافُ، أَهُو كَسْبُ المُغَنِّيَةِ، أَم كَسْبُ البَغِيِّ. 31

وَيُؤَيِّدُ هَذَا التّفْسِيْرَ عَلَى مَا أَرَى، قَولُ الإِمَامِ الصَّادِقِ :

(( بَيْتُ الغِنَاءِ لا تُؤْمَنُ فِيْهِ الفَجِيْعَةُ، وَلا تُجَابُ فِيْهِ الدَّعْوَةُ، وَلا يَدْخُلُهُ المَلَكُ )) 32

وَالذّي يَجْعَلُهُ بَيْتًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُوَ مَا يَقَعُ فِيْهِ مِنَ الإِفْسَادِ مِنَ الفَاحِشَةِ وَالاعْتِدَاءِ، وَهُوَ مَا يُبْنَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ الغِنَاءِ، كَالذّي يُعْرَفُ فِي زَمَانِنَا بِالمَلْهَى اللّيْلِيّ، وَقَلَمَّا يَخْلُو بَيْتٌ مِنْ تِلْكَ البُيُوتِ مِنَ الفَاحِشَةِ.

وَلِذَلِكَ أَحْمِلُ مَا جَاءَ مُعَيَّنًا فِيْهِ الدُّفُّ وَالطُّنْبُورُ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ الدُّفَّ إِذَا لَمْ يُتَخَّذْ ذَرِيْعَةً إِلَى الفَاحِشَةِ، فَلا يَظْهَرُ المُرَادُ مِنْ ذَلِكَ التّشْدِيْدُ.

وَمِنْهُ قَولُ الإِمَامِ الصَّادِقِ :

(( الغِنَاءُ مَجْلِسٌ لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى أَهْلِهِ، وَهُوَ مِمَّا قَالَ اللهُ عزّ وجَلّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ سورة لقمان 6]   )) 33

عَلَى مَا تَقَدَّمَ الاسْتِشْهَادُ بِهِ مِنْ كَلامِ الإِمَامِ الصَّادِقِ الذّي ذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ فِي حَدِيْثٍ فَصَلَ بِهِ بَيْنَ المُغَنِّيَةِ التّي يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَبَيْنَ التّي تُدْعَى إِلَى الأَعْرَاسِ.

وَذَلِكَ لأَنَّ إِطْلاقَ تَسْمِيَةِ ( بَيْت الغِنَاء ) عَلَى كُلِّ بَيْتٍ يُسْتَعْمَلُ فِيْهِ دُفٌّ أَو طُنْبُور، سَيُدْخِلُ فِي تِلْكَ التّسْمِيَةِ البُيُوتَ التّي تَكُونُ فِيْهَا الأَعْرَاسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَى أَنَّ تَحْلِيْلَ كَسْبِ المُغَنِّيَةِ فِي الأَعْرَاسِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ عَمَلَهَا حَلالٌ، وَعَلَى مَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ الاسْتِمَاعِ.

وَلِذَلِكَ فَإِنَّ المَجْلِسَ الذّي لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى أَهْلِهِ، لَيْسَ مَجْلِسَ الغِنَاءِ؛ لأَنَّ فِيْهِ غِنَاءً.

وَإِنَّمَا المَجْلِسُ الذّي يَكُونُ فِي ظَاهِرِهِ غِنَاءً، وَفِي بَاطِنِهِ فَاحِشَةً، يُسْتَرُ بِالغِنَاءِ عَلَى الفَاحِشَةِ، فَذَلِكَ هُوَ المَجْلِسُ الذّي لا تُجَابُ فِيْهِ الدَّعْوَةُ، عَلَى أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى النَّهْيِ مَع النَّفْيِ بِتَقْدِيْرِ مَحْذُوفٍ أَبْلَغُ مِنْ جَعْلِهَا للنَّفْيِ وَحْدَهُ.

وَكَأَنَّ المُرَادَ: ذَلِكَ بَيْتٌ لا تَأْمَنُ فِيْهِ الفَجِيْعَةَ بِفَقْدِ مَا يُوجِعُكَ فَقْدُهُ، فَلا تَدْخُلْهُ، وَبَيْتٌ لا تُجَابُ فِيْهِ إِذَا وَقَعْتَ فِي مَكْرُوهٍ؛ لأَنَّكَ عَلَى حَالٍ يَمْقُتُهَا اللهُ، فَلا يَسْتَجِيْبُ لَكَ الخَالِقُ وَلا يَرِقُّ عَلَيْكَ المَخْلُوقُ، فَلا تَدْخُلْ مِثْلَ هَذَا البَيْتِ، وَبَيْتٌ لا تَدْخُلُ إِلَيْهِ المَلائِكَةُ، فَلا تَدْخُلْهُ تَنَزُّهًا عَنْهُ.

وَعَلَى هَذَا المَعْنَى أَحْمِلُ مِنَ الأَحَادِيْثِ التّي رُوِيَتْ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُ الفُقَهَاءِ بِالغِنَاءِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا الوَجْهَ فِي تَفْسِيْرِهِم، مَارُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ :

(( صَوتَانِ مَلْعُونَانِ يَبْغُضُهُمَا اللهُ، إِعْوَالٌ عِنْدَ مُصِيْبَةٍ، وَصَوتٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ )) 34

فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُهُم الصَّوتَ عِنْدَ النِّعْمَةِ، بِالغِنَاءِ، وَلَسْتَ أَرَى هَذَا الرَّأْيَ لِمَا يَحْتَمِلُهُ الخَبَرُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.

فَالصَّوتُ فِي الأَصْلِ لَيْسَ مُخَصَّصًا بِالغِنَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ (( الصَّاد وَالوَاو وَالتّاء: أَصْلٌ صَحِيْحٌ، وَهُو جِنْسٌ لِكُلِّ مَا وَقَرَ فِي أُذُنِ السَّامِعِ ..)) 35

وَ (( وَالوَاو وَالقَاف وَالرّاء: أَصْلُ يَدُلُّ عَلَى ثِقَلٍ فِي الشَّيءِ، مِنْهُ: الوَقْرُ: الثِّقَلُ فِي الأُذُنِ..)) 36

فَمَا يَثْقُلُ فِي أُذُنِ سَامِعِهِ مَكْرُوهٌ، فِي المُصِيْبَةِ وَفِي النِّعْمَةِ، وَمِنْهُ اسْتُعْمِلَ الصَّوتُ بِمَعْنَى الضّوضَاء وَالجَلَبَةِ، وَفِي اللّغَةِ شَوَاهِدُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الفَخْرِ وَالعُجْبِ.

فَهُمَا صَوتَانِ مَبْغُوضَانِ، لَيْسَ لأَنَّهُمَا صَوتَان، وَإِنَّمَا لِمَا يُحْدِثَانِ مِنْ أَذَىً، فَيَتَأَذَّى بِهِمَا الخَلْقُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ لا يَتَأَذَّى بِشَيءٍ عَلَى الحَقِيْقَةِ، وَإِنَّمَا عَلَى المَجَازِ أَنَّ مَا يَبْغُضُهُ الخَلْقُ لِمَا يَتَأَذَّونَ بِهِ، فَهُو يَبْغُضُهُ. 

وَإِذَا مُنِعَ مَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَفْسِيْرُ الغِنَاءِ بِالعُدُولِ وَالمَيْلِ ؟

إِنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى وَصْفِ الشَّيءِ بِخِلافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، لِيَدْخُلَ فِي بَابِ الكَذِبِ، فَلا يُحْمَلُ إِلاَّ عَلَى الأَلْفَاظِ المُسْتَعْمَلَةِ فِيْهِ، وَهَذَا يُدْخِلُهُ فِي بَابٍ غَيْرِ بَابِهِ، وَلا أَعْلَمُ لَهُ وَجْهًا فِي تِلْكَ التّسْمِيَةِ.

عَلَى أَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا يُسْتَعْمَلُ فِيْهِ، فَلَيْسَ دَلِيْلاً عَلَى تَخْصِيْصِهِ بِالغِنَاءِ؛ سَوَاءٌ أَوُضِعَ مِنْ أَجْلِهِ، أَمْ لَمْ يُوْضَعْ.

وَذَلِكَ لأَنَّ النَّظَرَ فِي الغِنَاءِ مِنْ جِهَةِ الصَّوتِ وَالأَنْغَامِ وَالاسْتِمَاعِ، وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ الأَلْفَاظِ، إِلاَّ إِذَا نُظِرَ فِيْهِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ المُجْتَهِدِيْنَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الاسْتِِشْهَادُ بِهِ مِنْ مَضْمُونِهِ.

وَعَلَى هَذَا كَانَ الاخْتِلافُ فِيْهِ، فَالمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ فِئَةٍ، مُسْتَقْبَحٌ عِنْدَ غَيْرِهَا، وَإِدْخَالُ المَذَاهِبِ فِي مِثْلِ هَذَا يَمْنَعُ الاتِّفَاقَ.


لَفْظ ( اللّغْو )

اللّغْوُ فِي اللُّغَةِ أَصْلانِ: أَحَدُهُمَا: يَدُلُّ عَلَى الشَّيءِ لا يُعْتَدُّ بِهِ، وَالآخَرُ: عَلَى اللَّهَجِ بِالشَّيءِ. 37

فَإِذَا أُرِيْدَ بِهِ مَا لا يُعْتَدُّ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَى سَامِعِهِ شَيءٌ؛ لأَنَّهُ يَسْمَعُ شَيئًا لا وَزْنَ لَهُ، فَلا يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ، وَمَا لا يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ، فَأَمْرُهُ إِلَى مَنْ يَسْتَمِعُهُ.

وَإِذَا أُرِيْدَ اللَّهَجُ بِالشَّيءِ، أَي: اعْتِيَادُهُ، وَالمُثَابَرَةُ عَلَيْهِ، وَالإِغْرَاءُ بِهِ، وَالإِيْلاعُ بِهِ.

فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَصْرِفْهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي بَاطِلٍ، كَأَنْ يُضِيْعَ حَقًّا، أَو يُفْسِدَ حَقًّا، أَو يُبْطِلَ حَقًّا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَلْهَجَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيْهِ إِضْرَارٌ وَلا إِفْسَادٌ وَلا اعْتِدَاءٌ.

أَمَّا إِذَا فُسِّرَ اللَّغْوُ بِمَا يُؤْذِي مِنَ الكَلامِ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُم فِي بَيَانِهِ أَنَّهُ سَفَهُ القَولِ وَالسَّبُّ وَالشَّتْمُ. 38

فَإِنَّ مَا وَرَدَ مِنْ تَفْسِيْرِ اللّغْوِ الذّي لا يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَسْتَزِيْدَ، يُخَصِّصُ التّفْسِيْرَ بِاشْتِمَالِ الغِنَاءِ عَلَيْهِ، وَيُخْرِجُهُ بِخُلُوِّهِ مِنْهُ.

وَعَلَى هَذَا يُفَسَّرُ الإِعْرَاضُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ 55  [ سورة القصص ] 

وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُعَدُّ مِنْ فُحْشِ الكَلامِ وَهُجْرِ القَولِ، وَلَيْسَ فِي الغِنَاءِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلا يَرْضَاهُ إِلاَّ مَنِ اسْتَحَبَّ الخَبِيْثَ عَلَى الطَّيِّبِ.

وَعَلَى تَفْسِيْرِ ( اللّغْوِ ) فِي أَحَدِ مَعَانِيْهِ بِالشَّيءِ الذّي لا يُعْتَدُّ بِهِ، كَانَ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ ( البَاطِل ) التّي لا تَدُلُّ فِي أَصْلِهَا عَلَى مَا نَظُنُّ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَفَسَادٍ.

وَذَلِكَ لأَنَّ (( البَاءَ وَالطَّاء وَاللاّم: أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ذَهَابُ الشَّيءِ وَقِلَّةُ مَكْثِهِ وَلَبْثِهِ... وَسُمِّيَ الشَّيْطَانُ: البَاطِلَ؛ لأَنَّهُ لا حَقِيْقَةَ لأَفْعَالِهِ، وَكُلُّ شَيءٍ مِنْهُ فَلا مَرْجُوعَ لَهُ وَلا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ..)) 39

فَإِذَا عُدَّ الغِنَاءُ بَاطِلاً، أَو فِي البَاطِلِ، أَو مِنَ البَاطِلِ، أَو مَع البَاطِلِ، فَالمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا انْتَفَعَ بِهِ الإِنْسَانُ، فَإِنَّ نَفْعَهُ لا يَلْبَثُ إِلاَّ قَلِيْلاً، وَلا يَبْقَى لَكَ مِنْ أَثَرِهِ شَيءٌ، وَلا تَخْرُجُ مِنْ سَمَاعِهِ بِفَائِدَةٍ تَبْقَى إِلَى آخِرَتِكَ وَلَيْسَ المُرَادُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ تَحْرِيْمُهُ، أَو أَنَّ فِيْهِ مُعَانَدَةً أَو مُكَابَرَةً.

فَالحَقُّ، أَو مَا يُعَدُّ حَقًّا: هُوَ الذّي يَثْبُتُ وَيَبْقَى، وَعَلَيْهِ أَحْمِلُ قَولَ الإِمَام البَاقِرِ يُجِيْبُ مَنْ سَأَلَهُ عَنِ الغِنَاءِ، فَسَأَلَهُ الإِمَامُ : إِذَا مَيَّزَ اللهُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ فَأَنَّى يَكُونُ الغِنَاءُ ؟

فَقَالَ الرّجُلُ: مَع البَاطِل، فَقَالَ الإِمَامُ : قَدْ حَكَمْتَ. 40

فَلَيْسَ فِي هَذَا الخَبَرِ دَلِيْلٌ عَلَى تَحْرِيْمِ الغِنَاءِ، وَإِنَّمَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّهُ ذَاهِبٌ لا يَمْكُثُ طَوِيْلاً، وَلا يُعَوَّلُ عَلَى شَيءٍ مِنْهُ.

وَمِنْ هَذَا قَولُ الشَّيخ مُحَمّد حَسن شعبان:

سِيَّانِ عِنْدِي إِنْ حَمَلْتُ يَرَاعَةً
    لَيْسَتْ لِدِيْنِي أَوحَمَلْتُ المِعْزَفَا 41


أَي: يَسْتَوِي الأَمْرَانِ عِنْدِي، فَكِلاهُمَا لا يَمْكُثُ وَلا يَلْبَثُ.


لَفْظ ( اللَّهْو )

اللّهْو فِي اللُّغَةِ أَصْلانِ: أَحَدُهُمَا: يَدُلُّ عَلَى شُغْلٍ عَنْ شَيءٍ بِشَيءٍ، اللّهْو: كُلُّ شَيءٍ شَغَلَكَ عَنْ شَيءٍ فَقَدْ أَلْهَاكَ، وَالآخَرُ: عَلَى نَبْذِ شَيءٍ مِنَ اليَدِ، اللُّهْوَةُ: مَا يَطْرَحُهُ الطَّاحِنُ فِي ثُقْبَةِ الرَّحَى بِيَدِهِ. 42

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الغِنَاءَ لا يُعَدُّ لَهْوًا إِلاَّ إِذَا شَغَلَ عَنِ الوَاجِبِ وَأَلْهَى، فَقَصَّرَ المُسْتَمِعُ فِيْمَا لا يَجُوزُ التّقْصِيْرُ فِيْهِ بِسَبَبِ اسْتِمَاعِهِ.

فَإِذَا أَلْهَى دَخَلَ فِي بَابِ الحَرَامِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ اسْتِعْمَالِهِ، وَمِنْهُ قَولُ الإِمَامِ الصَّادِقِ :

(( إِنَّمَا حَرَّمَ اللهُ الصِّنَاعَةَ التّي حَرَامٌ هِيَ كُلُّهَا التّي يَجِيءُ مِنْهَا الفَسَادُ مَحْضًا نَظِيْرَ البَرَابِطِ وَالمَزَامِيْرِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَكُلِّ مَلْهُوٍّ بِهِ، وَالصُّلْبَانِ وَالأَصْنَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَاتِ الأَشْرِبَةِ الحَرَامِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ وَفِيْهِ الفَسَادُ مَحْضًا.......  إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صِنَاعَةً قَدْ تَنْصَرِفُ إِلَى جِهَاتِ الصَّنَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُتَصَرَّفُ بِهَا وَيُتَنَاوَلُ بِهَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ المَعَاصِي، فَلَعَلَّهُ لِمَا فِيْهِ مِنَ الصَّلاحِ حَلَّ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيْمُهُ وَالعَمَلُ بِهِ، وَيُحَرَّمُ عَلَى مَنْ صَرَفَهُ إِلَى غَيْرِ وَجْهِ الحَقِّ وَالصَّلاحِ...)) 43

وَذَلِكَ فِي تَصْنِيْفِهِ الصِّنَاعَاتِ، فَكُلُّهَا :

(( تَكُونُ حَلالاً مِنْ جِهَةٍ، وَحَرَامًا مِنْ جِهَةٍ، وَالفَرْضُ مِنَ اللهِ عَلَى العِبَادِ فِي هَذِهِ المُعَامَلاتِ الدُّخُولُ فِي جِهَاتِ الحَلالِ مِنْهَا، وَالعَمَلُ بِذَلِكَ الحَلالِ، وَاجْتِنَابُ جِهَاتِ الحَرَامِ مِنْهَا.)) 44

وَالحُكْمُ بِحَسَبِ اسْتِخْدَامِ الإِنْسَانِ تِلْكَ الآلاتِ التّي فِيْهَا مَنَافِعُ للنَّاسِ، فَاسْتِخْدَامُهَا فِي الإِضْرَارِ يُدْخِلُهَا فِي بَابِ الحَرَامِ.

وَتَقْيِيْدُ اللّهْوِ فِي بَعْضِ الأَحَادِيْثِ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِيْمَا أَرَى، وَبِأَيِّ شَيءٍ لَهَا المَرْءُ، فَلَمْ يَكُنْ فِي لَهْوِهِ اعْتِدَاءٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَلا تَنَاوُلُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، وَاضِحٍ تَحْرِيْمُهُ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، لَمْ يُعَدَّ فِعْلُهُ لَهْوًا؛ فَاللَّهْو مَا أَلْهَى عَمَّا لا يَجُوزُ أَنْ يُلْهَى عَنْهُ.

وَلا أَرَاهُ فِي زَمَانِنَا كَالذّي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ جَعْلِهِ لَهْو الحَدِيْثِ، عَلَى مَا فِي الآيَةِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ 6  [ سورة لقمان]  

إِلاَّ إِذَا تَبِعَهُ الاسْتِهْزَاءُ وَالازْدِرَاءُ، وَهُوَ مُنْكَرٌ حَيْثُ مَا كَانَ، كَالذّي ضَمَّنَهُ قَدْحًا وَذَمًّا وَتَطَاوَلَ فِيْهِ عَلَى مُعْتَقَدِ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ هَذَا مَا كَانَ مِمَّا يَعْرِفُهُ مَنْ تَعَاطَاهُ.

وَفِيْمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ يَصِحُّ عَدُّ الغِنَاءِ إِضْلالاً عَنْ سَبِيْلِ اللهِ؛ لأَنَّ سَبِيْلَ اللهِ الحُبُّ، وَالتّرَاحُمُ، وَمَنْ أَفْحَشَ فِي مَنْطِقِهِ فَقَدْ أَضَلَّ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ؛ لأَنَّهُ مُعْتَدٍ عَلَى خَلْقِ اللهِ، وَظَالِمٌ فِي ازْدِرَائِهِ النَّاسَ، وَإِيْذَائِهِم فِيْمَا يَعْتَقِدُونَ.

وَلَسْتَ أَرَى تَقْيِيْدَ سَبِيْلِ اللهِ بِمِنْهَاجٍ وَلا بِشِرْعَةٍ، فَكُلُّ خَيْرٍ سَبِيْلٌ إِلَى اللهِ، وَكُلُّ شَرٍّ سَبِيْلٌ إِلَى الشَّيْطَانِ.

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ وَصْفَ الغِنَاءِ بِأَنَّهُ صَوتُ إِبْلِيْس، أَو نَوْحُهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مُخَصَّصٌ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الغِنَاءُ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ الإِسَاءَةِ وَالإِقْذَاعِ، فَإِذَا خَلا مِنْ ذَلِكَ، فَلا أَرَى فِيْهِ كَرَاهَةً.  

وَذَلِكَ لأَنَّ أَصْلَ ذَمِّ إِبْلِيْسَ هُوَ اسْتِكْبَارُهُ، وَالاسْتِكْبَارُ نَاشِئٌ عَنِ الازْدِرَاءِ، بِدَلالَةِ قَولِهِ تَعَالَى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 12 [ سورة الأعراف]

فَادِّعَاؤُهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَم نَشَأَ عَنِ ازْدِرَائِهِ آدَمَ وَاسْتِصْغَارِهِ قَدْرَهُ.

وَمِنْهُ حِكَايَةُ قَولِ نُوحٍ: وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ 31 [ سورة هود]

فَمَنِ ازْدَرَى غَيْرَهُ، أَي: حَقَّرَهُ وَأَهَانَهُ افْتِخَارًا وَتَكَبُّرًا، فَقَدْ أَطَاعَ إِبْلِيْسَ وَعَصَى اللهَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الغِنَاءُ وَغَيْرُهُ.

وَلَسْتُ أَرَى تَخْصِيْصَهُ بِشَيءٍ إِذَا خَلا مِنَ الأَذَى، بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الغَزَلِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، فَهُو مُبَاحٌ فِيْمَا أَعْلَمُ، وَحُدُودُهُ كَغَيْرِهِ، الاعْتِدَالُ، أَي: تَوَسُّطُ حَالٍ بَيْنَ حَالَيْنِ فِي كُلِّ شَيءٍ، فَإِذَا كَانَ صَاخِبًا وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، فَلا إِشْكَالَ.

إِلاَّ أَنَّ خَفْضَ الصَّوتِ أَلْطَفُ وَأَحَبُّ إِلَى المِسْمَعَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مِنَ الآيَاتِ قَولُهُ تَعَالَى، حِكَايَة قَول لُقْمَان لابْنِهِ: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ 19 [ سورة لقمان]

وَلَيْسَتْ تُقَاسُ هَذِهِ الأُمُورُ بِفِعْلِ الأَئِمَّةِ؛ لأَنَّ مَا يَقْوَى عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ لا يَقْوى عَلَيْهِ غَيْرُهُم، وَيُؤَيِّدُهُ قَولُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب :

(( أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَامًا يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.

أَلا وَإِنَّ إِمَامَكُم قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.

أَلا وَإِنَّكُم لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِيْنُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ..)) 45

فَإِذَا لَمْ يَفْعَلِ الأَئِمَّةُ شَيئًا مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لأَنَّهُ لا يَلِيْقُ بِمَقَامِ الإِمَامَةِ وَلَيْسَ لِتَحْرِيْمِهِ عَلَى مَنْ يَسْمَعُهُ.

وَالذّي أَعْلَمُهُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ لا تُؤْذِي بِهِ أَحَدًا، فَلَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ فِي عَمَلِهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الأَصْلَ فِي الإِقْرَارِ بِاللهِ هِيَ أَنْ يَسْلَمَ النَّاسُ مِنَ الأَذَى.

وَأَحْسَنُ مَا يُلَخِّصُ الجَوَابَ أَنَّهَا حَلالٌ مِنْ جِهَةٍ وَحَرَامٌ مِنْ جِهَةٍ.

وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
27\11\2015

 

 

  • 1فروع الكافي ج4\444 ، 445، محمد بن يعقوب الكليني، ضبطه: محمد جعفر شمس الدين، دار التعارف\بيروت\ط1993م، كتاب الأشربة (341) باب الغناء، الغناء والمعزف في ضوء الكتاب والسنّة وآثار الصحابة، د. سعيد بن علي القحطاني، مطبعة سفير\السعودية، نظرة الإسلام إلى الموسيقى والغناء، محمد إبراهيم الموحد القزويني، مكتبة الألفين\الكويت\ط3\1983م.
  • 2العقد الفريد، لابن عبد ربه، شرحه..: أحمد أمين، إبراهيم الأبياري، عبد السلام هارون، قدم له: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي\بيروت، 6\29، بتصرف.
  • 3تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي، تح: علي شيري، دار الفكر\بيروت\1994م، العمدة في نقد الشعر وتمحيصه، الحسن بن رشيق القيرواني، شرح..: د. عفيف نايف حاطوم، دار صادر\بيروت\ط1\2003م، ص 560.
  • 4فرح الأسماع برخص السماع، محمد الشاذلي التونسي، تح: د. محمد الشريف الرحموني، الدار العربية للكتاب \ليبيا\ تونس\ط 1985م.
  • 5نظرة الإسلام إلى الموسيقى والغناء، الغناء في الإسلام، الشيخ إيهاب حمدون، دار الهادي\بيروت\ط1\2005م.
  • 6كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، دار الصحابة للتراث\مصر\تح: قسم التحقيق بالدار، ط1\1992م، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، ابن حجر الهيتمي، تح: عادل عبد المنعم أبو العباس، مكتبة القرآن\مصر.
  • 7كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 32.
  • 8أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان، عبد الله بن يوسف الجديع، مكتبة دار الأقصى\الكويت\ط1\1986م.
  • 9كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، ص 38.
  • 10كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 48....
  • 11الغناء والموسيقى حلال أم حرام، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر\ مصر\ط 1999م، ص 7، بتصرف
  • 12الرد على من يحب السماع، طاهر بن عبد الله الطبري، تح: مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث\مصر\ط1\1990م\ ص 10، بتصرف
  • 13كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 65.
  • 14حكم الغناء في الشريعة الإسلامية، يحيى عبد الحسن هاشم الدوخي، مؤسسة بوستان\قم\ط1\ 1432، ص 104، بتصرف
  • 15كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 51......
  • 16كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 58.
  • 17تحريم النرد والشطرنج والملاهي، محمد بن الحسين الآجري، ..تح.: محمد سعيد عمر إدريس، إدارة الطبع والترجمة في إدارات البحوث العلمية\السعودية\ط1\1982م\ ص206،كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 73.
  • 18كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 59.
  • 19صحيح البخاري، 1\301، دار إحياء التراث العربي، محب الدين الخطيب، محمد فؤاد عبد الباقي، قصي محب الدين الخطيب، ط1\ المطبعة السلفية\1400هـ، كتاب العيدين، (2) باب الحراب والدرق يوم العيد، الحديث (949).
  • 20حكم السماع، لابن تيمية، تح: حماد سلامة، مراجعة: د. محمد عويضة، مكتبة المنار\الأردن\ط1\1988م\ ص 19، بتصرف
  • 21الغناء والموسيقى حلال أم حرام، ص 10، بتصرف
  • 22سنن النسائي،ص 548، ضبط..: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية\بيروت\ط2\2009م، (26) كتاب النكاح، (72) إعلان النكاح بالصوت والضرب بالدف، الحديث ( 3366).
  • 23كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص 79، كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، ص 56.
  • 24حكم الغناء في الشريعة الإسلامية، ص 115، وما بعدها...
  • 25منشورات اجتماعية، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر\دمشق\ط1\2001م ص 161.
  • 26أجوبة الاستفتاءات، السيد علي الخامنئي، مؤسسة الهدى، ط2\1424هـ، 1\224 ، 225، 227.
  • 27صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات، السيد الخوئي، مع تعليقات الميرزا الشيخ جواد التبريزي، دار المحجة البيضاء\بيروت\ط1\1996م\ 2\289.
  • 28معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تح: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب\2002م\3\36.
  • 29فروع الكافي ج3\114 ، كتاب المعيشة (69) باب كسب المغنية وشرائها، حد (1)
  • 30فروع الكافي ج3\115 ، كتاب المعيشة (69) باب كسب المغنية وشرائها،حد (3)
  • 31تاج العروس من جواهر القاموس.
  • 32فروع الكافي ج4\446 ، كتاب الأشربة (341) باب الغناء،حديث (15)
  • 33فروع الكافي ج4\447 ، كتاب الأشربة (341) باب الغناء،حديث (16)
  • 34دعائم الإسلام 1\281، النعمان بن محمد التميمي، تح..: د. عارف تامر، دار الأضواء\بيروت\ط1\1995م.
  • 35معجم مقاييس اللغة 3\318.
  • 36معجم مقاييس اللغة 6\132.
  • 37معجم مقاييس اللغة 5\255.
  • 38حكم الغناء في الشريعة الإسلامية ص 103.
  • 39معجم مقاييس اللغة، 1\258.
  • 40فروع الكافي ج4\448 ، كتاب الأشربة (341) باب الغناء،حديث (25)
  • 41نفحات العرفان، الشيخ محمد حسن شعبان، دار كيوان\دمشق\ط1\2005م\ ص200.
  • 42معجم مقاييس اللغة، 5\213.
  • 43تحف العقول، ما روي عن الإمام الصادق.
  • 44تحف العقول، ما روي عن الإمام الصادق.
  • 45شرح نهج البلاغة. من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري.