ج20 : ذِكْر الحور العين حقيقة أم من باب المجاز!؟ البعث بعد الموت بالجسد أم بالرّوح!؟....

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 20/01/2016 - 10:02
السائل: زهراء في 14\03\2015م
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شاع ذكر الحور العين في القرآن الكريم كثيراً في ظل الحرب التكفيرية الجارية اليوم في المنطقة وشاع ما اخفي للمجاهد من جمع غفير من الحوريات في الجنة
وعلى هذا الأساس يتوافد مايسمى المجاهدون (الارهابيون)أفواجاً لكي يحظروا بهذه الغنيمة العظيمة
الحور العين حقيقة قائمة أنزلها العلي القدير في ذكره الحكيم القرآن الكريم ولكن ماحقيقة هذه الحوريات ؟ وهل فعلاً هي بمثابة عرائس حقيقية كما يشبهونها لهم أم ان لها حقيقة أخرى ؟
فما مفهوم المسلمون العلويون للحور العين وهل هي حقيقة حوريات "عرائس" أم عبارة عن كنايات لما اخفي للمؤمنين من جنة النعيم ؟
وشكرا لكم

بَيَانُ الإِجَابَةِ عَنِ السُّؤَالِ

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِيْن.

أَمَّا بَعْدُ: فَالسَّلامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

الحَوَرُ فِي الأَصْلِ اللُّغَوِيِّ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الآدَمِيِّيْنَ، وَإِنَّمَا مُسْتَعَارٌ، عَلَى مَا جَاءَ فِي مُعْجَمَاتِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ.

(( الحَاءُ وَالوَاو وَالرّاء ثَلاثَةُ أُصُولِ: أَحَدُهَا: لَونٌ، وَالآخَرُ: الرُّجُوعُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَدُورَ الشَّيءُ دَوْرًا. فَأَمَّا الأَوَّلُ فَالحَوَر: شِدَّةُ بَيَاضِ العَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِهَا.... وَلَيْسَ فِي بَنِي آَدَم حَوَرٌ... وَإِنَّمَا قِيْلَ للنِّسَاءِ: حُورُ العُيُونِ؛ لأَنَّهُنَّ شُبِّهْنَ بِالظِّبَاءِ.......)) 1

وَالنَّاسُ فِي تَفْسِيْرِ ذَلِكَ عَلَى أَقْسَامٍ، مِنْهُم مَنْ يَعُدُّ ذَلِكَ حَقِيْقَةً، وَمِنْهُم مَنْ يَعُدُّ ذِكْرَ الحُورِ العِيْنِ مِنْ بَابِ المَجَازِ؛ لأَنَّ المُرَادَ التّشْوِيْقُ إِلَى الجَنَّةِ بِذِكْرِ شَيءٍ مِمَّا يَشْتَاقُ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَمِنْهُم مَنْ لا يَعُدُّ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ تَخَيُّلاً؛ لأَنَّ كُلَّ فِئَةٍ تَصَوَّرَتْ جَنَّةً بِحَسَبِ البَيْئَةِ التّي تَعِيْشُ فِيْهَا.


وَصْفُ مَا فِي الجَنَّةِ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ

فِي وَصْفِ مَا فِي الجَنَّةِ آيَاتٌ، فِي بَعْضِهَا لَفْظُ ( حُور) وَمِنْهُ فِي سُورة الدّخان: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ 54

وَفِي سُورَة الطّور: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ 20 

وَفِي سُورة الرّحمن: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ 72

وَفِي سُورة الواقعة: وَحُورٌ عِينٌ 22 كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ 23 

وَلَفْظ ( وِلْدَان ) وَمِنْهُ فِي سُورَة الوَاقِعَة: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ 17 بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ 18 لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ 19 

وَفِي سُورَة الإِنْسَان: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا 19

وَلَفْظُ ( غِلْمَانُ ) فِي سُورَة الطّور: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ 24

وَلَفْظُ ( قَاصِرات ) فِي سُورَة الصَّافّات: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ 48 كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ 49

وَفِي سُورَة ص: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ 52

وَفِي سُورة الرّحْمن: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ 56

وَلَفْظُ ( كَوَاعِب ) فِي سُورَة النّبَأ: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا 31 حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا 32 وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا 33

وَلَفْظُ ( أَبْكَارًا ) فِي سُورَة الوَاقِعَة: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً 35 فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا 36 عُرُبًا أَتْرَابًا 37


الاخْتِلافُ فِي التّفْسِيْرِ

مُلَخَّصُ المَنْقُولِ فِي وَصْفِ الحُورِ بِالمَقْصُورَاتِ فِي الخِيَامِ هُوَ وَصْفُهُم بِالعِفَّةِ، فَقَاصِرَةُ الطَّرْفِ هِيَ التّي لا تَمُدُّ طَرْفَهَا إِلَى مَا لا يَجُوزُ لَهَا.

وَالكَوَاعِبُ: جَمْعُ ( كَاعِب ): المَرْأةُ التّي تَكَعَّبَ ثَدْيَاهَا.

وَالأَتْرَابُ هُنَّ اللاّئِي نَشَأْنَ مَعًا تَشْبِيْهًا فِي التّسَاوِي وَالتّمَاثُلِ بِالتّرَائِبِ التّي هِيَ ضُلُوعِ الصَّدْرِ.

وَالعُرُبُ: جَمْعُ ( عَرُوبَة ) يُقَالُ: امْرَأَةٌ عَرُوبَةٌ، أَي: مُعْرِبَةٌ بِحَالِهَا عَنْ عِفَّتِهَا وَمَحَبَّةِ زَوْجِهَا.

وَالبِكْرِ: هِيَ التّي لَمْ تَلِدْ.

وَالغِلْمَانُ: جَمْعُ ( غُلامٍ ) وَالغُلامُ: هُوَ الطَّارُّ الشَّارِبِ، طَرَّ: طَلَعَ. 2

وَالوِلْدَانُ: جَمْعُ ( الوَلِيْد ) وَهُوَ المَولُودُ حِيْنَ يُولَدُ.. وَالصَّبِيُّ مَادَامَ صَغِيْرًا؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنَ الوِلادَةِ، وَلا يُقَالُ ذَلِكَ للكَبِيْرِ؛ لِبُعْدِ عَهْدِهِ مِنْهَا... وَالوَلِيْدُ: العَبْدُ... وَأُنْثَاهُمَا: وَلِيْدَةٌ..
الوَلائِد: جَمْع الوَلِيْد، وَالوِلْدَان: جَمْعُ الوَلِيْدَةِ...وَنَقَلَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّيْنَ جَمْعَ الوَلِيْد للمُذَكّرِ عَلَى الوِلْدَانِ... 3

وَلَعَلَّ مَنْشَأَ ذَلِكَ الاخْتِلافُ فِي تَفْسِيْرِ البَعْثِ بَعْدَ المَوتِ، أَهُو بَعْثُ الجَسَدِ، أَم بَعْثُ الرُّوْحِ.

فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الأَوَّلِ،

عَدَّ الجَنَّةَ شَيئًا حِسِّيًّا؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ يُبْعَثُ بِجَسَدِهِ فَيَتَلَذَّذُ بِحَوَاسِّهِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الوَجْهِ الآخِر عَدَّ الجَنَّةَ شَيئًا مَعْنَوِيًّا.

وَعَلَى هَذَا، فَمِنَ المُؤَلِّفِيْنَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ لَفْظَ ( الحُور ) دَالٌّ عَلَى مَا يَعْرِفُهُ مِنْ مَعْنَاه اللُّغَوِيِّ.

وَمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التّدْرِيْجِ وَتَمْنِيَةِ النّفْسِ بِمَا تَمِيْلُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ فِي كِتَابِ المُحَاضَرَاتِ فِي:

((... النّفْس لَجُوجٌ مُصِرَّةٌ عَلَى حُظُوظِهَا الحِسِّيَّةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَنْهَا بِالطَّمَعِ فِيْمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَأَشْرَفُ مِنْهَا، إِلاَّ مَنْ خَصَّهُ اللهُ تَعَالَى....

وَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ بِهَذَا سِرَّ امْتِلاءِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الجَنَّةِ وَمَا فِيْهَا مِنَ الحُورِ وَالقُصُورِ وَالغِلْمَانِ وَالأَنْهَارِ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ هَذَا هُو مَشْرَبُ النَّفْسِ، وَهُو حَالُ عَامَّةِ الخَلْقِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمِصَالِحِ عِبَادِهِ...)) 4

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الدكتور أحمد داوود فِي كِتَابِهِ ( تاريخ سوريا الحضاري ) :

(( لَمَّا كَانَ مُعْظَمُ النَّاسِ الذّيْنَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الخِطَابُ عَاجِزِيْنَ عَنْ إِدْرَاكِ فَوقَ مَا تُتِيْحُهُ لَهُم حَوَاسُّ الجَسَدِ... فَقَدْ جَاءَتِ الصِّيَغُ تَحْتَمِلُ فِي ظَاهِرِهَا مُتْعَةَ الجَسَدِ...)) 5

وَمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كُلَّ قِصَصِ الجَنَّةِ تَعْبِيْرٌ عَنْ رَغْبَةِ الإِنْسَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيْرُونَ، مِنْهُم جون كيرتشر فِي دِرَاسَةِ المَادِّيَّةِ التَّارِيْخِيَّةِ، وَإِبْرَاهِيْم مَحْمُود فِي كِتَابِهِ جُغرافية الملذات، وَفراس السّواح فِي مُغَامَرَة العَقْلِ الأُولَى:

((.. كَانَت أَسَاطِيْرُ الجَنَّةِ لَدَى كُلِّ الشُّعُوبِ، تَعْبِيْرًا سَلْبِيًّا عَنْ رَغْبَةٍ فِي التّغْيِيْرِ لَمْ تَخْرُجْ إِلَى حَيِّزِ الفِعْلِ، أَو فِعْلٍ تَمَّ إِحْبَاطُهُ فَصَارَ حُلْمًا يُنْتَظَرُ..)) 6

عَلَى اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ الأسَاطِيْر بِمَعْنَى فَنِّ رِوَايَةِ القِصَصِ بِحَسَبِ أَصْلِهَا اليُونَانِيِّ. 7

وَمِنْهُ فِي كِتَابِ أَسَاطِيْر التّوراة:

((.. الجَنَّة بِمَّا تَحْمِلُهُ مِنْ مَعَانِي الخُلُودِ... قَدْ وَرَدَتْ فِي القِصَّةِ التّورَاتِيَّةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ قِصَصِ السُّقُوطِ.. كَمُقَابِلٍ للحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ بِمَا تَحْمِلُهُ مِنْ مَعَانِي الفَنَاءِ وَالشَّقَاءِ..

وَلَمَّا كَانَ الوَاقِعُ مِنْ حَولِهِم يُقَدِّمُ لَهُم شَكْلاً للحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ يَتَّسِمُ بِالفَنَاءِ وَالكَدِّ وَالعَنَاءِ... فَقَدْ كَانَ مِنَ الضَّرُورِيّ اللُّجُوءُ إِلَى الخَيَالِ الأُسْطُورِيِّ لِتَصَوُّرِ ذَلِكَ العَالَمِ الفِرْدَوسِيّ الأَوَّلِ...)) 8

وَعَلَى تَعْلِيْلِ ذَلِكَ بِالبَعْثِ الجَسَدِيِّ، ذَهَبَ بَعْضُ المُؤَلِّفِيْنَ إِلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مَادِّيٌّ، وَكُلُّ أُمَّةٍ تَصِفُ الجَنَّةَ بِحَسَبِ بِيْئَتِهَا.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جون كيرتشر فِي قَولِهِ:

(( إِنَّ الإِنْسَانَ بِسَبَبِ رَغْبَتِهِ الشَّدِيْدَةِ فِي الحَيَاةِ... ابْتَكَرَ مَفْهُومَ الحَيَاةِ الأُخْرَى، إَو الإِيْمَان بِالحَيَاةِ بَعْدَ المَوتِ... وَللأَحْلامِ أَثَرٌ كَبِيْرٌ فِي تَعْزِيْزِ الإِيْمَانِ.. الهِنْدِيّ الأَحْمَر مَثَلُهُ كَمَثَلِ غَيْرِهِ مِنَ البَشَرِ، يَخْتَرِعُ فِرْدَوسَهُ الخَاصَّ وَحَيَاتَهُ الأَبَدِيَّةَ. إِنَّهُ يَرْغَبُ بِالصَّيْدِ بَيْنَ الوديَانِ..... إِنَّ جَنَّةَ الصَّيْدِ الخَاصَّةَ بِهِ هِيَ بِيْئَتُهُ الأَرْضِيَّةُ المُحِيْطَةُ بِهِ كَمَا تَنْعَكِسُ فِي عُيُونِ عَقْلِهِ...)) 9

وَبِهَذَا التّعْلِيْلِ المَادِّيِّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ جَنَّةَ المُسْلِمِيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ مَدِيْنَةٍ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِمَكَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ. 10

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ السَّيِّدَةُ أَبْكَار السّقاف فِي تَعْلِيْلِ ذَلِكَ بِأَنَّ طَبِيْعَةَ أَهْلِ الإِسْلامِ طَبِيْعَةٌ عَرَبِيَّةٌ، وَالطَّبِيْعَةُ العَرَبِيَّةُ مَشْبُوبَةُ العَاطِفَةِ، عَطْشَى إِلَى أَلْوَانِ العَيْشِ الرّهِيْفِ، مُولَعَةٌ بِالأَبْكَارِ دُونِ الثَّيِّبَاتِ.. 11

وَعَلَى تَعْلِيْلِ ذَلِكَ بِالبَعْثِ الرُّوْحِيِّ،

ذَهَبَ بَعْضُ المُؤَلِّفِيْنَ إِلَى أَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ هُمَا حَالَتَانِ يُعِدُّهُمَا كُلُّ امْرئٍ لِنَفْسِهِ.

وَمِنْهُ فِي كِتَابِ الرُّوح وَالرُّوحِيّة الحَدِيثَةِ:

((...يُعِدُّهُمَا الإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ فِي عَالَمِ الرُّوْحِ بِسَبَبِ سُلُوكِهِ فِي العَالَمِ الأَرْضِيِّ، وَذَلِكَ بِالارْتِقَاءِ إِلَى الطَّبَقَاتِ العُلْيَا أَو الانْحِطَاطِ إِلَى الدَّرَجَاتِ السُّفْلَى، حَيْثُ يَلْتَقِي بِمَنْ هُم عَلَى شَاكِلَتِهِ طِبْقًا لِقَانُونِ التّوَافُقِ، فَيُعَانِي الوَيْلات نَتِيْجَةَ الحَسَدِ وَالغَضَبِ... حَتَّى إِذَا دَخَلَ مَرْحَلَةَ النَّدَمِ تَفَتَّحَتْ أَمَامَهُ طَرِيْقُ الطُّهْرِ تَدْرِيْجِيًّا مِنْ عِلَلِهِ الخُلُقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ...)) 12  

وَعَلَى هَذَا فُسِّرَ مَا ذُكِرَ مِنَ الحُورِ وَالوُلْدَانِ بِخِلافِ مَا يُعْرَفُ مِنْ مَفْهُومِهِ الحِسِّيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ المُؤَلِّفِيْنَ.

وَمِنْهُم الدكتور أحمد داوود فِي كِتَابِهِ

(( .. مَاذَكَرَهُ القُرْآنُ الكَرِيْمُ عَنِ الحُورِ العِيْنِ.... فَهِيَ النُّفُوسُ الكَامِلَةُ الطّاهِرَةُ...أَمَّا الوِلْدَانُ المُخَلَّدُونَ... فَلَيْسَ يَلِيْقُ بِنَا أَنْ نَفْهَمَ مِنْهَا... بِقَصْدِ المُتْعَةِ الحِسِّيَّةِ، سَوَاءٌ بِالنَّظَرِ أَمْ بِغَيْرِهِ... إِنَّ كَلِمَةَ ( وِلْدَان)... لَيْسَتْ جَمْعَ وَلَدٍ... بَلْ هِيَ فِي القَاموس جَمْعُ وَلِيْد..إِنَّ الوَلِيْدَ هُوَ الأَمْرُ العَظِيْمُ، وَالعَطَاءُ دُونَ طَلَبٍ، وَالشَّيءُ الكَثِيْرُ...

فَكَمَا أَنَّ (( الحُورَ العِيْن )) تَعْبِيْرٌ عَنِ النَّفْسِ المُطْمَئِنَّةِ الطَّاهِرَةِ وَعَنِ النِّعْمَةِ الوَاسِعَةِ بِجِوَارِ الرَّبِّ وَالمَلائِكَةِ، فَإِنَّ (( الوِلْدَان المُخَلّدُون )) تَعْبِيْرٌ عَنِ الشَّيءِ نَفْسِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي الأَمْرِ تَذْكِيْرٌ وَتَأْنِيْثٌ...)) 13

وَذَلِكَ لِمَا يَقَعُ مِنْ تَنَاقُضٍ بَيْنَ مَا أُمِرَ بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَبَيْنَ مَا يُوصَفُ مِنَ الاشتِغَالِ بِاللَّذَّاتِ، وَقَدْ أَلْمَحَ إِلَى هَذَا مِنَ الشُّعَرَاء، بَدوي الجَبل، فِي قَولِهِ: 

إِنَّ الخُلُودَ وَمَا تَرْوِي مَزَاعِمُهُم
عَنِ السَّعَادَةِ فِي الأُخْرَى نَقِيْضَانِ

لا يَخْدَعُ اللهُ قَومًا يُؤْمِنُونَ بِهِ
فَتِلْكَ خُدْعَةُ إِنْسَانٍ لإِنْسَانِ

جِنَانُ رَبِّكَ فِي سِرِّ الخُلُودِ غَدَتْ
وَكُلُّ آوٍ إِلَيْهَا رَازِحٌ وَانِ

مَلَّ المُقِيْمُونَ فِيْهَا مِنْ هَنَاءَتِهِم
كَمَا يَمَلُّ السَّقَامَ المُدْنَفُ العَانِي 14

 

وَإِلَى المَجَازِ فِي تَفْسِيْرِ الحُورِ، ذَهَبَ مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُم الشّيخ مَحْمُود سُلَيْمَان الخَطِيْب، بِقَولِهِ:

يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِالذّي
جَاءَ بِهِ خَيْرُ الوَرَى أَحْمَدُ

وَإِنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّ الذَّي
قِيْلَ رُمُوزٌ تَحْتَهَا مَقْصَدُ

وَالحُورَ وَالوِلْدَانَ رَمْزُ الهَوَى
وَالحُسْنِ لا لَيْلَى وَلا مَهْدَدُ

وَخَمْرَهَا مَعْرِفَةُ اللهِ لا
غَولٌ وَلا عَرْبَدَةٌ تُوجَدُ

وَلَذَّةُ الرُّوْحِ بِتَسْبِيْحِهِ
لا بِالذّي يَنْحَلُّ أَويَفْسُدُ 15

 

وَقَالَ فِي هَذَا، الشَّيخ مُحَمّد حَمْدان الخَيِّر:

النَّارُ وَالفِرْدَوسُ رَمْزٌ فَاتَّئِدْ
فِي فَهْمِهِ إِيَّاكَ وَالتَّعْجِيْلا

رَمْزٌ جَلاهُ الرَّاسِخُونَ، وَغَيْرُهُم
مُتَخَبِّطٌ لا يَعْلَمُ التَّأْوِيْلا

تَورَاةُ مُوسَى كَالزَّبُورِ تَصُونُهُ
وَالذِّكْرُ فِيْهِ يُوَافِقُ الإِنْجِيْلا

مَا فِي جِنَانِ اللهِ وِلْدَانٌ وَلَمْ
يُنْبِتْ ثَرَاهَا كَرْمَةً وَنَخِيْلا

عِلْمُ اليَقِيْنِ عَدَاكَ فَاسْرَحْ هَائِمًا
بَيْنَ المَجَاهِلِ وَالِهًا مَخْبُولا

لَو كَانَتِ الفِرْدَوسُ حُورًا نُزَّعًا
مُتَصَدِّيَاتٍ يَبْتَغِيْنَ فُحُولا

لَرَأَيْتَ أَغْنَى الفَائِزِيْنَ مَثُوبَةً
فِي الخُلْدِ أَعْظَمَ أَهْلِهَا إِحْلِيْلا

أَيَكُونُ فِي الأُخْرَى ثَوَابًا مَا نَهَى
عَنْهُ الإِلَهُ عِبَادَهُ فِي الأُولَى 16

 

وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ سورة يوسف 76 ]

ثُمَّ الحَمْدُ للهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ. 

كَاتِبُهُ 
تَمَّام أَحْمَد
16\1\2016

 

  • 1معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تح: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب\2002م\2\115.
  • 2المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، تح..: محمد سيد كيلاني، مطبعة مصطفى البابي الحلبي\مصر\ط 1961.
  • 3القاموس المحيط، تاج العروس، بتصرف.
  • 4المحاضرات في الأدب واللغة، للحسن اليوسي، تح محمد حجّي، محمّد إقبال، دار الغرب الإسلامي\بيروت\ط2\1982، 2\409.
  • 5تاريخ سوريا الحضاري القديم ( المركز )، د. أحمد داوود، دار الصفدي\دمشق\ط3\2004م\ص313.
  • 6مغامرة العقل الأولى، فراس السواح، دار علاء الدين\دمشق\ط13\2002م\ ص237، كيف وجدت الآلهة، جون كيرتشر، ترجمة: إبراهيم جركس، جغرافية الملذات، إبراهيم محمود رياض الريس للكتب، ط1\1998م.
  • 7دين الإنسان، فراس السواح، دار علاء الدين\دمشق\بلا تا، ص52.
  • 8أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم، د. كارم محمود عزيز، دار الحصاد\دمشق\ط1\1999م\ص 165.
  • 9كيف وجدت الآلهة، ص 19 ـ 20.
  • 10كيف وجدت الآلهة، ص 32.
  • 11الدين في شبه الجزيرة العربية، أبكار السقاف، الانتشار العربي\لبنان\ط1\2004م\ ص 392.
  • 12الروح والروحية الحديثة، عبد الحميد الجوهري، أفريقيا الشرق\المغرب، لبنان\ط2000م\ص65.
  • 13تاريخ سوريا الحضاري القديم ( المركز ) ص 313.
  • 14ديوان بدوي الجبل، تقديم: أكرم زعيتر، مؤسسة النشر الإسلامي\قم\ط2\2000م، ص 322.
  • 15ديوان الخطيب، ص 166، ط1\1996م.
  • 16ديوان الشاعر الشيخ محمد حمدان الخير 2\189، ط1\2006م.