الإمام والإمامة، ومن تجوز إمامته ومن لا تجوز؟

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 14:58

الإمام والإمامة،

ومن تجوز إمامته ومن لا تجوز؟


ليس المراد في هذا الفصل بحث موضوع الإمامة بمعناه العقائدي، والذي يُعَدّ أصلاً ثابتًا من أصول الدين عند المسلمين العلويين، وهو الإعتقاد اليقيني بالأئمّة الأثني عشر عليهم السلام والقول بعصمتهم ووجوب اتّباعهم، وإنما المراد بحث هذا المصطلح لغة وشرعًا، وما يتشعّب منه ويعود إليه، ومعرفة صفات إمام الجماعة بصورة خاصة وإمام المجموعة بصورة عامّة.

جاء في التعريفات: بأنّ الإمام هو الذي له الرياسة العامّة في الدنيا والدين.

وهذا التعريف ينطبق على الإمام الذي يتولى شؤون المسلمين، وهو تعريفٌ أخص، وصلاحيّات صاحبه مطلقة غير مقيّدة.

وفي الكليات: كل من ائتمّ به قوم فهو إمام لهم.

وهذا التعريف يشمل عدّة حالات كإمام الجنازة، وإمام الصلاة، وإمام المسجد، وإمام البلدة، وإمام الطائفة... الخ.

والإمامة مصدر (أمّمت الرجل) أي جعلته إمامي، أي قدّامي، ثم جُعلت عبارة عن رياسة عامّة تتضمّن حفظ مصالح العباد في الدارين.

وقال بعضهم: الإمام من يُؤتم به أي يُقتدى، سواءً كان إنسانًا يُقتدى بقوله وفعله أو كتابًا أو غيرهما.

والإمام يعني المثال، ويعني المقصود. والإمام هو الخيط الذي يُمَدُّ على البناء ويُسَوّى عليه لإدراك استقامة البناء، والحادي إمام الإبل لأنّه الهادي لها، والإمام بمعنى الطريق الذي يُؤم ويُتبع ويُهتدى به.

وقد وردت كلمة إمام، وإمامًا، وإمامهم، وأئمّة في كتاب الله إثني عشر مرّة وتفصيل ذلك قوله تعالى:

  1. انتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ الحجر/79.
     
  2. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ يس/12.
     
  3. وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً هود/17.
     
  4. وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً الأحقاف/12.
     
  5. يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ الإسراء/71.
     
  6. وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا الفرقان/74.
     
  7. قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ البقرة/124.
     
  8. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا الأنبياء/73.
     
  9. وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ القصص/5.
     
  10. وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا السجدة/24.
     
  11. فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ التوبة/12.
     
  12. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ القصص/41.
     

فلو نظرنا إلى قرائن هذه الآيات لتبيّن لنا بأنّ العشرة الأولى تتضمّن معنى الإمامة بوجهها الإيجابي، أما الآيتين الأخيرتين فتُفيدان معنى الإمامة بوجهها السلبي، أما الآية الرابعة فتجمع الوجهين لأنها تخبرنا على أنّ الله جلّ وعلا يدعو كل أمّة بإمامها فمنهم من يكون على هدى، ومنهم على ضلال.

وعلى هذا الأساس فقد دلت هذه الآيات بمجموعها على أنّ الأئمة إمامان:

  1. إمام يدعو إلى الله وهو الموصوف بالعدل والعلم .
     
  2. وإمام يدعو إلى النار وهو الموصوف بالجور والجهل.

لقول مولانا جعفر الصادق :

إنّ الأئمّة في كتاب الله عزّ وجل إمامان. قال الله تبارك وتعالى وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لا بأمر الناس، ويُقدّمون أمر الله قبل أمرهم، وحكم الله قبل حكمهم.

قال تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ يُقدّمون أمرهم قبل أمر الله، وحُكمهم قبل حكُم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجل" .1

فالإمام العادل:

هو الإمام الشرعي الذي يدعو إلى الله كما أمر الله ورسوله ، وهو الذي يجب اتباعه والإقتداء به قولاً وفعلاً ولا يجوز مخالفته إذا أبرَم أمرًا لأنّه لا يَأمر إلا بمعروفٍ ولا يَنهى إلا عن منكرٍ، وقد وصفه أمير المؤمنين بقوله:

(إنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدِيَ فهَدى، فأقام سنّة معلومة وأمات بدعة مجهولة. وإنّ السنن لنيّرة لها أعلام، وإنّ البدع لظاهرة لها أعلام). 2

أما الإمام الجائر:

الذي يدعو إلى النار فلا شرعيّة له لمخالفته كتاب الله وسنّة رسوله، فلا يجوز متابعته على ضلاله، والإئتمام بأقواله وأفعاله، وفيه يقول أمير المؤمنين :

(إنّ شرَّ الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به، فأمات سنّة مأخوذة وأحيا بدعة متروكة وإني سمعت رسول الله يقول:

"يُؤتى يومَ القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيُلقى في نار جهنّم، فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها" ). 3

ومن يتمعّن في هذه الكلمات النيّرة لإمام الهدى يتضح له فضل الإقتداء بالإمام العادل، وخطورة الإئتمام بالإمام الجائر. فالأوّل يوضح السبيل لقاصديه ويُرشد إلى الحق ويدعو إليه ويقتفى أثر مواليه. والثاني بخلافه.

  • فالإمام العادل: هو القائم بالطاعات ومُجتنب المُحَرّمات.
     
  • والجائر: نقيضه في كل شيء، فلا تجوز إمامته ولا الصلاة خلفه لقول السيّد الرسول : (إمامك شفيعك إلى الله فلا تجعل شفيعك باغيًا أو فاجرًا).

ومن الأدلة القاطعة والناهية عن الإقتداء بالفاجر قول الرسول :

(إنّ الله يرحم أمّة جائرة بإمام عادل، ويُعذّب أمّة عادلة بإمام جائر).

وهذا دليل على وجوب الإقتداء بالعادل واجتناب الجائر، لأنّ الإقتداء بالعادل هو إقتداء بالحق، أمّا الإقتداء بالجائر فهو إقتداء بالباطل، والإقتداء يؤدي إلى عين المُقتدى به.

وأيُّ فضلٍ للأمّة العادلة إذا رضيَت لنفسها بإمام جائر يقودها إلى الفجور والثبور ويُبعدها عن العدل والفضل.

كما أنّه لا يُخشى على الأمّة الجائرة لعدالة إمامها الذي يقودها إلى العدالة ويُطهّرها من الجور والرذالة.

فالإقتداء من القضايا الأصولية لأنّه يُحدّد مصير الأمّة ويُعطي الصورة الحقيقية عن ماهيّتها إيجابًا أو سلبًا.

ثم إنّه في حال تعدّدت أئمّة العدل فيجب الرجوع إلى الأعلم والتسليم له لأنّ ذلك أسلم والإقتداء به أوجب لأنّه يُرشد إلى المُحكم ويُبعد عن المُبهم لقول أمير المؤمنين :

(ليؤذن لكم أفصحكم، وليؤمّكم أفقهكم).

ولأنّه لا يجوز إمامة المفضول بوجود الفاضل لقول الرسول الأكرم :

(ما وَلّت أمّة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه، ألا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً).


وإنّ لفظ الإمامة يحمل عناوين عدّة حسب مُقتضى الحال فيقال: إمام مطلق،    إمام مقيّد،    إمام مؤقت.

فالإمام المطلق:

هو إمام المذهب المبايَع من قبل العلماء والفقهاء بلا نزاع، ويجب أن يكون أعلم أهل زمانه وأعدلهم وأكملهم وأزهدهم وأتقاهم إلى آخر ما هنالك من الصفات الحميدة والسمات الفريدة. وإنّ هذه التسمية له مستعارة من حيث إطلاق صلاحياته وحقيقتها تعود إلى أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين .

والإمام المقيّد:

كإمام البلدة المُعَيّن من قبل الإمام المطلق والمأذون بإجازته في تسيير شؤون بلدته الدينيّة فهو مقيّد لجهة أنّ صلاحياته لا تتجاوز بلدته، ويجب عليه الرجوع إلى الإمام في القضايا التي تستعصى عليه، ويحق للإمام المطلق عزله وتوكيل غيره، ومن شروط الإمام المقيّد أن يكون أعلم أهل بلدته وأعدلهم ضمن مقاييس يحدّدها الإمام المطلق فإن لم تتوفر في بلدته جاز للإمام أن يبعث من بلدة ثانية من تتوفر فيه الشروط أو يتولى أمور هذه البلدة مباشرة مع احتفاظه بصلاحياته العامّة.

وكذلك الأمر فالإمام المقيّد كإمام المسجد المقيّد بشؤون مسجده كالصلاة والخطابة والتدريس وما يتعلق بتحسين المسجد والحفاظ على أوقافه والعمل على تنميتها وصرف ما يلزم ضمن الأطر الشرعية المحدّدة، والرجوع في كل ذلك إلى إمام البلدة أو الإمام المطلق وتنفيذ توجيهاته.

والإمام المؤقت:

كإمام الصلاة فهو إمام ما دامت الصلاة قائمة وبعد تمامها تزول إمامته ويُشترط أن يكون أعلم المصلين خلفه وأعدلهم.

وتلخيصًا لما تقدّم:
  • إنّ الإمام هو من يُؤتم به أي يُقتدى، ولكي يُؤتم به يُشرط أن يكون عالمًا عادلاً وأفضل الموجودين في هاتين الصفتين لعدم جواز إمامة الجاهل والجائر.
     
  • إنّ الإقتداء بالعادل واجب على كل مسلم مؤمن يبتغي رضا الله ورضوانه.
     
  • إنّ الإمام الجائر لا تجوز إمامته ومن أئتمّ به فقد أثِم.

 


 

  • 1 أصول الكافي/ج1/باب 81.
  • 2 نهج البلاغة – الخطبة/164.
  • 3 نفس المصدر.