الجُمُعة 9 كانون الثاني.

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/01/2016 - 11:10
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 9\ كانون الثاني \ 2015.

الخُطْبَةُ الأُوْلَى: فِي الكَلامِ عَلَى نِعْمَةِ المَطَرِ وَالتَّذْكِيْرِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نِعْمَةً وَقَدْ يَكُونُ نَقْمَةً.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: الكَلامُ عَلَى الاسْتِقَامَةِ وَهِيَ التَّوسُّطُ بَيْنَ حَالَيْنِ.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

  لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بخيرٍ كثير، وبمطرٍ غزير، في أعناقنا له من الشكر ما لا يُحصى، ومن الحمد ما لا يُستقصى، من الواجب علينا أن نَحمَد اللهَ سبحانه وتعالى وأن يتذكَّرَ كُلّ منّا أنّ هذا الخير، وأنّ هذا المَطَر، يكون علامةَ رحمةٍ ويكون آيةَ نجاة، وقد يكون علامة نِقمَةٍ، وقد يكون دليل هلاك، فكما أهلكَ الله سبحانه وتعالى من أهلكه في مَطَر السَوء، وكم رَحِمَ مِن أقوامٍ كان الجوع يقتلهم، وكم أنقذ من ظامئٍ بفضل هذا الماء.

  جاء في كتابه الكريم في قصّة قوم لوط: { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} الشعراء (173).

  ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في قصّة نبيّ نوح كيف أهلّكّ بالماء مَن كَذَّبَ نوحاً ومن سَخِرَ منه وم استخَفّ به، وكيف أمرَ سبحانه وتعالى الأرض فابتلعت الماء {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} هود (44).

  وما في كتاب الله سبحانه وتعالى ممّا يُذكّرُ به ليكون عِبْرَةً لمن يُحِبُّ أن يعتَبِر بمن أهلَكَ من الطّاغين، وبمن أكرَمَ ورَحِمَ مِن أوليائهِ المؤمنين ما يجبُ أن نتذكّره دائماً وأن نسألَ اللهَ سُبحانه وتعالى أن يجعَلَ هذا الماء آيةَ رحمةٍ وعلامَةَ خَلاص.
وليس ببعيد ممّا ذكرناه ما نُشاهدهُ اليوم في بعض البُلدان من الماء إذا فاض، فإنّهُ يُهلِكُ الناس وإنّهُ يُدمّرُ البيوت وقد يُغرِقُ المُدُن.

  فلنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا بما أمطر علينا من الخير، وأن يجعلنا لِنِعَمِهِ مِنَ الشاكرين، فقد كان الإمام عليُّ بن الحسين عليه السلام يدعو حين يسمع الرّعد وحين يرى المَطَر بما يسأل الله سبحانه وتعالى به أن يجعل هذا الرعد وهذا المطر وهذا الماء خيراً وبركةً. يقول ممّا جاء في دعائه : (أَللَّهُمَّ إنَّ هذَيْن آيَتَانِ مِنْ آياتِكَ، وَهذَين عَوْنَانِ مِنْ أَعْوَانِكَ يَبْتَدِرَانِ طَاعَتَكَ بِرَحْمَة نَافِعَة أَوْ نَقِمَة ضَارَّة، فَلاَ تُمْطِرْنَا بِهِمَا مَطَرَ السَّوْءِ، وَلا تُلْبِسْنَـا بِهِمَا لِبَاسَ الْبَلاَءِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا نَفْعَ هَذِهِ السَّحَائِبِ وَبَرَكَتَهَا، وَاصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا وَمَضَرَّتَهَا، وَلا تُصِبْنَا فِيْهَا بآفَة، وَلا تُرْسِلْ عَلَى مَعَايِشِنَا عَاهَةً. أللَّهُمَّ وَإنْ كُنْتَ بَعَثْتَهَا نَقِمَةً وَأَرْسَلْتَهَا سَخْطَةً فَإنَّا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْ غَضَبِكَ، وَنَبْتَهِلُ إلَيْكَ فِي سُؤَالِ عَفْوِكَ، فَمِلْ بِالْغَضَبِ إلَى الْمُشْـركِينَ، وَأَدِرْ رَحَى نَقِمَتِـكَ عَلَى الْمُلْحِـدينَ.)

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم ممّن لا يغفَلُ عن ذِكرِهِ، ولا يُهملُ شُكرَ نِعَمِهِ، ولا يفتُرُ عن حمده....

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  قال اللهُ سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ما يصِفُ به حال من أكرموا أنفُسَهُم فأكرمهُم الله عز وجل، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) } سورة فصلت . صدق الله العلي العظيم.

  الإستقامة هي في معناها اللغَويّ الإعتدال والتوسّط بين حالين {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الإستقامة هي التوسّط بين حالين، يُقال استقامَ فُلان، أي اعتدَلَ وحَسُنَت أخلاقُه. كانت أخلاقُهُ فاضلةً كريمة.

  الإستقامة التي وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم والتي هي التوسّط بين حالين، هي من الأشياء التي يفقِدُها أكثرُنا.

  التوسّط والإعتدال الذي يجب أن يكون في كُلّ شيء، في الحُبّ وفي البُغض، في الإقتصاد وفي الإسراف، بين الإقتصاد وبين الإسراف، في العمل، الطاعة في كل شيء يجب أن يجتهد كُلّ منّا ليكون من الذين قال الله تعالى فيهم {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} بعد هذا، القولُ لا يكفي، الإستقامةُ تكون في العمل، في الإخلاص، في حُسن الإعتقاد، في أن لا نُضمِرَ للناس شرّاً، في أن لا نستخفّ بأحد، لأننا إذا أحببنا –كما قُلنا غير مرّة- لم نكن من الذين يُغالون، ولم نكُن من الذين يُبغِضون فوق ما يجب من البُغض.

  التوسُّطُ بين حالين في كُلّ شيء هي الإستقامة التي من كان فيها بلغ من المنازل مالا يستطيع إذا تصوّره أن يَفِيَهُ حقّهُ من الوصف.

  إنَّ أحَدَنا إذا شاهدَ رجُلاً من وُجهاء القوم أو صافحهُ يوماً فإنّهُ يحفظُ ذلك اليوم في ذاكرته، ورُبّما فاخر به وباهى أنّي رأيتُ فلاناً أو شاهدتُ فُلاناً.

  إذا رأى أحَدُنا رجُلاً من وُجهاء الناس فإنّهُ يفرح بهذا فرحاً عظيماً، فكيف إذا صافح من هو خيرٌ من هذا وأعظَم، كيف إذا صافح من هو أكبرُ مقاماً ومن هو أجلُّ شأناً، ومن هو أعظمُ مكانةً من البشر.

  كيف بك إذا صافحتَ من هو خيرٌ ممّن على الأرض إذا كُنتَ مُستقيماً.

  تُشاهدون في كثيرٍ من الصور أنَّ من الناس من إذا أراد أن يحفَظَ شيئاً فعله في حياته أو شيئاً يعُدُّهُ من المواقف الكريمة فإنّه يضعُ في بيته صورة له ويدُهُ تُصافِحُ أحدَ الوُجَهاء، أو العُظماء في الدنيا. وما مِن ناظرٍ إلى هذه الصورة أو إلى ذلك الرّسم إلاّ ويتمنى أن يكون له نصيبٌ في شيء من هذا، وأن تكون حالُهُ قريبةً من هذه الحال، فكيف إذا صافحتَ –كما قُلنا- من هو أعظمُ ممّن على الأرض جميعاً، إذا استقمت.

  إذا استقمتَ فإنّكَ تُصافِحُ مّن هو خيرٌ ممّن سكَنَ الأرض، وممّن يأكُلُ وممّن يشرب، مهما كان عظيماً في هذه الأرض.

  قال الإمام الصادق عليه السلام (لو أنّ شيعتنا استقاموا، لصافَحَتهُمُ الملائكة، ولأظلَّهُمُ الغَمام، ولأشرقوا نهاراً كما تُشرقُ الشمس، ولأكلوا مِن فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئاً إلاّ أعطاهُم) فتأمّلوا.

  إنّنا نفرحُ إذا صافحنا وزيراً، ونفرح إذا صافحنا يوماً من الأيام مُحافظ هذه المُحافظة، أو شخصاً له شأنٌ في الحُكومة، فكيف إذا صافحتَ الملائكة، ما أعظَم فرحَكَ حينئذٍ.

  لماذا يجتهدُ كثيرٌ منّا في أن يحمل صورةً له مع شاعرٍ كبير، أو مع شخصٍ كبير في هذا البلد أو في غيرها، ولا يجتهدُ في أن يُصافِحَ الملائكة، في أن يُصافحَ من هو أعظمُ ممّا ذكرت. (إنّ شيعتنا استقاموا، لصافَحَتهُمُ الملائكة).

  هذا الذي ذكره الله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}. فهل يتصوّرُ أحدُنا أنّهُ يُصافِحُ مَلَكاً مِن ملائكةِ الله عزّ وجلّ.

  وما قدرُ البشر عند قَدْرِ هؤلاء؟! الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى من أعوانِهِ؟ ما قدرُ البشر عند من قرّبهُم الله سبحانه وتعالى إليه وأكرَمَهُم وعَظّمَ منزلتهم وأعلى قَدْرَهُم؟ ما قدرُ هؤلاء عند من هو من الله عز وجل، بحيثُ لا يَحْجُبُهُ عن الله عز وجل شيء.

  (لو أنّ شيعتنا استقاموا، لصافَحَتهُمُ الملائكة، ولأظلَّهُمُ الغَمام، ولأشرقوا نهاراً كما تُشرقُ الشمس، ولأكلوا مِن فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئاً إلاّ أعطاهُم).

  فليتصوّر كُلٌّ مِنّا أنّه إذا استقام صافحته الملائكة، وأظلّهُ الغَمام، فلا يُصيبُهُ شيءٌ مِن حَرّ الشمس، ولا شيءٌ ممّا يُؤذيه في هذه الدُّنيا (ولأشرقوا نهاراً) وكم مِن باحثٍ عن شيءٍ يجعلهُ جميلاً في أعيُنِ الخلق؟
الإستقامةُ تجعلُكَ مُشرقاً بين الناس كالشمس.
الإستقامةُ تجعلُكَ ممّن يُصافِحُ الملائكة.
الإستقامةُ تجعلُكَ ممّن يُظِلُّهُ الغَمام.
الإستقامةُ التوسُّطُ والإعتدال يجعلُكَ ممّن يأكُلُ مِن فوقِهِ، ومِن تحت أرجُلِهِ لا ينقطِعُ عنه الخير.
الإستقامةُ تجعلُكَ ممّن إذا دعى أجاب اللهُ سبحانه وتعالى دُعاءَهُ.

  فلنجتهد يا عِباد الله أن نستقيمَ كما أُمِرنا، أن نتعدل في كُلّ شيء وأن يكون التوسّطُ بين حالين دائماً في كُلّ شيء ومِن كُلّ شيء، هو الذي يقودُنا فإنّه يدُلُّنا على خير الأُمور.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين استقاموا بعد الشهادة له، ومن الذين أطاعوا نبيّهُ بعد الإيمان به، ومن الذين لهم نصيب في رحمته....