مقدمة الشيخ علي سليمان الأحمد

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد

فإني لما عُدتُ للبيت مساء ذات يوم من أوائل أيام شباط (1990) وجدت رسالة تركها لي زائر.

فلما قرأتها إذ هي: ممن يُعرّف بنفسه أنه (نبيل فياض) من مُحَرّري جريدة الديار البيروتية، وإنّه بصدد إعداد ملف عن العلويين ينعته بالأشمل حتى الآن.

ولما كان كما يقول (بأن أي عمل لا يكمل إلا بمحاورة الضالعين فيه) وضع أسئلة وصَمّم طرحها على المثقفين علويًا، ولقد انتظرنا من صاحب المَلف الذي ينعته بـ (الأشمل) والذي يَحصُر التوجه فيه بالسؤال بمن ينعتهم بـ (المثقفين علويًا) أن يكون همّه الأول التعرّف على الأسس الفكرية التي يُبنى عليها مذهبهم وعلى موارده ومصادره، وكيف بَدَت في مرآة عقول مؤسسيه وتلوّنت عبر مدارك تابعيه صُوَر كل ذلك.

وكما هو مؤكد فإنّه لا يتم لباحثٍ حُكمٌ يُصادق على قيمة المذهب الذي يُنَقّب عنه إلا بعد معرفة مواقفه وكيف تصوّره لمبدأ وتسلسل التكوين وتحديده لماهيّة الوجود واستنباط غاية للخلق وشرحه للوسائل ورسمه للطرائق التي تبلغ بمن يعتنقه خير مآل ومن أقرب وأيسر السبل.

ولكن مع الأسف الشديد لم نجد فيما يسأل عنه السائل أدنى إشارة توحي -ولو من بعيد- بأي اهتمام بشيء من هذا كله!، بل عندما تأملنا لهذه الأسئلة والكشف عن خفاياها انجلت لنا عن صيغة عصرية للاستفتاءات، إبراز العلويين ضُلالاً خارجين على الإسلام مِمَّن يوجب الإيمان جهادهم واستئصالهم .

وإنّ المحور الذي تتمحور حوله أسئلتك هو عين هذا المحور إذ لم تترك شاردة ولا واردة رواها التاريخ وحَوَتها الموسوعات الكبيرة أو بُطون الكتب المتخصصة ولا شبهة أو تهمة يمكن أن تَرِد على الخاطر ويُستفاد منها التشكيك بإسلام العلويين بل نفيَهم منه إلا وأحصيتَها! مما يَصدق نَعتُك للملف الذي تعده بـ(الشمولية)، ولا ينقص أسئلتك لتتم المطابقة بينها وبين الاستفتاءات القديمة إلا أن تفتتحها بالعبارة الشهيرة المأثورة:

ما يقول الشيخ - دام فضله ورضي الله عنه - في وجوب مقاتلة الروافض أهو البغي على السلطان أو الكفر بعد الإيمان أو . . أو إلخ .

ولكي ننفي كلَّ تجنٍ مِنا عن قولنا هذا، إليك مُلخصًا لأسئلتك، وكدتُ أن أقول: لاستفتاءاتك، يُعطي أقوى دليل على صحة ما ذهبنا إليه.


س 1 :

تشير بسؤالك الأول إلى نظرية تقول: إنّ أصل العلويين هو صابئة حران، وتتساءل عن العلاقة الصابئة العلوية وكأنها حقيقة ثابتة.

س 2 :

تسأل عن عانة وتومىء إلى عدم بُعدها عن سنجار موطن المكزون السنجاري لتحشرهم بين الطوائف المغالية والهاربين من المَد الإسلامي واليزيديين عبدة الشيطان، وتختتم بالسؤال عن علاقة محتملة بينهم وبين العلي اللهية.

س 3 :

لقد طاب لك قرن العلويين مع الجماعات ذات العقائد الغريبة، فأوطنتهم وادي (لالش ) المُنعزل مع اليزيديين والشبك، وافترضتَ سِنجار مَوطنهم الأصلي، وجَعلت علويي جبال اللاذقية ممّن طردهم الظلم العباسي من تلك الديار، وستتبين عند الجواب ما في ذلك من مُصادمة للتاريخ والجغرافية. ولكن أيُّ شأنٍ للحقيقة عندما يقضي الغرض إلحاقهم بذوي العقائد الغريبة والهاربة من المد الإسلامي.

س 4 :

تستلفتُ النظر إلى كلّ ما بَلغه عِلمك بما صُنّفَ ولُفّقَ عن العلويين، وتتوّج ذلك بالسؤال عن (سُليمان الأذني) الذي تنعته بـ(العلوي المُرتد) إيماءً إلى وثاقته في كل ما يَقول، وتذكُر وكأنّ ذلك يأتي عَرَضًا (رسالةٌ درزيةٌ في الرد على النصيرة)، وتختمه بتكرير السؤال عَمّن هو (سُليمان الأذني) زيادة في التأكيد على أهمّيته لما أنت بصدده.

س 5 :

ترديد لما جاء في السؤال السابق بحشد كل الموسوعات شرقيُّها وغربيُّها والمراجع على اختلافها من قديمة وحديثة لتوثيق وتأكيد ما جاء فيه. وتُداوِرُنا مُتناسيًا أنك تتوجّه إلينا المُثقفين العَلويين، أيّ ضمنًا مِمَّن تحُقُّ فيهم كلُّ التُّهم المُسَطّرة في هذه المراجع فتأبى إلا أن تنتزع مِنّا حُكمًا بعَدمِ إسلامهم على اعتبار إنهم مؤلهة لعلي.

س 6 :

سؤالك عن شخصيات بارزة عند العلويين رُبِطوا بها فلا تَعرف من أوصافها إلا أنّها كانت موضع تجريحٍ واتهامٍ.

س 7 :

وكأنك لم تثق بكل ما جاء في الأخبار وحَوَت الموسوعات من البراهين على عدم إسلامهم، فرُحْتَ تدعَمُها بمشاهداتك الشخصية وملاحظاتك الذاتية لتستنبط براهين ثلاثة جديدة تستدرك بها على كل من سَبَقك وتُكمِلُ كُلَّ ما فات وهي:

  1. عدم التقيد بالحجاب.
  2. فقدان الجوامع.
  3. القول بالتقميص.
س 8 :

تُقَسِّم العلويين إلى اثني عشرية خالص، ومُغالين، وقولٌ ثالثٌ يقولون : إنّهم كلهُم سَواء يُبدون الأسْلَمة كنوعٍ من التقية. تسأل أيُّ الصحيح في كل هذا؟ وتحترز إن لم ترضَ عن الصحيح الذي نُجيبك به وتُصَدّق مِنّا القَول فتحتاط بافتراضٍ صحيحٍ ثانٍ عند المشائخ، بل وثالث عند من تُسَمّيهم الأفراد كما يوحي باحتفاظك بالحق في جولة بل جولات أخرى.

س أخيرًا :

وبدون ترقيمٍ ضربَةُ المُعلم التي يُقال عنها (بألفٍ) فتسأل عن الفوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية عَلّك تُقيم سَدًّا بينهم وبين كل فئات الإسلام.


لقد حَرَّكت أسئلتك هذه شجونًا، وأثّرت في النفس تساؤلاً عن سِرّ هذا الولع الطارىء والاهتمام المُلِح مِمّا سَبَّب هذا الطوفان من الدراسات عنهم تتتابع وتتلاحق من شتى المصادر والاتجاهات وكأنها على قدر. فتلاقت في صعيدٍ واحدٍ مراكز التبشير والاستشراق الإستعماري وأبواق الصهيونية ورفدهم متزمتو بعض الفئات الإسلامية وعقدوا لواءهم لمن تلاقت أحقادُهم وانطوى على صدورهم على مثل ما انطوت عليه صدور بعض علماء السوء المُسَخّرين دينهم لمآرب السلاطين . فراحوا يَنشرون ويُذيعون ويَنبشون من الماضي أَلَمّ وأَحْلكَ الصفحات التي مرّت بتاريخ الأمة الإسلامية فَضَلَّ سعيهم وهم يَحسبون إنهم يُحسنون صُنعًا.

ويا ليتهم لا يَمِنّون علينا بأنّهم سيُوَلّدون لنا من هذه الظلمات نورًا هاديًا وانبعاثًا جديدًا. وفاتهم ويا للأسف أنّ الشيء لا يُطلب إلا من معدنه وإنّ الحب وحده معدن كل الخير.

وقد كان حقُ قدْرِ هذه الأسئلة الإغفال لأنها لا تهدفُ لاستجلاء حَقٍ بل ترديدٍ لتخميناتٍ واتهاماتٍ مُغرضةٍ وثمرة استنباطات غير مُتحَرّية أقاموها دليلاً بغير مدلولٍ وكوّنوا من ذلك تصورًا عن العلوية ألزموها فيه من عندهم وراحوا يحكمون عليها بموجبه، ولكن بعد تأملها بإمعانٍ وجدنا إنّ ما وصفت به بـ(الشمولية) هو حَقٌ من حيث إحاطها بكل الأراجيف والمُغالطات والاتهامات التي لفّقتها المآرب فدَوّنَها التاريخ ضد العلويّة.

فخوفًا من أن يَعلق منها شيءٌ في الأذهان لفترةِ تردادِ هذه الأكاذيب، ويَصدُقُ فيها المثل الشهير (أكذب وأكذب وأكذب.. فلا بُدَّ أن يُصَدّقَ منه شيء).

رأينا من الخير أن نُجيب عليها مَحوًا لما قد يَعلق بالأذهان، وجَلاءً للحقيقة، ودفعًا للتجنياتِ، وإذهابًا للحَيرة عَمَّن لا يستطيع كشفًا لزيغها، فأقول:

الجواب عن السؤال الأول..