مقالة (منشأ العلويين) للدكتور وجيه محي الدين

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

القارئ الكريم، هذا المقال ورد في كتاب المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام لمؤلفه فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم .
وتجد فِهرس الكتاب على يمينك.
(إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)


قال الدكتور وجيه محي الدين في مقال نشره في مجلة النهضة العلوية التي أنشأها عام 1937 ميلادية تحت عنوان: (منشأ العلويين)

في ساعةٍ خيّم فيها الموت على المدينة المنورة فإذا هي دامعة ثكلى ونشر عليها السكون ألويته فإذا هي هادئة خرساء.

في تلك الساعة الرهيبة التي صعدت فيها روح طاهرة، وخُتمت رسالة عامرة، وطُويت صفحات من نور وهدى

في تلك الساعة ساعة احتضار محمد النبي العربي صلى الله عليه وآله وسلم حيث تجمع الأهل والأصحاب، قسمٌ يبكي على الراحل وقد سلا الدنيا وزخرفها وأشغله هول اليوم عن التفكير بما يحمله الغد، وقسمٌ يجدد الملك ويدبّر دنياه بما فيه من عزيمة ومضاء.

في تلك الساعة التي كان فيها علي بن أبي طالب جاثياً يبكي أمام جدث رسول الخالق العظيم مؤدّياً واجبه مقدّماً عبراته ناعياً ابن عمّه - وعمّه - وقائده - ونبيّه - ومفخرة العرب والشرق بأسره ناسياً للسقيفة وغايتها والدنيا وزخرفها وسابحاً في بحر التفكير والحزن واللوعة

في تلك الساعة ساعة السقيفة تشكّل الحزب العلوي القرشي الهاشمي.

هذا الحزب الذي اختص بآل البيت، وفضّل آل هاشم على أمية وحرب، وجعل من دمه قرباناً، ومن قلبه مسكناً، ومن عقله وعلمه وسيلة لتوحيد ملكهم وإعلاء شأنهم.

فالحزب العلوي خلق في فجرة الرسالة في تلك الأيام الملأى بالتضحيات، والعامرة بالإيمان.

في تلك الأيام التي كانت تنشر عليها النبوة أشعة من نور وهدى فتضيء سبلها ووهادها، وتبعث مع كل موجة من أشعة شمسها شعلة من الإيمان القدسي، تهب العربي حب التضحية في سبيل - المثل العليا - واستناداً على الآية الكريمة القائلة ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ الواقعة\10\11. ونظراً لكون علي (ع) أوّل من أسلم وامتلأ قلبه الكبير بالإيمان وتدفّقت في عروقه مع دمه الحار مَوجة من غيث الرسالة الطاهرة، فإذا به كُتلة من الإيمان وعزيمة وَمْضَاء يُدافع عن رسالة ابن عمّه المَنبوذ من قريش وأشراف قُريش بماله وأهله ودمه، وإذا ابن عمّه يُقدّر له عظيم موقفه فيجعله وزيره منذ الجلسة الأولى الرسمية التي دعا إليها أهله وعشيرته المُقَرَّبين ويُكرّر النبي (ص) هذه الثقة في علي فتظهر علانية في حجة الوداع وجليّة واضحة في بيعة - غدير خم - .

فالحزب العلوي كبقية الأحزاب ابتدأ بفكرة هي تفضيل هاشم على أمية، وانتهى بعقيدة يُستمات في سبيلها هي أفضيلة آل البيت وعلى رأسهم علي (ع) على بقية الأصحاب والمقرّبين.

وهكذا نما هذا الحزب، تُغَذّيه تضحيات علي وجهوده الجبارة ويَغمره عطف النبي الكريم فترعرع وانتشر وانضم إليه أرسخ العُقلاء في الإسلام وضَحّى في سبيل جُمُوع وجُمُوع من الذين رأوا فيه الحقيقة واتبعوه ورأوا فيه تعزيز العقيدة الخالدة فقدّموا أرواحهم قُرباناً أمام هيكله القدسي.

ونقدر أن نقول مستندين على مجريات (حوادث التاريخ الإسلامي) إنّ هذا الحزب وُجدت نواته في فجر الإسلام ونَمَت وازدهرت في عهد النبي والرسالة وتشكل وظهر في ساعة - السقيفة - فتوسّع وكَبُرَ حتى ظهر علانية وأصبح حزباً معروفاً في واقعة - صفّين - وانتهى إلى عقيدة راسخة يُستمات في سبيلها في أيام - قميص عثمان - وأصابع نائلة - وليس من يُنكر أنّ الرئاسة في صدر الإسلام وعهد الخلفاء الراشدين كانت رئاسة دينية - شورى - وأصبحت في عهد الدولة الأموية رئاسة زمانية وراثية أي تغلبت فيها السياسة على الدين وابتعدت عن المنهج الذي وضعه لها مؤسسها وواضع حجر زاويتها محمد (ص) وإنّ هذه الرئاسة بمطامعها ودسائسها والتطورات التي فاجأتها والشِراك التي وُضِعت في عهدها للحَط من سُموّ الشريعة السمحاء وطَمْسِ الحق تركت أثراً سيئاً وثمراً مُراً يتجرّع بكل مرارة طعمه في كل فجر ومساء.

ولو أنّ الأموية لم تُسء إلى الأمة الإسلامية والشعوب إلا بجعلها هذه التفرقة واضحة فتخلق مفكرين متحاقدين متنازلين في كل فرصة لكفى.

لا نريد الجنوح بهذا البحث الطافي بالمآسي، وأي مأساة أصعب من مأساة التفرقة والضغينة بين الأخوة والأعمام والأقارب، أيُّ مأساة في التاريخ أعظم من أن يقتل الأخ أخاه والجار جاره والصديق صديقه.. فنكتفي بما سجّلته صحائف التاريخ من تواريخ العالم. إلا أن التاريخ العربي أو بالأحرى العالم العربي كان ضحيّة لهذه الأخطاء المُزمنة لا يقدر على الخلاص منها.

ونعود بالبحث عن العلويين وأخصهم علويي هذه المنطقة - أي منطقة اللاذقية - وخصوصاً في هذه الظروف التي مَسَت فيها حاجة الدولة الطامعة إليهم فأخذت تُغدق عليهم النعوت والأنساب مُتهمة إياهم بتُهمَةٍ هي أشَدُّ من تُهَم الأمويين القُدماء فيَطعنون في عصر النور وفي القرن العشرين بجنسيتهم ونسبهم ودمهم كما طعنوا في صدر الإسلام في عقيدتهم.