دلائل الهداية في وجوب الإعتقاد بالولاية

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

لأهل البيت (ع) فضائلٌ لا تُحصى، ومناقبٌ لا تُستقصى، تدلّ بمجموعها على وجوب اتباعهم، والإعتقاد بولايتهم، فقد أكّد الرسول (ص وآله) على حالة الإقتران الدائم بين القرآن وبينهم، وذلك حينما خاطب الأمّة بقوله:
( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. وأهل بيتي أذكركُم الله في أهل بيتي ).

وأكّد أيضاً على حالة الإقتران بينه وبينهم، بقوله (ص وآله) : ( من صلّى صلاةً، ولمْ يُصلّ فيها عليَّ وعلى أهل بيتي، لمْ تُقبَل منه ).

وفي هذا المقام يقول الشافعي:

يـــا آل بيتِ الرسولِ حُبُّكُــمُ   فرضٌ مِنَ الله في القرآنِ أنزلَــهُ
كفاكُمُ مِنْ عَظيمِ الشأنِ أنّكُمُ   مَنْ لَمْ يُصَلّ عليكُمُ فلا صلاةَ لـهُ

وإنّ اقترانهم معه بالصلاة، مِن أوضح الأدلة على دورهِم الرسالي في قيادة الأمّة، وتأكيداً على إنهم الخلفاء الشرعيون من بَعدِه.

ويزيدُ ذلك وضوحاً وجلاءً، قصّة المُباهلة وحَديثُ الكساء.

المُباهلة

أما المُباهلة فقد ذكرها الله في كتابه بقولِه تعالى:
﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ آل عمران\61.

وقد أجمَعَ المُفسّرون على نزول هذه الآية في أصحاب الكِساء حيثُ أتى وَفدٌ مِنْ نَصارى نجران، وطلبوا مُباهلة النبي، فغدا رسول الله، مُحتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفهما، وهو يقول: إذا أنا دعَوتُ فأمّنوا .
فقال أسقف نجران: يا معشرَ النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيلَ جبلاً من مكانِهِ لأزالهُ بها، فلا تُباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك ونثبُت على ديننا...

وهذه الرواية مُتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث.
وإنّ اختيار الرسول (ص وآله) لهذه الثلّة دون سواهم، دليلٌ على تميّزهم عن الجميع وعِظم شأنهم عند الله ورسوله وشاهدُ عَدلٍ على خلافتهِم، وعِصمَتِهم.

حديث الكِساء

وأمّا حديث الكساء فسنأتي على ذكرِهِ لاحقاً مع آية التطهير.

ثم إنّ رسول الله (ص وآله) ألزم المُسلمين باتّباعهم وعَدَم التخلّف عنهم، وذلك في قوله: ( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ).

وقال (ص وآله) : ( مَثلُ أهل بيتي فيكم مَثل سفينة نوح من ركِبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ).

وقال (ص وآله) : ( من سَرَّهُ أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويَسكُن جنة عَدَن غرسها ربي، فليوالِ علياً وليوالي وليّه، وليقتدي بالأئمة من ولدِه من بعدي فإنّهم عُترتي، خُلِقوا من طينتي، ورُزِقوا فهمي وعِلمي، فويلٌ للمُكذّبين بفضلهم من أمّتي، القاطعين فيهم صِلتي، لا أنالهُم شفاعتي ).

كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه بقولهِ وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الآية (33) من سورة الأحزاب.

وقد أخرج مسلم في صحيحه، قالت عائشة:
خرج النبي (ص وآله) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثو جاء علي فأدخله. ثم قال: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

وفي سُنن الترمذي من حديث أم سلمة:
إنّ النبي (ص وآله) جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال: ﴿ اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، أذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ فقال: إنّك على خير.

وبعد نزول الآية كان رسول الله (ص وآله) يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: (الصلاة يا أهل البيت ... الصلاة... ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

وقد أوجب الله ولاءهم ومودّتهم بصريح الآية الكريمة، قوله تعالى: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى الشورى\23.

وعن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله مِن قرابتك هؤلاء، الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: ( علي وفاطمة وولداهما ).

وإنّ هذه المودّة التي فرضها على عباده، ودليلاً قاطعاً وبُرهاناً ساطعاً على وجوب اتباعه، والقول بأفضليّتهم، وأعلميّتهم، والإعتقاد بعصمتهم، والمُستبصر يَرى ذلك جَلياً واضحاً، وذلك من خلال ما أوضحه المُفسّرون لهذه الآية ونظائرها من سنّة وشيعة.

وإنّ لأهل البيت (ع) خصائص لا يُشاركهم بها أحد، فهم سفن النجاة، وأمان الأمة، والعروة الوثقى، وأزمة الحق، وأعلام الدين، ودعائمُ الإسلام، وأبواب العِلم، وألسِنة الصدق، وهم حجج الله، والدُعاةُ إليه، ومَنارُ الهُدى، وتراجمةُ الوحي... إلى ما هنالك من الصفات التي تفرّدوا بها دون سواهم.

فهُم خير البَرِيَة كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ البيّنة\7.

وقال الرسول الأكرم (ص وآله) : ( يا علي هم أنت وشيعتك ).

وقال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ آل عمران\103.

فحبل الله في هذه الآية الكتاب والعترة، يؤكد هذا حجديث الثقلين.

وفي هذا المعنى يقول الشافعي:

لمــا رأيـتُ النــاسَ قد ذهَبــَت بهِــم   مذاهِبهــم فــي أبحُــرِ الغَيّ والجهــلِ
ركِبـتُ على إسم اللهِ في سفـنِ النجا   وهم أهل بيتِ المصطفى خاتمَ الرّسُلِ
وأمسَكــتُ حبــلَ اللهِ وهـو ولاؤهــم   كمــا قد أُمِرْنــا بالتمسّــكِ بالحبــــــلِ

وهم أهل الذكر الذين أمر الله بسؤالهم والرجوع إليهم حين وقوع المُعضِلات لقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ الأنبياء\7.

وهم الصادقون الذين أمر الله المتقين أن يكونوا معهم لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة\9.

وقد قرَنَ الله طاعتهم بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ النساء\59.

وقال رسول الله (ص وآله) : ( من أطاع عليّ فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى علياً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله ).

وقال (ص وآله) : ( أنا المُنذِرُ، وعلي الهادي، وبكَ يا علي يهتدي المُهتَدون ).

وهذا الحديث توضيح للآية الكريمة: ﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ الرعد\7.

فبِعِلمِ علي اهتدينا، وبأهل بيتهِ اقتدينا، وباسمهِ تسمّينا علويين، وكنّا بذلك والحمد لله، مُلبّين أوامر الله، وعاملين بسنّة رسوله (ص)، غير خائفين ولا وجلين، وفي هذا كفاية لقومٍ يؤمنون، وآخر دعوانا ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).