مُقدمة بقلم الأستاذ الأديب فضيلة الشيخ يونس أحمد الخطيب

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

مُقدمة بقلم الأستاذ الأديب

فضيلة الشيخ يونس أحمد الخطيب

 

قال تعالى: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا الكهف114.

لكل من أحبّ الحقيقة، ويعمل لها.

ويبحث عن الحقيقة، راغباً في الوصول إليها...

أحبَّ ذات الحقيقة. ففاز بالجنة. ونعيمها الدائم. وظلها الرخي. وعَمِلَ لمعرفة الحقيقة. ليحقق الخلود الأبدي. والحياة الباقية. والإطمئنان النفسي.

ويبحث عن الحقيقة. ليصل المعرفة الحقة. والنجاة المرجوّة. كي لا يبقى ضائعًا في متاهات الزمن. متشتت الفكر بين آراء وأقوال المفكرين والمؤلفين أصحاب الأقلام الحرّة أو المأجورة أو التي أكلها الحقد.

يُقدّم المؤلف " الشيخ حسين المظلوم " كتابه الذي يَردُّ فيه على "المستشرقين" و "ابن تيميّة" و "أبي حامد الغزالي" ومن عاصرهما من رجال الدين أمثالهما، و "سليمان الأضني" و "أبو موسى الحريري" ومن لفّ لفـّهما من الذين يُريدون إضعاف المسلمين. ومنفذهم إلى ذلك تكفير الإسلام العلويين وغيرهم من بقية الفرق المسلمة.

وكما هو معلومٌ فالإنسان عدوٌّ لما يجهل، إن كان لا يعرف، أما إن كان يعلم فتلك مصيبة. والشاعر يقول:

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

وهؤلاء أكثر من يعرف الحقيقة معرفة دراية ولكن غاياتهم أعمتهم عن الحقيقة. فكتبوا وتجنّوا ولكي لا تبقى لهم حجّة، ويبعد عنهم الإعتذار بالجهل، فكّر هذا الكاتب وعزم متوكلاً على الله، وكرّس وقته للبحث والتنقيب والجهاد المتواصل، قراءةً واطلاعًا على متون كتبهم وغيرها. وناقش الأقوال والآراء التي قرأها والتي سمعها من مواليهم ومُحبيهم للوصول إلى أهدافهم التي يبتغونها.

أما وإنه لكل علمٍ مبدأ، ولكل شرعٍ نهج، وطلب العلم فريضة، والرسول يقول في حديثه الشريف (طلب العلم فريضة). وقال تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا  الكهف16.

فالآية والحديث يدلان دلالة كافية على إنّ العلم والمعرفة ضروريتان لمن لا يعلم وإن كان عارفًا فلإثبات الحجة عليه.

أخي القارئ الكريم:

لو ألقينا نظرة عابرة أو بعمق على هذا الكون والوجود الذي أبدعهُ الخالقُ المُدبّر، والذي رتّبه بقدرته، ونظّمهُ بحكمته، كي لا يبقى لمخلوق حجّة على الخالق الذي أنشأهم من العَدَم إلى الوجود، وأغناهم بكل حاجاتهم وسخّر للإنسان كل هذا الوجود وكرّمه بأكثر ما كرّم به مخلوقاته. لقوله تعالى:  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر الإسراء70. وساواهم في الخلقة والتكوين إتماماً لعدلهِ، ولم يُميّز أحد عن الآخر إلا بالعمل الصالح المؤدي لخدمة الإنسانية. لقوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ التوبة105. فمن أين لهؤلاء المُفترون أن يُخرِجوا هذه الطائفة من الإسلام ويُكفـّروها ويَرموها بالزندقة والإنحراف ؟

خسِئت أعمالهم وباؤوا بغضب الله.

وها هي بحوث هذا الكاتب ردًّا على أقوالهم وما يَدّعون.

والكاتب " الشيخ حسين المظلوم" يُخاطبُ القارئ وينتقل به تدريجيًا لمحو تلك الإتهامات بما معناه:

أيها القارئ الفطن والباحث عن المعرفة بدراية، والمتبصّر بعين الرويّة، إنّ آدم أبا البشر ومن تناسل من ذريته من الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وأبناء البشرية بأثرها، هم موضع عناية الخالق، وعلمه السابق بمصائرهم، لأنهُ لم يخلقهم عبثًا، ولم يتركهم سُدى. لقوله جل جلاله: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون المؤمنون115. فمن كذب وافترى على فئة مسلمة مؤمنة فسيُعاقب على فِرْيَتِهِ ويَلقى جزاءه.

وقد اختص الله الأنبياء والرسل وكلّفهم بوساطة جبريل صاحب الوحي والتنزيل وكانت الدعوات السماوية شاملة لمعرفة الحق من الباطل والخير من الشر، ولم يستثنِ أحد من ذلك لقوله تعالى: جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ الأعراف53.

فما دعا الأنبياء والرسل إلا لإصلاح المجتمعات البشرية، وتنظيمها، والسير بها قُدُماً لما فيه الحب والخير والتعاون، ونبذ الكراهية، والتخلص من الأحقاد والضغائن وتركها.

هؤلاء يسير بهديهم ويمشي على خطاهم كل من استأنس بنور الحق من علماء أفاضل وثقات ومصلحين كرّسوا أوقاتهم وخصصوا أعمالهم للمؤاخاة والإحترام والتفاهم والعيش المشترك. والشاعر يقول:

ما دمت محترماً حقـّي فأنت أخي *** آمنت بالله أم آمنت بالحجر

والأخوة في الإنسانية يؤكدها القول المأثور: ( الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره ).

هذا عن الأخوة الإنسانية فما بالك برابط الأخوة بين أبناء الدين الواحد. فانظر هنيهة في قول الشاعر والقول المأثور وتبصّر بحال هؤلاء كمفترين ومخالفين.

أمّا المرض والداء العُضال المُستعصي فهو التغابي الذي أصاب الجاهل والمتعلم:

  • جاهلٌ غارق في جهله وهو لا يدري أنه جاهلٌ فهو كالخفاش يرى الظلمة نورًا والليلَ نهارًا.
     
  • ومتعلّمٌ أعمَتهُ الحياة بزخارفها ومباهجها ومظاهرها فأصبح كالجاهل يعمل بعكس ما يعلم وتعلّم. والجهل والعلم (كالخطان المستقيمان لا يلتقيان مهما امتدا).

ولو وقفنا ونظرنا وعُدنا وتأمّلنا بكل تعقـّل ووضوح ورويّة لرأينا الكُتـّاب قد اختلفت اتجاهاتهم وتعدّدت مناحيهم وطرقوا مواضيع قد تكون ذات جدوى وأهداف أدبية أو دينيّة أو علمية ينتفع بها الناس وجيل الشباب.

وقد تكون لغاية وهدف إرضاء لحاكم أمَرَهُ أو جهةٍ ذات مآرب سياسية أو اقتصادية دفعته لأن يكتب مُسَيّسًا بحسب رغباتها ومصالحها.

فالعقول تتفاضل، والأذهان تتفاوت، والآراء تتباين، فبين من يُؤمن بوجوده ومن لا يُؤمن فرقٌ شاسع وهُوّة سحيقة.

فمن علم أنّه موجود، وآمن بصدق وجوده، اهتدى بعقله، وصفت سريرته، وصحّت علانيّته.

أمّا الذي لا يُؤمن أنه موجود إلا من خلال أسياده الذين أملوا عليه آراءهم. تخبّط في سلوكه وتصرفاته مثلهُ كمثل الناقة العشواء في سيرها. وينطبق عليه قول الشاعر:

كالعيرِ في الصحراء يقتلها الظما *** والماءُ فوق ظهورها مَحْمولُ

يعرف ويعلم، ولا ينتفع بعلمه ومعرفته، ويستخدمها ضد نفسه وغيره ولما فيه الإساءة لبني البشر.

ولكن شتـّان ما بين:

  • أ- من أحَبّ الحقيقة ليجلو غوامضها، ويوضح حقائقها، ويكشف سرّ جوهرها.
     
  • ب- ومن كَتَبَ مُستندًا إلى أفكارٍ قرأ صياغتها في أبحاث ما ولم يَعرف صِدقها من كذبها وحقيقتها من خيالها تاه به الفكر وانساق مع تصديقه لما جاء فيها.
     
  • ج- ومن كان مأجوراً للآخرين. ويستهدي بآرائهم استبسل لتحقيق غاية، والوصول لهدف، رسمه له أسياده، وأخص بالذكر لا على سبيل الحصر " أبو موسى الحريري" أما الكنية فهي: أبو موسى، وأما النسبة فهي: "الحريري".
    • أما أبو موسى الحريري فقد جَفَته عِناية الله، ولم تَربط على قلبه، لذلك ظلّ في كُتُبِهِ مَحكومًا بالعواطف اللدودة الموروثة منذ الزمن البعيد، وظلّت هي المرجع فيما كَتَبَ وحَلّل وفَسّر واستدل واستنتج، إنّه في الحقيقة مِظلّة وحِجاب لمؤسسة فكرية سياسية صليبية والتي ما فتئت تحاول غزو قِيَمِنا وعقائدنا وتاريخنا منذ أن طُرِدَتْ جحافلها من بلادنا، وهذه المؤسسة الصليبية تُعيد إلى أذهاننا جماعة النورانيين: وهي هيئة يهودية مَقرّها في فيينا تُصدر الوثائق والتَوصيات والدراسات الهادفة لخدمة الصهيونية). (كتاب نقد الحقيقة الصعبة في الميزان).
       
  • د- وبين من يكتب حاقدًا ناقمًا مُكَفرًا لفئة أو مجموعة من الناس لمغايرتهم رأيهُ وعدم مشاطرتهم له أفكاره، هؤلاء أخذت بهم الحماقة مَجراها (كإبن تيميّة) صاحب الفتوى الشهيرة، و(الحامدي) وينطبق عليهم قول الشاعر: لكلّ داءٍ دواءٌ يستطبّ بهِ إلا الحماقةُ أعيَتْ من يُداويها لقد أعيا هذا الداء الصيادلة والأطباء.

أما الكاتب المؤلف "الشيخ حسين المظلوم" الطيّب المنبت، الأصيل الأرومة الذي آمن فاتقى، واتقى فصدق، وصدق فعمل، متوخيًا الرضى، وحسن الأحدوثة، وصدق القول فيما يؤمن، عملاً بما تتطلبهُ الشريعة الإسلامية السمحة، وجمعًا لكلمة المسلمين، وتحفزًا لضمائر العلماء الذين يُنادون بجمع الكلمة، وتوحيد الرأي، لقوّة الموقف من أعداء الله وأعداء الإسلام. لأن الرسول يقول: ( المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير ). وخوفًا من التشتت والفرقة والإزدراء فيُستباح الحِمى، وتُكسر الشوكة، فيُصبحُ المسلمون مجتمعًا بلا وجود، أجهد نفسه، وأتعب فِكرهُ، وآلى على نفسه، بيقظة الضمير والوعي الوجداني بعد ما رأى أن هذا يطعنُ وهذا يُكفـّر المسلمين العلويين شيعة آل البيت منذ "بيعة السقيفة" فأجمعَ رأيه، واطّلع على أكثر من كَتَبَ، وعرف من هُم أولئك الكُتّاب وما يرمون به الشيعة العلوية المسلمة من غلوٍ وكفرٍ وإلحادٍ ويُخرجونهم من حظيرة الإسلام. ورأى أكثر هؤلاء قد وقفوا مواقف المتغابن، ويتساءلون أسئلة البريين، الذين أوهِموا فتحيّروا، تنقصهم الجرأة وليسوا فرسان حلبة، لو واجهوا لطأطأوا وولّوا هاربين.

صرعةً جهّزوا لها أبواقهم، خدمةً لساداتهم المستعمرين، وأذيالهم، ومضوا يملأون المجتمع ضجيجًا وصراخًا. فلماذا هذا أو ذاك!؟

ليكون الثمن باهظًا، والعلاوة كافية، وليزيدوا عليهم من النِعَم المُزيّفة لتكون خسارة لهم في آخرتهم وحَطبًا لهم في جهنم، لأنها تطلب الزيادة، لقوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ق31. ومن لم يكن مع الحق ويُحرّك الفِتن ويتـّهم الآخرين في أغلى مُقدّساتهم تسوقُهُ إلى ذلك دراهم بخس فجزاؤه ما يستحق من العذاب.

وأنت أيها الأخ المؤلف:

كتبت مدافعًا، ودافعتَ مُنافحًا، كل من يَمَسّ الإسلام وعظمتهُ ورَدَدْتَ على هؤلاء المُنحرفين الذين يَعملون لتمزيق المجتمع الإسلامي إربًا إربًا فتناولوا من جملة ما تناولوا بعض الفرق الإسلامية وفيها المسلمون العلويون واتهموهم بالغلوّ والزندقة وهم شيعة علي وآل بيته، وقد أخذوا بأحكامهم وما نقلوه إليهم عن رسول الله .

دافعتَ انطلاقًا من القول المأثور: (ردّوا الحجر من حيث جاءت فالشر لا يُدفعُ إلا بالشر والبادئ أظلم).

وتُنافِحُ القائلين بأنّ العلويين ليسوا من الإسلام في شيء، أوَلَمْ يعلم أولئك إنهم يؤمنون بالقرآن شريعة وكتابًا وحجّة لقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ آل عمران19.

وكل مسلم علوي شيعي يعتقد: الله ربًّا ومحمد نبيًّا والإسلام دينًا.

وهذا الإعتقاد بالرغبة والإختيار ليس بالقوة والإجبار عُقدت عليه القلوب ونطقت به الألسن خالصة لله.

وهذه الإدعاءات والإتهامات والإفتراءات كانت بأوامر صادرة عن رجال السلطة والذين انجرّوا وراءهما وتلاهم الحاقدون والمُفترون وردّدها الخطباء في المساجد بأنّ هذه الفئة أو تلك بريئة من الإسلام. وعند كشف الحقيقة يتبيّن الغث من الثمين لأن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس فيمكث في الأرض، قوله تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ الرعد17.

وإنّ المُطّلع على كتاب "المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكّام" بأبوابه وفصوله ومواضيعه المتعددة يجدُه لم يترك قلمًا افترى على العلويين عبر التاريخ إلا وسجّل افتراءه عليهم وناقشه ودحض حُجّته. منذ بداية العصر الأموي وحتى عصرنا الحاضر.

ولقد ردّ بعض العلماء المسلمين العلويين على هؤلاء المفترين بشكل إفرادي أحيانًا وجماعي حينًا، حتى انبلج فجر الحرية وعصر نهضة الشعوب من سُباتها العميق.

نعم، لقد لعب المستشرقون ومَثّلوا دورًا رئيسًا في هذه الحلبة، حلبة صراع الحق والباطل، وبذلوا جهودًا مُضنية. وتلاهم أذنابهم: كسليمان الآضني، وأبو موسى الحريري، حتى وصلنا إلى سلمان رشدي، وأضرابه من الحاقدين على الإسلام وهم يحملون اسمه.

الآن وقد أصبح للمجتمعات الإنسانية جغرافيتها طبيعيًا وبشريًا وسياسيًا ومرّ عصر الجمود والإنعزال والخوف المُريع من الحكام الظلمة، حيث أصبح الفردُ يأمن على حياته ويمكنه الحفاظ على تراثه وممارسة طقوسه وعاداته، وتخلصنا من الإستعمار وعلى رأسه بريطانيا صاحبة القدح المُعلّى في تبنّيها التشويش على المسلمين ودعم المنحرفين بتصويب سهامها على الجسد المتماسك ليشلّوه بوخز إبرهم تارة ونبال قِسّيهم تارة أخرى.

وتخلصنا من الموتورين والحاقدين السيئي الفهم للدين، بعقولهم المظلمة، وأذهانهم المتلبدة، ونفوسهم التي غشِيَ عليها الران. فبغياب نور العقل، ورجاحة الفكر وصفاء الذهن، كتبوا وشرّعوا ودسّوا على كل من لا يأخذ برأيهم ويسير بنهجهم. وفرضوا أنفسهم كممثلين لله الذي أنزل القرآن في الأرض وفسّروا القرآن بما يتناسب مع أهوائهم ورغباتهم، يدّعون انفرادهم بالمعرفة والعلم، ولم يتذكروا قوله تعالى في مُحكم كتابه: وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً الإسراء85.

يعرفون مقاصد الشرع، ولكنهم يُحللون ويُحرمّون بحسب منافعهم ويفرضون الإرهاب بدعم من السلطة ولم يتذكروا بأنّ الله توعّدهم. قال تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ الزخرف83.

لقد وضّحت الآية الكريمة مصيرهم بمخالفتهم للشرع ونسيانهم اليوم العصيب. لقوله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ عبس34. وهناك الطامة الكبرى فما هو ذنب هذه الفئة العلوية لديهم؟ هو موالاة علي والأئمة والأخذ بنصرتهم منذ حصلت بيعة السقيفة.

فكيف الإنتساب لعلي يشنيهم ولا يُشانُ من انتسب إلى أبي حنيفة والشافعي والمالكي والحنبلي، فعَليٌّ أصلٌ في الإسلام، أوّل من أسلم بعد خديجة وابن عم الرسول وصهره ووصيه فلا ينكره إلا فاقد العقل والصواب.

وقد انطلق المؤلف بردّه وتصدّيه لهم متأدبًا بآداب النقد والمجادلة الذي حدّده القرآن بإيجاز معجز بقوله تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل125.

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصلت34.

لأن الكلام البذيء يولّد العِناد ويَنتج عن ذلك النفور بدلاً من الإقناع، فواجَهَ الحِجّة بالحِجّة وقدّم البُرهان والأدلة على صحّة رأيه، وأنهى دور المعزوفة المعروفة لديهم بعد أن وضّح أجواء الحقد والكراهية وفنـّد أقوال المأجورين الأذناب التي حلّق بها المُفترون الذين خالفوا الحق بأقوالهم وأفعالهم وانصاعوا لنزواتهم الشخصية ونسوا السِيَر والتاريخ والأيام التي ستحمّلهم الإثم والمعرّة إلى يوم القيامة والدين. ولم ينتهوا ولم ينتبهوا إلى القول المأثور: (الأيام صحائف الآجال فخلدوها بأحسن الأعمال). فأعمالهم شاهدة عليهم، والعلويون شيعة أهل البيت – صلوات الله عليهم – بيعتهم في الأعناق. وقد كرّمهم الله تعالى بقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا الأحزاب33.

ونعود لنقول :

إنّ الأجسام بلا عقول تشغل حيّزًا في الفراغ ولكن ما الجدوى؟

الجدوى بمعرفة المتغيّر من الزمان والمكان وإدراك الثابت ومعرفة المتغيّر، وخلط الأمور ببعضها يولّد الخطأ لا الصواب. ولا قدسية لأحد بل القدسية هي لكلام الله وحده (القرآن) والسنة النبوية الشريفة بما صحّ وأُثِرَ عن الأئمة المعصومين لنحرز النجاة والنجاح. لقول الرسول :

(إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي لا يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

فيا لخيبتنا نحن المسلمون من شيعة وسنة إذا عُدنا لآراء شراذم التخريب والتشكيك ولم نحاسبْهُم عملاً بقوله تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون لبقرة27.

والأمور والقضايا والمواضيع التي يتوقف عندها قارئ الكتاب، لا أرى من واجبي الإشارة إليها، لأن الكاتب " الشيخ حسين المظلوم" كفاني ذلك وردّ عليها وشرحها موثقة بالأدلة والبراهين، وقد اتّبع في ردّه ونقده منهجًا أدبيًا حيث ذكر الأشخاص وفتاويهم، والحكام وجورهم، والمستشرقين وأهدافهم، ووقف عند كل فكرة وناقشها وأوضح الصواب من الخطأ وأثبت أنّ العلويين مسلمون إماميون إمام مذهبهم الإمام جعفر بن محمد الصادق . وأوضح ما يعتقدونه أصلاً وفرعًا، ودعا إلى وحدة الصف عند المسلمين ونَبْذِ ومحاربةِ الموتورين كي تشتد قوتهم وتقوى عزيمتهم أمام أعداء الإسلام.

وأؤكد جازمًا إنّ هذا الكتاب: " المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحكام" لم يطرقه أحدٌ قبله بهذا الشكل المتكامل... كما نوّهت فيما سبق في هذه المقدمة وهذا الكتاب هو خيرُ ما يُعَرّف بكتابه...

جزاه الله عنا خيرًا... وأن يكون عملاً خالصاً لوجهه الكريم... راجياً أن يضعه الله في ميزان حسناته عند المآب.

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين. والحمد لله رب العالمين.

الصفصافة في 29 / رجب / 1420 هـ .
الموافق 21 / تشرين أول / 1999م .
المُدَرّس
يونس أحمد الخطيب