أعمالنا في رأس السنة الميلادية الجُمُعة 2 كانون الثاني ٢٠١٥.

أُضيف بتاريخ الخميس, 24/12/2015 - 13:47
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 2\كانون الثاني\2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: التَّذْكِيْرُ بِمَا أَسْلَفَ كُلُّ إِنْسَانٍ فِي عَامِهِ الَّذِي مَضَى، وَلِمَ يَفْرَحُ بِذَهَابِ سَنَةٍ مِنْ عُمُرِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ فِي طَاعَةِ اللهِ، مَع الاسْتِشْهَادِ بِبَعْضِ كَلامِ السَّيِّدِ المَسِيْحِ (ع) فِي الإِنْجِيْلِ، وَكَيْفَ نَفْرَحُ بِرَأْسِ السَّنَةِ المِيْلادِيَّةِ.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: تَذْكِيْرٌ بِالأَمْرِ نَفْسِهِ، مَع الاسْتِشْهَادِ بِكَلامِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ (ص وآله وسلّم) وَذِكْرِ شَيءٍ مِنْ سِيْرَتِهِ، لِنَعْرِفَ كَيْفَ نُحْيِي مِيْلادَهُ، وَكَيْفَ نَفْرَحُ بِرَأْسِ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ.

  الخُطبة الأولى:

  منذ يومين كُنّا نودّع من أعمارِنا عاماً، وكُنّا نستقبلُ عاماً جديدا.
ودّعنا من أعمارنا عاماً فارقناه لا ندري أفارقناهُ على ما كان ينبغي لنا أن نُفارقَهُ عليه، أم أننّا فارقناه على ما ليس يليقُ بنا أن نُفارقه عليه.

  هل أحْسَنّا صُحبةَ ذلك العام الذي فارقناه، أم أسأنا صُحبَتَه؟

  مَن نظرَ في أعماله ومَن تذكّرَ أخطاءهُ من أجل أن يُصلِحَهَا في يومه الجديد وفي سنته الجديدة وفي عامه الجديد؟
مَن نظر ماذا أسلَفَ في العام الذي مَضى حتى يُصلحَ من أعماله ومن أخطائه ما قد يفعلُهُ في عامه الجديد؟

  ثم كيف فارقنا ذلك العام واستقبلنا عاماً جديداً كان ينبغي أن نبكِيَ على ما مَضى من عُمُرِنا، وليس أن نستقبل عامنا وما في بُقعةٍ من هذه الأرض -ولا سِيّما في هذا البلد- إلاّ فيها بيتٌ قد أُصيبَ بشيءٍ من هذا البلاء، وفينا من الجرحى، وفينا من المفقودين، وفينا من الذين قضى نَحْبَهُ، فكيفَ وقفنا لنستقبلَ هذا العام الجديد؟

  وقفنا لنستقبلَ هذا العام الجديد ونحن نلهو ونضحكُ ونمرَح، ولا ندري لماذا نضحكُ ولماذا نمرح وما الذي أدخَل علينا السرور؟ ألأنّه عامٌ مضى من أعمارنا نعرف أننا أسلفنا فيه من الخَطيئاتِ ما أسلفنا، ولأننا ضيّعنا من عُمُرِنا سنةً لا نستطيع أن نرُدّها، ولا نستطيعُ أن نسترجعها، ولا نستطيع أن نتوب إلى الله ممّا أسلفناه فيها، لكي يرُدّها إلينا من أجل أن نُحدثَ فيها عملاً صالحاً.

  الناس يفرحون بعيد رأس السنة! بعيد رأس السنة وبميلاد السيّد المسيح (عليه السلام)، وأين نحنُ من شَريعة السيّد المسيح ومن كلامه، أين نحن من أجل أن نفرحَ بهذا العام، أين نحنُ مِن إنجيله ومِن أخلاقِهِ؟!

  أين نحن من قوله (اغفروا يُغفَر لكُم)؟!

  أين مِن قوله (أعطوا تُعْطَو، لأنّه بنفس الكَيْل الذي تَكيلون بِهِ يُكالُ لكُم) فبماذا تفرحون؟!

  جاء في كلام السيد المسيح عليه السلام (لاَ تَجْمَعوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ كُلَّ شيء، وَحَيْثُ يَنْقِبُ اللّصوصُ وَيَسْرِقُونَ. وَلَكِن اجمَعوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ السُّوسٌ وَالصَّدَأٌ أَيَّ شَيء، وَلاَ يَنْقِبُ اللّصوصُ وَلاَ يَسْرِقُونَ، فَحَيْثُ يَكونُ كَنزُكَ هُناكَ يَكونُ قَلبُك).
فهل جمعنا كُنوزَنا مِنَ العَمَل الصالح في السّماء؟ أم أنّنا نحتفلُ بمسيحٍ غيرِ المَسيحِ الذي أرسَلَهُ الله؟!

  أينَ نحنُ مِن قوله (إذا قرّبتَ قُربانَكَ إلى المَذبَح وتَذَكَّرتَ هُناك أنَّ لأخيكَ عليكَ شيئاً، فاترُك قُربانك في المَذبَح، وارجِعْ مِن أجلِ أن تُصالِحَ أخاك).؟!
مَن مِنّا صالَحَ أخاه ليستقبلَ عامهُ الجَديد الذي يفرحُ به بميلاد السيّد المسيح عليه السلام وهو لا يلتفت مِن إنجيله إلى شيء؟! مَن نَظَرَ في هذه الحال؟

  مَن تأمَّلَ قولَه (لا يهُمُّكم لحياتِكُم ما تأكلون وما تَشرَبُون، أما الجَسَدُ خيرٌ من اللباس، أما الحياةُ خيرٌ مِنَ الطّعام، ومَن مِنكُم إذا اهتَمَّ يقدر أن يزيدَ على قامَتِهِ ذِراعاً واحدا).

  يقول عليه السلام (تأمّلوا الغِربان، تأمّلوا طيور السماء كيف تأكُل، إنّها لا تجمعُ ولا تُخَزّن، أإذا كان اللهُ يرزُقُها وهيَ على هذا، أما أنتُم أولى بأن يرزُقَكُم).

  يقول (تأمّلوا زَنابِقَ الحَقلِ كيفَ تنمو)، هذه الزنابق هل تتعبُ في الغزل؟ إنّها توجدُ اليوم وتُرمى غداً في التنّور لتُحرق، فإذا كان العُشبُ يوجدُ اليوم على هذه الحال. وهي حالٌ قال فيها عليه السلام (ولا سُليمان كان يلبَسُ واحدةً منها. فإذا كان العُشبُ الذي خلقهُ الله على هذه الحال يوجدُ اليوم ويُرمى غداً في التنّور في النار ليُحرق، أما أنتُم أولى بأن يُلبسكُم).

  مَن منّا وقف عند قوله (لذلك يا قليلي الإيمان، لا يهُمُّكُم لحياتكم ماذا تأكلون وماذا تكرَهُون)؟!

  ألسنا نهتمّ بما نأكُلُ وما نَشرب أكثر من اهتمامنا بكلام المسيح عليه السلام؟!

  ألسنا نهتمّ بما نستطيعُ أن نجمَعَهُ في هذه الدنيا من مالٍ ومن مَتَاع وهو يقول (لا تجمعوا لكُم كُنوزاً على الأرض)؟!

  فلماذا كُنّا نفرح؟! فبماذا ولمن كُنّا نضحك؟! ودّعنا عاماً لا ندري ما اللهُ صانعٌ به، أسلفنا فيه من الذنوب ومن المَعاصي ما أسلفنا، ونُريدُ أن نستقبل عامنا الجديد، ونحن أبعدُ ما نكونُ عن المسيح عليه السلام وعن إنجيل المسيح عليه السلام.

  يقول عليه السلام (سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ مُضيئَةً خَيِّرَةً، كانَ جَسَدُكَ نَيِّرًا كُلُّهُ، ومتى كانَت شِرّيرةً، كانَ جَسَدُكَ مُظلِماً).
مَن مِنّا نَظَرَ من أجلِ أن يُبصِر، وتأمَّلَ وتَدَبَّر وأزاحَ ما على قلبِهِ مِنَ الغِشَاوَة مِن الجَهل.؟!

  يقول عليه السلام (أضْرِبُ لكُم مَثَلاً، إذا قادَ الأعمى أعمى، ألا يسقُطُ الإثنانِ في حُفرَة؟!).
الذي يُريدُ أن يفرَحَ لأنّهُ قد استقبَلَ عاماً جديداً، يفرحُ بميلادِ السيّد المسيح فليذكُر ممّا قاله أنه قال عليه السلام (الذي يأتي إليَّ ويسمَعُ كلامي ويعمَلُ به سأُريكُم مَن يُشبِه، يُشبِهُ إنساناً بنى بيتاً وحَفَرَ وعَمَّقَ، ووضعَ على الأرض أساسهُ، فحدَثَ سيل، فصَدَمَ النهرُ ذلك البيتَ فلم يقدِر أن يُزعزعهُ، لأنّ أساسهُ على الصَّخر.
وأمّا مَن يسمعُ كلامي ولا يعملُ بهِ، فإنّهُ يُشبِهُ إنساناً بنى بيتهُ على الأرض مِن دون أساس، فلمّا صدمَهُ النهر سقطَ حالاً، وكان خرابُ ذلك البيتِ عظيما)
.

  مَن أراد أن يكونَ ممّن يجوز له أن يقِفَ في هذه الأيام فليكُن ممّن نظَرَ في آثارِ هؤلاء الأنبياء، ولما أرسلهُم اللهُ تعالى.

  أيُعقَلُ أنّنا نحتفلُ بمولِد نبيّ نجهَلُ مِن أخباره أكثَرَ ممّا نَعلَم؟!

  أيُعقَلُ أن نفرَحَ بميلاد نبيّ لا نعرفُ مِن كلامِهِ شيئاً؟!

  أما كان أولى لو أنَّ أحَدَنا قرأ شيئاً من هذا الإنجيل، من هذه الأناجيل من كلام السيّد المسيح عليه السلام، وعَرَفَ ماذا قال، وماذا جاء من كلامِهِ، أما كان خيراً ممّا أحدَثنا في عامِنا هذا؟ أما كان أولى وأقرَبَ إلى الله، أما كان مُرضِياً للنبيّ عليه السلام أن تستقبِلَ في يوم ميلادِهِ كِتابَهُ الذي أرسلهُ اللهُ تعالى به للناس.

  إنَّ أحَدَنا ليَشكو مِن قِلَّةِ ذاتِ يَدِه، إنّهُ لا يستطيعُ أن يشترِيَ كِتاباً ولكنّه في ذلك اليوم يستطيع أن يشتريَ بآلاف الليرات، الألعاب النارية، من أجل أن يُؤذِيَ بها نفسه، ويُضيّعَ بها مالَهُ، ويُزعِجَ بها جيرانه. إنّهُ يشُقُّ عليه ويصعُبُ أن ترى في بيتِهِ نُسخةً مِن الإنجيل، ولكنه لا يصعُبُ عليه أن يُنفِقَ ألف لَيْرَة أو ما يزيد على ذلك، من أجل أن يشتريَ بها ما يُحدِثُ به ضجيجاً، لماذا؟ لأنّه يحتفلُ بميلاد السيّد المسيح؟! فتأمّل هذا الذي تراه.

  نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يأخُذَ بأيماننا إلى ما يُرضيه، وأن يجعلنا ممّن لا يُفَرّق بين أحدٍ من رُسُلِه....

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  في هذه الأيام، الذي إن لم يكُن فيها ذِكرى ميلاد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسَلَّم في اليوم نفسه الذي كان فيه ذِكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام فإنّهُ قبل يومٍ أو بعدَهُ .

  كما قُلنا أننّا لم نعرف كيف أحيينا ميلاد السيد المسيح عليه السلام حين فارقنا عاماً من أعمارنا كان يجبُ أن نَبكِيَ عليه، كان يجب أن نبكِيَ على هذا العام الذي مَضى، لأنّه يومٌ ذهبَ ولَن يعود فكيف نستقبلُ ميلادَ سيّدنا محمد ص وآله وسلّم؟

  عيد المَولِد النبويّ، عيد ميلاد خاتم النبيين مُحمّد بنِ عبد الله ص وآله وسلّم، كيف نستقبلُهُ، وكيف نُنزِلُهُ مَنزلتهُ، وكيف نُعَظّمُهُ، وكيف نُجِلُّه؟
الرسول الذي أرسله الله تعالى نذيراً وبَشيراً، الرسول الذي جاء بكتابه الكريم ليُخرجَ الناس من الظلمات إلى النّور، ليُخرجهم من الجَهل والكُفر إلى نور الإسلام، إلى نور العقل، إلى نور الهداية.
ذلك رسول الله ص وآله وسلّم الذي أوصى وكان مِن وَصاياه:
(أيُّها الناس، اتقوا الله)
(أيُّها الناس، أوصيكُم بتقوى الله)
(أيُّها الناس، أحُثُّكُم على طاعةِ الله وأستفتِحُ بالذي هو خير)
.

  كيف نُحيي مَولِدَ هذا النبيّ الكريم ص وآله وسلّم؟

  أهوَ أن نجتمعَ ونتذكّر ونسترجع ونقرأ كماذا لَقِيَ مِن مُشرِكي قُرَيش وهو يُبَلّغُ رسالةَ ربّه؟

  أم نقرأَ كيف عُذِّبَ مَن أسلَمَ مَعهُ؟ كيف أمرَ الناس من أجل أن يُنقذهُم مِن عذاب مُشركي قُريش أن يُهاجروا في الأرض، فمنهم من هاجر إلى الحَبَشَة، ومنهم مَن هاجرَ إلى المَدينة.
كيف نقرأُ في هذه الأيام سيرة رسول الله ص وآله وسلّم؟

  هل يكفي أن نقول وأن نقرأ ما جاء في كُتُب السيرة والتاريخ؟ أيكون هذا إحياءاً لمولد رسول الله ص وآله وسلّم الذي جاء من أجل أن يُتمّم مَكارِمَ الأخلاق، الذي جاء والعَرَبُ يسفكون دِماءَهُم ويقطعون أرحامهم، الذي جاء والناس أهلُ جاهليةٍ يأكُلُ القويُّ منهم الضّعيف، ويُسيئون الجِوار، ويأكلون المَيْتَة، ولا يتركون شيئاً إذا كان فيه هواهُم إلاّ فعلوه وإن كان فيه ما فيه من الأذى.

  هل يُكتفى بهذا من أجلِ إحْياء مولد رسول الله ص وآله وسلّم؟!

  كُلّنا سمع إن لم يكُن قرأَ (أنَّ المُهاجرَ مَن هَجَرَ السيّئات). إذا كان المُهاجرَ مَن هَجَرَ السيّئات وأرادَ أحَدُنا أن يُحيي وأن يقرأ سيرة رسول الله ص وآله وسلّم فليكُن ممّن هَجَرَ السيّئات. وإذا أراد أن يُرضِيَ رسول الله الذي قال (إنَّ أحَبَّكُم إليَّ مَن لَقِيَني على مِثل الحال التي فارقني عليها) فليذكُر أنّه ص وآله وسلّم قال (المُسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون من لِسانِه ويَده). ليكٌن ممّن يسلمُ الناس مِن لسانه ويده، وليذكر أنّه ص وآله وسلّم آخى بين المُهاجرين والأنصار، فكان الذي يملكُ بيتاً يجعله بينه وبين أخيه الذي هاجر إليه في الإسلام، وكان الذي يملكُ المال يُعطي من لا يملك مالاً، وكان القوّي يُعين الضَّعيف، لأنّ أفضل الصدقة –كما جاء في الحديث- عَونُكَ للضَّعيف.

  ليَذكُر أنَّ رسول الله جاء ليُتمّم مَكارم الأخلاق ولِيُنقِذَ الناس من عِبادة الأوثان، ومِن الشِركِ بالله وليس الشِركُ بالله كما قلنا غَيرَ مَرَّة بوجهٍ واحد، ولا بمَعنًى واحد، وليس الشِركُ مُقَيَّداً بأن يكون الرجل ممّن يعبُدُ حجراً أو ممّن يعبُدُ شيئاً دون الله عز وجل أو مع الله عز وجل. كُلّ عملٍ لا يُراد به وجه الله تعالى فهو شِرك. ألم نسمع أنَّ (الرّياء هو الشِركُ الأصغَر).

  (الرّياء هو الشِركُ الأصغَر) أن تعمَلَ عملاً تُريدُ به أن يمدَحَك الناس فأنتَ في عِداد المُشركين، لأنّك تطلبُ ثواباً من الناس وليس من الله عز وجل، هذا هو الشرك الأصغر.

  كُلّنا سمع وقرأ النّهيَ عن الرّياء لأنّه يُفسِدُ الصدَقَة، ولأنّهُ يُفسِدُ العِبادة، ولأنّهُ يُفسِدُ الصلاة، ولأنّهُ يُفسِدُ الصيام، وأنَّ الذين يُراؤون ليسوا ممّن يذكروا الله عز وجل، إنّما يُريدون بهذا أن تَحسُنَ علانيّتُهُم بين الناس وإن خَبُثَت سرائِرُهُم بينَهُم وبين الله عز وجل.

  الرياء الذي نهى عنه رسول الله ص وآله وسلّم بعدما نزل الكتابُ بالنّهي عنه، كان سيّدنا المسيح عليه السلام قد نهى عنه في أمرٍ أكثَرُنا اليوم يفعلُهُ، وأكثَرُنا اليوم لا يَتُوبُ منه، وأكثرنا اليوم لا يُقلِعُ عنه، ذلك الرّياء هو أن يعلم أََحَدُنا أنَّ فيه كثيراً من العُيوب ولكنّه لا يُبصِرُ عيبَهُ، إنّما ينتظر أن يرى صغيرةً على غيرهِ مِن أجلِ أن يُذيعها بين الناس.

  يقول السيد المسيح عليه السلام (كيفَ ترى القذى في عَيْنِ أخيك، ولا ترى الخشبَةَ في عَينَيك؟!).
كيفَ ترى القذى في عَيْنِ أخيك، ولا تستطيع أن الخشبَةَ التي في عَينَيك؟! إذا كان هذا أذنَبَ ذَنباً صغيراً، وإذا كان له عيبٌ فإنّ فيك من العُيوب ما هُو أعظَم، وإنّ العَيب الذي فيك هو الذي منعَكَ أن تراه فاجترأتَ بهذا على أن تَعيبَ غَيرَك وفيك من العيب ما هو أعظمُ من ذلك الذي تَعيبُ به غَيرَك. أَخْرِجْ أوّلاً الخَشَبَةَ مِن عَينِكَ لتُبصرَ جيّداً. حينئذٍ تستطيعُ أن تُخرجَ القذى مِن عين أخيك.

  فما مِن شجرة جيّدةٍ تُخرج ثمراً رديئاً، ولا شجرةٍ رديئةٍ تُخرجُ ثمراً جيّداً، لأنّ كُلّ شجرةٍ تُعرفُ بثمارها.

  والرِّياء الذي نهى عنه رسول الله محمد ص وآله وسلّم في أن يعمَلَ أحَدُنا عَمَلاً يُشركُ في طلب الرضى والثواب عليه أحداً غير الله عز وجل، فإنّ ثوابهُ من ذلك الذي قصدَ وأراد وأضمر في قلبه أن يكون له منه شيءٌ من الثواب أو شيءٌ من الثناء.

  إنّ الرّجُلَ يستطيع أن يُصلحَ عملَهُ ويستطيع أن يُفسِدَ عمله، يستطيع أن يُصلحَ عملَهُ إذا جعله ابتغاءَ وجه الله لا يُريد به مَدحاً، ولا يُريد أن يُظهره للناس عَمْداً، هكذا يَصْلُحُ العَمَل.
وأما الذي يُريد أن يُظهره للناس من أجل أن يُقال فيه، هذا من الصالحين وهذا من العابدين، فإنّ الثواب الذي يُريده من الله هو ما سمعه من كلام الناس.

  ألم نسمع أنَّ الرَّجُلَ ليَعمَلُ العمل ويتصدّق بالصدقة فتُكتبُ له عند الله سِرّاً، ثم يذكُرُها يُحدّث بها الناس فتُمحى وتُكتب له علانيةً، ثم يذكُرها فتُمحى وتُكتبُ له رِياءً.

  من أراد أن يستقبل العام الذي يذكُر فيه مولد رسول الله ص وآله وسلّم فليُحيي سُنّة رسول الله وليتّبع ما أمر به ص وآله وسلّم .

  إذا فقدَ أحَدُنا شيئاً ولم يَكُن على يقينٍ ممّن يتّهمُهُ فليُمسِك لِسَانَهُ. يقول ص وآله وسلّم (لا يزالُ المَسروقُ منه في تُهمَةِ من هو بريءٌ حتى يكون أعظَمَ جُرماً مِن السّارق). إذا فَقَدَ أحَدُنا شيئاً فشَكَّ في إنسانٍ ما ولم يكُن على يَقينٍ مِن أمرِهِ فلا يجوز أن يتّهم النّاس في أمانتهم لأنّه بذلك يُصبِحُ أعظَمَ جُرماً من الذي سرق ومن الذي خان.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الأمانة، ومن أهل الصدق، من الذين يعرفون قدر نبيّهم، ومن الذين يعرفون كيف يُكْرِمُون سِيرة نبيّهم، وكيف يُحْيُونَ مَولِدَ نبيّهم، وكيف يسلكون الطريق الذي يُرشدهم إلى أن يكونوا يوم القيامة ممّن رُزِقَ شَفاعَةَ محمّد وآله الطيبين الطاهرين....