مقدمة المؤلف (الجزء الأول)

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي عجزت الأوهام أن تناله، وحارت الأفهام دون إدراك كماله، لا تناله الصفات، ولا تحدّه الكلمات، ولا تحويه الجهات، ولا تضمّه الأوقات، الأول قبل البدايات، والآخر بعد النهايات، الظاهر بعجائب الآيات والباطن عن مشابهة المخلوقات، الذي لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وكيف يوصف من به عُرفت الصفات، أو كيف يُحدّ من أحاط بالأرضين والسموات، أو كيف يُنعت من تعالى عن النعوت والسِمات، تحيّرت العقول والأفهام في كبرياء الذات، وتولّهت الأذهان والأوهام في بيداء عظمة الصفات، وشهدت بوحدانيته أزدواج المخلوقات، ودلّ على وجوده إبداع الممكنات، وعلى جوده إضافة الخيرات.

أحمده تعالى على أنعامه التي لا تُحصى، وأحكامه التي لا تُستقصى.
وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة من نفى عنه الحد والنقص.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المُسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي حلّل وحرّم، وأخّر وقدّم، ونطق وتكلم، وأوضح المُبهَم، صلى الله عليه وآله وسلم.

عشرات الكتب وُضِعَت قديما وحديثاً، تتناول في متونها الحديث عن العلويين من كافة جوانبه، ابتداءً من النشأة، ومروراً بالعقيدة، وانتهاءً بالعادات. تحمل في طياتها بذور الفتنة وتفوح من جنباتها روائح الحقد القديم، والتعصّب الذميم، خالية من كل مضمون مفيد، ورأي سديد، وللأسف الشديد فإنّ مؤلفي هذه الكتب الرخيصة سخّروا طاقاتهم، وباعوا ضمائرهم، وأضاعوا أوقاتهم، وحمّلوا نفوسهم أوزاراً على أوزارهم، في تكفير هذه الطائفة عقائدياً وتزوير هويتها عربياً، وألصقوا بها ما طاب لهم من التُهَم، وجعلوا أقلامهم مأجورة لسلطان السوء في مقابل دريهمات بخس معدودة، يأتيك أحدهم برواية عجيبة، وأكذوبة غريبة، وكلمة مُريبة، زاعماً أنه اكتشفها بعد عناءٍ طويل، وجهدٍ كبير، ولاقى ما لاقى من الويلات في استنباطها والتأكد منها، ويُصرّ زوراً وبهتاناً على إقناعِكَ بها، والمُضحكُ أن أكثرهم لا يعرف شيئاً عن العلويين إلا من خلال بعض الكتابات الملفقة والبيانات المنمّقة، وهؤلاء الكتّاب يسندون رواياتهم المُضللة إلى مصادر مشبوهة وُضعت منذ قرون عديدة بدافع التعصب لأهداف تنصبّ في خدمة السلطان وذلك في عصور مُظلمة سيطر بها السيف على القلم والضمير.

والمُخجل أيضاً استنادهم على مصادر أخرى وُضِعَت بأيدي بعض المستشرقين بتخطيط من الإستعمار الغربي.

فلينظر ذو عقل إلى هذه المهزلة متى كان المستعمر البغيض يُعَرِّف المسلمين ببعضهم البعض؟ أو يَعرفهُم أكثر مما يعرفون أنفسهم حتى يُستَنَد إليه، وفوق ذلك كله نلاحظ -حين قراءة هذه الكتب- التناقض العجيب، والإختلاف الغريب فيما بينها.

  • كاتب ينفي ما قاله سلفه ويُكذّبه ليعود ويكذب أكثر منه.
  • وكاتب يسند عمّن كان قبله ويُصوّب له ويزيد من خياله ما يشاء.
  • حتى الكتـّاب المعاصرين تناقضوا في أقوالهم وأعادوا ما كتبه من كان قبلهم، ونلاحظ أن أكثر كتبهم متشابهة ولا نفرّق بينها إلا بالعنوان الجديد وإسم الكاتب الصنديد.

وفي هذا التناقض الفاضح يحتار القارئ المُحايد أيُّهما يُصدّق، وأيّهُما يكذّب وعمّن يأخذ وإلى من يستند. ونسيَ هؤلاء الكتّاب قوله تعالى: ( فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ﴾ الجن\13.
وهنا نسأل هؤلاء الكتابِ المأجورين والذين خانوا أمانة الصدق في الكتابة ونكثوا بشرفها، ودنّسوها بأقلامهم المأجورة:

  • هل اكتفيتم بهذا القدر من التلفيق، أم هناك المزيد من التزويق؟
  • وهل أفرغتم حقدكم القديم، وتعصّبكم الذميم في كتبكم الرخيصة أمثالكم؟
  • وهل نفّذتم أوامر ساداتكم بحذافيرها أم بقيَ منها شيءٌ تعدّون له؟
  • وهل أصبح عندكم تكفير هذه الطائفة سُنّة منبعةً تناقلتموها عن ساداتكم عبيد المال والمنصب وأجرَاء السلطان؟
  • أبهذا أمر الرحمن؟ أم على هذا دلّ القرآن؟

قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا النساء آية\94.

هل تناسيتم بأنّ آفة الحديث الكذب، وأنّه مُجانبٌ للإيمان. أم صَعُبَ عليكم مخالفة سلطانكم الجائر، وهان عليكم مخالفة الله ورسوله . قال (ص) : ( إنّ من اليقين أن لا تُرضي أحداً بسخط الله ) .

ألا يعنيكم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ الحجرات\12.

فهل هذا النهي لا يهمّكم حتى تجاوزتموه؟ أم أنكم غيرُ معنيين بهذا الخطاب الإلهي؟

ومتى أصبح فنّ التأليف تلاعبٌ بالحقائق وتحريف؟ تكفـّرون من تشاؤون حسب أهوائكم ورغبات ساداتكم وتحكمون عليه إنّه من أهل النار لغايات سياسية بحتة.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ النور\19.