الجُمُعَة 13 شباط.

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/02/2016 - 13:00
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 13\ شباط \ 2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: عَدَمُ اليَأْسِ مِنْ نَصْرِ اللهِ لِعِبَادِهِ، وَلَكِنَّ النَّصْرَ لَهُ أَسْبَابٌ حَتَّى يَتِمَّ، وَلَقَدْ يَئِسَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَع الأَنْبِيَاءِ مِنْ وَعْدِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ نَصَرَهُم بَعْدَ يَأْسِهِم بِإِخْلاصِهِم للهِ عز وجل.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: ادِّعَاءُ الفَضْلِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَرَغْبَةُ بَعْضِهِم أَنْ يُمْدَحَ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ، وَأَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

  ... نصرُ اللهِ عزّ وجلّ الذي وَعَدَ بهِ في كِتابِه، والذي وعدَ به أنبياءَه، والذي ذكَرَهُ في كِتابِهِ الكريم في مَواضِعَ شَتّى أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلّ يَنصُرُ مَن نَصَرَهُ { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحَج.

  وقوله تعالى: { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد.

  واليأسُ الذي أَصابَ بعضَ النّاس مِن طولِ انتظارهم لما وَعَدَهُم اللهُ تعالى مِنَ النَّصرِ ومِنَ الغَلَبَة، وكان منه قولُهُ تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (110) سورة يوسف.

  حتى إذا استيئسَ الناس وظنّوا أنّ اللهَ عز وجل لن ينصُرَهُم، وحَسِبوا أنّهُم كُذَِبوا جاءهُم نصرُ اللهِ عزّ وجلّ. {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} وظنّوا أنهم قد كذّبهُم النّاس لِما وَعَدوا به، جاءَهُم نصرُ الله تعالى، ولكنّ ذلك النّصر الذي جاء للأنبياء وجاء لمن كان مَعَهُم، ما جاءَ إلاّ بعدَ اجتماعِهِم على طاعَةِ نبيّهِم، وما جاءَ إلاّ بعدَ تعاوُنِهِم وتعاضُدِهِم، وما جاء إلاّ بعدَ إخلاصِهِم لله عز وجل. حتى إذا استيئسوا وظنّوا أنَّ الهَلاكَ قريب، جاء نصرُ اللهِ عز وجل.
نصرُ اللهِ سُبحانه وتعالى الذي وَعَدَ عِبادَهُ ووعَدَ أنبياءَهُ، لا يكونُ والنّاسُ مُتفرّقون، لا يكونُ والنّاسُ بعضُهُم يُعادي بَعضاً.

  إنّما يكون حين يجتمعُ الناس، ويكون حينما يتعاونُ النّاس، وحين يكون البِرُّ، وحين تكونُ التقوى، وحين تكون طاعةُ الله سبحانه وتعالى هي الأمر الذي يجتمعون عليه.

  ما كانت هزيمةٌ، ولا كان إخفاقٌ، ولا كان فَشَلٌ إلاّ من التناحُر وإلاّ من الخٌصُومة، ما استطاعَ عدُوٌّ أن ينتصِرَ على مَن عاداه لولا أنّ ذلك الرجُل الذي، أو أولئك القوم كانوا فيما بينهم يتخاصمون، وفيما بينهم يتنازعون، ولولا ذلك ما استطاعَ عدُوٌ أن يُصيبَ من غيره نَصراً، ولا استطاعَ أن يُصيبَ من غيره هزيمةً.

  كُلُّنا يسألُ الله، وكُلُّنا يرجو الله تعالى، وكُلُّنا صار يتكلّمُ ويقول إنّ البلاءَ الذي نحنُ فيه شيءٌ قد طال! إنّهُ قد تجاوز حدود الصّبر وتجاوز حُدود الإحتمال، ولكن هذا النّصرُ الذي نسألُ الله سُبحانه وتعالى إنّما لا يكون إلاّ بالتعّعاون، لا يكون إلاّ بالتعاضُد، هذا مُرادُ الله سبحانه وتعالى بقوله {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}.

  فيما أمر َ اللهُ تعالى وأَمَرَ نبيُّه من التعاون ومن المَحَبَّة ومن التعاضُد ومن التناصر، حينئذٍ تُلقي الرُّعبَ في قلب العَدُوّ، حينئذٍ ينصُرُ اللهُ سبحانه وتعالى مَن ينصُرُهُ، لأنّهُ أرادَ مِن عِبادِه أن يجتمعوا، ولم يُرِد منهم أن يتفرّقوا وأن يتنازعوا، هذا هو الأمر الذي قال فيه أمير المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب عليه السلام، حين عَلَّلَ كيفَ ستُدارُ فِءةٌ مِن فِئة (إنّي واللهِ لأظُنُّ أنَّ هؤلاءِ القَوم سيُدالونَ مِنكُم) سيُدالون وينتصرون لماذا؟ (باجتماعهم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وبطاعتهم إمامهم في الباطِل ، وبصلاحهم في بلادهم، وفسادكم، وبأدائهُمُ الأمانة إلى صاحبهِم، وخِيانَتِكُم).

  هذه الأسباب هي التي تجعل الناس ضُعفاء، هذه الأسباب هي التي تُمَكِّنُ العَدُوَّ ممّن يفعلُ مثل هذه الأفعال.

  التباغُضُ والتناحُرُ والتنازُع هو الذي أوصَلَ الناس إلى ما وَصَلوا إليه، هو الذي كان سبباً في هلاك الكثير من الأمم التي سَبَقَت، وهو الذي سيكون سبباً في هَلاكِ كثيرٍ من الأمَم الباقِيَة.
الإنقسام والإختلاف الذي يَصِلُ إلى حَدّ التباغُض وحَدِّ المَكيدَة، هو الأمرُ الذي قَطَعَ الإخاء، وحين يُقطَعُ الإخاءُ يتمكّنُ العَدُو.

  في هذا يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحمةُ الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

أَضحى الإخاءُ الذي نَصَّ الأُلى   وَضَعوا لنا قواعِدَ هذا الدّين مُطَّرَحَ
هَل مِن سبيلٍ إلى نَيْلِ النَّجاةِ بِهِ   فالسَيلُ طَمَّ أذًى والكَيْل قد طَفَحَ
تَفَرَّقَ القوم أشياعاً فَمَا رَبِحوا   تالله تاجِرُ هذا السوء ما رَبِحَ
تَقَسَّموا فَرَأَوْ عُقْبَ انقِسامِهُمُ   وَإنّما المَرء مَجْزِيٌّ بما اجتَرَحَ

  المرءُ يُجزى بِما يجترحُهُ من خيرٍ أو مِن شر حين يُصيبُهُ، فلا يُلقِيَنَّ أحدٌ تَبِعَةَ ذلك الأمر على غيره، (وَإنّما المَرء مَجْزِيٌّ بما اجتَرَحَ).

  هذا السببُ الذي فَرَّقَ المُسلمين، وهذا السببُ الذي شَتَّتَ الناس، وهذا السببُ الذي جعلَ لهذا العدُوِّ سبيلاً لكي يَفعَلَ ولكي يقتُلَ، ولكي يُفتِيَ بما أفتاه.

  الإنقسام، التفَرُّق، التّباعُد، التّخاصُم، هذه الأسباب هي التي تُهلِكُ الأُمَم، وهي التي تمحوا آثارَ الأُمَم، فلينظُر ناظِرٌ، هل بُنِيَت أُمّةٌ فيما مَضى قبلَ أن تتفرّقَ كلمتُها، وقبل أن تتمكّنَ الخصومَ من أبنائها، وقبل أن يتناحَروا، وقبل أن يتنازعوا! هذا الذي يسألُ الشيخ عبد اللطيف ابراهيم رحمةُ الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

وابْسُط حديثَكَ للنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ   عَمَّا نُكابِدُهُ مِنَ الأضرارِ
المُسلمونَ تَفَرَّقَت أهواؤُهُم   فتفَرَّقوا في سائِرِ الأقطارِ
كادَ العَدُوُّ لهم وبَثَّ شِراكَهُ   فيهِم وألجأهُم إلى الإنكارِ
وبوَحدَةِ الإسلام ما يدعو إلى   توحيد صَفٍّ واقتراب ديارِ

  وهَل مُزِّقَ شَملٌ أو كانت المَطامِع لولا أنَّ في نفوس الناس، أو لو أنَّ في أعمالهم ما يُزَيِّنُ غزوهُم لمن يُريدُ الإعتداءَ عليهم.

  يقول في هذا رحمه الله:

شملُ العُرُوبَةِ مَزَّقَتهُ مَطامِعٌ   وبَدا على أعدائهِ مُتَنافِرا

  هذا الذي أصابَ الأُمَّةَ ما أصابَها إلاّ بعدَ أن تفَرَّقَت كلمتُها وتَشَتَّتَ شملُها، وضاعَ الصَّوابُ فيها من الإنقسام الذي نَهَى الله تعالى عنه في كتابه، ونهى عنه نبيّهُ ص وآله وسلّم، وكلمُ أميرِ المؤمنين عليه السلام شاهدٌ على ما مَضى، الإجتماعُ على الباطِل إذا تفرّق الناسُ عن الحق سوف يُحدِثُ هزيمَةً للذين يجتمعون، للذين يتفرّقون عن الحق وإن كانوا على حق، والصَّلاحُ في البلاد وإن كان القوم من أصحاب الفَسَاد، سوف يُحدِثُ لهُم نصراً. وطاعةُ إمام القوم في الباطِل التي تدُلُّ على اجتماعهم وعلى تعاضُدِهِم سوف تُحدِثُ لهُم نَصراً.

  فالأسباب التي عَرَفناها إذا أرادَ أحدُنا أن ينجُوَ مِنها فعليه أن يُطَهِّرَ قَلبَهُ من الحِقدِ ومن الغِلِّ ومِنَ الحَسَد. حينئذٍ إذا اجتمَعَ النَّاس، وحينئذٍ إذا اجتمعت كلمتهم ولم يتفرّقوا، حينئذٍ يكون النّصرُ من عند الله عز وجل، وما النصر إلا من عند الله، حينئذٍ ينصُرُ الله سبحانه وتعالى عِبادَه، حينئذٍ يُكرِمُهُم ويُقَوّيهم على عدُوّهم، حينئذٍ إذا جمعوا شملَهُم، وحينئذٍ إذا كَفُّوا عن الإنقسام فإنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى يُكرِمُهُم، ما نحن فيه هو نتيجةُ انقسامنا وتناحُرنا وتنازُعِنا من كُلّ مَكانٍ بدأتَهُ، ومِن كُلّ أرضٍ بدأتَها أو بدأتَ القِياسَ فيها لمعرفة عِلَل هذا الأمر وجدتَ الإنقسامَ والتّفرقة. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (214) البقرة.

  نصرُ اللهِ سبحانه وتعالى قريبٌ لمن قرَّبَهُ إليه ولمن أراد أن ينصُرَهُ اللهُ عز وجل، ولقد أصابَ الذين سَبَقوا مِنَ اليأسِ ما ذكرنا {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (110) سورة يوسف.

نسألُ اللهَ سُبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم من الذين صَحَّت أعمالُهُم، ومن الذين يستحقّون باجتماعِهِم على الحَق رحمَةَ الله ونُصرَة الله.....

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  يقول اللهُ تعالى في كتابه الكريم: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (188) آل عمران

  الذي يرضى أن يُنسَبَ إليه من المَناقِبِ ومِنَ الفَضائِلِ ما لَم يَفعَل، فلا يظُنَّنَّ أحدٌ أنّه بمنأى عن عذابِ الله عز وجل، جاء في وصيّة النبيّ الكريم ص وآله وسلّم لابن مَسعود رضي الله عنه، قال له (إذا مَدَحَكَ النَّاس فقالوا أنَّكَ تصومُ النّهار، وتَقومُ الليل وأنتَ على غَير ذلك فلا تَفرَح، لأنّ الله َ تعالى يقولُ في كِتابِه الكريم {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ).

  الذي يرضَى أن ينسُبَ لنفسِهِ شيئاً وأن يغرَقَ في سَكَرِ المَدائِح ستكونُ عاقِبَةُ أمرِهِ أن يُخفِقَ في كُلِّ عَمَلٍ يَعمَلُهُ، لأنّهُ يتوانى مِن كَثرَةِ ما يُمدَح، ويُصيبُهُ الكَسَل من كَثرَةِ ما يُقالُ فيه، ويُقالُ له، من الإطراء.

  إنَّ أولياءَ اللهِ عز وجل والصالحين من عباد الله عز وجل يكرهون أن يوصفوا بما فيهم من الفَضل، وبما يفعلون من الفَضل تواضُعاً لله عز وجل، فكيف تكونُ حالُ مَن لم يُحسِن في شيء، أو يرضى أن يُنسَبَ إليه من العَمَل الصالِحِ شيءٌ لم يكُن له مِن عَمَلِهِ نَصيب.

  مَولانا أميرُ المؤمنين عليّث بنُ أبي طالب عليه السلام ينصَحُ لمن أراد مَدحَهُ (وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أُحِبُّ الإطراء واستماع الثناء، ولو كُنتُ أُحِبُّ ذلكَ لتركتُهُ انحِطاطاً للهِ عزّ وجَلّ عَن تناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ به مِنَ العَظَمَةِ والجَلال).

  بهذا ولهذا سلَكَ كثيرٌ مِن عُلمائنا رحمهم الله في أن يَبْرَؤوا من دَعْوى التَّفَرُّق، وأن يتواضعوا لله عز وجل وإن كانت أعمالُهُم كثيرةً في الخَير.

  يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله:

أما والمعالي إنه ليسؤني   بأن ينحلوني الزهد مع حبي الدنيا
وأن يصفوني بالجَميل وأنني   بلغتُ من العَليا إلى الرُّتبةِ العُليا

  مع ما كان عليه رحمه الله، تواضَعَ لله عز وجل وتَرَكَ ذلكَ الثَّناء، وجَعَلَ العَمَل مِقياساً، وجَعَلَ العَمَل مِنهاجاً ومِعياراً به يُعرَفُ مَن يستحِقُّ المَدح، وبِهِ يُعرفُ مَن يَجِبُ أن يُمدَح، ومَن مِن حقِّهِ على النّاس بأن يُذكَرَ بالخير.

  يقول رحمه الله:

سيَذكُرُني مَن جاءَ بعدي بما له   يرى أنَّنِيَ أهلٌ كَذِكْرِيَ مَن قَبلي
فلا تصِفوني بالجَميلِ وتُطنِبوا   فيُعرَفَ نَقْصي مِن ثَناكُم على نُبْلي

  وهوَ الذي ضَمَّنَ الحَديثَ المأثور (سيرةُ المَرءِ تُنبي عن سريرَتِه)

لَقَدْ أَطَلْتُـم عَلَى زَيْـدٍ ثَنَاءَكُـمُ   وَالمَرْءُ يَرْفَـعُ مِنْهُ مَدْحُ جِيْرَتِهِ
دَعُوا المُغَالاةَ إِنْ صِدْقًا وَإِنْ كَذِبًا   فَسِيْرَةُ المَرْءِ تُنْبِي عَنْ سَرِيْرَتِهِ

  ويقول في هذا الشيخ عبد اللطيف سعّود القاضي رحمه الله:

ناشدتُكَ اللهَ أَعِنِّي على   بَلوايَ إنَّ الصَّبرَ مِنّي انقَضى
وخَلِّني مِن كُلِّ مَدحٍ بِهِ   يُرفَعُ مَن في الحَقِّ أن يُخفَضا
فلستُ بالمدحِ أنالُ الذي   أبْغي لكُم يا شيعةَ المُرتَضى
حَسِبْتُمُ الدَّهرَ لَكُم قَد صفا   وعَن سِواكُم جَفنُهُ قد أغمَضا

  المَدحُ والإطراء هو الذي إذا وُضِعَ عندَ غير أهلِهِ أصابَهُم من الإعجابِ بالنَّفس، ومن التّواني، ومن الكسل، ومن الفُتور، ومن الخُمول ما يمنَعُهُم أن ينهَضوا ليَعمَلوا عَمَلاً صالحاً.

  فمن أرادَ أن يُكرِمَهُ الله سبحانه وتعالى، ومن أرادَ أن يَضَعَ الأمورَ في مواضِعِها الصَّحيحَة فليتفَكَّر قبلَ أن يتكَلَّم، وليَنصَح لنفسِهِ قَبلَ أن يَنصَحَ لغيرِهِ، وليَعلَم أنَّ اللهَ سُبحانه وتعالى أخَذَ على العِباد أن يقولوا ما لم يعلموه وأن يَقِفوا عند ما لَم يعلَموا، إنّ اللهَ سُبحانه وتعالى نهى عِبادَهُ عن الخَوضِ في شيءٍ لا يعلمون حقيقتَه، وأمرَهُم بالبَحث، وأمَرَهُم بالتّأمُّل، وأمرهم بالتَّدَربُّر، ولكنَّ كثيراً مِن النّاس يُهمِلُ هذا الأمر وهوَ في غَفلَةٍ عمّا يُصيبُهُ من نَتيجةِ مَدحِهِ، ومِن نتيجَة الثَّناءِ عليه بِما يعلَمُ أنّهُ ليسَ أهلاً له.

  فإذا وَرَدَت علينا كلمةٌ أو أثنى علينا أحدٌ بما نعلَمُ ونَشهَدُ واللهُ سبحانه وتعالى أعلَمُ بِنا مِن أنفُسِنا وهو خيرُ الشّاهدين أن نُنكِرَ إذا مُدِحنا بشيءٍ مِنَ الخَير ولم نكُن قَد عمِلنا ذلك الشيء أو فعلناه، فلنُنكِر هذا الأمر ولنُنَبِّه أننا لسنا من أهل ذلك الأمر، وإن كُنّا فعلناه فيجبُ أن نتواضَعَ للهِ عز وجل، وأن نذكُرَ أنَّ الأمرَ عندَ الله هو أمرُ السَّريرَة، وأنّهُ على المُسلم الصحيح المؤمن أن يستعيذ بالله كما استعاذ الصالحون أن تحسُنَ علانِيَّتُهُ بينَ النّاس، وأن تقبُحَ سريرَتُهُ فيما بينَهُ وبين اللهِ عز وجل.

  نسألُ الله سُبحانه وتعالى حُسنَ العاقبة....