رؤية العلويين في أنّ: الأقليّة هم أهل الخير..

أُضيف بتاريخ الخميس, 03/03/2011 - 14:31

الأقليّة هم أهل الخير

 

قوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ

إنّ أهل الخير وأهل الإصلاح هم الأقلّون في كل زمان ومكان ولا أدلّ على قلتهم من انتصار الباطل وهزيمة الحق في أكثر المعارك التي تدور بين الحق والباطل.

وهذه القلة من أهل الخير هم الذين آمنوا بالأنبياء واتبعوا الرسل ودليل ذلك في قول الله سبحانه في بعض أنبيائه: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ.

وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ

لقد أنعم الله على عباده نِعماً كثيرة لا تُعَدّ ولا تحصى:

  • فالعافية نعمة.
  • والقوة نعمة.
  • والفهم نعمة.
  • والهداية نعمة.
  • والعقل نعمة.
  • وهكذا... الأرض والماء والهواء والنور والفواكه والزروع والأشجار والأثمار وغيره وغيره...

ولكن لم يشكر الله سبحانه على هذه النِعَم إلا القليل كما قال سبحانه: وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ.

ومما لا ريب فيه أنّ هذه القلة من الناس هم أهل الدين والهداية والكرم والعزة والوفاء، قال الشاعر:

تُعَيّــرنـا أنّـا قليــلٌ عديـدنـا   فقلت لها إنّ الكـرام قليـلُ

وما ضرّنا أنّا قليلٌ وجارنا   عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ


وحسبنا من الدلالة على فضل الأقلية الصالحة أنّ الله ذكّر الذين اتبعوا سيدنا محمد بأنهم كانوا قليلين مُستضعفين في الأرض يملأ الخوفُ من الناس قلوبَهم وصدورَهم حتى آواهم الله وأيدهم بنصره قال تعالى: وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ

ولقد ذكر الله أتباع النبي عندما جهّزهم لغزوة بدر بأنهم كانوا قلّة مُستضعفين وكان أعداؤهم كثيرين أقوياء ولكن هذا لم يمنع من الإنتصار عليهم، قال سبحانه: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ أي قليلون ضعفاء فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

ولا غرابة أن تغلب الفئة القليلة المتّكلة على الله الفئة الكثيرة المعتمدة على نفسها وقوتها وغناها، قال عز وجل: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ.

ومن هاهنا يُقال أنّه لا يجوز أن يستوحش أهل الحق من قلة أنصار الحق، قال الشاعر:

لا يوحِشنَّك في طريقِ   الحـقِ قلّــةُ أهلــهِ


ومما تقدّم يتضح أنّ أهل الخير والإصلاح دائمًا وأبدًا هم الأقلية المغمورة بين الناس وأنّ أهل الشر والفساد هم الكثرة الساحقة التي حق عليها القول ولم تؤمن بالله، قال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.

ولقد بيّن الله جهل الأكثرية وعدم تفكيرها فيمن يبسط الرزق لمن يشاء ويُقدّر ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

والذي تجدر الإشارة إليه أن الكثرة حتى في الكلام مذمومة إلا إذا كانت بذكر الله أو في سبيل الخير والدعوة إلى الإصلاح، قال تعالى: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ.

هذا بعض ما ورد في كتاب الله من مدح القلة المؤمنة الفاعلة للخير وذم الكثرة الكافرة الفاعلة للشر فضلاً عما ورد من هذا النوع عن النبي وعن الأئمة الطاهرين وهو أكثر من أن يُحصى أو يُحصر فمن ذلك قول رسول الله : (لا خير في كلام كثير تُغني عنه كلمة واحدة).

وقوله : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت).

ومن أقوال العرب: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب).

وقال: (البلاء موكَلٌ بالمنطق).

وقال الشاعر:

ما أن ندمت على سكوتي مرة   ولقد ندمتُ على الكلام مرارًا


وأما القول الذي لا يُجاريه قولٌ في هذا المضمار هو قول الإمام في ذم كثرة الكلام، قال:

(من كثُرَ كلامه كثر خطؤه،
ومن كثر خطؤه قل حياؤه،
ومن قل حياؤه قلّ ورعه،
ومن قلّ ورعه كثرت ذنوبه،
ومن كثرت ذنوبه مات قلبه،
ومن مات قلبه دخل النار
).

وهذا قولٌ صحيحٌ لمن تأمّله وفكر به بل هو القول الفصل لمن علمه وعمِل به، أليس الذي يكثر كلامه لا بد أن يُخطئ، إما بالألفاظ، وإما بحركات الإعراب، أو تركيب الجُمَل، أو بالخروج عن رغبة المستمعين إليه بالموضوع.

وواضحٌ أنه لا يُقدم على تحمّل هذه الأخطاء كلها إلا من قلّ حياؤه فلا يُبالي بالنقد ولا بالإستهزاء، وفي مثل هذا يُقال: (إذا لم تستحِ فافعل ما تشاء).

ومعلومٌ أيضًا أنّ قِلّة الحياء تدعو لارتكاب المعاصي واقتراف الجرائم وفِعل الموبقات، وهذا معنى قلة الورع إذ لا ورع لمن لا يقف عند محرم أو محظور، ومن وصل إلى هذا الحد من ارتكاب الخطايا واقتراف الذنوب كثُرت ذنوبه، ومات ضميره، ومن مات قلبه، أي انعدم الإيمان من قلبه، ومن ينعدم الإيمان من قلبه يُصبح كافرًا، والكافر بلا شك مصيره للنار.

فلينظر العاقل إلى صفة القلة وما فيها من المدح والإستحسان، وإلى الكثرة حتى ولو كانت في الكلام وما فيها من الذم والتقبيح، ونزولاً عند هذه القاعدة وعملاً بقول رسول الله لمعاز بن جبل: (أمسِك عليك هذا) وأشار إلى لسانه الطاهر.

نكتفي بهذا القدر اليسير من هذا الموضوع والله الموفّق.