جواب السؤال السادس (أبو شعيب - الخصيبي - أبو سعيد ميمون - الصحابة - أعيان الشيعة - الغضائري...)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44
السؤال السادس:
  1. محمد بن نصير الفهري النميري.
  2. الحسين بن حمدان الخصيبي.
  3. أبو القاسم سعيد بن ميمون الطبراني.

ثلاث شخصيات رُبطت بالعلويين بشكل أو بآخر، الأخبار عن ابن نصير قليلة متضاربة.

الخصيبي يقولون عنه في المصادر الشيعية ( أعيان الشيعة ) فيما يقولون إنه صاحب مذهب فاسد، واطلعت شخصيًا على كتابه الذي مُنع من التداول مؤخرًا 1 (الهداية الكبرى) فوجدت فيه أقوال في أبي بكر وعمر لا يقرّها المسلمون، كما ورد في ديوانه المخطوط إشارات كثيرة إلى شرب الخمر بطريقة سرية.

(ميمون الطبراني) ثالث هام جدًّا، وميمون اسم يهودي معروف، والطبراني من طبرية عاصمة اللاهوت العبراني على مر العصور، والطبراني أحد خلفاء الخصيبي في زعامة العلويين دينيًا.

ماذا يمكن أن نستنتج من كل ما سبق؟ سؤال تشكيكي لا حاجة به للتطويل.


مُلَخَّصُهُ: سؤالك عن شخصيات بارزة عند العلويين رُبطوا بها، فلا تُعرف من أوصافها إلا أنها كانت موضع تجريح واتهام.


جواب السؤال السادس

تسأل عن شخصيات ثلاثة رُبطت بالعلويين بشكل أو بآخر! فما أهدى أسئلتك لمواقف التجريح، وأبطن كيدها حين تُربط بالعلويين، أولاً بمن تضاربت به الأقوال، وثانيًا بذي عقيدة تُنعت بالفاسدة، لتنتهي إلى ثالث ربيب مركز هام للاهوت العبري. ولعلّ ذلك هو الذي أوحى لك نعته بالهام، وكأني بك تتساءل: أيكون يهوديًا تسلّل إلى سُدَّةِ بابوية العلويين قياسًا على غيره، والذي تَسَلل لسُدّتها في روما، وما ذلك بأغرب قولاً ولا أصعب منالاً.

وإليك إن شاء الله الجواب والقول الصدق:


1. أما أبو شعيب

فحتى أنّ الأقوال عنه قليلة ومتضاربة، ولكن يَسْهُلُ فَهْمُ عِلة ذلك، ودون أن يَلحق قدره أي انتقاص، بالقليل من التفكير بأحوال أئمة أهل البيت في زمنه، فقد كانوا حينما تُفضي السلطات الحاكمة بالإغضاء عنهم، موضع حذر ورقابة شديدين، ولكن ذلك لم يمنع لما كان لهم من المكانة الرفيعة والمَحتد الكريم أن يكونوا مصدر إشعاع روحي ومادي كبيرَيْن، ومحطّ رِحال تجتمع الناس حولهم أشتاتًا من الوَلي الحَميم حتى المُتجسّس عليهم، فصُنّفوا فئات ثلاث: عامة، وخاصة، وخاص الخواص.

وكل فئةٍ كان يخرج إليهم من علمهم على قدر منازلهم، وإنّ مشايعيهم كانوا هم أيضًا موضع استرابة ورقابة، وكم لحق من الأذى ببعضهم ما لحق، وكم يَروي لنا التاريخ من حَكايا عن سَجن بعضٍ واصطفاء أموال بعضٍ إلى قتلِ آخرين، فنتجَ عن ذلك تنوّع في أحاديثهم تبعًا لنوع الفئة المُخاطَبَة، بل إنهم طَردوا من حضرتهم خُلّصًا كي يَصرفوا عنهم أذى السلطان، وليس عن قِلى كما يَطيب للبعداء ما لأخصام القول بدليل إنهم جميعًا يروون عنهم : (لا تلعنوا بلعنتنا).

ولا داعي للإسهاب فذلك ثمرُهُ واقعُ المجتمع، يُضاف لذلك ما فُطرت عليه الطبائع من التحاسد والغيرة التي في النفوس التي لم تتطهّر، فلا غُروّ إذًا إن تضاربت أقوال أصحابهم ببعضهم بعضًا، وذر بينهم الخِصام وجرى لهم ما يَجري على الناس.

أما مَرَدّ قِلّة الأخبار عنه بما لا يتناسب مع مكانته، فالأحرى إرجاع ذلك إلى خُمول الفترة وقِلة المَوارد عن هذه الحقبة، وأيضًا إلى قلة المُنَقّبين عن أخبارها، ومع ذلك فلدينا ما يكفي للتدليل على عَظيم مكانته عند الإمام الحسن الآخر ، فهذا (بحار الأنوار) الذي يَجمع كل ما قيل فيه من خير وشر، يورد خبرًا يُلقم كل ما يُؤفكون لمَن تأمّله وذلك:
إنه (عندما يظهر المهدي فسيكون محمد بن نصير بابُه)،  وكفى بذلك تنويهًا بعظم قدره، واطمئنانًا لموثقيه بصحة مستندهم.


2. الخَصيبي

وهو أيضًا قد كَثُرَ الخبط في أخباره، ابتداءً من تصحِيف اسمِهِ في المراجع، إلى نَعتِهِ بذي المذهب الفاسد أحيانًا، لكن من الثابت أيضًا إنه في عَدَدِ الشيوخ الأعلام، المُجمع على وثاقتهم، كالتلعبكري مثلاً، وقد روى عن الثقات وروى الثقات عنه، وهذا مما يجعله عدلاً وثقة، وحَسَبَ ميزان الرجال.

وأما إطلاقك القول بأنهم يقولون عنه في المصادر الشيعية إنه صاحب مذهب فاسد مستشهدًا بكتاب (أعيان الشيعة) فقولٌ ظالمٌ مرتين: ظالم له مرة، وظالم لصاحب (أعيان الشيعة) مرة أخرى.

  • أما إنك ظالم له: فلأن هذا الإطلاق معلول ويكاد ينحصر بمؤَلِّف واحد اسمه (الغضائري) والذي يُقيّمه صاحب أعيان الشيعة: (لم يسلم منه أحد، لذلك لم يعتنِ العلماء بمذمومه).
     
  • وأما إنك ظالم ومتجن على صاحب أعيان الشيعة: فلأنه على العكس مما توحي به، واضح الميل إلى توثيقه، لإثبات رواية التلعبكري عنه واستجازته وقوله: (لم يقدح فيه الشيخ).
     
  • وثناء صاحب (الرياض) عليه بقوله: (فاضل عالم محدّث).
     
  • ورواية أبو العباس بن عقدة وثناؤه عليه ثم ذكره لما قيل من أنه (كان يؤم سيف الدولة)، وكان في معرض الدفاع عنه والرد على أخصامه حيث يقول: (والقدماء كانوا يَقدحون بفساد المذهب والتخليط بأشياء كانوا يرونها غُلواً وهي ليست كذلك).
     
  • وقوله : (لا غرابة في افتراء هؤلاء النسب الباطلة إلى العلماء).


فمن يُصبح عندك الأحق بالذم حسب ما جاء في أعيان الشيعة أهو أم الغضائري؟!

ألا ترى معي بأنه لا ينقص هذا العرض إلا الدعوة لأن ننشد بحق الغضائري قول المتنبي:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص      فهي الشهادة لي بأني كامل

ما لنا ولكل هذا فلسنا مُطالبين بالحكم على مكنون الضمائر، بل يكفي لما نحن فيه أن نعلم بأنه من الورثة الروحيين للسيد أبي شعيب، حتى يصبحوا عِرضة ولنفس الأسباب بكل الإتهامات والتقوّلات التي تجرّها هذه الوراثة، خصوصًا وأنه بعد غيبة الإمام احتفظت كل فئات أصحابه بخلافاتها وتحاسدها واستمرت بذلك.

ولكن ما يستوقف في سؤالك إنك لا تريد أن تعرف عنه إلا إشارات لشرب الخمر، وأقوال تطعن في الخلفاء، وكأنّ هذا كل ما عنده ولا شيء غيره.

أما عن هذا التغني بالخمرة

فيغنينا أدنى اطلاع على الآداب الدينية والصوفية منها خاصة لترتفع كل محاسبة عن متبادر القول، وإنّ السُكْرَ الذي يعنيه هو من باب قولهم: سكر قبل أن يخلق السكر، ولا علاقة له بالسُكر الذميم.

أما الأقوال ببعض الصحابة

فتَحْكُمُ بأنّه لا يُقرّها المسلمون، لتستنتج ضِمنًا إنهم خارجون على الإسلام، لأنّ من لا يُقر ما يقر قوم، فهو خارج من عقدهم..

ألم تتجاوز حدّك يا أستاذ بتنصيبك نفسك حكمًا فيمن يدخل في الإسلام ومن يخرج منه؟

ومن خوّلك هذا الإطلاق على المسلمين كلهم؟

جُلّ ما يُباح لك أن تقول (غالبيتهم)، إذ لم يعرف صدر الإسلام وشطرًا من قرونه الأولى أنّ الطعن في أبي بكر وعمر وعلي يُخرج من الإسلام، وإلا لما طَفح صحيح البخاري بالأحاديث التي يَسندها لخارجين يَسبّون ويُكفّرون عليًّا، وقد سبّه معاوية على المَنابر، واستمر ذلك ألف شهر، وهو ليس مُسلمًا فحسب، وإنمّا أمير المؤمنين!، وتقرن اسمه في كتابك تأدبًا مع المقام بـ (رض)، والذين قتلوا الحسين بكربلاء ولم يُنفوا من الإسلام لا هم ولا أسيادهم.

وفي صفحات التاريخ من أقوال الصحابة ببعضهم بعضًا أسوأ ممّا قال (مالك) في الخمر.

وما هذا الذي توحي به حدًّا فاصلاً بين ما هو مسلم إلا بِدَعٌ من القول، استُنَّ به في زمنٍ متأخرٍ، والباعث له معلومٌ: تَطْلُبُ المآربُ السياسيةُ تبريرًا لبطشها، ورقةَ دينِ عُلماءِ السوءِ، فجاروهم على ذلك.


3. مَيْمون

الذي تنعته بـ(الهام)، أجل إنّه من أعلامهم العاملين على نشر دعوتهم، ولكن ليس الثالث في الأهمية، ولا وارث الخصيبي، فما الذي جعله أثيرًا عندك حتى أنزلته هذه المنزلة؟

أتكون كلمتا ميمون والطبراني استوقفتا انتباهك؟

إذ تقول طبريا بذهنك بمركز هام للاهوت العبري، وميمون، باسم يهودي، ولتكن السبّاق لاستنباط صلة تربط العلويين باليهود.

ولكن للأسف سبقك لذلك إذاعة لندن - فعزاء عن فوتك لهذا السبق - ولتعلم مع من تلتقي بملاحقة العلويين بالتَّخَرُّصات.

أما طبريا أبي سعيد،  فقد خبا منها كُلُّ أثرٍ للاهوت العِبري منذ القرن الرابع للميلاد، أي قبل أن يوجد بأكثر من 600 سنة، ولم تكن في عصره، لا من الحواضر ولا من يحزنون.

ولقد كانت غِرناطة وقُرطبة حاضرتان من حواضر الإسلام لأقل من 600 سنة، فهل من ذلك اليوم شيء.

أما أن يكون ميمون اسمًا يهوديًا! فأيُّ مَصدرٍ أتاك بهذا الوحي ولا أثر للعَجمة فيه.. ولكن ربّما إنّا نسينا شيئًا.

ألم يَرِدْ ذِكْرٌ لفيلسوفٍ يهودي اسمه (موسى بن ميمون)! ولكنّ هذا كان عربيَّ البيانِ والفكرِ، وكان من مشاهير تلامذة بن رشد، ومن الذين جروا في ركابه، فحاول التوفيق بين الفلسفة والنصوص المقدسة، على غرار مُحاولة معلمه في التوفيق بين الفلسفة والشريعة، فأصبح لذلك من أعلام قومه.

أفلأجل يهودي استعرب اسمًا وبيانًا وفِكرًا، تريد أن تُهَوِّدَ قومًا بأكملهم! وتختم متسائلاً: (ماذا يمكن أن نستنتج مما سبق؟)

إنا نترك لك بعدما قَدَّمْنا أن نستنتج ما تشاء، أما نحن فقد كفانا عناء كد الذهن المثل: (إنّ الغرض يعمي ويصم).

  • 1 كتاب الهداية الكبرى لم يمنع من التداول لا مقدماً ولا مؤخراً وما زال يُطبع ويوزّع بين الحين والآخر في لبنان وإيران. (المؤلف الشيخ حسين المظلوم)