محاولة العثماني التواصل مع الثورة

أُضيف بتاريخ الخميس, 08/04/2021 - 03:12

محاولة العثماني التواصل مع الثورة


في هذه الأثناء حضر أربعة ضباط أتراك من طرف مصطفى كمال باشا، يحملون رسالة خاصة إلى الشيخ صالح العلي، ومعهم بعض قطع السلاح بمثابة هدية من الأتراك للثورة.

جاء في هذه الرسالة : 1

(إلى حامي الدوحة العلوية وحافظ الشعائر الإسلامية، المجاهد في سبيل الله والدين ضد الكفار المعتدين، الشيخ الجليل صالح العلي لا زال مسربلاً بالعز والمجد آمين..

السلام عليك ورحمة الله وبركاته ورضوانه وتحياته، جلّت سبحانه وتعالى صفاته وسَمَتْ آياته وعَظُمَت قدرته ونعمته.

وبعد

أيها الأخ الأمجد والسيد السند الأوحد.. لقد بلغنا أنكم أشعلتموها حربًا ضروسًا ضد المُعتدين الغاشمين، أعداء الدنيا والدين، وأنّ النصر كان حليفكم والتوفيق رائدكم، ونحن نخوض هذه المعمعة مثلكم، ونقابل جحافل الأعداء بإخوانكم في الله ونكبّدهم الخسائر الفادحة، ونجعل أجسادهم طعامًا للغربان والحيتان.

ولما كانت غايتنا واحدة، وسبيلنا إلى الله واحدة، ونحن لا مطمع لنا إلا تحرير بلادنا، وإجلاء الغاصبين أعداء الدنيا والدين عنها، فقد رأينا أن نتصل بكم لكي نتعاون معكم ويشدّ بعضنا أزر بعض، فليست حربنا عدوانا إنما هي لمنع الإعتداء، وقد أعددنا لهم القوة برضا الله وتوفيقه وسوف ينالون ما كسبت أيديهم وأننا أيها الأخ الأوحد والسيد السند، مستعدون لأن نمدّكم بكل مساعدة، ولا نبتغي من وراء ذلك إلا مرضاة الله ورفع راية الإسلام.

ونرجوا أن تكون صلتنا معكم شخصية لا علاقة لأحد بها داخل بلادكم أو خارجها، تمسكًا بقول سيد الأنبياء : "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" وهذا أوفق وأنجح وأصلح وأعمّ للفائدة المطلوبة والغاية المنشودة، وقد أوفدنا لكم أربعة من خيرة ضباطنا، وكان سبق لهم أن حاربوا في بلادكم جيوش الحلفاء المعتدين، وخدم بعضهم فيها مدّة طويلة، فهم يعرفون طبيعة السكان وطبيعة الأرض، فنرجو أن يكونوا عند حسن ظنّكم وثقتكم، وأن تستشيروهم بالأمور العسكرية، لكي يكونوا لكم عونًا بخبرتهم وحُسن تجاربهم، واكتبوا لنا عن كل ما تحتاجونه وتريدون إطلاعنا عليه، ويجب أن تكون بيننا كلمة سر زيادة عن المُكاتبة حتى لا يستطيع جواسيس الأعداء أن يستغلوا مكاتبتنا ولا يغشّوها أو يُفسدوها، وكلمة السر سوف يذكرها لكم مندوبنا، لأنه لا يجوز أن تُكتب على ورق، كما نرجو أن تعتمدوا من قبلكم شخصًا أمينًا أو اشخاصًا أُمناء، تعطونهم كلمة السر كلما أوفدتموهم إلينا، وربما اضطررنا أن نغيّر هذه الكلمة ونستبدل بها سواها من وقت لآخر.

إننا أيها الأخ المجاهد الكبير في سبيل الله والرجل المؤمن الصالح الطاهر، لا نبتغي إلاّ مرضاة الله في حربنا ضد العدو المشترك، وفي اتصالاتنا معكم، والله ينصركم بنصره ويؤيدكم بتأييده: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته). 2

لم تغب عن الشيخ نوايا (مصطفى كمال) المُبيّتة بين سطور هذه الرسالة لتحقيق مطامعه ومطامحه بالضغط على الفرنسيين، فعداؤه للعرب قديمٌ ومتأصّل، لذلك أرسل الشيخ من يُحيط الملك فيصل في دمشق علمًا بمضمون هذه الرسالة.. فأبدى الملك موافقته على استمرار الإتصالات، على أن تكون عن طريق دمشق، فكتب الشيخ جوابًا لمصطفى كمال على رسالته يحوي عبارات شكر وتقدير واستعداد لبذل الجهود اللازمة في صدّ المعتدين، وإيجاد تعاون مشترك مع المخلصين جميعًا من أجل هذه الغاية، وأكّد الشيخ في رسالته وجوب اتصالاتهما عن طريق دمشق.. وكلّف رُسُل مصطفى كمال بنقل الجواب إليه، ثم انصرف لاستقبال الوافدين والزائرين والمُهنّين، الذين جاؤوا إليه تحدوهم تلك الرغبة الملحّة في رؤيته، والتبرّك بطلعته الميمونة الطاهرة.

وبعد أيام، طافت اللجان الإنكليزية والفرنسية، ومعهم عدد من قادة المجاهدين، على الأماكن التي أصيبت بأضرار من جراء الإحتلال، وكانت هذه اللجان تصطحب معها الخبراء من كل قرية كبيرة أو صغيرة، وتحتفظ بوسائلها الخاصة بالوثائق التي تثبت الأضرار فتقدّرها في سائر مناطق الثورة، وقد حرصت هذه اللجان على أن لا تبخس أحد من القرويين حقّه زاعمة أنّ الأضرار معقولة، والتخريب محدود، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، لقد دُهِشت اللجنة مما رأت:

قرى محروقة، آلاف البيوت مُهدّمة على ما فيها من أثاث، قُطعان كثيرة من المواشي أصبحت جثثها طعامًا للطيور الكاسرة، غابات، بساتين، حقول، محاصيل، كلها محروقة، أشجار مقطوعة، وارتفعت الأرقام شيئًا فشيئًا وإذا بها تذهل عقول الفرنسيين، فكان من الطبيعي أن يبحثوا عن ذريعة يجعلونها سببًا في انتقاص الهُدنة والعودة إلى الحالة السابقة، مُتبرّمين مُتهربين من الوفاء بالتزاماتهم، فراح القائد الفرنسي المتمركز في قرية (عقر زيتي) يتهجّم ببزاءة على كرامة الدين الإسلامي، وعلى الشيوخ ورجال الدين، فيسخر منهم على الملأ وأمام جموع الناس، مما أثار الشيخ واستفزّه واستحثّه على الإنتقام، لكنه احترم الهُدنة، فأرسل المجاهد (حسن أبو النصر) يُنذره بالتوقف عند حدوده لكن ذاك القائد الشرس أمر بإعدام حسن أبو النصر وهو يُبلغه ذاك الإنذار الشديد اللهجة، وقد نُفّذ هذا الأمر فورًا وبدون إبطاء.

أدرك الشيخ تمامًا أن ذلك ليس إلا خطّة فرنسية للتحرش بالثوار لإجبارهم على القتال، إلا أنه لم يستطع أن يترك دماء حسن أبو النصر تذهب هدرًا، فتأثّر تأثيرًا كبيرًا مُعتبرًا ذلك تحديًا لكرامته الشخصية، وكرامة الثوار، وخرقًا صريحًا لقواعد الحروب، فما كان منه إلا أن أرسل جماعة من المجاهدين كمنوا للقائد الفرنسي نفسه عند (نهر الحصين) حتى إذا ما مرّ، أطلقوا عليه وعلى جنوده العشرة الرصاص فقتلوهم على بكرة أبيهم.

إن العقيدة الراسخة وحدها والإرادة المصممة هي التي دفعت الشيخ لهذا العمل فقابل الإعتداء بالمثل، لأنّ البادئ أظلم، والبادئ هو الذي خرج عن شروط الهدنة ونقضها، وهذا ما تريده الحكومة الفرنسية، والدليل على ذلك أن أشهُرًا مضت على الهدنة ولم يتم الجلاء حسب الإتفاق ولم يعوّضوا شيئًا عن الأضرار والخراب والمنهوبات للأهلين، بل تابعوا استعدادهم وحشودهم لإحباط الثورة محاولين تطويقها من الجنوب، فأغارو على قرى (حبسو، وخربة الريح، والحقبانية) وأحرقوها، وكثُرت بعد هاتين الحادثتين تحرشات الفرنسيين بالمجاهدين، واعتراضهم لذويهم ومن يَمُتّ إليهم بصلة، وأخذوا يُكثرون من بث الإشاعات المُغرضة والدسائس التي تستهدف الثورة وقائدها.

بدأ الشيخ يتأهّب لمقابلة الأحداث من جديد، واجتمع بضباطه في (القدموس) وتدارسوا التقارير الواردة إليهم من جهاز الأمن المتوزع في أنحاء الجبل، لكن تقرير حامية (قلعة المرقب) كان الأكثر أهمية والأشد خطورة، حيث ورد فيه أن ثمّة تجمعات واحتشادات حول بانياس تُنبّئ بهجوم قريب..

رأت أغلبية المجتمعين أنّ هذه التجمعات لا بد أنها تستهدف الهجوم على (قلعة المرقب) لاحتلالها وتأمين اتصالاتهم بين الشمال والجنوب، فقرروا احتلال بانياس ورسموا خطة سريعة للهجوم ثم بدؤوا بالتنفيذ فورًا.

ونشبت في بانياس معركة حامية الوطيس، اندحرت فيها قوات المعتدين حتى أصبحت على شط البحر، وكادت تدخله لولا تدخّل الأسطول الفرنسي في تلك اللحظة، حيث أصلى فيها الثائرين نارًا حامية، وأوقع بينهم عددًا من الشهداء، فأفسد الأسطول خطة المجاهدين واضطرهم للإنسحاب، بعد أن أحرقوا السراي وقتلوا حاميتها ونهبوا الثكنات.

وفي تلك الظروف الحرجة، وصلت إلى الشيخ أخبار تُفيد بأنّ الجنرال "غورو" - بناءً على مؤتمر (سان ريمو) المنعقد في نيسان 1920، الذي عُهِدَ فيه لفرنسا بالأنتداب على سورية كلها- قد وجّه إنذاره المعروف إلى الملك فيصل يطلب إليه فيه:

  1. الإعتراف بالأنتداب الفرنسي وفقاً لمقررات سان ريمو.
  2. إقرار الورق النقدي الذي أقرّته فرنسا للبلاد.
  3. تسريح الجيش السوري.
  4. معاقبة الثوار في شتى أنحاء البلاد.
  5. وضع الخطوط الحديدية تحت الرقابة الفرنسية.

ثم توالت الأخبار... إلى أن سقط الخبر المُرعِب على أسماع المجاهدين سقوط الصاعقة على هشيم، وهو أنّ الفرنسيين احتلوا دمشق، وأنّ عاهلها العربي رحل عنها إلى مكان مجهول.

اضطربت نفوس المجاهدين وذُهِلت من هذا الخبر عقولهم، وشعر الجميع أنهم أصيبوا بكارثة وأصبحوا يُحاربون بدون أمل.. وسَرَت بين بعض المجاهدين فكرة التسليم، لكنّ الشيخ صالح العلي حمل بندقيته وصاح بأعلى صوته:

( من أرد الدفاع عن الوطن فليتبعني إنني لن أترك السلاح حتى يستقلّ هذا الوطن أو أموت..)

وماتت فكرة الإستسلام وحلّ محلّها شعور بالنقمة والإنتصار للوطن الجريح.

فكّر الشيخ ملياً وقلّب الأمر على جميع وجوهه، فوجد أنّ التوفير ما أمكن هو خير وسيلة لاستمرار المقاومة ومتابعة النضال حتى النهاية، فطلب إلى ضباطه الإجتماع، واختلى بهم وتدارس معهم حراجة الموقف الذي وصلوا إليه، وكيف أنّ الإمدادات الهائلة ستٌقطع عنهم، وأنّ احتلال حمص وحماه وحلب سيحول بينهم وبين الحصول على ما يعوزهم من سلاح وحاجيات، وعلى الأثر أصدروا قرارًا إلى المجاهدين كافة بأن يقتصدوا بالذخيرة، ويسعوا في طلب المعونة من وجوه الخير أصحاب الشعور الحي والمبادئ الصحيحة في الجبل وخارجه، وكان أحرار حماه أوّل من استجاب لصرخة الثوار، ففتحوا لمعونتهم الجيوب والصناديق، وأصبح اتصال الثوار بهم مستمرًا عن طريق:

  • نجيب آغا البرازي.
  • وتوفيق الشيشكلي.
  • ورشيد طليع.
  • وكامل باكير.
  • وخليل النصر.
  • وعبد الكريم الرستم.
  • وآل طيفور.
  • وغيرهم.

وفي تلك الأثناء قام الكابتن (رساك) بالهجوم على (الشيخ بدر) من الجهة الجنوبية، ونصب مدفعيته على رأس الجبل الموازي لـ (جبل المريقب) وبدا يقصف منطقة الثورة فقام خمسة من المجاهدين هم:

  • سليم صالح.
  • أحمد الحسن.
  • سليم شاويش.
  • عبّود وسّوف.
  • علي سليم.

بالتسلل تحت وابل من رصاص وقذائف المدفعية، متسلقين (جبل القليعات)، وفاجؤوا (رساك) وجنوده من الخلف، وأخذوا يرموهم الواحد تلو الآخر فوقع غالبيتهم قتلى بينما دبّ الرعب في قلوب الآخرين واضطربوا وذُعروا وهم يرن رفاقهم يُصرعون برصاص المجاهدين المختفين عن الأنظار، فولّوا الأدبار تاركين وراءهم الكثير من الأسلحة والذخيرة، وهم يزعمون أنّ وراءهم مئات المجاهدين.

لا ريب أنّ هذه المعركة دليلٌ قويٌ على بطولة خارقة، وصورة مصغّرة عن رجولة هؤلاء المجاهدين وشجاعتهم، وبسالتهم، وقد اغتنم المجاهدون فرصة اندحار (رساك) ورجاله، فهجموا على الدريكيش بقيادة (سليم صالح والشيخ جابر الحطانية وأسبر زغيبي) فاحتلوا السراي، واستولوا على السلاح المُدّخر فيها.

وكثُرَ التحدّث عن هذه الثورة ومنجزاتها، وكثُرَت البرقيات التفصيلية من القادة الفرنسيين إلى وزارتهم في باريس، وهم يبرّرون انكساراتهم، بما يُشبه الصراحة بضخامة الثورة وعنفها وكثرة ضحاياها، فرأت الحكومة الفرنسية أن يُشرف الجنرال "غورو" بنفسه على الحملات الحربية العنيفة في تلك البلاد. 3

رأى الجنرال غورو بخبرته العسكرية ومناوراته المعروفة، إنه من الصعب التغلب على الثائرين من الأمام، وأنّ ذلك لن يتمّ إلاّ بعد إنجاز عملية تطويق سريعة، فهيّأ حملة قوية هاجمت الجبل عن طريق مصياف، وما أن وصلت إلى جبال (القماقم) المنيعة شرقي (وادي العيون) حتى وصلت أخبارها إلى أسماع الشيخ، فجمع المجاهدين ونظّم صفوفهم، وسيّرهم في جهات متعددة بغية تطويق الجيش الزاحف الرهيب.

كان الشيخ يُخطط للتطويق، مُعتمدًا على معرفة الثوار بطبيعة أرضهم ومسالك جبالهم وتشعبات طرقها، وانطلقت مجموعات الثوار متّبعة خطة الشيخ بحذافيرها، واستطاعوا الهجوم على مؤخرة القوات بدون أن تعرف المقدمة عن ذلك شيئًا، ففصلت المقدمة عن المؤخرة، ونشبت معركة طاحنة بين هذه القوات والمجاهدين، مما اضطرها آخر الأمر للتقهقر إلى مصياف، وهي في حالة ذعر وفوضى.

شغل بال الشيخ بقاء الفرنسيين في مصياف، لأن ذلك يُشكّل خطرًا مباشرًا على الثائرين ويُعرّضهم لهجوم مفاجئ من الشرق، يُعززه هجوم آخر من الغرب، فيصبح المجاهدون بين نارين ويتعرضون لأخطار تطعن قِواهم في الصميم، ولذلك قرّر مهاجمة مصياف واحتلال الجبال المشرفة عليها من جهة الغرب، وبهذا يسهل الدفاع عن الجبل من الشرق، ما دامت المرتفعات الحصينة بأيدي الثائرين، فأعطى توجيهاته ومخططات الهجوم لقادة الثورة، وزوّدهم بتعليماته وتوجيهاته الخاصة بسير وقيادة العمليات الحربية في مصياف.

وتحرّك رجال الثورة واقتربوا من مصياف، ثم أحاطوا بها من جميع جوانبها وجهاتها وضيّقوا عليها الخناق، واستبسلت حاميتها واستماتت بالدفاع عنها بينما المجاهدون يزدادون صلابة.. ولولا مناعة القلعة ووفرة مالدى حاميتها من سلاح لما صمدت مصياف أكثر من ساعات في وجه المجاهدين.

وبينما كان الشيخ يُتابع أخبار الثوار -وهم على هذه الحال وهذا التفوّق- وصلته رسائل عديدة تُفيد بأنّ بعض الأفراد الأشقياء المندسّين في الثورة قاموا بنهب أرزاق الأهالي في جهات (السقيلبية)، فسرقوا المواشي وأحرقوا المزروعات.

غادر الشيخ صالح العلي (الشيخ بدر) وهو مطمئن على محاصرة الثوار لحامية قلعة مصياف التي كادت تستسلم لهلاك محتوم وتوجّه إلى (السقيلبية) وهو يحمل ما يُعوّض لآولئك الأهلين خسائرهم.

ودام الحصار أكثر من عشرة أيام انقطعت فيها أسباب الحياة للمحاصرين، ومع ذلك فما فتئوا يقاومون بعناد ويُناضلون بشراسة وثبات، إلى أن ظهرت بوادر حملة قوية آلية لنجدة المدينة المحاصرة من حماه، فاضطر المجاهدون لفك الحصار حذرًا من التطويق، وقد استشهد من المجاهدين في هذه المعركة الهائلة عدد كبير، ومُنوا بخسائر فادحة في العتاد والأرواح.

اغتنم الفرنسيون فرصة غياب الشيخ صالح عن (الشيخ بدر) رغم أنّه كان ما يفتأ يكتب إلى المجاهدين المتبقين في (الشيخ بدر) منذرًا من هجوم مُفاجئ يحدّقه العدو، ويأمر الحامية بألاّ تتخلى عن مراكزها..

لقد وجد الفرنسيون في غياب الشيخ فرصة سانحة قد لا تعود، فحزموا أمرهم على توجيه ضربة قاسمة إلى عرين الثورة وحصنها المنيع، وسيّروا حملة كبيرة تقدّمت بزحفها الهائل نحو (الشيخ بدر) على مسار من الأرض يبلغ عشرين كيلو مترًا، غير متورّعة عن اعتقال أو بطش أو فتك أو تعذيب أو تخريب، وهي تحتل المرتفعات المحيطة بـ (الشيخ بدر) وتوزّع الجند في الهضاب وعلى الطرقات، فأحرقوا قرية (المريقب) وسائر القرى المحيطة بها. 4

وبينما المجاهدون، وقد انضم إليهم الشيخ منهمكون بالقتال في مصياف، وصلت أخبار هذا الإجتياح مسرعة فروّع الشيخ هذا النبأ القاسم، وأيقن أن استجلاب المجاهدين إلى تلك المنطقة ليس إلا مكيدة مدبرة ناجحة لاحتلال (الشيخ بدر)، وتداول الشيخ الأمر مع المجاهدين بعد هذه التطورات الخطيرة لكنه لم يجد جوابًا.. فكّر مليًّا.. أجال الطرف يمنة ويسرة فلم يجد حوله إلا عددًا قليلاً من المجاهدين المُتبقين معه، لأنّ أكثر المجاهدين تركوا الثورة وعادوا إلى (الشيخ بدر)، بعد أن وصلتهم أخبار وقوع نسائهم وأطفالهم وأهاليهم رهائن في أيدي الفرنسيين، وأنهم يذوقون أقسى أنواع العذاب والتشريد.

ولم يطل صمت الشيخ بل وقف وقال: (إنني مسافرٌ إلى الشمال وسأشعلها هناك ثورة دامية تقذف بالأجنبي إلى البحر..)

وسار الشيخ فتبعه أربعة من المجاهدين هم:

  • علي اسماعيل الخدام.
  • عباس حبيب.
  • حامد ميهوب.
  • سليم شاويش.

وتخلّف الباقون على أن يتبعوه بعد أيام.

في هذه الأثناء كانت القيادة الفرنسية قد اتخذت مقراً لها في قريتي (القصيمية والشيخ بدر)، ثم بدأت تطلب المجاهدين وتعتقلهم، وشكّلت بعدئذٍ مجلسًا عِرفيًا ثم بدأت في محاكمتهم، فحكمت بالإعدام على المجاهدين:

  • علي زاهر.
  • محمود ضوا.
  • محمود علي اسماعيل.
  • أبو محمد القلاعي.

ونُفّذ أمر الإعدام فورًا كما صدر حكم بالإعدام على عدد آخر كبير من المجاهدين إلا أنهم استطاعوا الفرار قبل تنفيذ هذا الحُكم.

  • 1 يقول الشاعر كامل الخطيب عن ثورة الشيخ صالح العلي:
    ضجّـت بِثورتـه الدنيــا فكــان لهــــا     في كــلِّ مسمــعٍ قطـر رنّــة ونبـا
    سلْ عنه "غورو" وقد طارت كتائبه      في الأرض تبغيه لما آلف العصبا
    و"الهاشمـيُّ" سقاهــا مـن مبادئــــه      صرفًا، وزجى لها الأقلام والكتبـا
    و"عاهل الترك" ناجتهـا "رسائلـه"      كما تناجـي براعييـم الورود صبـا
  • 2 راجع: ثورة الشيخ صالح العلي – تأليف عبد اللطيف يونس.
  • 3 (راجع الإنتدابان في سورية والعراق تأليف محمد جميل بَيْهَم).
  • 4 (راجع معارك الحريّة في سورية – تأليف فارس زرزور).