العصور التي تعاقبت على العلويين

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

كان للعلويين في العصر الحمداني العلوي جهادٌ طويلٌ ضد الغزاة الطامعين ، وقد ابتلوا في تلك الآونة بأشد البلاء والأرزاء ، وقدّموا عشرات الآلاف من الشهداء ، ووقعوا في نقصٍ كبيرٍ من الأموال والأنفس والثمرات ، ورغم كل ذلك كان العهد الحمداني خير العهود التي مرّت عليهم ، وأخصبها في تاريخهم ، فبِهِ حَكموا أنفسهم ولم يتعصّبوا على أحدٍ كما أسلفنا سابقاً ، ولم يُحدثنا التاريخ على خصومات نشأت أو خلافات حدثت ، أو عصبيات بين الطوائف في حلب ، ولا شك في أن الفضل في ذلك يرجع إلى أمير حلب سيف الدولة ، والذي عمل على إشاعة أجواء الحرية والتسامح في إمارته ، وأزال رواسب المذهبية والطائفية المقيتة ، وبذل قصارى جهده في توحيد كلمة المسلمين لمواجهة طغام الروم ، ولم يكن غياب المشاحنات التي كانت معروفة في بعض الأمصار ، إلا دليلاً على أن هذا المجتمع من الناحية العقائدية كان مجتمعاً خالياً من التعصب المذهبي.
وقد علت كلمة دينهم الإسلامي ومذهبهم العلوي الطاهر الموالي لآل البيت.

ومما لا جدل فيه ولا ريب يعتريه إنّ الحمدانيين كانوا مؤمنين يدينون بالولاء للإمام علي (ع) وبنيه الأئمة الطاهرين ويُصدِقونهم الولاء الخالص وها هو سيف الدولة العلوي المذهب يقول :

حـب علي بـن أبـي طالــب   للنــاس مقيـاسٌ ومعيــارُ
يُخرجُ ما في أصلهم مثلما   يُخرج غش الذهب النــارُ

وما يُميّز آل حمدان أنهم كانوا ضالعين في علوم الدين ، درسوا وتخرجوا على يد واحد من أشهر علماء العصر وأعظم المؤدّبين هو العلامة الجليل والثقة المحدّث وفقيه زمانه ناشر فضائل الأئمة السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي الذي كان يَؤُمُّ سَيف الدولة وقد نَفَحَ فيهم تلك الروح العالية التي جعلت أيامهم أيام عِزٍّ وإقبالٍ لم يَروا مثلها من قبل.

وفي غضون ذلك العهد العربي الميمون أمِنَ الساحل السوري من غوائل الغُزاة الفرنج رغم توالي غزواتهم إياه والتي كانوا في أيّها ينكصون على أعقابهم مذمومين مدحورين بفضل ما كان من روابط قومية واجتماعية وأواصر مودّة وقربى وتوثق عُرى صداقة وولاء بين سيف الدولة وبين ولاة ثغور الساحل الأشداء وبتماسكهم للذود عن حِياضه.

  • فقد كان على أنطاكية الأمير أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن الحمدان.
  • وعلى اللاذقية الأمراء التنوخيين محمد وحسين وعلي ومعاذ.
  • وعلى الجنوب من طرابلس إلى طبرية الأمير أبو الحسن رائق بن الخضر الغساني، ثم ابنه الأمير محمد بن رائق المعروف بأمير الأمراء. وكان عامله على صور وصيدا ومرجعيون الأمير بدر بن عمار بن اسمائيل (الذي مدحه المتنبي ).

إلى كثير في جبال الساحل من عظماء سراة حملة سيوف وأقلام طوّقوا جيد التاريخ بحليّ آثارهم الجميلة ، وكسوه بحلل مآثرهم الفاخرة ، وأبقوا ذمّته رهينة محامد وممادح أفعالهم الجليلة ، ونشر عرفها الطيّب في أنوف عشاق الحياة الكريمة جيلاً بعد جيل .

توفي سيف الدولة في حلب سنة ( 356 هـ ) وخلفه ابنه سعد الدولة وبعد موته خلفه ابنه سعيد الدولة وفي عصره زالت الدولة الحمدانية واستولى المرداسيين على مدينة حلب وبنوا دولتهم فضَعُفَ شأنُ العلويين وغاب ذكرهم وسَلبتهم تلك الدولة سُلطانهم الشامخ ومَجدهم الباذخ .

* * *

العلويون والفاطميين

وفي سنة ( 429 هـ ) استولى الفاطميين على حلب وذلك بمساهمة العلويين أنفسهم حتى يعيشوا في ظلها آمنين بعد الظلم الذي لحقهم في عصر الدولة المرداسية ، ولكن الفاطميين تنكروا لإخوانهم العلويين وجرّدوهم من مناصب الدولة ونعموا وحدهم بمرافق البلاد وخيراتها ، واستأثروا بالحكم وتصريف أمور البلاد دونهم ، فانكمشوا على أنفسهم وانطووا على ذواتهم تجنباً للفتن .

* * *

العلويون والحُكم الأيوبي

وفوق ذلك فقد عاملهم الفاطميون معاملة سيئة ثم زالت دولة الفاطميين ، بعد أن دامت أكثر من قرنين ونصف وحكمها أربعة عشر خليفة فاطمياً وقد قضى عليها صلاح الدين الأيوبي بانتزاع السلطة من يد العاضد سنة ( 567 هـ ) بعد أن كان وزيره 1 وصادر جميع أمواله حتى الفَرَس الذي كان يَركبه ، وأخيراً أصبح العاضد مُعتقلاً تحت يده (كما قال المقريزي في خُططه)، وبعث صلاح الدين إلى أبيه وإخوته وأهله فقدموا إليه من الشام فأخذ دُورَ الأمراء الفاطميين وإقطاعاتهم ووَهَبَها لَهم ولأصحابه وقد أبْطَلَ من الآذان ( حي على خير العمل ) وكان يَحمِلُ الناس على التَسَنُّن وعقيدة الأشعري ومن خالف ضُربَت عنقه.
وأمر أن لا تُقبل شهادة أحد ولا يقدّم للخطابة ولا للتدريس إلا إذا كان مقلداً لأحد المذاهب الأربعة، وقد عزل أيضاً قضاة الشيعة واستناب عنهم قضاة شافعية واختفى مذهب التشيع لأهل البيت إلى أن انتسى من مِصر.
وحَبَس بقايا العلويين في مصر وفرّق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا ، وقد أبادَ المكتبات العلمية وأتى على محتوياتها وقد ضمّ الشام إلى ملكه سنة ( 569 هـ ) وذلك بعد موت نور الدين 2 وساءت في عصره حالة العلويين وذلك لحرمانهم إعلان حرية اعتقادهم فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظاً على أنفسهم من الإبادة والتنكيل .

وفي تلك الآونة كان الخطر الصليبي يُهَدّد العِباد والبلاد فبدأ العلويون جِهادهم ضِدَّ الغزو الصليبي بكُلّ ما أُعْطوا من قوة ورباطة جأش وعزيمة ، وأبلوا في تلك الحرب الضروس بلاءً حسناً وكادت تلك الحروب القاسية أنْ تقضي عليهم قضاءً مُبرَماً فقاتلوا قتال المُستميت وسَخّروا كل طاقاتهم مُتزودين بحُب طه وآله .

وخلال توقّف الحملات الصليبية كان للعلويين حروباً طاحنة وصراعات دامية مع الأكراد والإسماعيليين فما كانوا يرتاحون من حرب خارجية إلا وتُفتح عليهم حربٌ داخليةٌ.
وهنا استنجدوا بإخوانهم في الولاية فسارعوا لنجدتهم بقيادة الأمير حسن بن يوسف المكزون السنجاري وخاض حرباً طاحنة إلى أن أيّده الله بالنصر وتمكن من أعدائه وخصومه وعاد الأمير بجيشه إلى سنجار ظافراً.
وبقي بعدها الأيوبيون يُضيّقون على العلويين الخناق ويُبعدونهم عن موارد الحُكم أقصى جهودهم فحينها لجأوا إلى العَيش في أكناف هذه الجبال وذلك لضعفهم عن المقاومة .

* * *

العلويون والمماليك

وعند قيام دولة المماليك 3 سنة ( 657 هـ ) وقبضها على زمام الحكم تنفّس العلويون بعض الصُعَداء لإعلانها مذهب التشيّع وإعادة الجَهر بالآذان ( حي على خير العمل ) ولكنّهم بقوا بمعزَلٍ عن الحُكم باستثناء تَسَلُّمْ بعض الإمارات في لبنان من قِبَل أحفاد التنّوخيين الذين هاجروا إليها وقد دافعوا عنها ضد غارات الإفرنج .

* * *

حملة ابن قلاوون وفتوى ابن تيميّة

وفي سنة ( 705 هـ ) سارت حملة عسكرية إلى جبال كسروان في لبنان بأمر من السلطان محمد بن قلاوون سلطان مصر لإبادة العلويين وذلك على أثر فتوى أصدرها ابن تيمية وقد كان على رأس هذه الحملة بنفسه، كما جاء في كتاب "البداية والنهاية".
ولما أفتى بتكفير النُصَيْرِيَّة ووجوب قتلهم جَهَّز له نائِبُ السلطنة جيشاً قاده بنفسه وصَحِبَهُ ابن تيميّة فأبادوا خلقاً كثيراً ووطِئوا أراضي كثيرة من بلادهم وكان ذلك سنة ( 705 هـ ) ففُتِك حينها بالعلويين قتلاً وإبادة ونهباً وتشريداً وقد حَصَدَت تلك المجازر الآثمة علويو شمال لبنان ولا سيما في القنيطرة والعاقورة ونواحي البترون وعكار الضنية.
والذين تخلصوا من البطش رحلوا إلى جهات اللاذقية وأنطاكية واعتصموا في جبالها وبقيَ القليل منهم في لبنان .

* * *

هذه صورة مختصرة عن المجازر البشعة التي تعرّض لها العلويون ، ولمحة وجيزة عن الظلم الذي عانوه ، نقدّمه للقارئ لينظر بتمعّن ورَويّة مدى صبر أبناء هذه الطائفة على تحمّل المآسي في سبيل العقيدة والولاء ، وليستخلص أيضاً سبب عُزلتهم عن المُجتمع الذي كان سائداً حينذاك قبل أن يَلومهم على ذلك لأنه كما اتضح لكل ذي عقلٍ وإنصافٍ بأنه خارجٌ عن إرادتهم لا كما تأوّله وعلّله المُغرضون وأصحاب الغايات المكشوفة .

* * *

العلويون والحُكم العثماني

وكذلك عانى العلويون الكثير من الويلات إبّان الحكم العثماني الذي امتد أربع قرون وسنتين ، ولا يستطيع أحد بأن يُنكر أنّ الطاغية سليم العثماني تفانى بكل الوسائل الوحشية التي تشمئز منها النفوس وتنفر من ذكرها القلوب لاستئصالهم من جذورهم وقطع دابرهم وذلك بمُبَرّرات بعض الفتاوي الجائرة البعيدة عن الدين والإيمان ، وأعني بتلك الفتاوي الجائرة ( الفتاوي الحامدية ) لنوح الحامد الحنفي التي كتبها بدافع التعصب وبواسطة الإغراء والرشوة من السلطان سليم وكم سببت من مِحَن ومذابح مُنكرة ، وكان ضحيتها علويو حلب وذلك سنة ( 1517 م ) فكيف بغيرها من المُلاحقات المُستمرة والمُداهمات المُتفرقة وهذه المجزرة وحدها خلّفت مِنَ القتلى ما يَفوق الأربعين ألف بريء ما بين شيوخ وأطفال ونساء ورجال ونُهبت أموالهم وصُودرت أملاكهم وأُخْرِجَ الباقون من ديارهم.

ولم يقتصر السلطان العثماني على تلك المجازر بل جلب عشائر تركية من الأناضول تُقدّر بمليون نسمة وأسكنهم أرضاً سقاها العلويون زكيّ دمائهم وحَمُوها بشِفار سيوفهم من غارات البيزنطيين وحَمَلات الصليبيين وأحَلّهم سهول هذه البقعة وثُغُورها المُحيطة بمَعاقل العلويين والمُطلة على منافِذهم من جبال طوروس إلى جبال عكار ولا تزال بقاياهم في هذه البُقعة حتى اليوم وسَلّطهم على العلويين المحاصرين في جبالهم بُغية إفناء هذا الشعب عن بكرة أبيه .

* * *

ثورة العلويين على العثمانيين والفرنسيين

وبعد أفول الطاغوت العثماني البغيض عن هذه البلاد وذلك سنة ( 1918 م ) جاء الإستعمار الفرنسي بحجة الإنتداب وقد عانى منه العلويون ما عانوه ، كبقيّة إخوانهم العرب الذين عاشوا تحت حُكمه الغاشم ولقد استشهد الكثير من الثوّار العلويين بقيادة شيخهم المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي قائد الثورة العلوية ضد الإستعمار والذي أذهل بها الفرنسيين وكبّدهم خسائر كبيرة وفادحة.
وكانت بداية ثورته البطولية على الأتراك ، حينما قتل منهم ثلاثة عناصر درك وهرب الباقون وكانت هذه المعركة الأولى التي خاضها منفرداً في قرية ( كاف الجاع ) وذلك بعد أن هاجمها الأتراك ونهبوا أرزاق أهلها ، وتابع الشيخ ثورته وذلك بطريقة نصب الكمائن للجنود الأتراك القادمين من طريق حماه – طرطوس ، مروراً بالشيخ بدر وفي منتصف الطريق وفي الموقع المعروف بـ( النويحة ) الواقع على مسافة خمسة كيلومترات من الجهة الشرقية من الشيخ بدر نشبت أول معركة بينه وبين رجال القوافل وحُماتها من الأتراك .
وأكبر معركة بينه وبينهم كانت معركة ( وادي العيون ) وقد أوقع منهم ثمانين رجلاً وهرب الباقون وغنم ثواره ما تبقى من سلاح في ساحة المعركة واستشهد من الثوار عدد من الرجال والنساء .
وظل الشيخ المجاهد ورجاله الأشاوس يتعقبون الجنود الأتراك ويُلاحقونهم حتى اضطروهم إلى تحويل طريقهم إلى طريق حمص – طرطوس .

وبعد أن أعلنت الدولة العثمانية الجلاء عن البلاد في 27/9/1918 م تابع الشيخ صالح العلي حربه وثورته على الفرنسيين وأوّل معركة خاضها معهم كانت في منطقة ( وطى النيحة ) الواقعة غربي وادي العيون وأسفرت عن مقتل خمسة وثلاثين جندياً فرنسياً وعدد لا يُستهان به من الجرحى ، والكثير من الغنائم الحربية.
وبعدها قامت معارك أخرى وأهمها معركة ( وادي ورور) التي خسر بها الفرنسيون ما يُعادل الثمنمائة قتيل وجريح وعدداً من الأسرى وغنائم لا تُعد وغير ذلك من المعارك العديدة التي خاضها الشيخ مع ثواره والتي أصاب بها الجيش الفرنسي بهزائم كبيرة وكوارث أليمة حَطّمت كبرياء قادته ومَرّغت أنوفهم بانكساراتهم المَتتالية ولقد سقط العديدُ من الشهداء العلويين في هذه المعارك الوطنية وكل هذا دليل على تمسك العلوي بعروبته ووطنيته ورداً وتسفيهاً على من يقول بأنَ العلويين يتعاونون مع كل غازي للبلاد العربية .

هذا باختصار تاريخ العلويين الإجتماعي المليء بالمجازر الوحشية التي ارتكبت بحقهم من الحكام المتسلطين .

إغراء العلويين ومحاولة فصلهم عن محيطهم

وإليك أيها القارىء ما حاوله الإستعمار منذ السنة الأولى لسيطرته على هذه البلاد ، فقد اقتطع جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي وسمّاه دولة العلويين المُستقلة إمعاناً في التمويه والإغراء ، ثم بتوجيه من الإستخبارات والمُبشرين أراد المستعمرون تمكين الفُرقة بإثارة الأكاذيب المفتعلة وبحمل العلويين على أن يحكموا بمحاكم مذهبية بما يُغاير الشرع الحنيف ولكن العلويين استعصوا أن يكون لهم شرعٌ غير ما شرَّعه الله على لسان رسوله، ومَذهبٌ غير مَذهَبِ أئمتهم المعصومين. وحينذاك استشعر المستعمر منهم التصميم القاطع فسكت على مضض ثم باءت كل حملات التبشير التي رعوها بالخزلان المريع .

ذنب العلويين في كل ما حلّ بهم عبر التاريخ

لم يكن ذنب العلويين في كل ما حل بهم عبر التاريخ من الظلم إلا صدق ولائهم لأهل البيت (ع) وعدم إنصياعهم للحاكم الجائر فكانوا بالنسبة له معارضة يجب التخلص منها بأي وسيلة كانت ، وفوق كل ذلك الظلم الذي عانوه بقوا ثابتين على دينهم الإسلامي الحنيف وتفانوا في سبيل ولائهم العلوي الطاهر الشريف وتحملوا في سبيل الولاية الصادقة أبشع أنواع الفتك وأقبح ألوان التعذيب معزّين أنفسهم بقوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران\169.

فهم عربٌ أقحاحٌ معروفون بأنسابهم العَريقة المُتصلة بالتسلسل لأهل البي،ت ومشهورون بإسلامهم الصادق القائم على الإقرار بالشهادتين والعمل بأحكام الدين الإسلامي الحنيف من أصول عقائدية وفروع فقهية، ويمتازون بشدة تمسكهم بالثقلين الذي أمر بهما الشارع الأعظم ، وهم فئة عربية الدم واللسان والمنشأ ، وتاريخهم حافل بالجهاد والبطولة والمآثر الحميدة ولا يَشك في ذلك إلا من أراد المُجادلة العقيمة فنحن بغنى من أن نجادله فكتب التاريخ (الصادق منها) تُثبت ذلك وتُؤَكّده جَلياً لمن أراد الإطلاع والتوسُّع بتجَرُّدٍ وواقعيةٍ، ونزع العصبية التي تعمي صاحبها وتصمّه عن سماع الحقيقة .

وليس هم كما وصمهم البعض تلفيقاً وتزويراً بل هم كما أعلنوا عن أنفسهم ومعتقداتهم الإسلامية الحقة ، وليس كل من تسمى باسمهم أو كتب عنهم أضحى منهم وألزمتهم أقواله كما فعل الكثيرون ، بل هم ملتزمون ومقتدون بما جاء عن أهل العصمة بعد التأكد من وثاقة السند وصحة المتن.

وليس هم كما ذهب البعض بزعمهم وافترائهم بأنهم اعتنقوا الإسلام حديثاً بل هم من صميم الإسلام وأهله الأقدمين لم يُفارقوه في عصرٍ من العصور ولم يَحيدوا عنه قيد أنملة وهو في أعماقهم وإيمانهم ثابتٌ ومُستقر ، وقد تفانوا في رفع رايته على مر العصور وضحّوا بالرخيص والغالي في الذود عن حياضه والدفاع عن ثغوره .

وليس غرضنا في هذه الكلمة المختصرة الدخول في التفاصيل التاريخية بحذافيرها لما طرأ على أكثر الحقائق من التحريف والتزييف ، فالتاريخ كما قيل صديق الأقوياء وخادم السلطان ، وماذا يُرتجى من تاريخ كتبته أيدي السياسة الحاكمة لصالحها وشوّهته -وأي تشويه- لغايات شخصية وتعصبات طائفية ، فكُتُبُ التاريخ بأسرها بحاجةٍ إلى إعادة نظرٍ وصياغةٍ من جديد لتنجلي الحقائق وتظهر الدفائن ولكن هذا الأمر صَعْبُ المَنَال وأشبَهُ بالمُستحيل.
فالتاريخ كتبه رجلان :

  • رجل سُلطّ السيف عليه.
  • ورجل مُدّت يد الرشوة إليه.

فغدى الماضي مجهولاً والحقيقة ضائعة وسُلبت محاسن قومٍ ونُسبت إلى آخرين.

  • 1 السبب في دخول صلاح الدين إلى مِصر أنّ الدولة الفاطمية كانت في أضعف أدوارها وقد اقتحم عليهم الإفرنج والصليبيون مدن مِصر حتى حاصروا القاهرة ، فاستنجد الخليفة الفاطمي بنور الدين محمود فأنجده بجيش يقوده شيركوه ويصحبه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ، ليُصبح شيركوه الشافعي وزيراً للعاضد الإسماعيلي ، غير أنه توفي بعد شهرين فقط ليقع اختيار العاضد على صلاح الدين فيتخذه وزيراً وقائداً للجيوش على أنّه في الوقت ذاته كان نائباً لقائده نور الدين المستقر في دمشق .
  • 2 بعد مُضي صلاح الدين ابتدأ النزاع بين بنيه وأخيه العادل وأبناء أخيه ، واشتد النزاع بين خلفهم ، وكلما أحسّ أحدهم بالضعف استعان بالصليبيين على أخيه أو ابن عمه ومنحهم ما لا يملكون من المدن ، حتى استعادوا أغلب ما انتزعه منهم صلاح الدين ، وحتى القدس ، تخلى لهم عنها الملك الكامل ابن العادل على أن ينصروه على ألد خصومه ، أخيه ! صاحب دمشق .
  • 3 عمد الأيوبيون إلى شراء مماليك من الأتراك يقومون على حراستهم ، واستكثر منهم الملك الصالح سنة 637 هـ وأقطعهم الأراضي ومنحهم جزيرة بحر النيل ، فمن أجل ذلك سُموا بالمماليك البحرية.
    ثم ازداد نفوذهم حتى تمكنوا بعد موت الملك الصالح سنة 647 هـ بأشهر فقط من قتل إبنه طورون شاه سنة 648 هـ ليؤول ملك الأيوبيين إلى الإمرأة شجرة الدر ولكي تحظى بتأييد الخليفة اتخذت عز الدين أيبك المملوكي وجهاً صورياً للحكم ، ثم زوجاً .