الغلاة والمعتدلون

أُضيف بتاريخ السبت, 20/09/2014 - 11:23

الغلاة والمعتدلون


أَقُولُ : ذَهَبَ المُؤَلِّفُ إِلَى أَنَّ العَلَوِيّيْنَ فَرِيْقَانِ ، فَنَقَلَ كَلام الدكتور مصطفى الشكعة، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :

(( إنَّ أمانة البحث العلمي تقتضي منَّا أنْ نعرض للفريقَيْن : فريق الغُلاة وفريق المُعتدلين، راجين أنْ يأتي اليوم الذي تُصبح فيه صفة الغُلُوِّ ومسلكه ومُمارسته شيئاً في ذمَّة التّاريخ، وسوف نبدأ بفريق الغلاة، ثُمَّ ننثني ـ بعد ذلك ـ بالفريق المُعتدل ...)) 1


بَيَانُ الغَلَط

  إِنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ المُؤَلِّفُ جَيِّدٌ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيْهِ غُمُوْضٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِيْضَاحُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنّهُ جَعَلَ الشَّيْخ مَحْمود الصّالح مِنْ فَرِيْق المُعْتَدِلِيْنَ ، وَاسْتَشْهَدَ مِنْ كِتَابِهِ ( النّبَأ اليَقِين عَنِ العَلَوِيّيْن ) ، وَجَعَلَ المُنْتَجَبَ وَالمَكْزُونَ مِنْ فَرِيْقِ الغُلاَةِ ، مَع أَنّ الشّيخ مَحْمود الصّالح عَدَّهُمَا فِي كِتَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ العَلَوِيّيْنَ وَفَلاسِفَتِهِم، وَمِنْهُ :

(( فَكَمْ فِي العَلَوِيّيْنَ مِنْ عُلَمَاءٍ وَفَلاسِفةٍ وَأُدَبَاء لَهُم فِي ذِمَّةِ التّارِيْخِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ غَيْر مُؤَدّاةٍ ...مِنْ أُوْلَئِكَ العُلَمَاءِ الأَعْلامِ وَالفَلاسِفَةِ النّابِغِيْنَ وَالشُّعَرَاءِ المُبْدِعِيْنَ ..... حَسَنُ بنُ مَكْزون السّنجَاري ، الجَامِع بَيْن الإِمَارةِ وَالتّصَوُّفِ وَالعِلْمِ وَالأَدَبِ وَالفَلْسَفَةِ ، وَمُحَمّد مُنْتَجب الدّين العانِي....)) 2

  فَكَيْفَ هَذَا ؟!.أَسَهَا ، أَمْ تَعَمّدَ الإِسَاءةَ ؟. فَلا أَدْرِي ، أَكَانَ ذِكْرُ الشّيْخ مَحْمُود الصّالح مَدْحاً ، أَمْ قَدْحاً ؟.

وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ سَرِقَةُ القَولِ :

(( وقد وَرَدَتْ هذه الرُّتب في شعر بعض مَنْ جَنَحوا إلى الغُلُوِّ مثل المُنتجب العاني 3 ...ولقد أورد المكزون السّنجاري ـ أيضاً ـ هذه الرُّتب..)). 4

ثُمَّ سَرِقَةُ القَول :

(( وكُلٌّ من المُنتجب العاني وسُليمان الأدني يَتَّفقان في ذكْر الآراء الشّديدة الغُلُوِّ حول ما أسْمَيَاهُ : ظُهُورات الإله في المظاهر التي اصطفاها ..... ويتَّفق كُلٌّ من المُنتجب والأدني في تأليه عليّ بن أبي طالب وظُهُوره من عين الشّمس على أسد، وسيفه بيده ، والملائكة خلفه، وسلْمان بين يديه، والمُنتجب يذكر ذلك في قصيدة أطلق عليها " جذوة التوحيد "، وصاحب الباكورة يذكر ذلك في سورة الشهادة أو الجبل .

يقول الدكتور مصطفى الشكعة بعد ذكْر ما سبق :[ الحقُّ أنَّني لا ألوم بعض (( المشايخ )) فضلاً عن العوامِّ إذا ما قورن موقفهم بموقف عالم كبير كالمُنتجب العاني.] ))
5


بَيَانُ السّرِقة

إِنَّ ذِكْرَ المُؤَلِّفِ للدكتور مُصطفى الشكعة فِي هَذِهِ الفِقْرَة، ضَرْبٌ مِنَ التّمْويه، لأَنَّ الفَصْلَ الّذِي عَقَدهُ للعَلَوِيّين هُوَ مَا كَتَبَهُ الدكتور مصطفى الشكعة في كِتَابه ( إسلام بِلا مذاهب )، فَلا مَعْنَى لِذِكْرِهِ فِي صَفْحَةٍ، وَسَرِقَةِ كَلامِهِ فِي بَقِيّة الصّفحات 6 .

فَمَا كَتَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَسْروقٌ مِمّا كَتَبَه الدكتور مصطفى الشكعة، وَمِنْهُ :

(( وكُلٌّ من الأدني والعاني يتَّفق في مُثلَّث " عقد ع م س " فالعين عليّ؛ ويُسَمَّى المعنى، والميم مُحمَّد؛ ويُسَمَّى الاسم والحجاب، والسّين سَلْمان الفارسي؛ ويُسَمَّى الباب، وهذا المُثلَّث :ع م س، يكاد يطفو على كلِّ صفحات باكورة الأدني، وهُو في نفس الوقت يجري على لسان المُنتجب في أكثر من قصيدةٍ .....)) 7

وَقَوْلُهُ :

(( وإذاً؛ فلا ينبغي أنْ يُعَوَّل ـ حسب قول الشيخ محمود صالح ـ على ما يرى في بعض مُصنفَّات عُلماء العَلَويِّين القديمة ممَّا يتنافى ومحض اعتقادهم بتوحيد الله، ولا يصحُّ أنْ يُعْتَبَر دليلاً على إدانتهم بما دسَّتْه يد الإرجاف والإجحاف في حُقُول مؤلَّفاتهم من تُهَمٍ يعرف الجميع أنَّها من مُخلَّفات العُصُور الحالكة التي مرَّت بهم، ومن مُوَلَّدات غُلاة الشِّيعة الذين أتاحت لهم ظُلُمات تلك الأجيال أنْ يجوسوا خلال ديارهم، ويملؤوها بدَعاً وَأضاليل .)) 8

وَمَع ذَلِكَ يُقَالُ : إِنْ كَانَ عَلَى يَقِيْنٍ مِنْ كِتَابِ ( النّبَأ اليَقِيْن ) الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ، أَوْ سَرَقَ اسْتِشْهَادَ غَيْرِهِ بِهِ.

فَلْيَثْبُتْ عَلَى حَالٍ ، يُعْرَفُ بِهَا، فَقَدْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ :

(( وقد وَعَدْنَا في مُقدِّمة الكتاب أنْ لا نذكر عن كُلِّ فرقةٍ إلاَّ ما يقوله أصحابها أنفسهم عن مُعتقدهم ،لذا؛ فلن نُعوِّل مبدئيَّاً على ما ذكره الشّهرستاني، ولا حتَّى على ما ذَكَرَهُ النّوبختي الشِّيعي الإمامي في كتابه عن فرَق الشِّيعة، ولا على ما جاء في كتاب الباكورة السُّليمانيَّة في كشف أسرار الديانة النصيريَّة" لمُؤلِّفه التُّركي سُليمان الأفندي الأدني ( نسبة لمدينة أضنة جنوب تُركيا ): لأنَّ مُؤلِّفه، وإنْ كان عَلَويَّاً في البداية إلاَّ أنَّه ارتدَّ عن ديانته إلى المَسيحية، وألَّف ذلك الكتاب، فلا يبعد أنْ يتحامل على القوم؛ لأنَّهم صاروا أعداءه ....)) 9

فَإِنْ كَانَ كِتَابُ ( النّبَأ اليَقِين ) مَوْثُوقاً بِهِ عِنْدَ المُؤَلِّفِ ، فَلَيْسَ بِصَادِقٍ فِي قَوْلِهِ :

(( فلن نُعوِّل مبدئيَّاً على ما ذكره الشّهرستاني، ولا حتَّى على ما ذَكَرَهُ النّوبختي الشِّيعي الإمامي في كتابه عن فرَق الشِّيعة، ولا على ما جاء في كتاب الباكورة السُّليمانيَّة ...))

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الكُتُبِ المَوْثُوْقِ بِهَا ، فَلَيْسَ بِصَادِقٍ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِهِ.

فَقَدْ جَعَلَ كِتَابَ الباكورة نُصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَمَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ : (( فلن نُعوِّل مبدئيَّاً )).

فَإِنْ رَفَضَ الاِعْتِمَادَ عَلَى تِلْكَ الكُتُبِ فِي أَوَّلِ كَلامِهِ ، ثُمَّ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فِي آخِرِهِ ، احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ :

إِمَّا أَنَّهُ أَصَابَ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ وَأَخْطَأَ فِي آخِرِهِ ، وَإِمّا أَنّهُ أَخْطَأَ فِي أَوَّلِهِ وَفِي آخِرِهِ وَكِلاهُمَا إِسَاءَةٌ .

فَإِنْ جَعَلَ فَرِيْقَ المُعْتَدِلِيْنَ مُنْكِراً لأَقْوَالِ الغُلاةِ، فَقَدْ طَعَنَ فِي أُوْلَئِكَ المُعْتَدِلِيْنَ ، لأَنَّ الّذِيْنَ يُسَمِّيْهم غُلاةً ، هُمُ الّذِيْنَ عَدَّهُم المُعْتَدِلُونَ مِنَ العُلَمَاءِ الأَعْلامِ.

فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ : إِنَّ المَكْزُونَ وَالمُنْتَجبَ مِنَ الغُلاةِ ، لِيَصِحَّ اسْتِشْهَادُهُ بِكِتَابِ النّبَأ اليَقِيْنِ ، وَيُصَدَّقَ فِي قَوْلِهِ، وَإِلاَّ كَانَ هَمْزاً وَلَمْزاً وَتَصْغِيْراً للمُعْتَدِلِيْنَ ، لِمَا فِيْهِ مِنِ اتِّهَامٍ بِالغُلُوِّ ، فَإِنَّ المُعْتَدِلَ لا يُوَثِّقُ إِلاَّ مُعْتَدِلاً ، وَمَنْ وَثَّقَ غَالِيًا كَانَ مِثْلَهُ.

وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ : إِنَّ أُوْلَئِكَ مِنَ المُعْتَدِلِيْنَ ، فَيَجْعَلهُم غُلاةً، فَيَخْرُج مِنْ وَعْدِهِ أَنّهُ لا يُعَوِّلُ إِلاَّ عَلَى مَا كَتَبَتْهُ كُلُّ فِرْقَةٍ عَنْ نَفْسِهَا ، فَيَكون آخِذاً مِنْ كُتُبِ الغُلاةِ ، وَيَبْطُل كَلامُهُ : إِنَّ العَلَوِيِّيْنَ فَرِيْقَانِ ، مُعْتَدِلٌ وَغَالٍ ، لأَنّ مَنْ سَمَّاهُ مُعْتَدِلاً وَثَّقَ مَنْ سَمَّاهُ غَالِيًا ، وَمَنْ سَمَّاهُ غَالِيًا كَذَّبَ مَنْ سَمَّاهُ مُعْتَدلاً .

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَإِنَّ اتِّهَامَ المُنْتَجَبِ بِالغُلُوِّ ، لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ، وَكُلُّ كِتَابٍ نَقَلَ مِنْهُ مَا يُثْبِتُ غُلُوَّ المُنْتَجَبِ وَالمَكْزُوْنِ ، فَهُوَ فَاسِدٌ .

وَلَسْنَا نَدَّعِي تَقْسِيْمَ العَلَوِيِّيْنَ عَلَى أَقْسَامٍ ، لأَنَّنَا لا نَدَّعِي الإِحَاطَةَ بِجَمِيْعِهِم ، كَمَا زَعَمَ المُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ :

(( لكنَّ التواجد الأساسي للعَلَويِّيْن هُو في المنطقة الساحلية، والمنطقة التي تقع إلى غرب حماة وحمص حتَّى السّاحل؛ وفيها سلسلة الجبال التي تعرف باسمهم أيْ جبال العَلَويِّيْن، ففيها مناطق عَلَويَّة صرفة؛ بحيثُ أنَّ نسبة غير العَلَويِّيْن في أغلب بُلدانها لا تزيد كثيراً على عشرة في المائة، فمن هذه البلاد اللاَّذقيَّة وجَبْلَة وبانياس والعُمرانيَّة وصافيتا وتلكلخ .....

فإذا اتَّجهنا شمالاً في هذه المنطقة السّاحليَّة دَخَلْنَا الحُدُود التُّركيَّة، وصرنا في منطقة لواء الإسكندرون، الذي اقْتَطَعَتْهُ فرنسا من سُوريَّة، وَمَنَحَتْهُ لتُركيا، فهذا اللَّواء ـ أيضاً ـ يضمُّ في مناطقه السّاحليَّة نسبة كبيرة من العَلَويِّيْن، يُشَكِّلون في بعضها الغالبيَّة، كما في مُدُن مثل الإسكندرونة وأنطاكية وأَرْسوز ......

فإذا واصلنا شمالاً وإلى الغرب من خليج الإسكندرون صرنا في مناطق تُركيَّة صرفة، فيها مُدُنٌ كبيرة نسبيَّاً مثل أطنة (أو أضنة) وطرسوس،وغيرهما، وهي عامرة ـ بدورها ـ بعددٍ وفيرٍ من العَلَويِّيْن استقرّوا فيها مُنذُ زمن غير بعيدٍ .)) 10

فَرُبّمَا كَان فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ البُلْدَانِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَوِيٌّ، وَسُبْحَان العَلِيْم .

فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُم إِلَى أَنَّ العَلَوِيِّيْنَ طُرُقٌ شَتَّى ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيْرٍ مِنَ المُتَقَدِّمِيْنَ فِي الكَلام عَلَى عَدَدِ الفِرَقِ، فَلا حَاجَة إِلَى إِيْرَادِهِ . 11

وَمِنَ المُتَأَخّرِيْنَ الدكتور بسيم الأنطاكي فِي كِتَابِهِ (عَلَويّو الأناضول) الّذِي أَوْرَدَ فِيْهِ أَسْمَاء البكتاشيين والحروفيّين والقلندريين والقزلباش .


 


 

  • 1الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات، ط7 ، ص 269، وفي إسلام بلا مذاهب، ط5، ص 272 .
  • 2النبأ اليقين عن العلويين،ص: 118ـ 119.
  • 3الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات 275 ، وقد سرقه من كتاب إسلام بلا مذاهب 292 .
  • 4الفرق والمذاهب 276 ، وفي مذاهب بلا إسلام 293 .
  • 5الفرق والمذاهب 273.
  • 6قارن الفرق والمذاهب الإسلامية للأستاذ سعد رستم بكتاب إسلام بلا مذاهب، يتبين لك الأمر.
  • 7الفرق والمذاهب 273، سرقه من إسلام بلا مذاهب 285.
  • 8الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات 277 ـ 278، سرقه من إسلام بلا مذاهب 299.
  • 9الفرق والمذاهب 271، وهذا إن كان من كلامه، فإن لم يكن فالردّ على قائله.
  • 10الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات،ص:280.
  • 11انظر الملل والنحل 63، والحور العين 181، والفرق بين الفرق 21، ومشارق أنوار اليقين 335، وتلبيس إبليس 34.