تسعة مسائل أجاب عنها العلامة الحكيم الشيخ عبد اللطيف إبراهيم (الاختلاف بين السنة والشيعة والعلويين - الغَيبة والرجعة - البداء - التقية - تفسير القرآن - الجفر - سلمان الفارسي..)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

القارئ الكريم، هذه الأسئلة وردت في كتاب المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام تحت عنوان (عبقات علوية) وهو لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم .
تجد فِهرس الكتاب على يمينك. وأهلًا وسهلًا بكم
(إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)


عبقات علوية

نُثبتُ في هذا الفصل بعض المسائل التي وُجّهت إلى العلامة الحكيم المغفور له الشيخ عبد اللطيف ابراهيم  من السيد أنس الشقفة، لِما تحوي من الفوائد الجمّة، والمَعاني القيّمة، وتُجيب عن التساءلات الكثيرة، وتنسجم مع ما تقدم من البحث.

قال السيد أنس الشقفة:

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الطيف إبراهيم حفظه الله آمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد...

أتشرّف بأنّ أعرض على فضيلتكم ما يلي:

رغم أنّه لم يسبق لي التعرف على فضيلتكم إنّه قد كثر اللفظ في الآونة الأخيرة وانتشر الكثير من القيل والقال حول حقيقة عقائد الطائفة العلوية وقد تحدثت في الأمر مع أحد زملائنا هنا من أبناء الطائفة وهو السيد غسان خليل فأحالني بدوره على فضيلتكم حتى تبيّنوا لي ما خفي عني في هذا الباب دفعًا لكل شك وتبيانًا للحقائق كما هي فحبذا لو تكتبوا لي مشكورين موضحين عقائد الطائفة الكريمة 1 .

وهذا هو جواب العلامة الشيخ عبد اللطيف ابراهيم :

 

حضرة الأخ الكريم السيد أنس الشقفة أدام الله سلامتكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد...

فقد وصلني كتابكم الكريم المُشتمل على عدّة مسائل تطلبون الإجابة عنها فشكرًا لكم ولزميلكم السيد غسان خليل على حُسن ظنّكم وثقتكم ولا يسعنا وإن كُنا لسنا أهلاً لذلك إلا أنْ نُجيبكم حسب معرفتنا القليلة سائلين المولى أنْ يَحفظنا من سَهَوات الجنان وهَفوات اللسان إنّه سميع مُجيب.


1. سألتم عن الإختلاف بيننا وبين السُنّة والجعفرية في أصول الدين وفروعه ؟

أنتم تعلمون أننا لسنا بحاجة إلى مثل هذه الأبحاث في هذا العصر وقد تنوّرت العقول وتحرّرت الأفكار وظهرت الحقائق لمن يُريد اتباعها ولا أعتقد أنّ أحدًا من المسلمين - ونحن مُحاطون بأعداء العروبة والإسلام - لا يُحب الوئام والوفاق ويَكره النزاع والشقاق لأننا كلنا والحمد لله نعتقد بدين واحد هو دين الإسلام، ونبيّ واحد هو محمد ، وكتاب واحد هو القرآن الكريم، وقلبةٍ واحدةٍ هي الكعبة المشرفة، ونشهد لله سبحانه بالوحدانية، ولمحمد بالرسالة، ونؤمن بأنّ كل ما جاء به من عند ربه حقّ وصدق وكل من يُنكر ذلك فهو خارج عن الإسلام.

وإنّ المذاهب الإسلامية الجعفرية والزيدية والحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية كل ما وافق منها كتاب الله وسنة رسوله بالدليل الصحيح الصريح لا يَجوز لأي مسلم كان أن يخالفه متعمدًا ومن خالفه متعمدًا فقد باء بغضبٍ من الله ومأواه النار .


2. وسألتم عن الإختلاف بيننا وبين السنة والجعفرية ؟

فأقول: إنه لا خلاف بيننا وبين الجعفرية قطعًا لأننا جعفريون نأخذ بمذهب الإمام جعفر الصادق وإنّ كل علوي جعفريّ وكل جعفري علوي، باعتبار أنّ مذهب علي مذهب جعفر، ومذهب جعفر مذهب علي، فسؤالكم عن الإختلاف بين العلوي والجعفري خطأ، وإذا وُجِدَ بيننا وبين إخواننا السنة بعض الإختلافات في الفروع فإنّ اتفاقنا معهم في الأصول لا يضرّ باختلافنا في الفروع مادام اختلافًا فرعيًا يعود إلى تعدد وجهات النظر ولا يَمسّ بجوهر الدين .


3. وسألتم عن عقيدة العلويين ؟

وإليكم هذا الكتيّب 2 بيانًا عن عقيدتهم الصحيحة الصريحة ومنه تعلمون أنهم شيعة جعفرية إمامية إثنا عشرية من صميم العروبة والإسلام رغمًا عن أراجيف المُرجفين وأباطيل المُبطلين الذين لا همّ لهم إلا توسيع شقة الخلاف بين المسلمين وزرع الحقد والبغضاء في قلوبهم فعلينا جميعًا أن نُحذرهم ونتجنبهم .


4. وسألتم عن الغَيْبة وحقيقتها وكيفية الرجعة وحقيقتها وكيفيتها وزمنها ؟

إنّ كل ما نعلمه عن غيبة الإمام الثاني عشر القائم المنتظر سببها خوفه من دولة الباطل والطُغيان، ولكنّه حيٌّ موجودٌ في الأمصار غائبٌ عن الأبصار يَظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً وقِسطًا كما مُلِئت جَوْرًا وظُلمًا، وأما ظهوره ورَجعته فهي من الأسرار الخفيّة التي تفرّد الله بعلمها.

وقد قرأت في كتاب "الوشيعة" لموسى جار الله المطبوع في مصر عام 1355 هـ تعرّض فيه لنقد عقائد الشيعة من جملتها الرجعة فرد عليه سماحة العلامة المجتهد السيد محسن الأمين الحسيني بكتاب سمّاه " نقض الوشيعة في نقد عقائد الشيعة " نذكر منه مايلي في صفحة 473 أجاب السيد الحميريُّ، سوارًا القاضي ، بحضرة المنصور ، كما رواه الشيخ المفيد في الفصول قال سِوارُ:

يا أمير المؤمنين السيد يقول بالرجعة فقال :
أقول بذلك على ماقاله الله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ.
وقال: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا
فعلمنا أن هناك حشرين خاصًّا وعامًّا ... إلخ

يُريد بالخاص الرجعة وبالعام القيامة.

وقرأت في موضع آخر أن رجلاً من الحاضرين قال له: يا سيّد هل لك أن تعيرني دينارًا إلى يوم الرجعة فأردّه مائة دينار؟
فقال له السيد: أتيني بكفيل يكفلك فإني أخاف أن ترجع كلبًا.

وعلى كل حال فإنها من الأمور النقلية إن صح النقل بها لزم اعتقادها وإلا فلا.


5. وسألتم عن البداء ؟

ويُراد به الإظهار بعد الإخفاء ومعناه أننا نظن حدوث شيء في الكون لسببٍ من الأسباب ثم يفعل الله ما يُبطل هذا الظن.

فالبداء نسخٌ في التكوين كما أنّ النسخ المعروف نسخ في التشريع، وليس معناه أنّ الله تعالى يبدو له شيءٌ بعد أن كان خفيًّا عنه! كما يظن البعض! وهذا يستلزم نِسبته إلى الجهل تعالى الله عن ذلك.

ومن الأمثلة على البداء ما حُكيَ عن عيسى أنه أخبر بموت عروس ليلة زفافها فوُجِدَت في الصَباح غير مَيّتة وتحت فِراشها حيةٌ، وعَلِمَ أنها تصَدَّقت بصَدَقة في تلك الليلة، فدفع الله عنها الموتَ، وكان الله سبحانه وتعالى قدّر لها أن تموت ليلةَ زفافها، وكان إخبار عيسى بناءً على ما علِمه من ذلك التقدير المَشروط بعَدَم تصدّقها، ولكن الله سبحانه يعلم بأنّها ستتصدق ولا تموت وعيسى لا يعلم.

هذا هو البداء وما هو إلا الزيادة في الأعمار والأرزاق والنقصان منها بسبب الأعمال، وقد قال الرسول : (البر يزيد في العمر).


6. وسألتم عن التقية والدليل عليها عقلاً ونقلاً ؟

يقضي العقل بجوازها ولزومها لدفع الضرر واتفق عليها العقلاء ونصّ عليها الكتاب والسنة، فمن الكتاب في سورة آل عمران: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً...28

وفي سورة النحل: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ...106 الخ

وقصة عمار بن ياسر وأبويه ياسر وسُمَيّة، فقد قتلهما المُشركون لعَدَم التقيّة، وأمّا عمّار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكرَهًا فلم يقتلوه، فقيل يا رسول الله إنّ عمّارًا كفر، فقال :

(كلا إنّ عمّارًا مليء إيمانًا من فرقه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه).

فأتى عمّار إلى رسول الله وهو يَبكي، فجعل الرسول يمسح عينيه ويقول له: (لا عليك إن عادوا فعُد لهم بما قلت).


7. وسألتم عن عقيدة العلويين في تفسير القرآن ... ؟

فإنّ تفسيره لا يجوز إلا بالنص الصريح والأمر الصحيح والتقليد المَحض لأهل العِصمة عليهم السلام بالرواية الواردة عن أمناء سرّهم المنصوصين لهداية الناس وقد ورد في كتاب البحار عن الرسول : (من قال في القرآن برأيه بغير علم فليتبوأ مقعده من النار).

وقال : (أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجلٌ يتأوّل القرآن يضعه على غير موضعه).

وقال الإمام : (إيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتى تفقه من العلماء الخبر).

ولذلك تحاشى العلماء تفسيره بالرأي اللهم إلا أدعياء العلم يُفسّرونه كما يُوحي إليهم غرورهم وهؤلاء لا قيمة لهم ولا لتفسيرهم عندنا.


8. وسألتم عن الجِفْر ؟

فإن الإمام جعفر الصادق كان يقول:

عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض.

  • فالجفر الأحمر وعاءٌ فيه سلاح رسول الله ولن يخرج حتى يقوم القائم.
     
  • والجفر الأبيض وعاءٌ فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داوود وكُتب الله الأولى.


وقال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في كتابه "الدر المنظّم في السر الأعظم":

جِفْرُ الإمام علي ألف وسبعمائة مصدر من مفاتيح العلوم ومصابيح النجوم المعروف عند علماء الحروف بالجِفْرِ الجامع والنور اللامع، وهو مُبيّن غوامض الأمور ومُفسّر حوادث الدهور، وهما كتابان جليلان:

  1. أحدهما ذكره الإمام علي على المنبر وهو يخطب بالكوفة.
  2. والآخر أمره رسول الله بكتابته في هذا العلم المكنون وهو المُشار إليه بقوله : (أنا مدينة العلم وعليّ بابها).

فكتبه حروفاً مفرّقة على طريقة سفر آدم فاشتهر بين الناس بالجفر الجامع والنور اللامع.


وعن كتاب الدر المكنون للشيخ محيي الدين بن عربي الطائي الأندلسي:

إنّ الإمام علي ورث علم الحروف عن سيدنا محمد وإليه الإشارة بقوله : " أنا مدينة العلم وعلي بابها ".

وقال أبو العلاء المعري :

لقد عجبوا لأهل البيـت لما   أتاهم علمهم في مسك جفـّرِ
ومرآة المُنجّم هي صُغرى   أرتــه كـل عامــرة وقـفـــرِ


وقال الجرجاني وهو من علماء الأحناف في كتاب المواقف وشرحه:

الجفر والجامعة كتابان لعلي  ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم . وكان الأئمة من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما.

وعلى كل حال فإنّ علم الجفر خاصّ بأهل البيت لا يعرفه غيرهم.


9. وسألتم عن مكانة الصحابي الجليل سلمان الفارسي  ؟

فإنّ له عندنا المكانة العليا لا يُدانيه بالفضيلة والجلال أحدٌ بعد النبي والعترة الطاهرة عليهم السلام وقد قال فيه الرسول : " سلمان منا أهل البيت ".

وفي كتاب الرجال: سلمان الفارسي يُكنّى أبا عبد الله أول الأركان الأربعة.

رُوِيَ عن الصادق : أنّ سلمان أدرك العلم الأول والعلم الآخِرَ وهو بحرٌ لا ينزح وهو منّا أهل البيت.

وقال : سلمانًا علِمَ الإسم الأعظم.

وقد وردت فيه أحاديث تدل على علوّ مرتبته رضي الله عنه وأرضاه.

(ملاحظة)

تراني عند تعدادي المذاهب الإسلامية ذكرت أولاً المذهب الجعفري لأنّه أقدم منها وربّما أفضلها كما أرى . لأنّه كما حدثني أحد علمائنا الجعفريين قال:

نزلت في أحد فنادق حلب فحضر عندي جماعة من شيوخ إخواننا أهل السنة وبعد السلام والإحترام قال لي أحدهم:

لماذا لا نعتنق كلّنا مذهبًا واحدًا ما دام إلهنا واحدًا ونبيّنا واحدًا وكتابنا واحدًا وقبلتنا واحدة ً فقلت لهم:

اعتنقوا مذهب الإمام جعفر نكن كلنا مذهب واحد.

فقال: وهل مذهب جعفر أفضل من غيره من المذاهب قلت لهم نعم، لأنه مدروس من اثني عشر إمام من عهد الإمام علي إلى عهد الإمام القائم في مدّة مئتين وستين عامًا قابلوه ودقّقوه وحقّقوه على كتاب الله وسنة رسوله ولم يختلف واحدٌ منهم عن الآخر بينما أبو حنيفة إمامٌ واحد ودرّسَ مذهبه في مدّة قصيرة واختلف عنه تلميذه أبو يوسف.

قال لي : فسكتوا كأن على رأسهم الطير .

* * *

بعد نقل هذه المسائل القيّمة (والكلام هنا للمؤلف الشيخ حسين المظلوم)، لا بد لي من قول ما يلي :

لو أنّ جميع الراغبين في معرفة غيرهم عقائديًا، والتعرف عليهم مذهبيًا، سلكوا هذا المَسلك القويم الذي اتبعه السيد أنس الشقفة، وهو سؤال أحد مراجعهم، لكان الجميع بخير، لأنّ الأصول لا تُؤخذ إلاّ من أهلها، فأهلُ البيت أدرى بالذي فيه من مُعاديه.

  • 1 رسالة السيد أنس الشقفة وقد سقط من آخرها صورة الأسئلة الموجّهة ، ولكنها واضحة ومعروفة من خلال أجوبة الشيخ .
  • 2 المُراد بالكتيّب الذي أرفقه الشيخ مع هذه الأجوبة هو البلاغ الذي صدر عن العلماء العلويين في اللاذقية سنة 1972 تحت عنوان ( العلويون شيعة أهل البيت ) وهو يحمل توقيع قسم من العلماء والأدباء العلويين ومن جملتهم علاّمتنا الشيخ عبد اللطيف.