جواب السؤال الرابع (سليمان الأذني - الباكورة السليمانية - الغزالي - ابن تيمية - علويو كسروان - سلمان رشدي - سلمان الفارسي - موسى الحريري..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44
السؤال الرابع:

دون أن أتردد ثانية في الشك بدوافع بعض الناشرين غير الموضوعية. صدرت في بيروت سلسلة كتب تتحدث عن العلويين النصيريين منها مثلاً (الباكورة السليمانية) للشيخ سليمان الأذني، وهو كما قيل علوي مرتد نشر كتب العلويين وأعيادهم وطقوسهم إلخ، ومنها أيضًا رسالة درزية في الرد على النصيرية.

ما هو رأيكم فيما ينشر حاليًا من كتب حول العلويين في بعض مناطق بيروت؟ ومن هو سليمان الأذني هذا؟


مُلَخَّصُهُ: تستلفتُ النظر إلى كلّ ما بَلغه عِلمك بما صُنّفَ ولُفّقَ عن العلويين، وتتوّج ذلك بالسؤال عن (سُليمان الأذني) الذي تنعته بالعلوي المُرتد، إيماءً إلى وثاقته في كل ما يَقول، وتذكُر وكأنّ ذلك يأتي عَرَضًا (رسالةٌ درزيةٌ في الرد على النصيرية)، وتختمه بتكرير السؤال عَمّن هو سُليمان الأذني، زيادةً في التأكيد على أهمّيته لما أنت بصدده.


جواب السؤال الرابع

تبدأه بالإعتراف بأنك لا تتردد ثانية واحدة في الشك بدوافع بعض الناشرين غير الموضوعية فتقول: (صدرت في بيروت سلسلة كتب تتحدث عن العلويين النصيريين، منها مثلأ (الباكورة السليمانية)، وهو علوي مرتد نشر كتب العلويين وأعيادهم وطقوسهم، ومنها أيضًا رسالة درزية في الرد على النصيري)

كدنا نستبشر بما افتتحتَ به من شك في الدوافع غير الموضوعية لبعض الناشرين سلسلة من الكتب صدرت في بيروت، ونحسبها همّة منك لإنصافهم وتبرئتهم مما يُرمَون به من أراجيف ونُسِجَ حولهم من أكاذيب، ولكن سُرعان ما خاب الظن وانكشف الأمر عن شاهد جديد على صدق المثل: (يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الخشبة في عينه).

إذ هل بلغ أحد من سوء القول فيهم ما بلغت بجمعك في الاستفسار عن باكورة سليمان والرسالة الدرزية !؟

وإنّ أيّ مُطّلع مُنصف يتبصّر بمجموعة أمثلتك، فيجد إنها تحوي من التجني واللاموضوعية والخبط عن العلويين، ما يَصْعُب معه تصَوُّر وجود واعٍ بما يفعل ويُقيم وزنًا للمنطق، فيؤلف بين أشتاتها ثم يتبناها، وقد أزال حَيرتنا الاطلاع مؤخرًا على نفس هذه الأسئلة تُوَجَّهُ يمينًا وشمالاً، فبرح الخفاء، وعلمنا إنك لست بصاحبها، وإنّما صدىً لطائرٍ محكي، أرسلك بها، تحمل عنه عارها وشنارها، ووقف جانبًا يترصّد صداها وأخبارها.

ومع ذلك يبقى لك علينا واجب الشكر، إذ تُهيىء لنا الفرصة لدفع أقوى وأشنع الاتهامات التي توَجّه إليهم، وخاصة ما جاء عن هذا المُسَمّى (سُليمان).

  • أفلم يكن منهم وقد خَبِرَ أحوالهم، وعرف أقوالهم، ونفذ إلى أسرارهم!؟
  • فهو إذاً ثقة في كل ما يُورد عنهم، ويَصُح اعتماده في الحكم عليهم، فأيّ منطقٍ أظهَرُ، وحُجّة أقوى!؟
  • أجل ولكن أليس ثمّة من احتياط عليه يُوهنه ويُبطله!؟

ولهذا فلا بد من فتح مُعتَرَضٍ تَصِحُّ الأمور في إطارها وموقعها الصحيحين ليتضح الحق جهارًا.

إنّ تاريخ العلويين الاجتماعي تُلخصه وتختصره كلمة إمامهم جعفر : (المحن إلى شيعتنا أسرع إليهم من الماء في الانحدار)، ولا غرو، فالجنة محفوفة بالمكاره ولنستمع لحديث التاريخ:

ضاق أحد مُتأخّري خلفاء بني العباس ذرعًا بأمواج النقمة المتصاعدة على الفساد، والإفتئات، فشعر بالحاجة لقمع وقائي يُطفئ شعلة الثورة الوشيكة، ولكي يتحقق ذلك على أتم وجه، كان لا بد أن يَسبقه شحن فكري في الجماهير، وتأجيج لكوامن أحقادها، واستثارة لغرائزهم، بنبش دفائن الصدور.. وكان آلة ذلك مع الأسف الشديد (الإمام الغزالي).

ونقول مع الأسف الشديد مخلصين ضَنًّا بمكانته العلمية، ولكن هذا ماكان (فما اعتذارك عن قول إذا قيل)، فطلع على العالم الإسلامي بكتابه (الرد على الباطنية)، فكان عورة كتبه، وبدا فيها مُتَنَكِّرًا لكل ما أصَّلَ هو نفسه في أصول البحث والحجاج في كتابيه (تهافت الفلاسفة) و (المنقذ من الضلال)، فإذا به، بدلاً من الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، يحشوه بالأقاويل والظنون والسباب الرخيص وامتداح الخليفة والحضّ على ما يَهِمُّ به من البطش.

وكم يحز في النفس هو أنّ العلماء متزلفين متصاغرين أمام ذوي السلطان،  وأشهد أني رثيت له منذ الصفحات الأولى من ثقل ما حمل عرفانه ووجدانه، حتى نزل لهذا الدرك.

وكان ما كان مما نال العلويين قسطهم الوافر من النكبات والآلام مع أقربائهم وجيرانهم في الإعتقاد.

ثم يتحوّل الزمن وتختلف الأمكنة لكنّ الدوافع والبواعث هيَ هيَ، والبَطل هذه المَرّة (ابن تيميّة والضحيّة (علويو كسروان)، وكم في بطون التاريخ من المشاهد المؤلمة، وفيما بين السطور من الأسرار المُخزية، لسبب قصر حملته، وقد حَمَدَ مؤخرًا لابن تيمية هذا الجهاد مَنْ أحقادُهُم وأحقادُهُ وطواياهُم وطويَّتُه، فطوّبوه شيخًا أوْحَد للإسلام، ولو بعد قرنٍ، وبرغم أنف كل أئمةِ مذاهب المسلمين في عصره، الذين أجمعت وتضافرت فتاواهم على تبديعه وتكفيره، حتى اضطر صاحب الأمر في زمنه لسجنه، إلى أن مات أو إلى قبيل موته موصوفًا بالكفر والزندقة، فأسمع وأعجب!!!

وكان ماكان من استئصال العلويين من كسروان وتوابعها.

وفي زمن لاحق تطلع علينا (الفتوى الحامدية)، وما سبّبت من مِحَن ومذابح، ولكن العلويين مِمَّن تمرّسوا بالأفات، ومرنت مُهَجُهُم على مُصابرة المدى كما يُقال. فصدّقوا المثل: (بقية السيف أنمى عددًا).

فكان لزامًا أن تلاحقهم المحن، ولا نستطيع لها تتبّع ولا إحصاء، ومن أسوئها هذا الذي تسأل عنه،  وقد آن لنا أن نجيبك عمّن هو:


سليمان الآذني

إنّه إحدى هذه الآلات والوسائل، التي يُتوَسَّل بها لشحن الأذهان وإثارة الأضغان ضد العلويين، ولنفس الغاية التي قُصدت من مُؤَلَّف الغزالي وفتاوى ابن تيمية والحامدي.. بل عند التدقيق، هي أدهى وأمَرّ، إذ كان ما بلغتهم منهم تلك التهجير أو التقتيل، أما هذه فتطمع لأكثر، وهو المحو الكامل، بإخراجهم من عقيدتهم وتحويلهم إلى أخرى، وهكذا يذهب كُلُّ صبرهم على البلوى وتضحياتهم القرون العديدة سُدى.

وليَتّضح ذلك نفصل لك بعض فصول هذه المسرحية المأساوية فنقول:

إنّ الباعث، حلمٌ صليبيٌ قديمٌ، لم يتخلَّ عنه حالموه، وقد بعثه وجدّده في نفوسهم ما آلت إليه الدولة العثمانية من ضعف فتح لهم أبواب أمل تحقيقه، فألقى خبراؤهم نظرة على جغرافية هذه المنطقة فوجدوا:

إنّه إلى شمال النواة المسيحية المتماسكة في لبنان، تمتد كتلة بشرية ذات عدد ولكنها منبوذة مقهورة، وقد آل بها الظلم والقهر إلى حالة مزرية من الجهل والتخلف، تكاد تعود بهم لما قبل القرون الوسطى، فحَسِبوا أنهم ضالة منشودة، وأنهم التُربة الصالحة التي يُمكن أن يُثمر فيها تبشيرهم، ولا أشعّب القول بتفصيل الأحداث، بل أحصره بموضوع سؤالك؟

فلما وقع لهم هذا الشخص (سليمان الآذني)، أُوهِمَ الذين أوقعوه ولمسوا منه الجَشع ورِقة الدين، ولا أنبذه لذلك ظلمًا، بل إنّ تاريخ حياته في تقلّبه من التنصر إلى التهوّد أصدق وصفٍ له، وقد يكون في تهوّده بعد تنصّره إشارة إلى أنّ ثمّة من دخل على الخط -كما يُقال في لغة العصر- ولا نستغرب أن يكون الذي نصّره هو الذي هوّده.

وإنّ فيما مضى وفيما نشهد حتى الآن من الأحداث ما يُؤيّد ذلك، ولعله شبيهًا بما كان، هو الذي دسّ بين أسئلتك هذا السؤال عن طبرية، واصفًا لها كمركز للّاهوت العبري، وعن أبي سعيد ميمون، ونعت اسمه بالإسم اليهودي، والذي سنأتي على الجواب عنه في موضعه.

والآن لنتصوّر ماذا يُمكن أن يتطلب مُستغلو سُليمان، وماذا يمكن أن يخطر ببالهم كي يجنوا منه أجلّ الفوائد!؟.

هنالك أمران يجب أن يُحققهما لهم :

  1. الأول: عَرض المذهب بأبشع الصِيَغ، وحَشد وإبراز كل المُنَفّرات التي تُبعِد إخوانهم في الدين عنهم، كالتركيز على المُثيرات، مثل الطعن في الخلفاء، وموهمات التجسيد للإله والتشبيه، مما يضرب حولهم ستارًا حديديًّا يعزلهم عن كل ما يَمُتّ للإسلام، وتنقطع كل صلة لهم به.
     
  2. وثانيًا: دسّ الإشارات والتلميحات إلى التشابه بينها وبين المسيحية من تثليث وتجسيد، حتى ينفتح لاحتضانهم بالمحبة والحُسنى، فتتمّ الفرحة بعودة الإبن الضال لأحضان الأم الرؤوم.

وإذا ما علمنا بأنها نُشرت برعاية وعناية المبشرين ذوي الدراية العالية في إلباس التشويه أبهى حِلل المنهجية والعلمية، لن تعجب! أما رأيتها وقد وَفَت بهذين الغرضين على أتم وجه.

ولن أتصامَم عن سؤالٍ أعلم إنك تهتم به، لا بل هو بيت القصيد لكل أسئلتك وهو: (ما الجواب عن هذا التجسيد الفج الذي يعرضه وأشكال الطقوس الغريبة التي يصفها؟)

فأقول :

وماذا أنتظر من رجل باع دينه بدنياه! غير أن يجتهد، ويُعينه في قصده مُوَجّهوه، إلى أن يبلغ الغاية من إبرازها بأبشع الصُوَر، ومن كتمان أدنى إشارة يمكن أن تُفضي لمعنى سامٍ أو تقود لاحتمال تأويلٍ أو ظنٍ حسن.

ولعل من المُفيد،  والشيء بالشيء يُذكر، أن نلفت النظر إلى شبيه جَدَّدَ لنا العهد بـ (باكورة سليمان)، وهو ما صَدَرَ مُؤَخّرًا، ومن مُسلمٍ مُرتدٍ، وطُبّل له وزُمّر، تحت عنوان (آيات شيطانية لسلمان رشدي)، وهو ينهج فيه بالنسبة للإسلام كَكُل نفس. كما حاول (سليمان الآذني) بالنسبة للعلوية، وقد أُتيحَ لي أنْ أقرأ مُنتخبات منها في إحدى الأسبوعات الفرنسية، وليس المقام مقام الوقوف عندها وتحليلها وتقويمها، ولكن أشهدُ مُخلصًا لولا ما فرضه عليَّ حب الإستطلاع لما أتْمَمْتُ قراءَتها، لما فيها من غموضٍ وإغراقٍ مريضٍ في الخيال، وبُعد عن الحق، وإسراف في التشويه، لا يمكن أن تصدر عن ذهن سَوي.

وقد حاولتُ أن أجدَ لهلوسته معنى وغاية لم أصل لذلك، إلا بجهدٍ فاقَ كل جهد في تتبع هلوسات المَرضى، عاينتُ في حياتي المهنية الطويلة أو حضرته أثناء الدراسة في مستشفيات الأمراض العقلية، وذلك رغم عِلمي بدوافعها ومعرفتي بمسرح الأحداث التي تدور فيه وبالشخصيات التي ترمز لها ووقفتُ أتساءل:

كيف تمّت لها هذه الشهرة إذ عبثًا حاولتُ أن أجدَ فيها لا شكلاً ولا موضوعًا ما يستهوي القارئ الغربي! اللهم إلا ما يَرثيه فيه من حديث عن بيوت الدعارة، وهو ممّا لا يمكن أن يطول أثره في نفسه، وأتساءل باستغراب أكبر؟؟!!!

كيف وُجِد من يَطرب لها ويُدافع عنها تحت ستار الإنتصار لحرية الفكر، وقد بدا لي أنّ سرّ هؤلاء لا يَجب أن يُفتّش عنه في عبقرية (سلمان رشدي) المزعومة، ولا في الغيرة على المبادئ السامية، ولكن في أحقادهم الدفينة على الإسلام، بل على كل القِيَم الرفيعة، إذ من أين لهم بعاقلٍ بلغ حقده على الإسلام وجُرأته على الإنصاف وتهاون وتلاعب بحقائق التاريخ أن يخطر بباله هذا التهجم البذيء مثلاً على أحد أقداس الإسلام (سيدنا سَلمان)، هذا الشيخ الجليل الذي مهما اختلفت وتناقضت الروايات في تحديد سِنّه فلا خلاف إنه دخل الإسلام وقد بَلغ من الكِبر عتيًّا، ولم يُعرَف عنه في كل ما رَوَتْ جميع فئات المُسلمين إلا شدّة الإخلاص للإسلام ونبيّه حتى حَظِيَ بهذا التكريم: (سَلمان منا أهل البيت)، فيُقَمِّصَه شخصية أحد المنافقين، ويجعل منه مُزوّرًا للوَحي، وفارًّا من الرسول إلى مكة، ليُصبح إلى بيوت الدِعارة وخدن السُكارى!!.

أقصى ما يُسمح به لهؤلاء المتعاطفين معه أن يَطلبوا له حق العلاج في أحد المستشفيات العقلية، ولم يبقَ لي إلا الحسرة لوقوعنا في الفخ الذي نصبتهُ لنا دور النشر الأوروبية، بما كان منّا من ردّ فعل صاخب، الذي لولاه لكان مصير أكداس نسخها لا في مكتبات القراء بل في دكاكين باعة المفرق للصراء وفي ما هو أسوأ.

وبأيّ الأحوال فإنّ على من يَميل لإعطاء أيّة قيمة وثائقية لمثيلها (باكورة سليمان) أن يعلم ويبقى ذاكرًا، إنّ هذا العرض والنشر والتطبيل لها كان من صنع مراكز التبشير وخدمة مأربها.

ولكي يَبْطُلَ إغراؤها لبعض الفئات من إخواننا من الطوائف المسلمة، ويستبينوا كَيدها، لا نرى خيرًا من لفت نظرهم إلى كيف يَعرض هؤلاء المبشرون أنفسهم للإسلام، وكيف إنهم رسخوا وعَمّمُوا عنه هذه الصورة في كل دنيا المسيحية وغيرها، ممن سيطروا على توجيهه، حتى لكادت تتسلل ولو بخفر إلى بعض زوايا تفكير مثقفينا المستغربة:

  1. إنه دين السيف والسيف يتضمّن الإكراه.
     
  2. إنه دين الملذات فجنانه مراتع للحور العين.
     
  3. إنه دين انفلات الشهوات فحتى الرسول الأعظم تزوج من النساء غير ما ملكت اليمين.
     
  4. إنه دين الكسل والتواكل المميت - مكتوب كل ما يقع لنا-.

ونختصر:

إنّ من يستطيع استقصاء لكل مطاعنهم والتي يدعمونها كلها بمثل ما جاء في (باكورة سليمان)، أي بعرضهم طقوسهم واقتطاعهم فصولاً من صفحاته بشكل مُنَفّر ومُضحك، ولو لم يَصِفوا إلا واقعًا، كان يُفرض مثلاً حركات الركوع والسجود وحلقات الذكر بشكل تبدو فيه وكأنها مشاهد هزلية أو جنونية.

ذلك أنّ شكل كل طقس من الطقوس دينية أو غيرها، إن أفرغته من مدلوله الروحي المعنوي، لغو من القول، أو هزءًا من الفعل.

وليلاحظ من يشاهد التلفاز إذا خففت الصوت (أي إذا ضاع المعنى من المشاهد)، كيف تصبح الأشخاص دمى مضحكة، إلا عند من يعرف الحديث، فيبقى على انسجامه مع الحركات، تصديقاً للمثل ( لا يفهم العبارة إلا من عرف الإشارة ).

فمن شاء بعد هذا من إخواننا المسلمين أن يستنبط العلوية من (باكورة سليمان)، فعليه أن يُقرّ إنّ الإسلام هو ما يَحكيه عند هؤلاء المبشرون، وبغير هذا فلا ولا وألف لا.

واستطرادًا لتأييد صِحَّةِ ما نذهب إليه لنورد لك بعض ما جرى:

فقد كان أول ما حاول المستعمرون منذ السنة الأولى لسيطرتهم على هذه البلاد، اقتطاع جزءًا من الوطن وسمّوه (دولة العلويين المستقلة) إمعانًا في التمويه والإغراء. ثم بتوجيه من الإستخبارات والمبشرين، أرادوا تمكين التفرقة بحمل العلويين على أن يحكموا بمحاكمهم المذهبية بموجب العرف والعادة، وذلك قبل محاولتهم نفس الشيء ولنفس القصد بإصدار ما سُمِيَ في المغرب بالطهير البربري، الذي كان يُقصد منه أن يُطبق البَرْبَر أحكامَ أعرافهم وعاداتهم بدلاً من أحكام الشريعة الإسلامية.

ولكن العلويين استعصوا وأبوا أن يكون لهم شرعٌ إلا ما شرّع لهم إمامهم جعفر وكانت ثورتهم لم تهدأ، وأدرك المستعمر منهم التصميم القاطع، فسكت على مضض، ثم باءت كل حملات التبشير التي رعوها بالخذلان المُريع.

وتسارعت الأحداث فتقوّضت الآمال وتبخرت الأحلام، إنما لتتقمّص أحقادًا تنفث سمومها وتزرع العداوة والبغضاء انتقامًا لفشلها، وإنّ خير شاهد على ذلك كتاب من تسمّى بـ (موسى الحريري)، والذي تبرّعَتْ لسنين خلت إحدى إذاعات لبنان بقراءة صباحية منه لمدة خمس دقائق، - نفس المدة التي كانت تخصصها لقراءة الأنجيل أو تزيد - على إنه لم يَحوِ جديدًا ولا مفيدًا، بل تكرارًا لنقلٍ مُعادٍ ألوفَ المرّات، وممّا لا خيرَ فيه ولا مُبرر له، اللهم إلا قصد التشهير والإثارة.

وأشهد أنه قد كوفئ، بما شفى من غلّ صدره الحاقدون، إذ تتابعت بعده النشرات والأقاويل التي تكيد للعلويين مُرَدّدة صَداهُ من الكويت، والعراق، ومحليًّا ومن دُعاة الإسلام المَنعوت زورًا وبهتانًا بالإسلام الصحيح، ولكن للحق والتاريخ فإنّ كل المراجع المسؤولة كالأزهر والنجف وقُمْ قد بَرئَت من ذلك، وألّفَت فتاويها ومواقفها الشاجبة، المُتزمتين والمُتنطعين، الحجر.

وبعد

فهل تريد مزيداً عن (سليمان الآذني وباكورته)  - ولا أنصح - لأننا سنضطر لفضح الكثير من المؤامرات والأساليب الملتوية، نفضل الإغضاء عنها كرمًا لما يفرضه حسن الجوار من تراحم، ولكي لا يُكَدَّرَ فَيْضٌ من الحب والتقدير تبادلناه مع رهبان صادقين ومستشرقين منصفين، نكنّ لهم رغم اختلاف الرأي، كل وِدٍّ وتقدير.

أما سؤالك عن رسالة الرد على النصيري المنسوبة لأحد الدروز!

اطلعنا عليها فوجدناها مجموعة من التهم والأراجيف، تتقاذف بها كل الفئات بدون دليل ولا سند، ولا وجود فِعلي لمثل هذا النصيري الذي تَشُنُّ عليه حَملتها.

وفي عِلمنا أنّ الدروز والنصيريين تجاوروا زمنًا ما، واتسمت علاقاتهم بالود والتصافي مرة، وبالقطيعة والتنازع أخرى، ولكن لا يمكن أن يجهلوا بعضهم بعضًا، لحَد أن يُصدّق أحدهما على الآخر شيئًا مما جاء بها - فهي إما أنّها ترد على شخص وهمي لا وجود، له فلا حاجة لنا بالدفاع عنه، أو دسيسة للإيقاع - وفي كلتا الحالتين، لا تستحق أن تُعار أي اهتمام، ونترك تعليل وتفسير اهتمامك بها. إذ لن يكون فيه ما يرضي ولا ما نرتضيه.