جواب السؤال الثالث ( اليزيديين - وادي لالش - سنجار - السناجرة - المكزون السنجاري - أصل العقيدة - القاف المعطّشة..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 17:54
السؤال الثالث:

تقول إحدى الدراسات عن اليزيديين إنّ (وادي لالش) قرب الموصل جبل سنجار ومناطق الحدود السورية العراقية الوسطى والشمالية كلها مناطق معزولة، كانت موئلاً للهاربين من المد الاسلامي وما زالت موطنًا لجماعات من عقائد متباينة غريبة كالشبك واليزيديين.

تقول فرضية: إنّ سنجار هي موطن العلويين الأول المُطاردين من الظلم العباسي.

ويقال أيضًا: إنه كلما اشتد الظلم ووصل حتى سنجار هرب بعض العلويين إلى جبال اللاذقية ولو لم تكن بين علويي اللاذقية وعلويي سنجار روابط قوة ما استنجد الشيخ محمد البانياسي والشيخ علي الخياط (كما أورد غالب الطويل) بالأمير المكزون السنجاري في سنجار (التي تبعد عنها مئات الأميال في وقت كانت وسائل شبه بدائية) شيخ العلويين في سنجار، ولو لم يكن الأمير المكزون السنجاري يشعر أن علويي اللاذقية أقارب وأبناء عمومة لما جاء وبرفقته 25000 أو 50 ألف شخص وسكن مناطق قرب سورية، إضافة إلى الفروق في اللهجة بين العلوي وغير العلوي خاصة السني، فقاف العلوي كقاف العراقي مُعَطّشة.

ما هي العلاقة بين السنجاريين والعلويين وما هو رأيكم فيها؟


مُلَخَّصُهُ: لقد طاب لك قرن العلويين مع الجماعات ذات العقائد الغريبة، فأوطنتهم وادي (لالش ) المُنعزل مع اليزيديين والشبك، وافترضتَ سِنجار مَوطنهم الأصلي، وجَعلت علويي جبال اللاذقية ممّن طردهم الظلم العباسي من تلك الديار، وستتبين عند الجواب ما في ذلك من مُصادمة للتاريخ والجغرافية.
ولكن أيُّ شأنٍ للحقيقة عندما يقضي الغرض إلحاقهم بذوي العقائد الغريبة والهاربة من المد الإسلامي.


جواب السؤال الثالث

يُستشف منه بأنّك لم ترض أو تكتف بالربط بين العلويين والهاربين من المد الإسلامي، ولا بإلصاقهم بالصابئة، فرُحْتَ في غيرةٍ منك عليهم تحملهم إلى وادي (لالش) المُنعزل، لتقرنهم مع الشبك واليزيديين، وبين أنّ اليزيديين هم المقصودون من الذكر، لأن الشبك فرقة صغيرة المعروف عنها قليل لا يثير اهتمامً، أما اليزيديون فشاع وذاع عنهم الكثير لشذوذ اعتقادهم بعبادة الشيطان.

وهكذا ينفتح أمامك باب جديد لإطلاق فرضية: بأن سنجار موطن العلويين الأول الهاربين من المد الإسلامي والظلم العباسي، يعتصمون تارة في جبل شاهق، وتارة يلجأون لوادٍ منعزل، مع أمثالهم من طريدي الإسلام.

لا يمكن أن يُعزى ما في هذه الأقوال من خطأ إلى الجهل، لأنك في سؤال تالٍ تسأل سؤالَ العارفِ عن شارع طريقتهم، ثم عن مرجعهم الأول، وعن إحدى شخصياتهم الهامة: أبو شعيب والخصيبي وأبو سعيد، وهؤلاء كلهم يُعرف تاريخهم وأين ولدوا وأين ماتوا وميادين نشاطهم فهل لسنجار ذكر لأي منهم؟ وهل عرفوها أو عَرَفَتْهُم؟

ولِنُقْصِرِ القولَ على مؤسس طريقهم فنلاحظ أولاً إنه لا يعرف عنه أتباعه إلا أنه (شيخ الطريقة) ولئن أُطلق عليه (شيخ المذهب) فتَجَوُّزًا أو جَوازًا كما قد يقع لنا أحيانًا. وإن المعروف عنه إنه كان من أكابر مجتهدي الشيعة الإمامية الذين لا مذهب لهم، إلا ما يستقونه عن الأئمة الإثني عشر الذين هم عندهم جميعًا في العصمة والعلم سواء، لذلك إن انتسبوا لأحدهم فكأنهم انتسبوا للكل. وقد غلبت تسمية الجعفري على كل مذاهب الإمامية لأن الإمام جعفر عاش في فترة فريدة ضَعُفَ فيها حُكم الأمويين، ولَمَّا تستحكم قبضة العباسيين -مما أتاح له أن ينشر عرفانه بأوسع ما قُيّض لغيره- وأن يسمح لواردي منهله أن يَؤُمّه بأمان أكثر، حتى أنطقَ بعضُ معاصريه (لقيت أربعة ألاف عالم كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد ) فشيخهم جعفري المذهب بكل ما في الكلمة من معنى. لذلك لا يوجد أثر لأي حكم شرعي اكتفاء بما يستنبطه المجتهدون من فقه هذا الإمام العظيم جعفر أو آبائه أو بنيه.

وقد كان مجال دعوته وزمن اتشارها عصر (سيف الدولة)، وتفرَّقَ مُريدوه في كل أرجاء سلطان الحمدانيين، وتجاوزوها إلى مصر وتونس والمغرب، وشرقًا إلى فارس وأذربيجان، والى ما لا نعلم أين. كل هذا قبل ثلاثماثة سنة تقريبًا من أي ذكر للمكزون، فكيف تكون أو تصير سنجار موطنًا للعلويين الأُوَل!؟.

ولِنُرِحْكَ من سنجار وما يترتب عليها من فرضيات، فنعترف لك بادىء ذي بدء بأن الباحثين على خلاف فيما بينهم بالنسبة لفترة غامضة من تاريخ العلويين، وكُلٌّ يستند إلى رواية وإشارة تدعم رأيه:

  1. فمن قائل إن المكزون سكن معالم سنجار مما ينطبق وصفًا على جبال سنجار.
     
  2. ومنهم من يرى أن سنجار المعنية، بلدة شرقي المعر،ة وهذا يحل في لغة الحرب أشكالاً تعبوية، لانتقال المكزون لنجدة إخوانه في العقيدة لا في النسب، كما يوحي قولك.
     
  3. ورأي ثالث أثاره أحد النسابة من رؤساء العشاثر العراقية للأستاذ البدوي - رحمه الله - وهو أن تكون النسبة إلى سنجار، وهو اسم لا تزال تحمله بعض العشائر العراقية حتى يومنا هذا، ومما يسند هذا الرأي الأخير أنهم عندما ينتسبون يقولون (سناجرة) لا (سنجاريون) حسب ما تقتضي القاعدة، وهذه الصيغة هي نفسها التي تستعملها العشاثر العراقية العلوية المتحدرة من هجرة الأمير المكزون إذ يقولون عندما ينتسبون (نحن السناجرة).

لسنا هنا للفصل بين فرضيات تاريخية لكن ذلك لا يمنع من محاولة لتوفيق بينها أو تضييق شقة خلافها، كأن نقول مثلأ بأنّ الأصل العِرقي (عشيرة سنجارة) واحتمال وجودها في (سنجار) زمنًا نتيجة لتنقلاتها، وذلك ما كان معروفًا ومألوفًا من تحركات العشائر العربية حيث لم يكن حَدٌّ يَحُدُّ ذلك. بدليل وجود بعضها في بلاد تركستان حتى الأن، ووجود هلاليين في المغرب، وغيرهم في شرق إفريقيا، وهذا ما يفسر لنا أيضًا سبب محاورتهم للأكراد، أخذهم عنهم بعض التسميات دلالة في ذلك إلا إثبات التواصل .

ألا ترى بأنه عندما أصبح التواصل عالميًا كيف أخذت التسميات الغربية تغزو سجلات النفوس عندنا. كما إن التسميات الشرقية تشق طريقها إلى سجلات نفوس الغرب، ولا يعني ذلك إن أحدًا من هؤلاء وأولئك تحول عن كيانه وأصله.

وقد يشط بعيدًا عن المقصود كل من يسأل عن العلوية وهو غافل عن حقيقتها التي هي كناية عن نظرة عرفانية إلهية إسلامية ولها مناهجها وطرق استدلالها، وتُقَدِّمُ تصوّرًا متميّزا ومتكاملا عن الوجود وموجده، وكيفية علاقة الإنسان وعلاقته بخالقه، وما يجب عليه سلوكه مع كل مخلوق، ومفتوح بابها لكل من يوفي بشروطها، وسيشط إلى أبعد وأبعد من ينظر إليها على أنها عِرْقٌ أو سلالةٌ يلاحقها في هجراتها وتنقلاتها، كما يلاحق دارسو السلالات والأعراق إحدى قبائل (الهون) مثلاً أو (بني هلال) في مسيرتهم.

ومن الغريب المُستغرب ما قادك إليه تمغنط فكرك شطر طلب الفوارق بينهم وبين إخوانهم السنة، فَرُحْتَ تجعل من اختلاف نُطقهم بـ(القاف) دليلاً!

  • فهل كل سُنِّيِّ العالم سواء في نطق القاف مهموزة كأهل الساحل عندنا!؟
  • وهل العلويون المنفردون بِنُطقها (مُعَطَّشَة) حتى تصبح علامة فارقة لهم؟!
  • وهل يصبح كل قارىء قرآن علويًا لأنه ينطقها كما ينطقون؟!

عهدنا بمثل هذه الأقوال من اختصاص علم اللهجات لا من باحث التفريق بين العقائد والمذاهب.

والآن، أعتقد إنه وَضحَ بما فيه الكفاية لكل باحث عن الحقيقة بأن علويِّ هذه الجبال لم يكن جبل سنجار موطنهم الأول ثم هاجروا منه إليها، لِيَصِحَّ للمغرضين ربطهم بالصابئة تارة وبالهاربين من المد الإسلامي تارة أخرى، وإنما الأقدم منهم بقايا من نجوا من الفتن والمحن التي توالت عليهم، ولما صار الزمن إلى ضعف في السلطة المركزية اختل الأمن فتولّت كل طائفة من الناس شؤونها بنفسها، وكان الحاكم فيما بينهم قانون تنازع البقاء. ولَمَّا لم يكونوا الأقوى لجأوا إلى الاستنجاد بإخوانهم في العقيدة -لا القرابة كما تورد- فكانت نجدة المكزون في الذاكرة المسجلتان في بعض المخطوطات، والمحفوظتان في الذاكرة الشعبية، يتوارثها جيل عن جيل، وقد تبع ذلك تحوّل نوعي في تاريخ العلويين لهذه الديار إذ ساعدت على ترجيح كفتهم في الصراع القائم بين الطوائف، فآلت إليهم السيطرة على هذه الجبال بكل امتدادها، وشَكَّلوا شريحة اجتماعية ذات عِدَّة وعدد، وأصبحوا بنفس الوقت أكثر عُرضة للتهجمات والاضطهادات من السلطات الحاكمة والغزاة المتتابعين، وإنَّ في هوامش وذيول بعض المخطوطات، تسجيلاً مُخيفًا ومُحزنًا للأهوال والكوارث التي عانوها بصبر عجيب وصمود مُدهش، ولا تزال تُلاحقهم الإتهامات والأراجيف، ويُشَوِّهُ سُمعتهم الغرب بشتى الأساليب، وهل آن لحضرتك لتدلي بدلوك في الدلاء؟