الجُمُعَة 23 كانون الثاني.

أُضيف بتاريخ الخميس, 28/01/2016 - 13:21
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
مُوْجَزُ خُطْبَتَي الجُمُعَة 23\ كانون الثاني \ 2015.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى: فِي الكَلامِ عَلَى نُصْرَةِ النَّبِيِّ وَتَوْقِيْرِهِ، فَإِنَّ نُصْرَتَهُ بِالاقْتِدَاءِ بِهِ، حَلِيْمًا عَافِيًا عَنِ النَّاسِ، وَلَيْسَ بِالقَتْلِ وَالتَّخْرِيْبِ، فَقَدْ عَفَا عَمَّنْ شَجَّ رَأْسَهُ وَعَمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَكَيْفَ لا يَعْفُو عَمَّنْ رَسَمَ لَهُ رَسْمًا يَعِيْبُهُ فِيْهِ، وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ مَنْ رَسَمَ تِلْكَ الصُّوَرَ، أَمَا أَخَذَهَا مِمَّا يُعَدُّ مِنَ الكُتُبِ الصَّحِيْحَة عِنْدَ المُسْلِمِيْنَ، فَانْصُرُوا نَبِيَّكُم بِإِصْلاحِ تُرَاثِكُم، وَلَيْسَ بِالضَّجِيْجِ وَالإِحْرَاقِ.
وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة: الكَلامُ عَلَى الاسْتِفَادَةِ مِنَ وَسَائِلِ الحَضَارَةِ فِيْمَا يَنْفَعُ، فَإِنَّ الدِّيْنَ لا يُحَرِّمُهَا وَلا يَحْظُرُهَا.

  الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

  يثورُ بعضُ الناس من أجلِ ما نُشِرَ مِن صُوَرٍ تُعَدُّ مُسيئةً إلى رسول الله ص وآله وسلّم، ثارَ بعضُهُم، وأنكَرَ بعضُهُم، وقد يصِلُ الأمرُ بفئةٍ إلى أن يكونَ القتلُ رداً، أو أن يكونَ السّلبُ والنّهبُ والإحراق رداً على مَن جَعَلَ هذه الصُوَرَ بهذه الحال.

  واضطرابُ كثيرٍ من الناس في هذا الأمر، يجبُ أن يُقِفَنا على أمرين: إمّا أننا نقتدي بنبيّنا ص وآله وسلّم، وإمّا أننا نقتدي بغيره.

  إذا رَجَعنا فنظرنا في سيرته ص وآله وسلّم، وما كان من عفوِهِ عن الناس، وما كان من صبره على الأذى، كُنّا بين أمرين: إمّا أنّنا نُريد أن نُحدِثَ في هذا الزّمن شيئاً نُغَيّرُ فيه من أوامره، وإمّا أنّنا نظرنا فيها فلم تُعجِبنا، فأردنا أن نستبدلَ بها.

  كيف كان رسول الله ص وآله وسلّم حين يُؤذي؟ كيف كان حينَ يُخاطِبُهُ أحدٌ بما يُؤذيه؟ هل كان ممّن يأمُرُ بقتلِهِ، أمّ ممّن يسألُ الله عز وجل له التوبة والهِداية؟.

  إذا كان هؤلاء الذين قالوا ما قالوه أو رسموا ما رسموه ونشروا ما نشروه، إذا كانوا يتعمّدون الإساءة إلى رسول الله ص وآله وسلّم، فمن الواجِبِ أن نسألهُم بهذا الذي جعلوهُ في تلك الرّسوم؟ هل جاؤوا به من الخيال، أم أنّهم وجدوا له أثراً، أو وجدوه في الكُتُب التي يعُدُّها كثيرٌ من المُسلمين كُتُباً صحيحةً قويّة؟

  كانت سُنّة رسول الله ص وآله وسلّم أن يعفَوَ عمّن ظلمه، وأن يُعطِيَ مَن حَرَمَه، وأن يَصِلَ مَن قَ"َعَه، فهل نكون أعظم غَيْرَةً عليه من نفسه؟!.

  ممّا كان في سيرته ص وآله وسلّم، أنّه في يومِ أُحُد شُجَّ رأسُه، واجتمع عليه المُشركون، فقال له مَن حوله مِن أصحابه، ادعُ عليهم. قُل فيهم قولاً عظيماً، قل فيهم قولاً يُؤذيهم. فماذا قال ص وآله وسلّم؟ قال: إنّي لم أُبعَث لَعّاناً، ولكنّي بُعِثتُ داعيةً ورحمةً، اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون.

  كانوا يُقاتلونه وقد شجّوا رأسهُ وأرادوا قتلهُ ولم يدعوا عليهم، دعا لهم.

  فإذا كان ص وآله وسلّم عا لمن قتله (اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون) ولمّا آذاهُ مُشركوا قريش وعذّبوا أصحابه ومَكَّنَهُ الله منهم، قال: اذهبوا فأنتُم الطُّلقاء.

  إذا كان عفى عمّن أراد قتله، وعفى عمّن عذّبهُ وعذّبَ أصحابهُ، فإنّه لو كان في هذا العَصر لقال لهؤلاء (اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون) ولعفى عنهم. فكيف نُظهِرُ أننا ننتقمُ لنبيّنا، ونحن نترُكُ من سيرته ما كان فيه من صبرٍ على الأذى، ومن عَفوٍ ومِن رَحمَة؟!.

  أيكون اجتماعُنا إذا اجتمعنا من أجل أن نَسُبَّ فُلاناً لأنّهُ رسمَ صورةً تُسيءُ إلى النبيّ، أنكون بهذا ممّن ينتصرُ لنبيّهِ؟! أنكون بهذا ممّن ينتقم لنبيّه؟! ونبيّنا ص وآله وسلّم عفى عمّن ظلمهُ.

  من حَمَلَ عليه السيف، وكان نائماً، فلمّا استيقظ وجد السيف في يده وقال له: مَن يمنَعُكَ مِنّي؟ قال: الله. فاضطّربَ الرجل فوقع السيف من يده فأخذهُ رسول الله وعفى عنه.

  ولمّا كان بعضُ أصحابه ممّن عدّهُم كثيرٌ من المؤرّخين في المُنافقين الذين كانوا يُظهرون الإسلام، وكانوا يُبَيّتون الأذى، قيل له وأُشيرَ عليه في قتلهم، قال: لا، لئلاّ يُقال إنَّ محمداً يقتُلُ أصحابَه.

  إذا كان ص وآله وسلّم عفى عمّن ظلمه، وعفى عمّن شَجَّ رأسهُ، وعفى عمّن أراد قتله، فهل يظُنُّ أحدٌ أنّه لو بُعِثَ اليوم، لقال لهؤلاء: لما أسأتُم، ولما رسمتُم؟

  إذا كان أحَدُنا يُريدُ أن يرُدَّ على هؤلاء فعليه أن يُعَرّفهم أدَبَ نبيّه، وسيرة نبيّهِ، وأخلاقَ نبيّه، وعَفوَ نبيّهِ، وكَرَمَ نبيّه. لا أن نُظهر لهم أنّ من قال كلمةً في نبيّه سوف يُقتل. وإنّ الله عزّ وجَل هو الذي قال: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين}. وإنّ رسول الله ص وآله وسلّم هو الذي عَفى عمّن عاداه. فهل أنتُم أعظمُ غَيْرَةً على رسول الله من نفسه؟!
إنّكُم بهذا بين أمرين: إمّا أ،ّكُم عرفتُم سيرة نبيّكُم فتركتموها، وإمّا أنّكُم رضِيتُم أن يُقال في نبيّكُم ما يُقال مِن القتل ومِن السّلب ومن الحروب!؟

  لا يُنصرُ رسول الله ص وآله وسلّم بالسبّ، ولا يُنصَرُ بالشتائم، ولا يُنصَرُ بالإساءة إلى مَن أساء إليه كما أساء، ولكن يُنصَرُ بإظهار فضلِه، وأدَبِهِ، وخُلُقِهِ، وعَفوِهِ، وإنسانيّته. بهذا يُنصرُ رسول الله ص وآله وسلّم، وبهذا تستطيعُ أن تُبيّن لمن قال فيه قولاً أو طعنَ فيه، أنّه فهِمَ الأُمور بِخِلافِ حقائقها، وأنّ الواجب عليه أن يُعيد النّظر فيما قرأهُ، وأنّ الواجب عليه أن يُعيد تأمُّلَ ما وَصَلَ إليه، ليعلَمَ أنّهُ كان مُخطئاً فيما قال.

  الذي يُريد أن ينصُر نبيّه ص وآله وسلّم فليُصلِح نفسه، ثمّ لينظُر، إنّ هؤلاء حين جاؤوا فيما كتبوه وفيما رسموه رَجَعُوا فيه إلى الكُتُب التي يعُدُّها المُسلمون مِن الكُتُب الصّحيحة.
انصروا نبيّكُم بإصلاح تراثكم.
انصروا نبيّكُم بتصحيح كُلّ كلمةٍ عَوْراء.
وانصروه بكتابةِ سيرتِهِ كِتابةً صحيحة.
بهذا يُنصَرُ رسول الله.

  أمّا ان نجتمعَ وأن نكون ممّن يمُدُّ يدهُ بالأذى، وممّن يُحاول أن يُؤذِيَ زاعماً أنّه يَغَار على رسول الله وعلى مقامِ نُبُوّتهِ ورسالته، فهذا ليس بالصورة الجيّدة عن إسلامه، وهذا ليس بالمثال الذي يُشرّفه في دلالته على إيمانه، إنّما كما كان ص وآله وسلّم، يجب أن يكون مَن أراد أن يَشفَعَ له وأن يرزُقَهُ الله عز وجل شفاعته.

  عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى....

  الخُطْبَةِ الآخِرَة:

  لكُلّ زمنٍ رجالٌ يُعرفون فيه، ولكل زمنٍ رجالٌ يحكمون فيه، ولكل عصرٍ أُمّةٌ.

  اليوم يظنّ بعض النّاس أنّ الواجب عليهم في سلوك الطريق الصحيح، والصراط المستقيم أن يُحافظوا على كُلّ شيءٍ من الذين مَضَوا، أن يُحافظوا على كُلّ شيءٍ من الزمن الذي مَضى، على عاداتهم، وعلى آرائهم، وعلى طريقة حياتهم، وهم بهذا يمنعون، لما يَرَوْنَهُ، كُلّ ما يُخالف هذا الأمر.

  على سبيل المثال: الذي أنعَمَ الله سبحانه وتعالى به وأكرَمَ به عِبادهُ، وصار بين أيديهم، من وسائل الحضارة ومن وسائل التقدّم، التي استخدمها بعضهم في الحرب، كما يستعملها بعضهم في منافع الناس.

  يذهب كثيرٌ من القائلين إلى أنّ هذه الأمور لا تعنينا، وليست لنا، ولا تنفعنا، ولا نستطيع أن نستفيد منها شيئاً...

  الذي يجب أن نتوقّف فيه.
لماذا يقوم بعض الناس بإدارة المعامل والمصانع، وبإدارة الحروب من طريق الحاسوب، ونحن نستعمله من أجل بعض الألعاب، أو من أجل أن نجد شيئاً من التسلية؟! هل يُصبحُ هذا سبباً في أن يظُنّ بعضنا أنّ هذا الأمر لم يكُن في الزمن الذي مضى، إذاً فلا يصحّ أن نستخدمه في هذا الزمن!

  وقِس على هذا كُلّ شيءٍ وصل إليه العلم، وأوصلهُ إلى الناس وفيه منفعةٌ وفيه فائدةٌ لهم، فيما يتّصل بالدواء، وفيما يتّصل في طرق الكشف الطبية الحديثة، وغير ذلك.. بدعوى أنّ الدين يجب أن تبقى فيه بعيداً عن الحياة! وأنّ الدين شيءٌ مضى، وأنّ الدين لا يقبل العلم، وأنّ الدين لا يقبل الحضارة!

  وكان الأولى مكان هذا القول أن نستخدم هذه الأمور فيما نريد إيصاله إلى الناس ممّن قالوا فينا ما قالوا، وممّن ذكروا فينا ما أرادوا ذِكرَهُ من عيوب بما استخدموه من هذا. كان الأولى أن نستخدمه في أن ندفع عن أنفسنا.

  إنّه لا يَعيبُ العلم أن يستخدمه إنسانٌ في الضرر، فهناك من يستخدمه في المَنفَعَة.

  لكننا حين تمكّنا من هذه الأمور ومن اقتناء بعضها، ما خطَرَ في بالنا أن نستخدمها في شيءٍ ينفعُنا، إنّما يستخدمها أكثرنا في اللهو، ولسنا نقول أنّه بهذا قد جاء من الآثام، ومن الكبائر ما لم يأتي به غيره، لكن نقول أنّ هذه الوسائل يجب أن تُستخدم في شيءٍ ينفع، ولا حرَجَ على أحدٍ أن يستخدمها بعد ذلك في شيءٍ من التسلية، لكن على أن يكون فيها شيءٌ من النفع، وأن لا تكون هذه الوَسائل فيما يُلهي وفيما يُصبحُ شاغلاً عمّا يجبُ على من استخدمها.

  لماذا نخشى ونخاف أن يَضيعَ تُراثُنا لأنَّ أبناءنا يشتغلون بالحاسوب؟!

  لماذا لا نعملُ من أجل أن نجعل هذه الوَسائل وسيلةً في حِفظِ تُراثِنا؟!

  لماذا نخافُ على أبنائنا إذا رأينا منهم مَن يشتغل بشيء من هذا، ولا نبحث عن طريقةٍ نُعلّمهم بها كيف يستفيدون وكيف ينتفعون من هذا؟!.

  الدين لا يمنع، والعلم لا يمنع.

  يقول في هذا الباب الشيخ محمود سُليمان الخطيب رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:

أهذا صحيحٌ أنّ دينِيَ مانِعِي   حَضارَةَ هذا العَصْرِ إذ أتَحَضَّرُ
أهذا صحيحٌ أنّ دينِيَ مانِعِي   من العلم؟ كلاّ وهُوَ بالعِلمِ أجدرُ

  الدين هو الذي جاء من أجل أن يتقدّم الإنسان وليس من أجل أن يتخلّف.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدورنا لقرآنه، وأن يجعلنا ممّن يقتدي بنبيّه ص وآله وسلم، وأن يجعلنا ممّن يعرف منزلة العلماء، وممّن إذا وقف على شيءٍ تعجّب منه في هذا الزمن أن يكون من الذين يرجعون فيه إلى نور العقل...