مقالة (العلويون شيعيون) للشيخ محمد ياسين

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

القارئ الكريم، هذا المقال ورد في كتاب المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم .
وتجد فِهرس الكتاب على يمينك.
(إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)


لما كان أمير المؤمنين علي – عليه السلام – وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته ، وأخاه ، وصهره ، وابن عمّه ، وناصره ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، ومفرج كربه ، وأول الناس إسلاماً ، وأعلاهم سابقة ، وأفضل الصحابة ، وأعلمهم ، وأعبدهم ، وأحلمهم ، وأشجعهم ، وأزهدهم ، وأقضاهم ، وأسخاهم ، وأتقاهم ، هامت به فرقة من المسلمين وأحبته حباً عظيماً ، فسمّوا علويين ، نسبة إليه ، وغلب عليهم هذا الوصف حتى صار خاصاً بهم ، وهم هذا الشعب الذي نحن بصدده والذي كلمتنا فيه وحده

إنّ علياً ذلك الإمام العظيم ، الذي لا يُساوى في فضل ’ ولا يُجارى في علم ، الذي نصر الإسلام بسيفه ، وفادى النبي بنفسه ، لأهلٌ أن يُحَبّ ، حَريٌ أن يُتّبع ، خليقٌ أن يُوالى ، وإن في تقديم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – له وتفضيله إياه على سائر الصحابة ، وإنّ علياً فيما ظهر عنه وبدا منه ، من المعاجز الجمّة ، والخوارق الكبيرة ، والقضايا العجيبة ، والنظريات الصادقة والعلوم الغزيرة ، ما يُقيمُ العذر للعلويين في إكبارهم شخصيته ، تلك الشخصية العظيمة الفذة المقدسة ، التي لم يعرف التاريخ شخصية أولى بالإجلال والإكبار منها ، والتي قدّرها شوقي (رحمة الله عليه ) قال :

أمــا الإمـــام فالأغـر الهــادي   حامـي عريـن الحـق والجهــــاد
الـقـمـران نسختــــــان منــــه   والـعـمــران يـأخــذان عنــــــــه
أصل النبي المصطفى وفرعه   ودينـــه ــمن بعده وشـرعــــــه
وصفحتــاه مقبــلاً ومُــدبــــرا   وفي الوغى وحين يرقى المنبرا
يـدنــو إلى ينبوعـــه بيـانــــاً   ويلتقــي بحراهمــــا أحيانـــــــا
وأزهـد الناس وفي الدنيا يـده   وأخشـع العالــم وهـو سيــــــده
وجامع الآيـــات وهـي شتــى   وسـدّة القضــاء بــاب الإفـتــــا

وسبقه إلى هذا التقدير ابن أبي الحديد المعتزلي ، فقال مخاطباً إياه:

لي فيك معتقـدٌ سأكشف ســـرّه   فليصغِ أرباب النهى وليسمعوا
والله لولا حيدر ما كانت الدنيــا   ولا جمــع البـريــــــة مجمــــع

وله في هذا المعنى كثيرٌ ، لا يمكن إيراده هنا ، لضيق المقام .

ونسبة العلويين إلى علي لفظية ، لا تتعدى إنهم يحبونه ويتولّونه ، فهي لا تتناول أنّ لعلي ديناً غير الإسلام تابعه العلويون عليه ، ولا أنّ العلويين يَعبدون علياً ، ولا فرق بين السنيّة الصحيحة وبين العلوية في المعنى ، فالأولى نسبة إلى سنة الرسول ، والثانية نسبة إلى علي .
وكما لا فرق بين الرسول والإمام بالرأي ، كذلك لا فرق بين السنية والعلوية في المعنى ، أما تفسير السنية ببغض علي وشيعته والعلوية ببغض كبار الصحابة ومحبيهم ، فلسنا عليه ، ولا نعتبره ، ولا نقول به ولا نوافقه

ومعنى الشيعة هو نفس معنى العلوية ، ولو لزم أن من نُسِبَ إلى شخص عَبَدَه ، للزم أنّ العثمانيين يعبدون عثمان ، والزبيريين يعبدون الزبير ، والشافعيين يعبدون الشافعي ، والكماليين يعبدون كمالاً

فخلاصة القول وملخصه :
إنّ مفهوم هذه الكلمات الثلاث :(السنية والشيعية والعلوية) واحدٌ إذا فُسِّرت على وجهها الأصلي ، وإنّ إختلاف ألفاظها لا يدعو إلى اختلاف معانيها ، وإنها تلتقي في الإسلامية كما تلتقي الحفدة وأبناؤهم في الجد الواحد ، وإنّها تندرج تحت معنى واحد وهو الإسلام . الإسلام بمعناه الحقيقي ، فمن الخطأ أن تكون هذه المترادفات اللغوية والفوارق اللفظية سبباً لتفريق المسلمين فِرَقاً ، واختلافهم وتطاحنهم وأن تجعل لكل فرقة مشرباً خاصاً ومذهباً مفرداً

وتوالى بعد أمير المؤمنين ، الأئمة من الإمام الحسن المجتبى إلى المهدي صاحب الزمان ، وبذلك سُمّوا إماميّين .
وبتقليدهم الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – سادس الأئمة في أحكام الصلاة والفقه ، لِما أُثِرَ عنه من العلوم والمعارف والفوائد والآداب الدينية ، سُمّوا جعفريين

فهم مسلمون علويون إماميون جعفريون في وقت واحد .

وتعدد هذه الأوصاف ، لا يُخرجهم عن كونهم مُسلمين ، كما أنه لا يفيد أنّ لأحدٍ من هؤلاء رأياً يُخالف الآخر بل رأي الجميع رأي جدّهم الرسول ، منه استمدادهم وإليه يرجع إسنادهم .

إذا كان الإسلام هو دين الرسول ، الذي جاء به من عند الله ، وإذا كان الله أمر باتباعه وطاعته بقوله تعالى :

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ
مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ

فاتباعه حتم وطاعته فرض.

وإذا كان الرسول نفسه حَضَّ على مَحبّة أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، وجعل حُبّهم شرطاً في صحة الإسلام والإيمان ، ونبّه إلى أفضليتهم بأخبارٍ نذكرها فيما يأتي ، فالمُسلم الصادق إذاً من أحبهم ، وحُبُّهُم شرطٌ في صحة الإسلام .
وإنّ حُبَّ العلويين لأهل البيت كان من أكبر ذنوبهم، عند أعدائهم، ولقد جَرّ عليهم هذا الحُبُّ كثيراً من النَكبات، فكم من أخيارٍ قُتلوا وعُذّبوا وليس لهم ذنبٌ إلا أنهم يُحبّون الوَصي ويُوالون آل النبي.

ومــا لنــــا إلا مــوالاتـنـــا   لآل طـــه عنـدهـــم ذنـــب

ومن العِبَرِ أن يكون حُبُّ آل رسول الله مَدعاةً لقتلِ شيعتهم ومواليهم والتمثيل بهم، وأن يقع مثل هذا التحامل والحَيف من جماعة يدّعون الإسلام وينتسبون إليه.

والعجب أنّ أُناساً من المُسلمين يَنعون علينا اقتداءنا بأهل البيت، وتقليدنا إياهم ورجوعنا إليهم. المشاكل المشكلة، والمسائل الخلافية، ولا يَنعُون على أنفسهم تَرك الأئمة الأطهار وتقليدهم مالكاً وأبا حنيفة وابن حنبل وإضْرابِهِم مِمَّنْ هم – مع الإحترام لهم – دون الأئمة بدرجات ، ونِسبَتهم إليهم نسبة القطرة إلى البحر، والحصاة إلى البدر.

اقتدينا بهؤلاء الأئمة الأبرار دون سواهم للأسباب الآتية :

  • أولاً : لقربهم من جدهم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم.
  • ثانياً : لأنّ علومهم وآثارهم مهذبة صادقة يأخذها بالتسلسل الآخر عن الأول واللاحق عن السابق.
  • ثالثاً : لأنهم كانوا يختارون الرواة الصادقين الأمناء ويُفضون إليهم بأحاديثهم ويُوصُونهم بأنْ لا يُودعوها إلا لمَن يُحققون إيمانهم واستقامتهم. وبهذه الطريقة صِينَت رواياتهم من التحريف والتبديل، فجاءتنا نقية سالمة، كما قالوها. فمن أورد عنهم رواية يعرف رواتها واحدا واحداً، من عهدنا هذا إلى عهد الأئمة وكل هؤلاء الرواة صادقون ، فإذاً التحريف مأمون والصدق مضمون.
  • رابعاً :لأنهم معصومون، والعصمة هي التنزه عن الخطأ والشوائب البشرية ، قولاً وفعلاً ، سهواً وعمداً ، والحجة في إثبات عصمتهم أنهم مكملون ، والخطأ نقص وصاحبه ناقص ، والناقص لا يصِحُّ أن يكون مُكَمّلاً لغيره ، ولا يكون مَحلاً للثقة ، فالعِصمة إذاً ثابتة.
  • خامساً : لأنهم كانوا يمتازون عن أهل زمانهم وعمّن تقدمهم وتأخر عنهم ، نسباً وفضلاً وعلماً وعملاً وتقىً وزهداً ، لا يساويهم في هذه الخصائص مُساوٍ لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ، وكيف يُساوَوْن وهم سماءٌ وغيرهم أرضٌ وهم جواهرُ وغيرهم أعراض، يشهد بذلك كل من عرف فضلهم واستقرى آثارهم.
  • سادساً : لأن كل منهم نص على إمامة الآخر ، فالرسول - وهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى - نص على إمامة أمير المؤمنين . وأمير المؤمنين نص على إمامة ولده الإمام الحسن ، وهكذا إلى المهدي المنتظر ، وهذا النص وحده كافٍ لإثبات إمامتهم وهو ثابت بالتواتر ، رواه صادق عن صادق.
  • سابعاً : لأن النبي قرنهم بالقرآن وأمر الإقتداء بهم دون سواهم ، قال - صلى الله عليه وآله وسلم – سابقاً: (إنّ أهل بيتي مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفترقان حتى يَردا عليَّ الحَوض ، وإني مُخلفٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ، اقتدوا بالذين من بعدي) أراد الكتاب والعترة، ولو أراد غيرهما - كما يزعم بعض الناس - كان قوله هذا منافياً لقوله الأول : (لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحَبُّ إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ومَثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، حُرِّمَت الجَنّة على من ظلم أهل بيتي وأذاني في عترتي،...)

إلى غيرها من الآثار التي خص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بها أهل بيته ولم يعنِ غيرهم ، فمن أشرك أحداً من الصحابة بهم وزعم أنّ له فيها نصيباً أخطأ وافترى ، لأن أصحاب الرجل غير أهل بيته .
فهو مهما أحب صاحبه لا يدخله في عداد أهل بيته ، يؤيد قولنا هذا إنه لما نزلت ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى قيل له :
يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟
قال (ص) : علي وفاطمة وإبناها . ( رواه الفخر الرازي في تفسيره ، والزمخشري في كشافه).

لهذه الأسباب ونحوها نقتدي بهؤلاء الأئمة ونُفَضّلهم ونأخذ عنهم ، نتلقى ما يرد عنهم بالقبول معتقدين أنّ ما يَرد عنهم وارداً عن الله ، وما أشكل علينا من كلامهم نَرُدُّه إليهم بعد التسليم لهم والإعتراف بصحته لقوله: (ردوا إلينا ولا تردوا علينا) وإذا صَحَّ أنّهم هم وحدهم أئمة الحق ، تَعيّن أنّ غيرهم ليس بإمام ولا بقدوة بالنسبة إليهم.

نقول هذا تبييناً لمنزلة العترة النبوية عندنا ، ولا نقصد به مَسَّ كَرامة أحَدٍ من علماء المسلمين ، بل الذي نقصده أنّ الإمامة الصادقة الحقة مُنحصرة في هؤلاء الأئمة الذين هم صنائع الله وحججه على عباده ، ومعدن الرسالة ، وشجرة النبوة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وإننا ننظر إلى كل عالمٍ مُصلحٍ مُجتهدٍ في المسلمين نظرَ الإجلال والإحترام عارفين لكلٍ فَضلهُ وحَقهُ ، ونبرأ مما نُتّهم به من بغض بعض الصحابة ونُكذّب من يقول عنا هذا غاية التكذيب.

نعم لا ننكر إننا نكره من عادى أمير المؤمنين علياً وأبغضه وسَبَّه وحاربَه وبَغى عليه ، ولا نعتذر عن ذلك . كيف وقد قال رسول الله (ص) ما يبرر ساحتنا ويوافق رأينا ولنا برسول الله أسوة حسنة ؟
قال (ص) :
( يا علي ، حبك إيمان وبغضك نفاق وكفر ، إنّ أول من يدخل الجنة مُحبوك ، وأول من يدخل النار مُبغضوك ، من آذا علياً فقد آذاني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، من سَبَّ علياً فقد سَبّني ومن سَبّني فقد سَبّ الله ومن سَبّ الله كبّه الله على مِنخريه في النار ...
يا علي ، لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار).

فلينظر الناظر إلى هذه الآثار بعين الإنصاف والعقل:

  • هل نحن مُخطئون في كره أعداء أمير المؤمنين أم مُصيبون ؟
  • فإن كنا مخطئين فعلى من نُلقي التبعة ؟
  • أعلى رسول الله بقول مثل هذه الآثار ، أم علينا بتصديقنا إياها ؟
  • وإذا كنا مصيبين فعَلامَ اللوم وفِيمَ الطعن ولماذا البُغض ؟ ...