الكلام على ألفاظ ( المعنى والاسم )

أُضيف بتاريخ الأحد, 24/08/2014 - 14:16

الكلام على ألفاظ ( المعنى والاسم )


وَمِنْ أَوْهَامِهِ الّتِي مَنَعَتْهُ أَنْ يُصِيْبَ الصَّوَابَ ، قَوْلُهُ :

(( والألوهية عندهم رمز له اسم ومعنى ، أي ظاهر وباطن، وعلي هو المعنى.على نحو ما أن عيسى لدى المسيحية هو الكلمة. وعلي هو الفيض الأول والعقل الكلي لأنه قائم بالكل، ويسمى القلم لنقشه المعلومات في قوابل ألواح النفوس. ويسمى كلمة الله لأن الله خلق العالم بالكلمة لقوله تعالى في محكم كتابه العظيم: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ}.[سورة النساء 171].

قال الخصيبي : (( الألوهية لها الاسم العظيم والمعنى القديم أي ظاهر وباطن .وعلي هو المعنى القديم،فمن يعبد الاسم دون المعنى هو كافر لأنه لا يعبد شيئاً حقيقياً ، ومن يعبد الاسم والمعنى فهو مشرك، وأما عبادة المعنى دون الاسم فذلك هو دين التوحيد الخالص )).)).
1


بَيَانُ الوَهْمِ

مَا نَسَبَهُ المُؤَلِّفُ إِلَى الخَصِيْبِيّ ، هُوَ كَلامُ أَهْلِ البَيْتِ ، وَلَيْسَ رَمْزاً مِنْ رُمُوْزِ الخَصِيْبِيّ ، وَلَيْسَ تَفْسِيْرُهُ كَمَا تَوَهَّمَ .

فَفِي كِتَاب الكَافي للشّيخ الكُلَيْنِيّ ، وَفِي كِتَاب التّوحِيْد للشّيْخ الصّدوق ، وَفِي كِتَاب وَسَائل الشّيْعَة ، وَفِي كِتَابِ الاِحْتِجَاج للطّبرسِيّ، وَفِي كِتَابِ بِحَارِ الأَنْوَار، وَغَيْرِهَا :

(( عَنْ هِشَام اِبْنِ الحَكَمِ ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاشْتِقَاقِهَا، اللهُ مِمَّ هُوَ مُشْتَقٌّ ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي : يا هِشَام ، اللهُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلَهٍ ، وَالإِلَهُ يَقْتَضِي مَأْلُوْهاً ، وَالاِسْمُ غَيْرُ المُسَمّى ، فَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ دُوْنَ المَعْنَى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ وَالمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ وَعَبَدَ اِثْنَيْنِ ، وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى دُوْنَ الاِسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيْدُ ، أَفَهِمْتَ يَا هِشَامُ ؟.
قَالَ : فَقُلْتُ زِدْنِي ، قَالَ : إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اِسْماً، فَلَو كَانَ الاِسْمُ هُوَ المُسَمّى ، لَكَانَ كُلُّ اِسْمٍ مِنْهَا إِلَهاً ، وَلَكِنَّ اللهَ مَعْنَىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ ، وَكُلُّهَا غَيْرُهُ ، يَا هِشَامُ : الخُبْزُ : اِسْمٌ للمَأْكُوْلِ ، وَالمَاءُ : اِسْمٌ للمَشْرُوْبِ ، وَالثّوْبُ : اِسْمٌ للمَلْبُوْسِ ، وَالنّارُ : اِسْمٌ للمُحْرِقِ ، أَفَهِمْتَ يَا هِشَامُ فَهْماً تَدْفَعُ بِهِ وَتُنَاضِلُ بِهِ أَعْدَاءنَا ، وَالمُتَّخِذِيْنَ مَعَ اللهِ جَلّ وَعَزَّ غَيْرَهُ ؟. قُلْتُ : نَعَم. قَالَ :فَقَالَ: نَفَعَكَ اللهُ بِهِ وَثَبَّتَكَ يَا هِشَام . قَالَ هِشَامُ: فَوَ اللهِ مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيْدِ حَتّى قُمْتُ مَقَامِي هَذَا )) .
2

وَفِي الكَافِي وَالتّوْحِيْد وَبِحَار الأَنْوَار وَتَفْسِيْر الصّافِي :

(( عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قَالَ : مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالتَّوَهُّمِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ دُوْنَ المَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ وَالمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى بِإِيْقَاعِ الأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِه الّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلانِيَتِهِ ، فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ عليه السلام حَقّاً ......)) 3

فَهَذِهِ أَلْفَاظٌ وَرَدَتْ فِي كَلامِ أَهْلِ البَيْتِ وَلَيْسَتْ مِنْ رُمُوْزِ الخَصِيْبِيّ كَمَا تَوَهّمَ المُؤَلِّفُ ، فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ المُسْلِمَ العَلَوِيَّ يَقُولُ : (( اللهُ هُوَ العليُّ ، وَاللهُ هو المعنى)). وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ عِبَادَةُ مَخْلُوْقٍ ، كَانَ وَاهِماً فِي قَوْلِهِ ، وَمِنْ عَادَتِهِ التَّوَهّمُ وَالتَّكَهُّن .

وَإِنّمَا يَقُوْلُ آخِذاً مِنْ أَهْلِ البَيْتِ ، وَيُوَحِّدُ كَمَا وَحَّدُوا ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِ الإِمَامِ الصّادِق :

(( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اِسْماً ، فَلَو كَانَ الاِسْمُ هُوَ المُسَمّى لَكَانَ كُلُّ اِسْمٍ مِنْهَا إِلَهاً ، وَلَكِنَّ اللهَ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ ، وَكُلُّهَا غَيْرُهُ .)).

فَاسْمُ عَلِيٍّ مِنَ الأَسْمَاءِ الّتِي قَالَ فِيْهَا : (( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِيْنَ اِسْماً )).

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا . [سُوْرة النّسَاء ].

وَقَوْلُهُ : وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ . [سُوْرة البقرة ].

وَقَوْلُهُ :  ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . [سُوْرة الحجّ.]

وَفِي سُوْرَة لُقْمَان : ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .

وَمِنْ قَوْلِ الإِمَام الصّادِق : (( وَلَكِنَّ اللهَ مَعْنَىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ .)).

جَازَ القَوْلُ فِي الأَسْمَاءِ الحُسْنَى الّتِي أَمَرَ تَعَالَى أَنْ يُدْعَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . [ سورة الأعراف].

أَنَّ اللهَ مَعْنىً يُدْعَى بِاسْمِ عَلِيٍّ وَالعَلِيِّ ، وَأَنّ اللهَ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْمِ عَلِيٍّ وَالعَلِيِّ ، وَكَذَلِكَ القَولُ فِي سَائِرِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، فَأَيُّ رَمْزٍ فِي هَذَا ؟.

أَيَقُوْلُ اللهُ : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا .

وَيَقُولُ : وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .

وَيَقُوْلُ : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا .

وَيَقُولُ الإِمَامُ الصّادِقُ : (( وَلَكِنَّ اللهَ مَعْنَىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ .)).

ثُمَّ يَدَّعِي مَنْ يَدَّعِي البَحْثَ عَنِ التّوْحِيْدِ عِنْدَ العَلَوِيّيْنَ : أَنَّ هَذَا رَمْزٌ مِنْ رُمُوْزِنَا !؟.!؟.

أَيَنْقُلُ الشّيخُ الكُلَيْنِيّ فِي الكَافِي ، وَالصّدوق فِي التّوْحِيْد ، وَالعَامِلِيّ فِي الوسَائِل ، وَالطّبرسيّ فِي الاِحْتِجَاج ، وَالمَجْلِسِيّ فِي بِحَارِ الأَنْوَارِ وَغَيْرُهُم ، قَوْلَ الإِمَام الصّادِق :

(( فَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ دُوْنَ المَعْنَى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ وَالمَعْنَى ، فَقَدْ كَفَرَ وَعَبَدَ اِثْنَيْنِ ، وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى دُوْنَ الاِسْمِ ، فَذَلِكَ التَّوْحِيْدُ ...)).

ثُمَّ يَدَّعِي مَنْ يَدّعِي : أَنّ هَذَا رَمْزٌ مِنْ رُمُوْزِ الأُلُوْهِيّةِ عِنْدَ العَلَوِيّيْنَ؟.

وَكَيْفَ نَأْمَنُ رَجُلاً يُصَوِّرُ مِنْ أَوْهَامِهِ تَوْحِيْداً ، وَيَجْعَلُ مِنْ ظُنُوْنِهِ حُجَجاً وَمِنْ شُكُوْكِهِ بَيِّنَاتٍ ، كَأَنَّ التَّأْلِيْفَ ضَرْبٌ مِنَ التَّكَهُّنِ ، وَالحَقَائِقَ أَلْوَانٌ مِنَ التَّوَهُّمِ ،وَالبَحْثَ دُرُوْسٌ فِي التَّظَنِّي وَالتَّوْقِيْعِ .

وَمَا لَنَا فِي هَذَا رَمْزٌ وَلا لُغْزٌ ، إِلاّ إِذَا كَانَ الإِمَامُ الصّادِقُ يَتَكَلّمُ فِي التّوْحِيْدِ رَمْزاً ، فَيَكُون هَذَا رَمْزاً مِنْ رُمُوْزِ أَهْلِ البَيْتِ ، وَمَنِ اتّبَعَهُم وَلَسْنَا مُنْفَرِدِيْنَ بِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ رُمُوْزِنَا ، فَلا نَتَكَلَّفُ تَأْوِيْلَ كَلامٍ مُحْكَمٍ، غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى تَأْوِيْلٍ .

وَمِنْ قَولِ الإِمَامِ الصّادِق :

(( وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى بِإِيْقَاعِ الأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِه الّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلانِيَتِهِ ، فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) حَقّاً .))

عَرَفْنَا التّوْحِيْدَ وَالعِبَادَةَ ، فَعَبَدْنَا المَعْنَى بِإِيْقَاعِ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى عَلَيْهِ، وَمِنْ تِلْكَ الأَسْمَاءِ (( عَلِيٌّ وَالعَلِيُّ ))، وَلَكِنِ الْتَبَسَ الكَلامُ عَلَى بَعْضِهِم ، فَظَنّوا وَأَسَاؤوا بِنَا ظَنّاً ، وَلَوْ تَأَمّلُوا كَلامَ أَهْلِ البَيْتِ ، وَمَيَّزُوا مَا يَقْرَأونَ ، فَلَمْ يَخْلطُوا كَمَا خَلَطَ هَذَا المُؤَلِّفُ الّذِي نَسَبَ إِلَيْنَا كَلامَ ابنِ عَرَبِيّ ، ثُمّ زَعَمَ أَنّهُ التّوْحِيْدُ العَلَوِيّ ، لَمَا حَمَلُوا أَوْزَارَ التّكْفِيْرِ وَالتّسْفِيْهِ.

فَكَمَا بَنَى هَذَا المُؤَلّفُ كِتَابَهُ عَلَى ظُنُوْنٍ وَأَوْهَامٍ ، إِذْ وَقَفَ عَلَى كِتَابٍ لابْنِ عَرَبِيّ فَنَسَبَهُ إِلَيْنَا بِلا بَصِيْرَةٍ ، كَذَلِكَ فَعَلَ الّذِيْنَ كَتَبُوا مِنْ قَبْلِهِ ، فَكَفّرُوا وَسَفّهُوا ، وَقَوَّلُوْنَا مَا لَمْ نَقُلْ .

وَكَمَا سَهَا فَجَعَلَ كَلامَ أَهْلِ البَيْتِ  رَأْياً مِنْ آَرَاءِ الخَصِيْبِيّ ، فَزَعَمَ أَنّ لِلألُوهِيّة عِنْدَنَا رَمْزاً هُوَ الاِسْمُ وَالمَعْنَى، مَعَ أَنّهُ كَلامُ الأَئِمّةِ الّذِيْنَ نَقُولُ بِعِصْمَتِهِم ، كَذَلِكَ عَجِلَ الّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِ ، فَلَمْ يَتَثَبَّتُوا فِي إِفْتَاءٍ اسْتَحَلَّ حَرَاماً مِنَ الدِّمَاءِ ، وَحَرَّمَ حَلالاً مِنَ الحُقُوْقِ .

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لِمَ تَعَلَّقْتُمْ بِاسْمِ (( عَلِيٍّ )) دُوْنَ غَيْرِهِ ؟.

قُلْنَا :

لَسْنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى ، وَإِذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الاِسْمِ فَلأَنّهُ أَوّلُ اسْمٍ اخْتَارَهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُ فِي الكَافِي وَالتّوْحِيْدِ وَعُيُونِ أَخْبَار الرّضَا :

(( .. عَنِ ابنِ سنان، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الحَسَنِ الرِّضَا ع: هَلْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَارِفًا بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ ؟. قَالَ : نَعَم، قُلْتُ : يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا ؟. قَالَ : مَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ؛ لأَنّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهَا وَلا يَطْلبُ مِنْهَا، هُوَ نَفْسُهُ وَنَفْسُهُ هُوَ، قَدْرَتُهُ نَافِذَةٌ، فَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يُسَمِّيَ نَفْسَه، وَلَكِنّهُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَسْمَاء، لِغَيْرِهِ يَدْعُوهُ بِهَا، لأَنّهُ إِذَا لَمْ يُدْعَ بِاسْمِهِ؛ لَمْ يُعْرَفْ، فَأَوَّلُ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ: العَلِيّ العَظِيْم ؛ لأَنّهُ أَعْلَى الأَشْيَاء كُلِّهَا، فَمَعْنَاهُ اللهُ، وَاسْمُهُ العَلِيُّ العَظِيْمُ هُوَ أَوّلُ أَسْمَائِهِ، عَلا عَلَى كُلِّ شَيءٍ .)) 4

وَمِنْ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ مِرْآة العُقُول :

(( إِنّمَا سُمِّيَ بِالعَلِيّ لأَنّهُ أَعْلَى الأَشْيَاءِ ذَاتاً، وَبِالعَظِيْمِ لأَنّهُ أَعْظَمُهَا صِفَاتاً، فَهَذَانِ اسْمَانِ جَامِعَانِ يَدُلاّنِ عَلَى تَنَزّهِهِ تَعَالَى عَنْ مُنَاسَبة المَخْلُوقَاتِ وَمُشَابَهَتِهَا بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، فَمَعْنَاهُ (( الله )) أَي مَدْلُولُ هَذَا اللّفْظِ ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَصُّ الأَسْمَاءِ بِالذَّاتِ المُقَدّس، بَلْ عَلَى أَنّهُ اسْمٌ بِإِزَاءِ الذَّاتِ لا بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ (( عَلا عَلَى كُلّ شَيءٍ )) أَي عَلا الاِسْمُ عَلَى كُلِّ الأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الصِّفَاتِ، أَوْ هُوَ تَفْسِيْرٌ للاِسْمِ تَأْكِيْداً لِمَا سَبَقَ .))5

وَمِنْ شَرْح أُصُول الكَافِي :

(( ( فَأَوّلُ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ العَلِيُّ العَظِيْمُ ) الظّاهِرُ أَنّهُ الأَوّلُ بِالإِطْلاقِ فَهُوَ إِذن ذَلِكَ الاِسْمُ المَذْكُور فِي الحَدِيْث السّابِق الّذِي هُوَ الأَصْلُ للجَمِيْع، وَيَحْتَملُ أَنّهُ أَوَّلُ بِالإِضَافَةِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ ( لأَنّهُ أَعْلَى الأَشْيَاءِ كُلِّهَا ) أَي فَوْقَهَا بِالرّتْبَةِ وَالعلّيّة وَشَرَفِ الذَّاتِ، وَكُلُّ شَيءٍ سِوَاهُ نَاشٍ مِنْهُ مُفْتَقِرٌ إِلَيْه مِنْ جَمِيْعِ الجِهَاتِ، وَهَذَا إِمّا تَعْلِيْلٌ لِتَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الاِسْمِ أَوْ تَعْلِيْلٌ لِكَوْنِ هَذَا الاِسْمِ أَوَّلَ الأَسْمَاءِ، أَمّا الأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثّانِي فَلأَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اخْتِيَارَ الاِسْمِ لأَجْلِ غَيْرِهِ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الاِسْمُ الأَوَّلُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنّهُ أَعْلَى مِنْهُم بِحَسبِ العَظَمَةِ وَالذَّاتِ .

( فَمَعْنَاهُ اللهُ ) أَي الذَّاتُ المُقَدَّسَةُ عَنِ النّقَائِص وَالحَالاتِ، المُتَّصِفَةُ بِجَمِيْع الصِّفَاتِ وَالكَمَالاتِ ( وَاسْمُهُ العَلِيّ العَظِيْم ) الدَّالّ عَلَى كَمَالِ عُلُوِّهِ وَعَظَمَتِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( هُوَ أَوّلُ أَسْمَائِهِ عَلا عَلَى كُلِّ شَيءٍ ) عُلُوّاً عَقْلِيًّا مُطْلَقاً بِمَعْنَى أَنّهُ لا رُتْبَة فَوقَ رُتْبَتِهِ وَلا رُتْبَة تُسَاوِي رُتْبَتَهُ ....))
6

فَهُوَ لِتَأْكِيْد الإِخْلاصِ فِي الشّهَادَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ ، بِأَنّهُ الحَقُّ وَمَا يُدْعَى دُوْنَهُ بَاطِلٌ ، تَبَرُّكاً بِقَوْلِهِ :

 ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ 63 [ سورة الحجّ ]

  وَمِمّا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ فِي وَصْفِ اللهِ تَعَالَى ، وَمِنْهُ قَولُ الإِمَامِ الرِّضَا :

(( سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوْكَ وَلا وَحَّدُوْكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَصَفُوْكَ ، سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوْكَ لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُم أَنْفُسُهُم أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَيْرِكَ، اللَّهُمَّ لا أَصِفُكَ إِلاَّ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، وَلا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكَ ....)).7

وَفِي نَهْجِ البَلاغَةِ :

(( فَانْظُرْ أَيّهَا السّائِلُ ، فَمَا دَلَّكَ القُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ ، فَائْتَمَّ بِهِ ، وَاسْتَضِئْ بِنُوْرِ هِدَايَتِهِ ، وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ ، مِمّا لَيْسَ فِي الكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ ، وَلا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَأَئِمّةِ الهُدَى أَثَرُهُ ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللهِ عَلَيْكَ .)).8

كَانَ وَصْفُهُ تَعَالَى مَوْقُوفاً عَلَى مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ :  إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا  .

وَفِي قَوْلِهِ :  وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ  .

وَفِي قَوْلِهِ :  وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ  .

فَوَصَفْنَاهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، فَقُلْنَا : اللهُ عَلِيٌّ كَبِيْرٌ ، وَاللهُ العَلِيُّ الكَبِيْرُ ، وَاللهُ العَلِيُّ العَظِيْمُ ، لِمَا فِيْهِمَا مِنْ مَعَانِي التّنْزِيْهِ .

قَالَ تَعَالَى:  وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ 100  . [سورة الأنعام .]

وَفِي سُورةِ الإِسْرَاء :  قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا 42 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا 43  .

وَفِي سُوْرَةِ النّحْل :  أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ 1  .

وَفِي الكَافِي وَبِحَارِ الأَنْوَار ، قَولُ الإِمَام الكَاظِمِ :

(( إِنَّ اللهَ أَعْلَى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ ، فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَكُفّوا عَمّا سِوَى ذَلِكَ .)).9

وَفِي مُعْجم مَقَايِيْسِ اللُّغَةِ :

(( العَيْنُ وَاللاّمُ وَالحَرْفُ المُعْتَلُّ يَاءً كَانَ أَوْ وَاواً أَوْ أَلِفاً ، أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى السُّمُوِّ وَالاِرْتِفَاعِ ، لا يَشُذُّ عَنْهُ شَيءٌ. وَمِنْ ذَلِكَ العَلاءُ وَالعُلُوُّ ، وَيَقُولُونَ : تَعَالَى النّهَارُ ، أَي ارْتَفَعَ .. وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيءٍ يَعْلُو : عَلا يَعْلُو . فَإِنْ كَانَ فِي الرِّفْعَةِ وَالشّرَفِ، قِيْلَ : عَلِيَ يَعْلَى . وَمَنْ قَهَرَ أَمْراً فَقَدِ اعْتَلاهُ وَاسْتَعْلَى عَلَيْهِ وَبِهِ...)).10

وَفِي التّوحِيد للشّيخ الصّدوق :

(( عَلا تَعَالَى عَنِ الأَشْبَاهِ وَالأَنْدَادِ وَعَمّا خَاضَتْ فِيْه وَسَاوسُ الجُهّالِ، وَتَرَامَت إِلَيْه فِكَرُ الضُّلاّلِ، فَهُوَ عَلِيٌّ مُتَعَالٍ عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [سورة الإسراء 43]....))11


وَمِنَ الصُّوفِيّةِ مَنْ يَعُدُّ العَلِيّ : حَقِيْقَة الرّبِّ، وَمِنْهُ فِي جَوَاهِر المَعَانِي:

(( اعْلَمْ أَنَّ حَقِيْقَةَ الرَّبِّ هُوَ العَلِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الرَّبْوَة رَبْوَةً لِعُلُوِّهَا، وَمَعْنَاهُ أَنّهُ هُوَ المَالِكُ وَالمُتَصَرِّفُ، وَالخَالِقُ وَالقَاهِرُ، وَالنّافِذُ حُكْمُهُ وَمَشِيْئَتُهُ وَكَلِمَتُهُ فِي كُلِّ مَا سِوَاه ....))12

هَذَا ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَيْنِ الخَبَرَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الشِّيْعَةِ، قَالَ المازندراني :

(( ( مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالتَّوَهُّمِ ) أَي بِتَوَهُّمِ أَنَّ لَهُ حَدّاً أَوْ كَيْفِيّةً أَوْ صُوْرَةً أَوْ مِقْدَاراً أَوْ أَيْناً أَوْ وَضْعاً إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَعَانِي الوَهْمِيّة وَالصُّوَرِ الخَيَالِيّة وَالمَفْهُومَات العَقْلِيّة ( فَقَدْ كَفَرَ ) لأَنّهُ اتَّخَذَ مَعْبُوداً بَاطِلاً، إِذِ المَعْبُودُ الحَقُّ لا ينال لَه الأَوْهَام وَلا يدركهُ الأَفْهام ..

( وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ ) المُرَكَّبَ مِنَ الحُرُوفِ مِثل الله وَالرّحْمن وَالرّحِيْم وَالقَادِر وَغَيْرهَا ( دُونَ المَعْنَى ) المُرَاد مِنْهُ وَهُوَ الذَّاتُ المُقَدَّسَةُ المُنَزَّهَةُ عَنِ التّرْكِيْبِ وَالحُدُوْثِ (فَقَدْ كَفَرَ) لأَنَّ المَعْبُودَ الحَقّ هُوَ المَعْنَى، وَالاِسْم غَيْره، فَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ فَقَدْ عَبَدَ غَيْرَهُ، وَمَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ فَهُوَ كَافِرٌ .

( وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ وَالمَعْنَى ) أَي المَجْمُوع مِنْ حَيْث هُوَ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالأَخِيْرُ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ (فَقَدْ أَشْرَكَ) حَيْثُ جَعَلَ الاِسْمَ مُشَارِكاً للمَعْنَى فِي اسْتِحْقَاقِ العِبَادَةِ فَقَدِ اتّخَذَ {إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ}[ سورة النحل 51] بَل آلِهَةً لِتَعَدّدِ الأَسْمَاءِ وَتَكَثُّرِهَا .

( وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى بِإِيْقَاعِ الأَسْمَاءِ عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ عَبَدَ المَعْنَى وَحْدَهُ وَذَكَرَ اسْماً مِنْ أَسْمَائِهِ بِاعْتِبَارِ أَنّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ العَادَةُ مِنِ انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنَ اللّفْظِ إِلَى المَعْنَى لا بِاعْتِبَارِ تَعَلُّق العِبَادَةِ بِهِ (بِصِفَاتِهِ) مُتَعَلّقٌ بِعَبْد أَوْ حَال عَن فَاعِلِهِ أَوْ عَنْ مَفْعُولِهِ أَوْ حَال عَنِ الأَسْمَاء، يَعْنِي مَنْ عَبَدَ المَعْنَى حَال كَوْن ذَلِكَ العَابِد آخِذاً بِصِفَاتِهِ أَوْ حَال كَونِ المَعْنَى مَأْخُوذاً بِصِفَاتِهِ أَوْ حَال كَونِ الأَسْمَاءِ مُتَلَبِّسَةً بِصِفَاتِهِ ( الّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ) فِي القُرْآنِ وَبَيَّنَهَا لِرَسُولِهِ وَعَلّمَهَا الرّسُول أَوْصِيَاءه وَعَلّمَهُ الأَوْصِيَاءُ سَائِر الخَلائِق كَمَا تَعْرفُ مِنْ أَحَادِيْثِهِم (فَعَقَدَ عَلَيْه قَلْبَه) أَي فَعَقَدَ عَلَى المَعْنَى المَأْخُوذ مَع صِفَاتِهِ عَلَى الوَجهِ اللاّئِقِ بِهِ قَلْبَه عَقْداً جَازِماً ( وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ ) بِسَبَبِ ذِكْرِ أَسْمَائِهِ ( فِي سَرَائِرهِ وَعَلانِيَتِهِ ) السِّرُّ مُتَعَلِّقٌ بِالعَقْدِ، وَالعَلانِيَة بِالنّطقِ، وَتَعَلّق المَجْمُوع بِالمَجْمُوع أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ بِكُلِّ وَاحِدٍ بَعِيْدٌ، وَفِيْهِ إِشَارَةٌ إِلَى اعْتِبَار خُشُوع القَلْب وَالجَوَارح فِي العِبَادَة ....))
13

وَقَالَ الشّيْخُ المَجْلسيّ فِي بِحَار الأَنْوار :

(( (( مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالتَّوَهُّمِ )) . أَي : مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَقِيْنٍ فِي وُجُوْدِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، أَوْ بِأَنْ يَتَوَهَّمَهُ مَحْدُوْدًا مُدْرَكًا بِالوَهْمِ، فَقَدْ كَفَرَ؛ لأَنَّ الشَّكَّ كُفْرٌ، وَلأَنَّ كُلَّ مَحْدُوْدٍ وَمُدْرَكٍ بِالوَهْمِ، غَيْرُهُ، سُبْحَانَهُ، فَمَنْ عَبَدَهُ كَانَ عَابِدًا لِغَيْرِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَوْلُهُ (عليه السلام) : (( وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ )) . أَي : الحُرُوفَ أَوِ المَفْهُومَ الوَصْفِيّ لَهُ دُوْنَ المَعْنَى، أَي : المُعَبّر عَنْهُ بِالاِسْمِ ، فَقَدْ كَفَرَ؛ لأَنَّ الحُرُوفَ وَالمَفْهُومَ غَيْرُ الوَاجِبِ الخَالِقِ للكُلِّ، تَعَالَى شَأْنُهُ .))14

وَقَالَ الفَيْض الكَاشانيّ فِي تَفْسِيْرِهِ :

(( إِنَّ الاِسْمَ مَا يَدُلُّ عَلَى المُسَمَّى وَيَكُونُ عَلامَةً لِفَهْمِهِ، فَمِنْهُ مَا يُعْتَبَرُ فِيْهِ صِفَةٌ تَكُونُ فِي المُسَمّى، وَبِذَلِكَ الاِعْتِبَارِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا لا يُعْتَبَرُ فِيْهِ ذَلِكَ، فَالأوّلُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ المَوْصُوْفَةِ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَلَفْظِ الرّحْمَنِ فَإِنّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالرّحْمَةِ، وَلَفْظِ القَهّارِ فَإِنّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ لَهَا القَهْرُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُطْلَقُ الاِسْمُ بِهَذَا المَعْنَى عَلَى مَظَاهِرِ صِفَةِ الذَّاتِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِالصِّفَةِ كَالنّبِيِّ الّذِي هُوَ مَظْهَرُ هِدَايَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنّهُ اسْمُ اللهِ الهَادِي لِعِبَادِهِ، وَالأَسْمَاءُ المَلْفُوْظَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ هِيَ أَسْمَاءُ الأسْمَاءِ.

وَسُئِلَ مَوْلانَا الرِّضَا عَنِ الاِسْمِ مَا هُوَ ؟. قَالَ : صِفَةٌ لِمَوْصُوْفٍ، وَهَذَا اللّفْظُ يَحْتَمِلُ المَعْنَيَيْنِ : اللّفْظَ وَالمَظْهَرَ، وَإِنْ كَانَ فِي المَظْهَرِ أَظْهَرَ، وَقَدْ يُطْلَقُ الاِسْمُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ اللّفْظِ ، أَي المَعْنَى الذِّهْنِيّ، وَعَلَيْهِ وَرَدَ قَولُ الصّادِقِ : (( مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالتّوَهُّمِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ وَالمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ عَبَدَ المَعْنَى بِإِيْقَاعِ الأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِها الّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلانِيَتِهِ ، فـ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. [ سورة الأنفال 4].

فَإِنَّ المُرَادَ بِالاِسْمِ هَاهُنَا : مَا يُفْهَمُ مِنَ اللّفْظِ، لا اللّفْظ، فَإِنَّ اللّفْظَ لا يُعْبَدُ، وَبِالمَعْنَى : مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اللّفْظُ، فَالاِسْمُ : مَعْنىً ذِهْنِيٌّ، وَالمَعْنَى : مَوْجُوْدٌ عَيْنِيٌّ، وَهُوَ المُسَمّى، وَالاِسْمُ غَيْرُ المُسَمّى، لأَنّ الإِنْسَانَ ـ مَثَلاً ـ فِي الذِّهْنِ : لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، وَلا لَهُ جِسْمِيّةٌ وَلا حَيَاةٌ وَلا حِسٌّ وَلا حَرَكَةٌ وَلا نُطْقٌ وَلا شَيءٌ مِنْ خَوَاصِّ الإِنْسَانِيّةِ، فَتَدَبّرْ فِيْهِ، تَفْهَمْ مَعْنَى الحَدِيْثِ، وَمِنَ اللهِ الإِعَانَةُ.

إِذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلّ اسْمٍ مِن أَسْمَاءِ اللهِ الإِلَهِيّةِ مَظْهَرًا مِنَ المَوْجُوْدَاتِ بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ ظُهُورِ الصِّفَةِ الّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الاِسْمُ فِيْهِ، وَهُوَ اسْمٌ بِاعْتِبَارِ دَلالَتِهِ عَلَى اللهِ مِنْ جِهَةِ اتِّصَافِهِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ إِنّمَا يَخْلقُ وَيُدَبِّرُ كُلّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الخَلائِقِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَذَلِكَ الاِسْمُ هُوَ رَبُّ ذَلِكَ النّوْعِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ رَبُّ الأَرْبَابِ .

وَإِلَى هَذَا أُشِيْرَ فِي كَلامِ أَهْلِ البَيْتِ فِي أَدْعِيَتِهِم بِقَوْلِهِم: (( وَبِالاِسْمِ الّذِي خَلَقْتَ بِهِ العَرْشَ، وَبِالاِسْمِ الّذِي خَلَقْتَ بِهِ الكُرْسِيَّ، وَبِالاِسْمِ الّذِي خَلَقْتَ بِهِ الأَرْوَاحَ )) .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا النّمَطِ، وَعَنْ مَوْلانَا الصّادِقِ : (( نَحْنُ ـ وَاللهِ ـ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى الّتِي لا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ العِبَادِ عَمَلاً إِلاّ بِمَعْرِفَتِنَا )) . وَذَلِكَ لأَنّهُم وَسَائِلُ مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ، وَوَسَائِطُ ظُهُورِ صِفَاتِهِ، وَأَرْبَابُ أَنْوَاعِ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَلا يَحْصلُ لأَحَدٍ العِلْمُ بِالأَسْمَاءِ كُلِّهَا إِلاّ إِذَا كَانَ مَظْهَرًا لَهَا كُلَّهَا، وَلا يَكُونُ مَظْهَرًا لَهَا كُلّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي جِبِلَّتِهِ اسْتِعْدَادُ قَبُوْلِ ذَلِكَ كُلّهِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَافَهْم تَرْشَُدْ، إِنْ شَاءَ اللهُ .))
15

وَقَالَ الميرزا حَسَن الحَائري الإحْقَاقي :

(( قَالَ ـ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ ـ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا. [ سورة الأعراف 180]. فَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ مِنْ دُوْنِ اللهِ، جَلَّ وَعَلا، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ عَبَدَ الاِسْمَ مَع اللهِ فِي العِبَادَةِ، فَقَدْ أَشْرَكَ، وَلَكِنْ مَنْ عَبَدَ اللهَ بِدَلالَةِ أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ المُؤمِنُ.

وَأَفْضَلُ أَسْمَاءِ اللهِ التّكْوِيْنِيّة، وَأَعَزّهَا وَأَشْرَفُهَا، المَعْصُومُوْنَ، وَهُم : مُحَمّد وَأَهْلُ بَيْتِهِ : (( الاِسْمُ مَا أَنْبَأَ عَنِ المُسَمَّى )) قَالَهَا مَوْلانَا أَمِيْر المُؤمِنِيْن ، وَهُم أَسْمَاءُ اللهِ الحُسْنَى ، كَمَا فِي أَخْبَارِنَا المُتَوَاتِرَة، وَهُم أَفْصَحُ مَنْ أَنْبَأَ عَنِ اللهِ وَأَبْلَغُ مَنْ عَرَفَ الخَلْقَ بِاللهِ، وَأَعْظَمُ الأَدِلاّءِ عَلَى اللهِ .

فَمَنْ عَبَدَهُم أَوْ عَبَدَ وَاحِدًا مِنْهُم، فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ عَبَدَهُم مَعَ خَالِقِهِم، فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ عَبَدَ اللهَ الوَاحِدَ الأَحَدَ، الفَرْدَ الصّمَد، بِدَلالَتِهِم، وَهِدَايَتِهِم : إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. [ سورة الرعد ]. وَوَسِيْلَتُِهُِم وَسِيْلَةُِ وَلايَتِهِم، فَمَنْ أَقَرَّ بِوَلايَتِهِم، فَهُوَ المُؤمِنُ حَقّاً، وَالمُسْلِمُ صِدْقاً، فَلا يقْبل عِبَادة أَحَد إِلاّ بِهِم وَبِحُبِّهِم . كَمَا قَالُوا: (( بِنَا عُرِفَ اللهُ، وَبِنَا عُبِدَ اللهُ، وَلَوْلانَا مَا عُرِفَ اللهُ، وَلَوْلانَا مَا عُبِدَ اللهُ )).

وَقَالُوا : فَسَبّحْنَا فَسَبَّحَتِ المَلائِكَةُ ، وَكَبّرْنَا وَكَبّرَتِ المَلائِكَة ..إِلَى آخِر مَا قَالُوا ، وَإِلَى غَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ وَالأَحَادِيْث ......))
16

وَقَدْ نَقَلَ الأستاذ مَحْمود عَبد الرّحمن جَوَابَ الميرزا حسن الحائري الإحقَاقيّ 17 ، وَزَعَمَ أَنّهُ غَيْر مَطْبُوعٍ، وَهُوَ وَاهِمٌ فِي قَوْلِهِ .

وَلَمْ أَعْتَمِدْ عَلَيْهِ لأَنّهُ عِنْدِي مِنَ المُؤَلّفِيْنَ الّذِيْنَ لا يُعَوّلُ عَلَيْهِم، وَلا يُعْتَدُّ بِمَا يَكْتُبُون، فَهُوَ حُجّةٌ لِمَنْ رَضِيَهُ، وَلَسْتُ أَرْضَاهُ حُجّةً وَلا مَصْدَراً وَلا مَرْجِعاً، وَلا أَقَلّ مِن رَفْضِ الاِعْتِمَادِ عَلَى كُتُبِهِ، وَعَدَم قَبُولِ الاِحْتِجَاجِ بِهَا عَلَيّ، وَلْيَأْخُذْ بِهَا مَنْ شَاءَ، فَقَدْ رَآهَا بَعْضُهُم مَدْحاً لِمَنْ أُلِّفَتْ فِي أَحْوَالِهِم، وَهِيَ عِنْدي بِخِلافِ ذَلك، وَسَوفُ أُشِيْرُ إِلَى طَعْنِهِ بِالأَعْلامِ الّذِيْنَ صَدَّرَ كُتُبَهُ بِأَسْمَائِهِم وَصُوَرِهِم ، فِي هَذَا الكِتَاب، إِنْ شَاء اللهُ .


 


  • 1إخوان الصفا والتوحيد العلوي 146.
  • 2الكافي 1\ 142 ـ 143، وفي التوحيد 220 ، وفي وسائل الشيعة 28\353،وفي الاحتجاج 2\64،وفي بحار الأنوارمج2 \ 119، ومج22 \105، وفي مرآة العقول 1\303، وفي شرح أصول الكافي 3\98، وفي الميزان في تفسير القرآن 13\243، وفي المصباح في الأدعية ص 462 : (( ولكنّه سبحانه معنى واحدٌ تدلّ عليه هذه الأسماء .)) بدلا من : (( وَلَكِنَّ اللهَ مَعْنَىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ )). وانظر كتاب السلوك إلى الله ، ص 85، وكتاب مصابيح الأنوار 2\298 وهما للسيد عبد الله شبّر ، والشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة للسيد حسين الهمداني ص 518.
  • 3الكافي 1\142، وفي التوحيد 220، وفي بحار الأنوارمج2 \ 124، وفي تفسير الصافي 1\112، وفي مرآة العقول 1\303، وفي شرح أصول الكافي 3\96، وفي الميزان في تفسير القرآن 13\243، وفي المصباح في الأدعية 462 وفيه : (( من عبد الله بالوهم )) بدلا من (( من عبد الله بالتوهم )).
  • 4الكافي 1\165. وفي التوحيد 191، وفي عيون أخبار الرضا1\118.
  • 5 مرآة العقول 2\30 ـ 31، وتركت كلمة (( صفاتاً )) على حالها، ولا أعرف وجهاً لإثبات الألف فيها.
  • 6شرح أصول الكافي3\296.
  • 7الكافي 1\154، وفي التوحيد 113، وفي شرح أصول الكافي 3\201، وفي بحار الأنوار مج2\36، وفي مرآة العقول 1\348.
  • 8شرح نهج البلاغة 3\ 448، وانظر بحار الأنوار مج1\585، ومج 22\64.
  • 9الكافي 1\155، وفي بحار الأنوار مج1\591، وفي شرح أصول الكافي 3\210، وفي مرآة العقول 1\351.
  • 10معجم مقاييس اللغة 4\112 ـ113.
  • 11التوحيد 198.
  • 12جواهر المعاني وبلوغ الأماني 293، وانظر في تفسيره شرح الأسماء الحسنى للقونوي 245، وفي رحاب الأسماء الحسنى للبحيري 144 .
  • 13شرح أصول الكافي 3\ 96ـ 97. وفي جملة (( إِذِ المَعْبُودُ الحَقُّ لا ينال لَه الأَوْهَام وَلا يدركهُ الأَفْهام )) قصورٌ ، ولعلّ الصواب : لا يناله ، أو لا تناله .
  • 14بحار الأنوار مج2\ 124.
  • 15تفسير الصافي 1\ 112ـ 113، وفي مصابيح الأنوار 2\ 298ـ 299.
  • 16الدين بين السائل والمجيب 2\187ـ 188، وهو من جواب الميرزا الحائري عن سؤالين أرسلهما الشيخ عبد اللطيف إبراهيم، ولم تقيّد كلمة ( وَأَبْلَغُ مَنْ عَرَفَ الخَلْقَ بِاللهِ ) ولعلّ تقييدها بتشديد الراء أصحّ في هذا الموضع، أي : ( وَأَبْلَغُ مَنْ عَرَّفَ الخَلْقَ بِاللهِ ). وسبحان العليم.
  • 17في كتابه (( من مدرسة أهل البيت . الشيخ الشاعر عبد اللطيف إبراهيم مرهج . علامة الجيل وباعث النهضة الكبرى )). ص 90، فقد كتب في ذيلها : (( السيد حسن الإحقاقي إمام مجتهد كان يعيش في دولة الكويت والرسالة حصلنا عليها من بيت الشيخ عبد اللطيف إبراهيم بخطه الشريف، وهي غير مطبوعة .)).
    وقد وقفت عليها في كتاب الدين بين السائل والمجيب، منشورات مكتبة الإمام الصادق العامة في الكويت، فلو قال الأستاذ محمود عبد الرحمن : لا أدري أطبعت في مؤلفات الميرزا الإحقاقي، أم لم تُطْبع، لكان خيرا له من ادّعاء علم الغيب بزعمه أنها غير مطبوعة .