مقالة عن أصل العلويين للشيخ محمد ياسين

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

أصل العلويين


قامت أمس فئة بنشر دعاية مآلها أنّ العلويين حِثّيوا الأصل، وهدف هؤلاء الدعاة فصل العلويين عن العالم العربي ليهُون على حكوماتهم ضم هذا الشعب إليها، لأن انتسابهم للحثيين يُثبت أنهم غير عرب.

فلينظر القارئ الكريم أية دعاية خبيثة يقوم بها هؤلاء الدعاة الناقمون المفترون، وأي منحى سيء ينحون، وأي مسلك ذميم يسلكون.

سكن سورية قبل الحثيين الكنعانيون والآموريون، وهم من العنصر السامي الذي هو أصل العرب، ثم جاء الحثيون وهم من عنصر غير سامي، ونزلوا شمالي سورية وزاحموا أهل البلاد وحُكّامها المِصريين حينًا ثم انقرضوا، وبعد انقراضهم جاء الفينيقيون وعلى أثرهم الآراميون وهم الساميون أيضًا.

فكيف يمكن أن يكونوا حثيين وقد سكن سوريا قبلهم وبعدهم شعوب أخرى سامية؟!.

وقال هؤلاء الدعاة إنّ الشعب العلوي مَزيج من تلك العناصر المُتنوعة التي سكنت سورية، ولو حَصروا نسبهم في الحثيين لكانوا أقرب إلى الإنصاف والصدق، ولكن هذا لا يتفق مع هدفهم وغايتهم ولا يُلائم غرض سياستهم.

أيها الدعاة:

أتظنون إننا من الجهل والغباوة بحيث لا نعرف أنسابنا وتاريخنا؟

ألا تجدون وسيلة لاسترقاقنا إلا تجريدنا من نسبنا وإلحاقنا بكم؟

هذا ما لا نرضاه.. هذا ما لا نرضاه.

لِمَ قُلتُم هذا القولَ فينا وحدنا دون غيرنا من الشعوب المجاورة لنا؟

أذلك لأننا - بنظركم - أغبى العشائر العربية وأضعفها ارتباطًا بالأصل العربي، وأنّ اصطيادنا عن هذه الطريقة أسهل من اصطيادنا عن طريقة أخرى؟!

وإننا أَقْبَلُ للدعايات الكاذبة من سِوانا، وإنّ سِلعتكم تروج عندنا بكل سهولة؟

ألذلك خصصتمونا بهذا العطف وآثرتمونا بهذه الرحمة؟!

أجل لهذه الغاية قلتم عنا ما قلتم ونشرتم ما نشرتم ليس إلّا...

أيها الدعاة :

ما معنى وجودنا وما قيمة حياتنا إذا كنتم أنتم الذين تنسبوننا وتعرّفوننا تاريخنا؟

نحن نستطيع أن نتكلم عن أنفسنا، وإخبار المرء عن نفسه أصدق من إخبار غيره عنه، لأنه أعلم بنفسه من غيره، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.

فالشعب العلوي أعرف بنفسه وأصله من أي شعب كان في العالم، لا نستثني أحدًا.

العلويون أمّة عربية لم تنفصل عن العرب والعروبة في عهد من العهود، وقد استطاعت الأيام والحوادث أن تسلبها شوكتها وعِزتها، ولكنها لم تستطع أن تسلبها أنسابها ولا لغتها ولا تاريخها ولا تقاليدها، وقد رَزِئَت في كل شيء إلا في أخلاقها ومزاياها النفسية الحسنة.

اصطبغت أكثر الشعوب بشتى الصبغ وتزيّت بمختلف الأزياء، إلا العلويين فإنهم لم يَصطبغوا بغير صِبغتهم العربية ولم يتزيّوا بغير زيّهم الشرقي، بل احتفظوا بتراث آبائهم الغالي النفيس احتفاظًا يُقر لهم به كل من عرفهم وخالطهم ودرس شيئًا من تاريخهم.

وإنّهم يمتازون بحفظ الأنساب وتصحيحها، ففي وسع أيّ علوي من الطبقة المتوسطة أن يذكر آباءه أبًا فأبًا إلى حد القرن الأول من الهجرة، حيث يؤمن الريب واللبس.

ولسنا في حاجة إلى ذكر أنساب العلويين بالإستقراء، وجعل مقالنا هذا ككتاب نسب بل نقول على وجه كلي اجتزاء بالإجمال عن التفصيل وبالإيجاز عن التطويل:

إننا عشائر عربية محضة أتى قسم منها هذه البلاد أيام الفتح العربي واستوطنها، وقسم جاء بالتتابع عن طريقيّ العراق وحلب من المائة الثالثة من الهجرة إلى المئة الخامسة مسوقًا بسائق الخوف والعسف، ولا يبعد أنّ فريقًا من سكان البلاد القدماء الشاميين تأثروا بالعلويين واعتنق مذهبهم وانضم إليهم فصار جزءًا منهم، واعتصم الجميع بهذه الجبال الشمخ فرارًا من هجمات الخصوم إلى الآن ولم يزل هذا الشعب طيلة هذه المُدّة عربي النزعة واللغة، عربي العادات والطقوس رغم الحوادث والكوارث التي أصابته ورغم الإضطهادات المتعددة التي انتابته، إذ اشترك أكثر الفرق بالإعتداء عليه ولم يجد يومئذ من حَنا عليه أو آزره شأن كل أمة فقدت مركزها وقوتها.

وإلى هذا السبب يرجع نفور العلويين قديمًا من أكثر الناس، حل بهم ذلك مع أنهم لم يُسيئوا إلى أمّة من الأُمَم ولا استحلّوا من الفظائع والجرائم ما استحَلّ غيرهم، وهذا ما يدل دلالة صريحة على صدق تديّنهم لأن الدلالة على التديّن هي الكف عن الأذى والمحظورات، فالمتدين هو من إذا نوى شرًّا أو همَّ بقبيح كفّه دينه ووقف في وجهه، قال الرسول :

(المسلم من سلم الناس من يده ولسانه وعينه).

وما أحسن قول شاعرنا المنتجب  في هذا المعنى:

وما الدين إلا تركك الشر والأذى   ودفعك بالمعروف عن خلّك الردى


فتاريخ العلويين خالٍ من الصُحُف السُود التي قلّما خلا منها تاريخ، وهذا ما يُثبت لهم الفخر أبد الدهر.

أفليس من المُخجل أنْ يقول عنا دُعاة السياسة إننا تارة حثيّون وطورًا صليبيون يُريدون بذلك سَلخنا عن العرب ومزجنا بهم لنكون أسهل انقيادًا وأطوع لهم، مما إذا بقينا ننتمي إلى أصلنا وليُمِيتوا منا الإِباء والأَنفة ويُوَلّدوا فينا الخُنوع والإستكانة.

اتقوا الله أيها الدعاة

وكفوا عن هذه المغالطات وخَلّوا هذه السفسطات واربعوا على ظلكم وقفوا عند حدكم وأريحوا أنفسكم من عناء الدعاية وأريحونا من عناء الرد عليكم ومقاومة أكاذيبكم، ليتفرغ كل منا إلى ما هو أنفع له وأجدى لمصلحته.

في استطاعة أي حكومة كانت أن تُهاجمنا وتبسط سلطتها علينا، فإننا عُزّلٌ إلا من عقيدتنا الراسخة مُجرّدون إلا من سجايانا العربية التي ورثناها عن آبائنا الأحرار، ولكن ليس في استطاعتها أن تُحَوّلنا عن كياننا وتُرغمنا على ترك عُنصرنا، فكل جهدٍ يُبذل في هذا الشأن إنما هو صيحة في واد ونفخة في رماد.

أيها الدعاة:

إلى متى هذا النعيق المُزعج وإلى كم هذا النعيق الشائن، لن تروّج بضاعتكم ولن تربح صفقتكم فاسلكوا غير هذا السبيل وتوكلوا بغير هذه الوسيلة إنكم تضربون في حديد بارد وترقصون في ظلام حالك.

إننا عرب لا نرضى بالعرب والعروبة بديلاً، إننا عربٌ أقحاحٌ خُلّصٌ، إننا أبناءُ أولئك الآباء العرب الكرام الذين أحبهم النبي الكريم فقال فيهم:

(أحبّ العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي).

وقال :

(إن الله اختار بني آدم فاختار العرب، واختار قريشًا، فاختار بني هاشم، إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب فإنها تُعطى لثلاث: كرم أحسابها، واستحياء بعضها، والمؤاساة لله).

وكأنه - صلوات الله عليه - أُنبِئ بما سَيَحِلُّ بالعرب من تفكّك عُرى وضعف روابط، وإنهم سوف يصلون من الوهن إلى حدٍ يدعيهم معه الشعوب الطامعة القوية. فأمر بحسب النسب فقال :

(تعلموا من النسب ما تعرفون به أحسابكم وتصلون به أرحامكم).

فنحن محافظون على هذه الوصية تمام المحافظة.

أيها الدعاة:

لسنا لُقَطاء ولا أدْعِياء فنرضى أنْ نُنْسَب إلى غير آبائنا لأنه لا يرضى أن يُنسب إلى غير أصله إلا اللقيط والدّعي، فنحن نتحمل كل مصاب بعزم ولا نتحمل هذه الوصمة الشائنة المخزية، وإنّ أعراقنا الكريمة تأبى لنا الدنايا وإنّ آباءنا أكرام علينا من أن نعقّهم بالإنتساب إلى غيرهم، وإنّ شعراءنا كانوا يفتخرون – ويحق لهم – بهذا النسب الشريف الأغر، فقلما خلت قصيدة من قصائدهم من ذكر النسب العربي والإفتخار به.

قال المنتجب وهو من شعراء المائة الرابعة من الهجرة ومن فحول الشعر:

وإنـــــي نميـريُ اليقيــن ومعشـــري   إلى مُضر الخمراء بالمجد يضرب
بهاليــل في الإسلام سـادوا ولم يكــن   كمنصبهم فـي الجاهليـة منصــــب
هــم نصـروا الدين الحنيـف بالظبـــى   وأضحى لهم بيــت ٌ رفيــعٌ مُطنـب
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعـوا   أجابـوا لداعيهم سِراعــاً واجلبـوا
أنــاسٌ تعانــوا المكرمــات وكسبهــا   فمـا فيهــم إلا لبـيـــــــبٌ مهـــذب


يشهد هذا الشعر لصاحبه إنه عربي الدم والأصل واللغة وكفى به شاهدًا.


أيها الدعاة:

عجباً لكم كيف تقولون ضد ما تعلمون وتنشرون غير ما تعتقدون أليس لكم ضمائر تؤنبكم وشعور يَخِزُكُم؟!

أجَل ولكنكم فِئةٌ مأجورةٌ استحوذَ عليكم حُبُّ المال فأمات ضمائِركم فسَلبَكُم شعوركم، وما أجهل من يُضَحّي بوجدانه وضميره لقاء دُريهمات حقيرة.

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104 [الكهف].

أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ 21 [هود].

لا نريد بما قلنا إننا نبغض سوانا من تُركٍ وإفرنجٍ وغيرهم، كلا بل الذي نريده إثبات عروبتنا ورفضنا كل الرفض الإنتساب إلى أيّ شعبٍ كان واستحالة انفصالنا عن النجار العربي الصميم، وإنّ كل دعاية تقوم بهذا الصدد نصيبها الفشل مهما تأنق ذووها في نشرها وتملّقوا، ومهمَا تفنّنوا بأساليب التمويه وتذرّعوا بأفانين التلبيس والتضليل وإننا مُستعدون لدفع هذه الأباطيل والنضال عن أحسابنا لا نبالي بتهديد ولا بترغيب كما قال الشاعر:

يمر وعيد الظالمين بسمعنا   كما طن في لوح اللجين ذباب

لينظر إلينا دُهاة السياسة بعد اليوم نظرهم إلى جيراننا من سكان فلا يروننا دونهم خبرة وعزيمة ولا يطمعون بعد في استغوائنا وخداعنا.

كنا في الماضي نسكُتُ على ما يُوَجّه إلينا من تُهَمٍ ويُنسبُ إلينا من بِدَعٍ أملاً بأن يقتدي خُصُومنا فيَسكتوا ويَسكنوا ونكفي معرّة النزاع.

أما وقد غرّهم سكوتنا فزادهم جرأة علينا، فلم يبق إلا الدفاع جالبًا ما جلب أخذنا بحكم ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ زمانًا طويلاً، فما أجدانا، فاضطررنا إلى الأخذ بحكم: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ رُدّوا الحجر من حيث جاء ، فهل في هذه الكلمة ما يُقنع ويَفي ويَشفي ويَكفي وحَسبُنا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 1