مقام الصدق عند العلويين وفوائده.

أُضيف بتاريخ الأثنين, 20/02/2012 - 15:47

الصدق وفوائده

 

قال رسول الله :

(عليكم بالصدق فإنّ الصدق يَهدي إلى البِرّ، والبِّرُ يَهدي إلى الجنّة، ولا يزال الرجل يصدُقُ ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدّيقًا).

هذا الحديث الشريف يأمر به رسول الله أهل الإيمان بأن يجعلوا شعارهم الصدق في كُل الأمور أقوالاً وأفعالاً، ثم يوضح النتيجة التي يحصل عليها المؤمن من الصدق وهي: البِرّ، ومعلومٌ أنّ البِرَّ هو الطاعة وأنّ الطاعة هي المطيّة التي توصل إلى دار المحبوب، وإلى هذا أشار بعض العارفين بقوله:

لئِن حَمَلتني ناقتي نحو دارها   وصلتُ وإلاّ مُتُّ في دارِ غُربتي


وقال رسول الله : (استنجدوا مطاياكم فإنّها تُنجيكم من هولِ يومِ القيامة). قيل: يا رسول الله، ما المطايا؟ فقال : (هي الأعمال الصالحة).

ثم يدلنا على الطريق التي نسلكها لنكون من أهل الصدق ونُكتب عند الله من الصِدّيقين فيقول: (لا يزال الرجل يَصدُقُ ويتحرّى الصِدقَ حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا).

هذا والمُتعارف عليه أنّ الصدق ما طابق الواقع أو ما وافق المُعتقد وأنّ له فضائل كثيرة منها أنّه يجعل لقب من لَزِمَهُ وعُرف به (الصادق) وأعظِمْ به من لقبٍ، وجديرٌ بالذكر أنّ أوّل من لُقّبَ بـ الصادق رسول الله فقد كان يُعرف بـ (الصادق الأمين) قبل أن يُوحى إليه، وأنّه يجعل من عُرف به عالي المنزلة مُحترمًا بين الناس، وأمينًا عند الجميع على الأنفس والأعراض والأموال.

ويتلخّص هذا بأنّ الصدق يرمز بصاحبه إلى الإنسان الكامل الذي يُسيطر عقله على هواه، وهذا الإنسان هو الذي يرتفع بذاته قولاً وفعلاً عن الكذب والخداع والرياء والتدجيل، لا بل هو الإنسان الذي اختاره الله ليكون نبيًا من أنبيائه أو وليًا من أوليائه الذي أثنى عليهم في كتابه الكريم ومدحهم بالصدق والتقوى فقال: الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.

ولقد وصف الله سبحانه كثيرًا من أنبيائه المُرسلين بالصدق قبل ذِكرهم بصفات النبوّة، منهم سيّدنا إدريس ، قال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا قال أنّه كان صِدّيقًا قبل أن يقول أنّه نبي.

ومنهم سيدنا ابراهيم عليه السلام فقد ذكره بنفس الأسلوب فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا.

ووصف إسماعيل عليه السلام بالصدق قبل وصفه بالرسالة والنبوّة فقال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا.

وقال سبحانه أنّه وهَبَ لإبراهيم عليه السلام ذُرية طيبة وجعل كل واحدٍ منهم نبيًا وله لسانٌ عالٍ في الصدق فقال: وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا.

وهذا ولم يصف الله سبحانه الأنبياء والرُسل وحدهم بالصدق، بل جعل الصدق وصفًا شاملاً لكل فئات المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

وجعل الصدق الصفة الثانية من الأوصاف التي وصف بها عباده المؤمنين، فقال: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ.

وأوضح لنا بما لا يحتمل الرَيْب ولا الظن أنّ الصادقين هم المؤمنون فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.

ولقد جعل الله الصِدّقين بالمرتبة الثانية، أي بعد النبيين فقط فقال: فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا.

هذه بعض الآيات التي وردت بمدح الصِدِّقين والثناء عليهم في كتاب الله عزّ وجلّ، أمّا الأحاديث الشريفة والأخبار الصادقة عن النبي وعن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، فهي ممّا لا يُحصر ولا يَصل بها مُتحدّث إلى نهاية.

روى عبد الله بن عمر أنّه جاء رجلٌ إلى النبيّ فقال: يا رسول الله، ما عمل أهل الجنّة؟
فقال : (عملُ أهل الجنّة الصدق، فإذا صدق العبد برّ، وإذا برّ أمِنَ، وإذا أمِنَ دخل الجنّة).

وقال الأحنف بن قيس لابنه: (يا بُنيّ يكفيك من شرّ الصدق أنّ الصادق يُقبلُ قوله في عدوّه، وأنّ الكاذب لا يُقبل قوله حتى في صديقه).

وقال الإمام علي : (الصدق علوّ والكذب مَذَلّة).

وقال : (الإيمان أن تُؤثِرَ الصِدقَ حيث يَضُرّكَ على الكذب حيث ينفعك).

وكفى بالصدق فضيلة أنّه به توزن الأعمال وهذا ما قاله الإمام الصادق : (من صدق لسانه صدق عمله).

وروى فضيل بن يسار أنّ الإمام الصادق قال له:

(يا فضيل، إنّ الصادق أوّل من يُصَدّقه الله لأنّه يعلم أنّه صادقٌ، وتصدّقه نفسه وتعلم أنّه صادق، ثم يُصدّقه الناس ويعلمون أنّه صادق).

وقال الصادق : (كونوا دعاة الناس للخير بغير ألسنتكم ليروا منكم الإجتهاد والصدق). ومعناه كونوا دُعاة الناس بأفعالكم وعند ذلك يُصدّقون أقوالكم.

وقال الصادق :

(لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم فإنّ الرجل ربما لَهَجَ بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة).

ومعنى هذا أن نجعل ثقتنا بالناس مبنيّة على اختبارنا لهم ومعرفتنا بهم بصدق الحديث وأداء الأمانة لا على ما يتظاهرون به من كثرة الصلاة والصيام وغيره فتلك عادةٌ يصعُبُ تركها على من تعوّدها، فإذا أمعنّا النظر وأنعمنا الفكر في هذه الأحاديث رأينا أنّ الصدق حصنٌ منيعٌ لمن يتّصف به، وحِليَةٌ جميلةٌ لمن يتزيّن بها، فقد تجعل العبد سيّداً والصعلوك أميراً.

يُروى أنّه قيل للقمان: ألستَ عبداً لآل فلان؟ قال: نعم. فقيل له: فما بلغ بك إلى ما نرى؟ فقال:

  • (صدق الحديث،
     
  • وأداء الأمانة،
     
  • وعفّة النفس،
     
  • وتركي ما لا يعنيني،
     
  • وكفّ لساني،
     
  • وغض بصري،
     
  • فمن نقص من هذا فهو دوني،
     
  • ومن زاد عليه فهو فوقي،
     
  • ومن عمله فهو مثلي).

وممّا يتقدّم يتّضح أنّ الصدق أجمل المزايا التي يتحلّى بها الإنسان وكفاه شرفاً أنّه تُؤمنُ غوائله، وتُتّبع أفعاله، ويوثق بأقواله، ولا يستنكر عليه أحد رُتبةً ينالها في الدين ولا في الدنيا. جعلنا الله جميعاً من أهل الصدق.