الكَذِبُ؛ مَكَارِمُ الاخلاقِ وصِلَتُهَا بِالْوَلايَة.. الجُمُعَة 9 تشرين الاول 2015م.

أُضيف بتاريخ الخميس, 27/10/2016 - 04:40
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 9\تشرين الاول\2015م:
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: الكذب.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: مَكَارِمُ الاخلاقِ وصِلَتُهَا بِالْوَلايَة.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
  فَضيلةٌ أَمَرَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى بها، ومَيَّزَ بها الـمؤمِنَ مِمَّن لـم يُؤمِن، وَجَعَلها أصلَ الإيمان، وجعلها عَلامَةَ الإيمان، وجَعَلَها رأسَ الإيمان؛ وتلك الفضيلةُ: هيَ الفَضيلةُ التي إذا خَرَجَ عنها الـمرْء، خَرَجَ عنِ الـمَنطِقِ الذي خلقهُ اللهُ سُبحانه وتعالى من أجلِه.

  فضيلةٌ أمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى بها، وبَيَّنَ فيها صِفاتِ مَن اتَّقى، وصِفاتِ مَن صَدَق، وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الـمتَّقُونَ} الزمر\33.

  وقال في وصفِ الـمؤمنين: {إِنَّمَا الـمؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لـم يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحجرات\33.

  بينَ الصِّدْقِ وبينَ التَّقوى {أُولَئِكَ هُمُ الـمُتَّقُونَ} و {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} لأنَّ الصَّادِقَ هوَ الذي نطَقَ بما أمَرَهُ اللهُ سُبحانه وتعالى أن ينطِقَ به، واجتَنَبَ الكَذِبَ الذي هُوَ مُجَانِبٌ للإيمان (الإيمانُ في أصلِهِ اللُّغَوِيّ هو الصِّدق) ولذلك كانت علامةُ الصَّادِق وعلامَةُ الـمُؤمِنِ أن يُؤثِرَ الحّقَّ على الباطِل حيثُ يَضُرُّهُ وإِن كانَ فيه هَلاكُه، ولذلكَ جاء في كلامِ أميرِ الـمؤمنين عليِّ بنِ أبي طالب عليه السلام (أنّ الكذّابَ والـميِّتَ بمنزِلَةٍ سَواء). الكذّابُ والـميِّتُ بمنزِلَةٍ سَواء لأنَّ فضيلةَ الحَيّ أن يوثَقَ بهِ.

  الذي يكونُ ناطِقًا بالصِّدق، فضيلتُهُ أنَّهُ يُوثَقُ به، بِخِلافِ مَن لا يستطيعُ أن يُحَدِّثَك؛ الذي خرجَ من هذه الدُّنيا لا يستطيعُ أن يُحَدِّثَك ولو أُذِنَ لهم بالجواب لقالوا: (إنَّ خيْرَ الزَّادِ التَّقوى).

  الصَّادِقُ بمنزِلَةِ الحَيّ، والكَذَّابُ بمنزلةِ الـمَيِّتِ لأنَّ الكَذِبَ هُوَ زوالُ الـمَنطِقِ عنِ الوَضعِ الإلهي ولذلك جاء في كلامِ أمير الـمؤمنين: (جانِبوا الكذِبَ فإنَّهُ مُجانِبٌ للإيمان)، وإن كان قليلًا، وإن كانَ صغيرًا، فإنَّ الإنسانَ إن أكثَرَ مِن أمرٍ أصبَحَ عادَةً؛ عَوِّد نفسَكَ السَّماح وابذِل لها ما تستطيعُ مِنَ الخير فإنَّ الخيرَ عادَة، كُلُّ شيءٍ قد يكتسبُهُ الإنسان في حياتِهِ ويظهَرُ على سلوكِهِ من بيئتِهِ وممّن حوله ورُبّما من تعامُلِهِ مَع غيرِه، لا بُدَّ أن يترُك كُلٌّ فيه أثرًا، وذلكَ الأثرُ الذي يُترَكُ فيه هو العلامَةُ التي تدُلُّ على ما في قلبِه، وهوَ العلامةُ التي تَدُلُّ على مافي ضميره، وهو العلامَةُ التي تدُلُّ على ما يُخفي.

  والذي جاء بالصِّدقِ وصَدَّقَ به هُوَ الحَيُّ الذي يستحِقُ أن يوصَفَ بالحياة، لأنَّ الحياةَ حَرَكَةٌ دائمةٌ ومُستمِرَّة، والكاذِبُ هوَ الذي يُوصَفُ بالـمَيِّت لأنَّ الكَذِبَ بتجاوُزِ حقائقِ الأشياء بما يقضي بِبُطلانِ حركتِها، ويقضي بذهابِ نفعِها، وبذلك لا يجتمعُ الإيمانُ والكذِب، لا يجتمِعُ الصِّدقُ والكذِب.

  والزَّمَنُ الذي يَغلِبُ فيه العِلـم بخِلافِ الزَّمَنِ الذي يغلِبُ فيه الجَهل، فمتى كانَ زَمَنَ عِلـم فلا رَيْبَ في خُروجِهِ من الجهل، وفي نَفي صفةِ الجهل عنه؛ ولذلك كان مِمَّا عَبَّرَ عنهُ عُلـماؤنا وشُيوخُنا رحمةُ الله تعالى ورِضوانُهُ عليهم في مِثلِ هذه الحال، يقولُ الشيخ محمود سُليمان الخطيب رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه يَصِفُ بيانَ كلامِ أميرِ الـمؤمنين أنَّ (الكَذَّابَ والـميِّتَ بمنزِلَةٍ سَواء) :

مُتْ يا زَمَانَ العِلـم والأَدَبِ   بُدِّلْتَ بالإخْلافِ والكَذِبِ
للهِ أنتَ مُشَيَّعًا تَرَكَ الأحـ   ـشاءَ في بيتِ مِنَ اللَّهَبِ

  (مُتْ يا زَمَانَ العِلـم والأَدَبِ) هذا الـمَوت الذي يُصيبُ زمانَ العِلـم وزَمانَ الأَدَبِ إنَّما هُوَ بمَوتِ أهلِهِ، وإنَّما هو بتجاوُزِهِم حُدُودَ ما أُمِروا به، وبزوالِ مَنطِقِهِم عن الوَضْعِ الإلهِيّ الذي شاءَ اللهُ سبحانهُ وتعالى أن يكونوا عليه؛ فما بين الإيمان وما بينَ الصِّدق وما بين العِلـم وما بينَ الجَهْل وما بين التصديق وما بين التكذيب هو ما تنطِقُ به وما يخرُجُ مِن فَمِك؛ فإذا أردتَ أن يكونَ كلامُكَ علامَةً على صِدقِ ما أنتَ فيه، فاجتَنِب أن تتجاوَزَ فيه ما علـمتَ أنَّهُ حقيقةٌ لا يجوزُ إنكارُها ولا تستطيعُ تجاوُزَها؛ لأنَّكَ متى تجاوزتها فقد حَكَمتَ على نفسِكَ بالإخفاق.

  العِلـم إنَّما يحي والأدَبُ إنّما يحيَ في حياةِ مَن حَمَلَه، (فالدينُ مهما كان حقًا فلا يُثمِرُ إلّا بهُدى تابعيه)، يقول في هذا العلّامةُ الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

والدينُ مهما كانَ حَقًا فلا   يُثمِرُ إلّا بهُدى تابعيه

  ما وُصِفَ رسولُ الله (ص وآله) وأهلُ بيتِهِ بغيرِ هذه الصِّفَة التي هِيَ أساسُ الفَضائِل، ولذلكَ جاء في تفسير كثيرٍ من الآيات التي ذُكِرَ فيها الصِّدقُ وذُكِرَ فيها الصَّادِقون أنَّهُم آلُ مُحمد صلّى الله عليهم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة\119.

  وأوَّلُ صِفَةٍ عُرِفَ بها رسول الله قبلَ أن يُبعَثَ نبيًّا هيَ صِفَةُ الصِّدقِ والأمانة فكان يُسَمَّى (الصَّادقَ الأمين). فأوَّلُ صِفَةٍ عُرِفَ بها رسول الله قبل أن يبعثه الله نبيًّا فكيف بعدَ أن بعثه الله نبيّا! هذه الصفة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في فِطرَةِ كُلٍّ مِنَّا ولذلك نَهى عن الكذِب بجِدِّهِ وهَزْلِه لئلّا يُصبِحَ شيئًا يعتادُهُ الإنسان، ولئلّا يكونَ بمنزلةِ الطَّبائِعِ التي قد يُطبَعُ عليها فلا يستطيعُ تجاوزها بعد هذا (ولا يُصيبُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتّى يَدَعَ الكَذِب جِدَّهُ وهَزْلَه)؛ حتّى يَدَعُ الكَذِب إذا كانَ صحيحًا محمولًا على الجِدِّ في القَوْل، وحَتَى يكونَ قد تَرَكَهُ وإن كان يُدخِلُهُ في بابِ الهَزل.

  نسألُ الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم مِمَّن يُؤثِرُ الصِّدقَ، ويُؤثِرُ الحَقَّ؛ ومِمَّن إذا وَقَفَ بينَ يديه يومَ العَرضِ عليه كانَ في زُمرَةِ الصَّادِقين، الذين جَعل اللهُ سبحانه وتعالى بما وَعَدَهُم في جنَّتِهِ مِنَ النَّعيمِ ومِنَ الخُلود ومِنَ الزُّلفَى ومِنَ القُربِ إليه، ما لـم يجعل لغيرهم.

  اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، واجعل الصِّدقَ في كُلِّ حَرَكَةٍ مِن حركاتِنا، وفي كُلِّ سَكَنَةٍ مِن سَكَنَاتِنا، وفي كُلِّ خاطِرَةٍ تَمُرُّ ببالِنا، وفي كُلِّ خَفْقَةٍ نُريدُ بها وجهَكَ الكريم.

  اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالـمنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل\90.

  اللهم واجعلنا ممّن ذكَّرتَهُ فتَذَكَّر، وزجرتَهُ فانزَجَر، وأسمَعتَهُ فَسَمِعَ، وبَصَّرْتَهُ فأبصَر، أقولُ قولِيَ هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم.

  الخُطْبَةُ الآخِرَة:

  جاء في كلامِ أمير الـمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (فَهَبْ أَنَّهُ لا ثَوابَ يُرجَى، ولا عِقابَ يُتَّقى، أفَتَزْهَدُونَ في مَكَارِمِ الأَخْلاق!؟).

  لو قَدَّرَ رجُلٌ أنَّهُ لن يُعاقَبَ ولن يُثابَ على شيء؛ أفيزهَدُ في مَكارِمِ الأخلاق التي يحفَظُ بها نفسَهُ ويصونُ بها نفسَهُ، ويحفظُ بها حَقَّ جارِهِ ويحفظُ بها حَقَّ أخيه، لو أنَّهُ خرجَ من يقينه بالثوابِ وبالعِقاب أفيزهَدُ في مكارِمِ الأخلاق! في الأشياء التي لا ينفعُ فيها أن تكونَ وسيمًا في مَظهَرِك، أو أن تكونَ جميلًا في صورَتِك، أو أن تكون أنيقًا في مَلبَسِك، إنَّما ينفعُ فيها أن تكون آخذًا بجوامِعِ الفَضْل.

  فلذلك جاء في كلامِ الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام: (مُرُوءَتُنا أهلَ البيت: أن نعْفُوَ عَمَّن ظَلـمنا، وأَن نَصِلَ مَن قَطَعَنا، وأَن نُعْطِيَ مَن حَرَمَنا).

  فمَثَلُ الرَّجُلِ الذي يكونُ مُجتَنِبًا هذه الـمكارِم كَمَثَلِ القُبور التي يكونُ ظاهِرُها ويكون باطِنُها مُظلـما لا خيرَ فيه ولا حياةَ فيه، على ما جاء من تشبيه مِثلِ هذه الحال، يقول العَلّامَةُ الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

حَسِّنِ الخُلْقَ مَا اسْتَطَعْتَ فَكَمْ   حَسَّنَ لُطْفُ الأخلاقِ خَلْقًا قَبيحا
لستُ أرضى لكَ الحَياةَ لعَمْرِي   خُلُقًا سَيِّئًا وَوَجْهًا صَبِيحا

  خُلُقًا سَيِّئًا وَوَجْهًا جميلًا، إذا اجتَمَعَا فما الذي يبقى؟! ما الذي يبقى إذا كان الخُلُقُ قَبيحًا، ولو كان الوَجهُ جميلًا!؟.

  ومَن مِنَّا يُرضيه أن يكونَ مُستَقبَحًا في أعيُنِ النَّاس! ما مِن أحَدٍ وهُوَ يُحِبُّ أن يكونَ مُستقبحًا في أعيُنِ النَّاس، فكيفَ يرضى أن يكون مُستقبَحًا في عَيْنِ الإله!!؟

  كيفَ يرضى أن يكون مُستقبَحًا في عَيْنِ الله وهو لا يرضى بين النّاسِ إلّا أن يكونَ على أحسَنِ زِيٍّ وعلى أكمَلِ وأشرَفِ صورةٍ!؟ وما خَلَقَهُ اللهُ سبحانه وتعالى حين قال {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين\4، ذلك الخَلْقُ كان تقويمًا من الله سبحانه وتعالى بما أعطاهُ من الجَسَد، وبما أعطاهُ مِنَ الحَواسّ، وبما أعطاهُ مِنَ العَقل، وبما أعطاهُ من التكريم على مَن خَلَقَهُ، وعلى غيرهِ مِمَّن فَضَّلَ الله سبحانه وتعالى، فكيفَ رضِيَ أن يخرُجَ مِن هذا التقويم!؟ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} كيف رَضِيَ أن يرجِعَ مِن هذا التقويم ليكونَ أسفَلَ سافِلين!؟ وهل خَرَجَ مِن هذا التقويم الحَسَن ورَجَعَ لولا أنّهُ اجتَنَبَ هذه الـمكارِم!؟ أن تُعْطِيَ مَن حَرَمَك، وأن تَصِلَ مَن قَطَعَك، وأَن تَعْفُوَ عَمَّن ظَلـمك...

  كُلُّ العُلوم إنَّما جاءَت لتَدُلَّ على أنَّ في كُلِّ شيءٍ في هذه الأرض، وفي كُلِّ شيءٍ في هذه السَّماء، آيةٌ تَدُلُّ على خالِقِها وعلى صانِعِها.

  كانَ الدين مِن أجلِ أن يُهَذِّبَ الإنسانُ نَفْسَهُ ولـما عَرَّفَ الفلاسفةُ الفلسفة قالوا: (هيَ معرفةُ الحقيقة). وقالوا: (هي التَّشَبُّهُ بالإلهِ على قَدْرِ الطَّاقَة) يعني كما ترى اللهَ سبحانه وتعالى كريمًا، وكما تراه يُعصى ويَغفِرُ كأنَّهُ لا يُعْصَى، فما بالُكَ أنت وأنتَ تبحَثُ وتجتهِدُ وترجو الخُلود، لا يكونُ فيكَ شيءٌ مِن هذه الصِّفات!؟
ما بالُكَ تطلُبُ مغفرةَ الله ولا تغفِرُ لغَيرِك!؟
وما بالُكَ تطلُبُ رحمَةَ الله وأنتَ لا ترحَمُ غَيْرَك!؟
وما بالُكَ ترجو أن يعفُوَ اللهُ عنك وأنتَ لا تعفو عن غيرِك!؟.

  وأن تَصِلَ مَن قَطَعَك، و أن تُعْطِيَ مَن حَرَمَك، هذه مكارِمُ الأخلاق في كُلِّ دينٍ وفي كُلِّ عِلـم، وهيَ التي جَعَلَها الإمامُ الصَّادِق مُرُوءَةَ أهلِ البيت.

  فمن أَحَبَّ أَهلَ بيتِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلـم فليَكُن في سُلوكِهِ، وليكُن في عَمَلِهِ، وليكُن مِن أخلاقِهِ: أنّهُ يعفو، وأنَّهُ يُعطي، وأنَّهُ يَصِل وإن كان هُناكَ مَن قَطَعَهُ، وإن كانَ هُناكَ مَن حَرَمَهُ، وإن كان هُناكَ مَن مَنَعَه.

  فهذه مَكارِمُ الأخلاق التي لا يجوزُ الزُّهدُ فيها، وإن جاءكَ مُعتَقِدٌ أنَّهُ لن يُثابَ ولَن يُحاسَبَ ولَن يُعاقَب، أفتزهدون في مَكارِمِ الأخلاق!؟

  إنَّ من ساءَ خُلُقَهُ عَذَّبَ نَفْسَه، ولذلك كان السُّوءُ شَرَّ قَرين، وكانَ الخَيْر أصدَقَ قَرين، ومِن هُنا مَن أرادَ أن يكونَ على أَوَّلِ درجَةٍ أقولُها في وَلايَةِ أمير الـمؤمنين عليّ بنِ أبي طالِب عليه السلام فليَكُن مُستمسكًا بمكارِمِ الأخلاق:

لـما عَفَوْتُ ولـم أحْقِدْ   أَرَحْتُ نَفْسِيَ مِن هَمِّ العَدَاواتِ
إِنِّي أُحَيِّ عَدُوِّ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ   لأدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بالتَّحِيَّاتِ

  مَن أرادَ أن يكونَ مِن أهلِ الوَلاء فليَكُن في عَمَلِهِ ما يَدُلُّ على وَلائِه فإنَّهُ ليسَ كلـمةً تُقال، ولقد قُلنا غَيْرَ مَرَّة أنَّ الإمامَ الصادق عليه السلام قد جاءَهُ رجُلٌ يشكو ويقول: ما نَلقى مِنَ النَّاسِ فيك!
فقال الإمام الصادِق عليه السلام: وماذا تَلقَى مِنَ النَّاسِ في.
قال: لا يزالُ يكونُ بيننا وبينَ الرَّجُلِ الحَديث فيقول: جعفَرِيٌّ خبيث!
فقال له الإمام الصّادِق: أَيُعَيِّرُكُمُ النَّاسُ بي!؟
قال الرَّجُلُ: نَعَم.
فقال الإمامُ الصَّادِق: ما أَقَلَّ واللهِ مَن يَتَّبِعُ جَعْفَرًا منكم، (يُعَيِّرُكُمُ النَّاسُ بي وما أَقَلَّ مَن يَتَّبِعُنِي مِنكُم) إنَّما شيعتي مَن عَمِلَ لخالِقِهِ، ورَجَا ثوابَهُ فأولئكَ هُم شيعَتي.

  فإذا عَيَّرَكَ النَّاسُ بشيء فانظُر في نفسِكَ قبلَ أن تنظُرَ في غَيْرِك، وإذا أرَدْتَ أن تكونَ سالـما مِن ألسُنِهِم مِن غير أن يُقالَ فيك ما ليس فيك، فتَمَسَّك بِمَكارِمِ الأخلاق.

  نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم مِمَّن شَرَحَ اللهُ صدرهُ، ومِمَّن نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ، ومِمَّن كَشَفَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى الرَّانَ عن قلبهِ، وعَن بَصَرِهِ، حتى رأى الحقَّ حَقًّا فاتَّبَعَهُ، ورأى الباطِلَ باطِلًا فاجتنبهُ.

  اللهم صلّ على محمد وآل محمد أفضَلَ ما صَلَّيْتَ على أنبيائِك، أفضَلَ ما صَلَّيْتَ على ملائِكَتِك، أفضَلَ ما صَلَّيْتَ على عِبادِك، اللهم واجعَل صلاتَكَ عليه رحمَةً تغمُرُنا، واجعل صَلاتَكَ عليه نِعْمَةً، واجعل صَلاتَكَ عليه سلامًا، واجعل صَلاتَكَ عليه عفوًا ومغفِرَةً.

  اللهم إنَّكَ أكرَمتَنا وقَد دَعَوناك، وأغثتنا وقد استغثنا بِك، وأكرمتنا بماءٍ مُنهَمِرٍ مِنَ السَّماءِ، اللهم فاجعل هذا الـمَاءَ بركَةً، اللهم واجعل هذا الـمَاءَ رِزقًا واسعًا، اللهم أنزِل علينا نَفْعَ هذه السَحَائِبِ وبرَكَتَها، واصرِف عَنَّا أذاها ومَضَرَّتَها، ولا تُصِبْنا فيها بآفَةٍ، ولا تُرسِل فيها على معايِشِنَا عَاهَة.

  اللهم إنّا نستغفِرُكَ ونتوب إليك فاغفِر لنا وتُبْ علينا.

  اللهم صلّ على محمد وآل محمد. عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالـمنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل\90.

  اللهم واجعلنا ممّن ذكَّرتَهُ فتَذَكَّر، وزجرتَهُ فانزَجَر، وأسمَعتَهُ فَسَمِعَ، وبَصَّرْتَهُ فأبصَر، أقولُ قولِيَ هذا وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم.