احتدام الثورة وذياع صيتها

أُضيف بتاريخ الخميس, 08/04/2021 - 03:10

احتدام الثورة وذياع صيتها

في هذه الأثناء، أوفد الملك فيصل ابن عمّه الشريف عبد الله مصحوبًا ببعض السلاح والذخيرة ويحمل رسالة من الملك فيصل إلى الشيخ صالح العلي، فاستقبل الشريف استقبالاً حافلاً يليق به، وطاف في الأماكن التي دارت فيها رحى المعارك، وأطّلع على مظاهر التخريب بالقرى التي احتلها الجيش الفرنسي وأحرقها وهدمها بمدافعه وقنابله، وكان الشريف عبد الله يدوّن كل ما يسمعه ويراه، ثم تجوّل في أماكن تدريب المجاهدين وأشرف على بعض التمرينات العسكرية وحفر الخنادق والمرابطة خلف الإستحكامات، فأثنى على الشيخ وعلى المُدربين والمتدربين، ثم عاد إلى دمشق، بعد أن مكث في منطقة الثورة قرابة الأسبوعين.

وما هي إلا أيام، حتى أوردت الأخبار أن وزارة الحربية الفرنسية كانت قد أبرقت إلى القائد الفرنسي رفضها لشروط الصلح، ووجهت توبيخاً شديداً للقيادة الفرنسية العامة في الشرق الأوسط، لقبولها شروط الصلح القاسية، وإظهارها مثل هذا الضعف تجاه ثائرين لا يملكون من وسائل الثورة إلا بعض البنادق القديمة، وأعطت الأوامر بضرب مثل هذه الحركات بقبضة من حديد، حتى لا تتوسع ويُصبح من الصعب إخمادها، وبناءً على ذلك فقد قامت بعض الكتائب المعسكرة بـ (القدموس) بالهجوم على قرية (كاف الجاع)، بينما كان الشيخ يعنى بصيانة المواقع الإستراتيجية التي يتوقف على صيانتها مستقبل الثورة فاعتقلوا سكانها وقتلوا بعضهم وأحرقوهم، وربطوا النساء في جذوع الأشجار وعذبوهن، وأضرموا النار في حقول القرية ومحاصيلها.

أدرك الشيخ أن ذلك ليس إلا خطة يُراد منها تطويق الثورة وتضييق الخناق عليها من كل الجهات، فأكمل استعداده بما كان قد وصل إليه من إمدادات الملك فيصل، وقرر مهاجمة القوات الهائلة التي حشدها الفرنسيون في طرطوس، ليُفسد عليهم خطتهم ويُداهمهم قبل أن يُداهموه، وهيّأ لهذه الغاية كل وسائل الهجوم، وقسّم المجاهدين إلى فرق متعددة، كان يرأسها ضباط نظاميون من الجيش السوري، وبعضها الآخر ضباط محليون من مجاهدي الجبل، وفي مقدمتهم:

  • اسبر زغيبي.
  • سليم صالح.
  • عزيز بربر.
  • محمود ضوا.
  • محمود علي اسماعيل.
  • علي زاهر.
  • محمد سليم الخدام.
  • محمد ابراهيم الشيخ.
  • وغيرهم.

وبدأ الهجوم على طرطوس بشكل منظّم من ثلاث جهات الشمال والشرق والجنوب، ولم يشعر الجيش الفرنسي إلا وقد أحاط به الثائرون، بعد أن احتلوا السراي والمنشآت الحكومية ومداخل المدينة ومستودعات الذخائر، وعندما أصبح الجيش الفرنسي محاصرًا في ثكناته العسكرية وقد أقفل على نفسه الأبواب، إذ بالأسطول الفرنسي يقف في عرض البحر المحاذي لطرطوس، وتبدأ بوارجه الحربية بصب القنابل على مداخل طرطوس ومخارجها والأماكن التي يحتلها الثوار، وقد شوهدت عشرات السفن الكبيرة وهي تنزل أعدادًا هائلة من جنود البحرية الفرنسيين لمؤازرة جنود البر، فلم يجد الثوار بُدًّا من الإنسحاب مُتكبدين بعض الخسائر في الأرواح، وقد أفسد الأسطول عليهم خطتهم العسكرية الهائلة، وهي منع الإتصال بين شمال المحافظة وجنوبها.

إنّ فساد هذا الهجوم بالنسبة للثوار لم يكن هزيمة بل كان تحديًا صارخًا في وجه القوى العاتية، ومحاولة خروج من نطاق ضيّق محدود إلى نطاق أوسع وأخطر.

أدركت الحكومة الفرنسية أنّ الثورة تزداد عُنفًا واحتدامًا يومًا بعد يوم، فعهِدت إلى (الكولونيل نيجر) بقيادة القوات الفرنسية، وكلّفته بإخماد الثورة ووضعت تحت تصرّفه:

  • /30/ ألف جندي من المشاة والخيالة.
  • فرقة مصفحات.
  • سرب طائرات.

فحشد الكولونيل نيجر قوّاته -معتمدًا أكثر فأكثر على الجنود الذين عاشوا في أماكن جبلية وعِرَة وهم بالطبع أقدر من سواهم على التسلق وأعرف من غيرهم بطبيعة الأرض- ووزعها في أنحاء الجبل بغية محاصرة مناطق الثورة وتضييق الخناق على الثوار وأنصارهم المخلصين، وجعل (القدموس) لقربها من (الشيخ بدر) نقطة ارتكاز وانطلاق وتجسس وإقلاق، فقام جنودها باعتقال بعض الوطنيين من (آل المحمود)، وتمّ نفيهم بعد ذلك إلى جزر كالدونيا والمارتينك، وتحكموا تحكمًا قويًّا بمناطق الثورة، فسدّوا المنافذ والسُبل، وأشاعوا العبث والأذى فيما حولهم، وفجأة تتناقل الألسن أنباء تفيد بأنّ المجاهدين قد قاموا بمحاصرة حامية (القدموس) -ذاك التجمع المدجج بالأسلحة- بعد أن كان جنوده يسودون ويميدون، وأن أسباب الحياة من ماء وطعام ومؤن،، قد قطعت عنهم تمامًا.

لقد استفاد الشيخ من فرصة الذعر التي تركها بين صفوف الفرنسيين من جرّاء هجومه المفاجئ على طرطوس، فأراد هذه المرّة أن يقوم بحركة مفاجئة وسريعة تستهدف احتلال (القدموس) وإقصاء العدو عن جبالها المنيعة، والحؤول بينهم وبين أهدافهم في المنطقة.

وقلعة القدموس بحكم علوّها وإحاطتها بالوديان السحيقة، فقد استطاع المجاهدون بحصارها أن يُجبروا حاميتها على الإستسلام بعد أن نفذ ما عندهم من الذخيرة والمياه، فاحتلها الثوار ورفعوا راية الثورة، وكم كان لهذه المفاجأة من وقع سيء على أسماع الفرنسيين.. لقد مُنوا بخيبة أمل كبيرة بالسيطرة على المنطقة وكبح جماح المجاهدين، في الوقت الذي غمرت فيه نفوس المجاهدين وأهل الجبل بأسرهم موجة البِشر والغبطة والإطمئنان على استمرارية الثورة وعنف زخمها.

وبشراسة.. وحقد.. ونية على الإنتقام.. حشد الفرنسيون قواتهم الكبيرة في (السودا) وعززوها بالدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة على طول عشرين كيلومتر للهجوم على معاقل المجاهدين في (الشيخ بدر)، ولما علم الشيخ بذلك قرر تقسيم جيش المجاهدين إلى ثلاث كتائب، ووضع على رأسها خير القادة،

  • فعيّن سليم صالح على الميمنة،
  • وجميل ماميش في الوسط،
  • وقسّم الميسرة بين عدد من القادة،

وقرر أن يُفسد على الفرنسيين هجومهم بمبادرته عليهم بالهجوم، وأمر قوّاته بالتقدم فانطلق المجاهدون واشتبكوا بجحافل الفرنسيين وجهًا لوجه مُسترخصين الأرواح والنفوس، حتى أنّ بعضهم كان يقاتل بالسلاح الأبيض مُتحديًا برجولته جبروت مصفحاتهم ومجنزراتهم، وكان هذا الحماس دافعًا قويًا لجلب الفرنسيين نجدات سريعة من جيوش الإحتياط في الساحل.

وإذا استطعنا أن ننسى أو نتناسى دور أولئك المتزعمين المرتزقة، في هذه المعركة، فلن ينساهم التاريخ ولن يغفر لهم ما اقترفته نفوسهم التي فقدت الشعور الوطني والمفاهيم والتعاليم الوطنية، وغزت عقولهم تعاليم الإستعمار ومبادئه، فراحوا يساندون برجالهم البسطاء جيوش المُعتدين، الأمر الذي أدّى إلى تلكؤ مسيرة المجاهدين عن الهجوم، ونتج عن ذلك أن ضعُفت تلك الجبهة فتقدّم الفرنسيون عن طريقها، ولولا قرار الشيخ الحاسم الذي قضى بتراجع كتائب الميسرة والوسط فورًا، لأصبحت لقمة سائغة لحركة التفاف واسعة للفرنسيين مُعتمدين على ميسرة جيشهم وميمنته.

وتابع الفرنسيون زحفهم، فأحرقوا قرية (زمرين) تلك القرية المجاهدة، التي كان أبناؤها الأبرار يحملون للشيخ ورفاقه أخبار الحملات بالتفصيل، فعذبوهم وشرّدوهم وحرقوا بيوتهم وأرزاقهم وخرّبوها، ومن ثم تابعوا الزحف نحو (الشيخ بدر) وقواتهم مخفورة بالطائرات والدبابات وجميع وسائل الدفاع والهجوم.

في الوقت الذي كان فيه الشيخ قد استجمع ما تبقى من قوى بعد خيبة الأمل المريرة التي فرضها ضغط العدو الشديد في المعركة السابقة، فاحتفظ بالإحتياط ووزع المجاهدين على نقاط محصّنة، وقد عاهدوه على الإستبسال والإستشهاد والأخذ بالثأر، واشتبكت القوتان رغم تفاوت امكانياتهما، لكن تلك الجرأة الغريبة والإستبسال المنقطع النظير واندفاع المجاهدين الأشاوس، ملاحظات كانت تميّز أولئك المئات عن تلك الألوف..

لقد أبلى الثائرون بلاءً جِدُّ حَسَن، لكن ضخامة الجيش الفرنسي عددًا وعِدّة جعلتهم ينكفئون حقنًا للدماء، فتمكن الفرنسيون عندئذٍ من احتلال وإحراق قرى (رأس الكتان – ضهر مطر – العنازة – العجمة – الحنفية – الشيخ علي طرزو.. وغيرها)، عندئذٍ ثارت الحميّة في نفوس الأهلين، فانضموا إلى الثوار وأصبح عددهم كبيرًا، فهجموا ببسالة مرات ومرات، وألحقوا بالعدو الخسائر الجسيمة على مدى خمسة وثلاثين يومًا انقضّت في نهايتها قوات المجاهدين على الجيوش الفرنسية بهجوم كاسح، فضربت حولهم نطاقًا من ثلاث جهات، وتمكّنت من إجلائهم عن هذه القرى، واضطرتهم على الفرار باتجاه طرطوس، بينما بدأ الأسطول بقذف حممه خلف مؤخرة القوات، ليحميها من المجاهدين، ولولا هذا الأسطول لتيسّر للثوار حصار أعدائهم ولشَهِدَ الفرنسيون كارثة أشدّ عُنفًا من سابقاتها.

ولم يهدأ للفرنسيين بالٌ، بل بقيَ الشيخ صالح العلي ورجال ثورته وسواسهم ومصدر مخاوفهم، فعادوا كرّة الهجوم واحتلوا وأحرقوا قرية (كوكب) ولم يكن من المجاهدين إلا أن هبّوا دفعة واحدة واسترجعوا القرية، ثم اتجهوا إلى (قلعة الخوابي) فحرّروها من الفرنسيين، واستولوا على الذخيرة التي كانت قد نُقِلت إليها حديثًا، وطاردوا الفرنسيين الذين ولّوا هاربين على طريق نهر الإسماعيلية، لتعود قواتهم إلى ثكناتها التي انطلقت منها فارّة مدحورة.

عَلِمَ الشيخ بأنّ الفرنسيين يخططون لهجوم كبير عندما بدؤوا يحشدون كل ما لديهم من احتياطات على جبهة واسعة تمتد من بانياس حتى طرطوس، فقام على جناح السرعة باحتلال (قلعة المرقب) ومعه عشرات المجاهدين، مُدركًا ما لهذه القلعة من موقع استراتيجي هام في توجيه الثوار ورصد تحركات العدو، وقطع الإتصال المباشر بين الفرنسيين في اللاذقية وطرطوس، وبقيت هذه القلعة في أيدي الثائرين حتى نهاية الثورة، الأمر الذي جعل الفرنسيين يتريثون في القيام بهذا الهجوم لأخذ رأي حكومتهم.

عند ذلك بدأت الصحف الأجنبية تتحدث عن عجز الفرنسيين الفاضح في إخماد لهيب ثورة الشيخ صالح العلي، وتناقلت بسخرية تصريحات القادة الفرنسيين:

( أنهم أمام قوة جبارة رهيبة وأنّ الإستخفاف بهذه الثورة أوّل الأمر قد جرّهم إلى خسائر فادحة في الأموال والأرواح..)

وللحد من استمرار وانتشار هذه السمعة الفرنسية المخزية، فقد عيّنت وزارة الحربية الفرنسية القائد (بولنجي) قائدًا عامًّا لقوات الجيش الفرنسي، وأطلقت يده في استعمال كل الأساليب التي تمكّنه من قمع الثورة وإخضاع الثائرين مهما بلغ الثمن وكانت الخسائر، وفوّضت إليه أن يستجلب من الخارج ما يحتاجه من الفِرق ويريد.

وجاء (بولنجي) بنفس حاقدة موتورة فحشد القوات الضاربة المصفّحة المدعومة بالطائرات بين (خربة الريح ونهر الصوارنة)، ثم أمرها بالتوسع على جبهة شملت عشرات الكيلومترات، وما أن علم الشيخ بهذه الحملة حتى نظّم وعزّز ونسّق واستعد واستنفر الأهلين واستحثّهم على المقاومة والدفاع، مستفيدًا من تلك النجدات الهائلة التي جاءت من (عين الشمس وعين الدهب والمعمورة) وغيرها من القرى المجاورة، وأعطى الشيخ تعليماته إلى فئات الثورة بأن لا يُحرّك أحدٌ ساكنًا حتى تصل القوات المهاجمة إلى (الشيخ بدر)، عندها تقوم بعض جماعات الثوار بالإنكفاء أمامهم باتجاه (وادي العيون) على أن يصدر الشيخ أمراً آخر عند ذلك..

وبالفعل فقد نفّذت هذه الجماعات مُهمّتها بكل إخلاص، رغم ما يحفّ بهذه المهمة من مخاطر الإقتناص والأسر وما إلى ذلك، وعندما رأى الفرنسيون المهاجمون هؤلاء الثوار المنكفئين أمامهم، زعموا أن الثوار عن بكرة أبيهم بما فيهم الشيخ قد فرّوا أمامهم تاركين كل شيء وراءهم، فعكفوا على بيوت الشيخ وأرزاقه فأحرقوها بل أحرقوا كل شيء وطأته أقدامهم، واستمروا بلحاق تلك الجماعات التي زعموها جيش الثورة بأكمله بنوع من الفوضى وعدم الإنتظام والإلتزام وبدون خطة أساسية مرسومة، وكتائب المجاهدين وعلى رأسهم الشيخ تراقبهم بدقة من أعالي الجبال، وتلاحق جحافلهم التي كان لا بد لها أن تلِجَ وديانًا سحيقةً عميقة الغور وهي في زحفها المتواصل إلى الأمام.

وهناك في نواحي (وادي العيون) شرقي (الشيخ بدر)، بدأت أهم مجزرة عرفتها وقائع الثورة، فقد طوّق المجاهدون الحملة من جميع جوانبها وجهاتها، وانصبّوا عليها بوابل منهمر كثيف من الرصاص، ثم أعطى الشيخ أوامر فورية بفتح منفذ واحد لهذه القوات من جهة الشمال، وما أن اكتشفت القوات المعادية هذا المنفذ حتى اندفع أفرادها زرافاتٍ ووحدان باتجاهه، تاركين كل ما يحملون من سلاح، متجهين نحو (القدموس)، وهذا ما كان الشيخ يريده، فبالإضافة إلى هذه الغنائم الكثيرة أصبح من السهل اصطياد أفراد هذه الحملة واقتناصهم، وهم يهبطون من جبل ويصعدون إلى جبل، والمجاهدون وراءهم، وأصوات التهليل والتكبير تملأ أجناب الوديان، وتزرع الهلع والرعب والفزع في نفوس الدخلاء المدحورين إلى طرطوس عن طريق (نهر المُلتقي والقصمية)، وقد استطاع الثوار أن يوقعوا في هذه الحملة مئات الجرحى والقتلى وعدد من الأسرى، وأُسقطت في هذه المعركة طائرة مقاتلة فرنسية، بينما استشهد من قادة المجاهدين البطل الشهيد: (عزيز بربر).

(ولم يخلُ استشهاده من مؤامرات دنيئة مدبرة بعد أن استولى على مدافع رشاشة وعشرات القذائف وأوقع عشرات القتلى من صفوف الفرنسيين) 1

وكانت الكارثة عندما سمعت وزارة الحربية الفرنسية بذلك، فأرسلت تستدعي القائد (بولنجي) على جناح السرعة للمثول أمام المحكمة العسكرية العليا، وطلبت رسميًا توسّط الإنكليز لإنهاء هذا النزاع، وإيجاد صُلح يكفل لقواتهم بعض الأمن والإستقرار، فوجّه الجنرال اللنبي كتابًا خاصًا إلى الشيخ صالح العلي، يطلب إليه فيه الإجتماع بمندوبه في طرطوس، فرفض الشيخ هذا الطلب بادئ ذي بدء، ولكنّه قلّب الأمر فرأى أن يقبل بهذا الإجتماع، عسى أن يُحقق آماله على أن يكون في (الشيخ بدر) عاصمة الثورة ومعقل الثوار، وجاء الجنرال الإنكليزي الكولونيل (سومرست) والجنرال الفرنسي الكولونيل (نيجر)، ومعهما بعض الضباط من الطرفين، فاشترط الشيخ إحضار الأسرى من المجاهدين لدخول هذه المفاوضات، فتمنّع الفرنسيون أول الأمر، لكنهم اشترطوا بالمقابل أن يحضر بعض أعوانهم من الخونة والمرتزقة هذا الإجتماع، فرفض الشيخ، لكنهم ألحّوا وألحفوا في الطلب، مما أكّد للشيخ أبعاد هذه الخطة السافلة، فترك الإجتماع وانسحب إلى بيته في (الرستي) وانسحب زعماء الثورة خلفه، وهكذا لم يُسفر هذا الإجتماع عن أي قرار، وقرّر الشيخ متابعة القتال حتى النصر النهائي، إلا أنّ الجنرال الإنكليزي أرسل بعضًا من ضباطه يرجون الشيخ السماح له بزيارته والتحدث إليه، وكرّر الطلب مُلحًا راجيًا، فقبِلَ الشيخ واستقبله في مقر قيادة الثورة في (الرستي) فعرض عليه الجنرال الإنكليزي أمر استئناف المفاوضات، واعدًا تارةً مُعاهدًا تارةً أخرى بأنّ حكومته ستعمل كل ما في وسعها لتحقيق مطالب وأماني الثائرين في الوحدة والإستقلال، وقبِلَ الشيخ الدخول في المفاوضات، على شروط ثلاثة. 2

  1. الجلاء عن الساحل السوري، والموافقة على ضمّه إلى حكومة الشام.
     
  2. إطلاق سراح الأسرى من الطرفين.
     
  3. دفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقها الجيش الفرنسي في القرى التي أحرقها أو مرّ بها.


ووافق الفرنسيون مبدئيًا على هذه الشروط، وتعهّدوا بتنفيذها بعد أن تأتيهم الموافقة عليها من وزارة الحربية الفرنسية، وبعد ذلك ساد الهدوء وأُعلنت الهدنة، وراية الثورة ترفرف فوق (الشيخ بدر)، وترتفع مزهوّة فوق أعالي الجبال التي عكف أهلوها على ترميم بيوتهم، وتضميد جراحاتهم، وإصلاح أحوالهم، وتنظيم أعمالهم، وسط فرحة عامرة بالظفر بالأماني المرجوّة من وعود وعهود.

  • 1 (راجع ثورة الشيخ صالح العلي- تأليف عبد اللطيف اليونس).
  • 2 (راجع الراية الثالثة: تأليف عبد الرحمن باشا).