التقية في المفهوم الإسلامي العلوي

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

التقية حكم إسلامي منصوص عنه في الكتاب والسنة، وإنّ العمل بموجب هذا الحكم حين الإضطرار إليه في حالات حدّدتها الشريعة الغراء، والإيمان لا يوجب ذماً ولا يُعتبر شذوذاً بحسب تعبير بعض المغرضين الذين حاولوا إلباسه مفاهيم مختلفة ومتناقضة مع جوهر الدين.

فالتقية لغة: معناها الحذر.
وفي القاموس: من اتقى يتقي تقية (لغة) اتقي بالشيء: إذ جعله وقاية له، واتقى الشيء: حذره واجتنبه، ومنه قولهم: اتقي الله أي احذره واجتنب معصيته.
وفي الإصطلاح: التقية هي تجنب العدو بإظهار ما يوافقه مع إضمار ما يخالفه من عقيدة وغيرها وهو واجب في موارد محددة.

والدليل عليها من كتاب الله :
قوله تعالى: ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً . آل عمران\28.
وقوله تعالى: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . النحل\106.

وأما الدليل على مشروعيتها من السنة الشريفة :
قول الرسول الأعظم (ص): ( رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما اسْتُكرِهوا عليه ).
وأورد البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي (ص): ( إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم ).

ولا يخفى على كل مُطّلع ما وقع لعمار وأبويه، وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة وحملهم لهم على الشرك وإظهارهم الكفر، وقول الرسول (ص) له: ( إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ).

وقد روي من طرق السنة إن مُسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله (ص) فقال لأحدهما:
أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال نعم نعم نعم.
فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال نعم.
وكان مسيلمة يزعم إنه رسول بني حنيفة ومحمد رسول قريش فتركه ودعا الآخر فقال:
أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم.
قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إني أصم ثلاثاً فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله (ص) فقال: ( أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئاً له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه ).

وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: أعلم أن للتقية أحكاماً كثيرة ونحن نذكر بعضها :

  • الحكم الأول: إن التقية إنما تكون إذا كان الرجل في قوم كفار ويخاف منهم على نفسه وماله فيُداريهم باللسان وذلك بأن لا يُظهر العداوة باللسان بل يجوز أيضاً أن يُظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كل ما يقوله فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب.
  • الحكم الثاني: هو أنه لو أفصح بالإيمان والحق حيث لا يجوز له التقية كان ذلك أفضل ودليله ما ذكرناه في قصة مسيلمة.
  • الحكم الثالث: إنها لا تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز أيضاً فيما يتعلق بإظهار الدين فأما ما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل وغصب الأموال والشهادة والزنى وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذك غير جائز البتة.
  • الحكم الرابع: ظاهر الآية: يدل على أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي -رضي الله عنه- أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية حماية للنفس.
  • الحكم الخامس: التقية جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله (ص): "حرمة مال المسلم كحرمة دمه" ولقوله (ص) : "من قتل دون ماله فهو شهيد" ولأن الحاجة إلى المال شديدة والماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء وجاز الإقتصار على التيمم دفعها لذلك القدر من نقصان المال فكيف لا يجوز ها هنا.
  • الحكم السادس: قال مجاهد: هذا الحكم كان ثابتاً في أول الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأما بعد قوة دولة الإسلام فلا، وروى عوف عن الحسن إنه قال: التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة وهذا القول أولى لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان.

وبعد هذا العرض لقول أحد العلماء الكبار من أهل السُنّة الدال على مشروعية التقية، أختم هذا الفصل بقول الإمام الصادق (ع) وهو ما رواه الكليني في الكافي.

عن أبي عبد الله (ع): قال:
( اتقوا على دينكم فأصبحوه بالتقية فإنه لا تقية لمن لا تقية له إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير لو إن الطير تعلم مافي جوف النحل ما بقي منها شيء إلا أكلته ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم إنكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم في السر والعلانية رحم الله عبداً منكم كان على ولايتنا ).
أما وجوبها وأسبابها فهي كما قال المولى الصادق: ( التقية ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به ).
وأما حدودها فهي في قوله (ع): ( إنما جعلت التقية ليُحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية ).

هذه هي التقية في المفهوم العلوي الذي يُعمل به استناداً إلى كتاب الله وسنة رسوله (ص) ونهج الأئمة المعصومين، وذلك عند الضرورة التي توجب ذلك، حقناً للدماء وصوناً للأعراض.
وكم اضطُرَّ العلوي للعمل بحكم التقية بداية من العصر الأموي ومُروراً بالعصر العباسي وانتهاءاً بالعصر العثماني ولسنا الآن بصدد ذكر المظالم التي تعرّض لها العلويون فهي أشهر من علم وأيُّ إنسان لا يُحبّ أن يَجهَر بما يَعتقد !؟
ولكن للضرورة أحكام والضرورة المُلِحَّة هي التي أجبرت العلويين على العمل بالتقية، ولكن ليس في كل الحالات، والدليل على ذلك عشرات الآلاف من الأبرياء العلويين الذين سقطوا بسيوف المُجرمين وأقلام الحاقدين ولم يرضوا عن النهج العلوي بديلاً.
فهؤلاء مضوا على يقينهم وصدقهم وأما الباقون فقبلوا رخصة الله ولا تبعة عليهم .

والعجب كل العجب من أولئك الذين يُفسّرون التقية بالنفاق ويتعبرونها مَحْقاً للدين، وكأنّهم ما قرؤوا كتاب الله ولا سمعوا قول رسوله (ص).
هؤلاء القوم يُفسّرون الدين على أهوائهم وحَسَبَ مَصَالحهم. هَدَفُهُمُ الأكبَرُ تكفيرُ أهلِ الولايَةِ حتى ولو اضطروا إلى إنكار سائرِ النصوصِ.