جواب "سؤال أخير" (المذهب الجعفري - الفوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية - أصل التسمية..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44
السؤال الأخير:
  • هل توجد فوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية؟
     
  • إذا كان ما هي تلك الفوارق؟
     
  • وإذا لم يكن فلماذا تسميتان مختلفتان لشيء واحد؟

مُلَخَّصُهُ: وبدون ترقيم ضربة المعلم التي يقال عنها (بألف) فتسأل: عن الفوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية! عَلّك تُقيمُ سدًّا بينهم وبين كل فئات الإسلام.


جواب (سؤال أخير)

تُطلقه بدون ترقيمٍ! وكأنّك مَلَلتَ أو تعِبْتَ من كلّ ما حَمَلتَ، ولكن ظَنَنتَهُ الفيصَل بين العلويين وآخِر ما يُمكن أنْ يَمتوا به للإسلام فتسأل: هل يوجد فوارق بين الشيعة الجعفرية والعلوية؟

فما أهداك للسؤال عما يفترق، ولا يجري لك خاطر فيما يجمع! وتختم تتويجًا لنهجك متسائلاً: لماذا تُستَعْمَلُ تسمِيَتَيْنِ مُختلفتين لنَهْجٍ واحد؟

فيا سبحان الله، أَعَرَبِيٌّ وتَسْألُ عن وجودِ مُترادِفَينِ لاسمٍ واحدٍ، والمَعروف أنّ العربية أغنى اللغات بهذا الباب، مع الملاحظة بأنّ هاتين التسميَتين ليستا الأصل، وإنّما الاسم الأوّل (الإمامية) فلما تَمَذهَبَت المَذاهب الأربعة، وأيّدتها وروّجت لها السُلطة الحَاكمة، وحَصَرَت العمل بأحكامها، صَرْفًا للناس عن اتباع آل البيت، بقيَ الكثير من المسلمين مُصِرًّا على الإقتداء بهم، وعَدَم أخذِ مَعالم دينهم إلا عنهم، ولمَّا دَرَجَ النَّاسُ على أنْ يتسمّى كلٌ برأسِ مَقالتِهِ، فصار هذا حنفيًا أو شافعيًا أو مالكيًا أو حنبليًا، كان لا بد لهم أن يَسيروا حيثُ سارَ الناس، فكان اختيارهم لاسم جعفر هو الأًوْلى والأَنْسَب، لما سَبَقَ وعَرَفنا من ذيوعِ ذِكره وغَزارةِ عِلمِهِ وتهَيّؤ الظروف لنشره، ولأنّه أيضًا الأعَمّ، إذ يُمكن أنْ يَنضَوي تحْته بالإضافةِ إلى كلّ فئاتِ (الأثني عشرية) الإسماعيلية أيضًا.

ومع ذلك فقد عُرفوا بتسميات أخرى، اختلفت كما اختلفت تسمية بطون العشيرة الواحدة.

فتارة يُنبذون باسم الأرفاض، وأخرى يُسمّون متاولة، أو الشيخية، أو الشيعية، وغيرها وغيرها.. ومنها تسمية العلويين التي جُدِّدَت منذ عشرينات هذا القرن،  ولقد أثير مثل تساؤلك في إحدى المحاولات التوحيدية مع السيد الصدر في طرابلس فطُرِحَتْ تسميَةُ (مُوَحّدَة الجعفرية)، و لم يَمنع من إتمام ذلك إلا لسببٍ عاطفيٍّ، إذْ عَزَّ عليهم بَعد أنْ عُرفوا بهذا الإسم الحبيب إليهم، أن يَستبدلوا بغيره، حتى أنّ أحَدَهُم حِرْصًا منه على هذا الإسم، وحِرْصًا على التوحيد، طَرَحَ طرحًا مُقابلاً وهو أنْ يَتَسَمّى الكُلّ (علوية)، سيما وأنّ عليًّا إمامُ جعفر وليس جعفرًا إمامٌ لِعَلِيّ، ثم تُرِكَت الأمور على حالها، وإلّا فإنَّ الإمام جعفر هو إمامنا لا نخرج عَمّا يَرِدُ عنه قَيْدَ أُنْمُلَة، ونتشرّف بذلك.

وأقوى بُرهان، إنه لما تأسّست مَحاكِمٌ مذهبيةٌ للعلويين كان قرارُها الأوّل: (العمل بموجب المذهب الجعفري). ولم يكن ذلك تقيّة من أحدٍ، بل كانت التقية تقضي غير ذلك، إما مُمَاشاة المستعمر الذي أراد بكل قِواه أنْ تَحْكُم حَسَبَ الأعراف أو العَادة، وإمّا اتباعًا للأكثرية التي هي أيضًا لم تألُ جُهدًا لحَمْلِها على السَيْر بحَسَب أحَدِ مذاهبها الأربعة، ولكن ما فِهمُهُم للتقية، وقد أثبتوا وخَطّوا بدمِ ألوفِ شهدائِهِم إنّه لا وهنٌ ولا جبنٌ ولا مُحاباة فيما نعقد عليه الضمائر ويُقرّه الوجدان.

وليس عند العلوية في كل أصولهم وما يعتمدونه من نصوص تُقَنّن لهم العقيدة أو ترسُم السلوك، نصٌ واحدٌ ينفردون به عَمَّنْ تُسَمّيهم (الشيعة الجعفرية)، وإنّهم يُوردوه بنفس النص الموجود بمراجع هؤلاء كلمةً كلمةً وحرفًا حرفًا.

وأزيدك برهانًا قاطعًا على تَوَحُّدِهِم في ذلك، وهو إنّه لما خَرَجَ العلويون من عُزلتهم القهرية، وتواصلوا مع إخوانهم بعد طول انقطاع، وتَيَسّر لهم الحُصول على المَراجع المُعتبرة كالكافي وبحار الأنوار وغيرها.. مثلاً فإنهم صَحّحُوا كثيرًا ممّا صَحَّفَه جَهَلةُ خطّاطيهم عن هذه المراجع ذاتها.

وتسأل هل من فوارق؟

سؤالٌ غامضٌ لا يَستبين المرء جليًا المدى الذي تقصد منه! فإنْ قصَدْتَ به تباينًا في تفسيرٍ وفهمِ بعض النصوص، سؤاله يكن عبثًا، إذ أنّ من المعروف المعلوم أنّ شيخهم من أكابر مُجتهدي الشيعة، والشيعة لم تقفل باب الإجتهاد، فندر أنْ تجد عَلمًا من أعلامهم لم ينفرد برأي أو تميز باجتهاد، وقد تأثروا كغيرهم بما جدّ في الإسلام من أبحاث وجِدال أثاره عِلمُ الكلام حَولَ الذات الإلهية، وعَيْنِيّة الصِفات، أو زيَادتها عليها، وغيره، ورفدته الفلسفة بما أثارته من أقوالٍ في معنى القِدَم والحدث والزمان والحيّز، وذوّقه التصوّف بشتى أفانيه من اتحادٍ ووحدةٍ وجودٍ ووحدةِ شهودٍ واتصالٍ وانفصالٍ، فتسرّب من كل ذلك إلى تصوّرهم وتعبيرهم صِيَغ وآراء اكتسبوها من هؤلاء وأولئك.

ولكن في كل ما استحسنوا أو رفضوا كان هُدى أئمتهم نَصْبَ أعينهم، فلم يَأخذوا إلا بما رؤوا أنّ لهم سندًا يَسندونه إليهم، يُبرّر لهم هذا الأخذَ، ويَعْصِمُهُم من أيّ انحرافٍ في المسار، ولذلك، مَهما تباينت الأقوال، تبقى جامعةُ الأئمة تجمعهم، وَيَنطبق عليهم قول الشاعر (اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية).

وما تداولنا مرّة البحث مع مُستنيريهم، وذوي الأُفُق الواسع منهم، إلا ووَجَدْنا أنّا نَسيرَ في فلكٍ واحدٍ، وكُلّ الناسِ يَعلمون إنّ الكواكب في سيرها بأفلاكها لا بُدّ أنْ تَمُرَّ بأَوْجٍ وحَضيضٍ، ولكنّ شمسهم تبقى واحدة.

وأُريحُكَ من التنقيبِ في بعضِ مُصَنّفاتهِمِ، عن أقوالٍ فينا تسوءُ لتَنْقُضَ ما نَقولُ.

أمّا نحن فليس عندنا ما نقوله فيهم غير هذا، ثِقةً مِنّا إنّا وإيّاهم إلى خيرٍ، بفضلِ حُبّنا المُشترك لإمامنا جعفر الذي بشرنا بقوله :

(إنّ محبتنا لا تزلّ له قدم حتى تثبت أخرى).