تمهيد

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

من أعجب العجب أن يتيه الغرور بصاحبه إلى حدّ الإدعاء بأنّ كلمة الحق لا تخرج إلاّ من فمه، وكأنـّها تنزيلٌ من عليمٍ حكيم.
والشيخ علي عزيز ابراهيم في معرض كتابه عن المسلمين العلويين (بحجة الدفاع عنهم) حاول أن يقول ذلك، وبلا خجل ...
لقد اعتبر نفسه ومن دون وجه حق الناطق الرسمي باسم هذه الطائفة، فراح يُثبت ما يشاء عنها، ويمحو ما يشاء منها، ويُقدّم ويؤخّر على هواه، ويقرّر ويؤكّد ما يراه، فاستبدل الدفاع بالهجوم، وزاد على الهموم سموماً.

♦ أراد الدفاع عن العلويين كما ادّعى فقال (ويا ليته ما قال) :

فإنّ من أدّق الأمور وأصعبها على ضمير الباحث الأمين المُحايد المُتجرّد عن كل هوى، أو مصلحة، أو مأرب مادي أو زمني أن يكتب في موضوع الطائفة العلوية الجعفرية، فقد تشعّبت الأقوال حولها واختلفت وجهات النظر بين الكتّاب الذين تداولوها اختلافاً شديداً يصل إلى حد التضاد والتباين بين قائلٍ بإسلامها ومُعترف بتشيّعها الجعفري الإمامي الأثني عشري، وبين مُخرجٍ لها من ربقة الدين والملة والشريعة قائلاً فيها بالغلو والكفر، نافياً إسلامها وعروبتها، ولأنّ العلويين حتى الماضي القريب لم يكونوا قادرين على الكتابة لتفشـّي الجهل الذي فرضه الحكّام عليهم في الماضي، وهذا الشدّ والجذب جاء لأن فريقاً من القوم لا يُريدون أن يُفصحوا عن أنفسهم بوضوح لباطنية مذهبية، أو سرّيةٍ افترض البعض أنها أساسٌ مُقدّسٌ لا يَجوز المساسُ به، أو بسبب الغلوّ الذي مالَ إليه فريقٌ منهم، وانقسم القوم إلى مثقـّفين: منهم في جانب من التفكير السوي، والعامّة في جانب آخر من التفكير الذي يحمل رُكام الماضي، وأوضار السنين، وعشائرية عمياء تمثـّل روح القبلية القديمة بسبب التعصّب الأعمى للباطل وبالخنوع المذلّ لزعيم العشيرة ومشائخها...

وقال:

ابتليت الأمة بفريق من جهلة المشائخ الذين وجّهوا الدين وفق مصالحهم فنشأت عقائد لا تمُتّ للدين بصلة منها أنه كانوا حتى الأمس القريب ينذرون المرأة للزيارَةِ أو للمشائخ الذين صارت الزكاة وقفاً عليهم خلافاً للشرع المقدّس...
وهؤلاء المشائخ لا يأتون المساجد لأداء صلاة الجمعة ولا الجماعة ولا في الأعياد ومسلكهم هذا جعل بعضَ الناس يُقلدونهم...
... وكان كثيرٌ من المشائخ في الماضي يدعون إلى تعطيل فرض الصيام في شهر رمضان زاعمين أنّ الصيام كبقية المفترضات معرفة أشخاص وكفى. وأنّ الصوم هو صوام الحواس وليس الصيام عن الأكل والشرب، وقد رأينا في الماضي كيف أنّ معظم المشائخ كانوا يقاطعون الحجّ زاعمين أنّه معرفة أشخاص فرض الله معرفتهم ومحبّتهم. وقد كان فريق كبيرٌ من المشايخ في الماضي يزعمون أنّ الله لم يُحرّم الخمر وإنّما أمر باجتنابها...

وقال:

وقد انقطع العلويون أكثر من ثلاثمائة عام في الجبال عن العلم والحضارة... والجيل ينشأ بعد الجيل... وقد سادهم فيها الثالوث المدمّر:
الجهلُ والفقرُ والمرض ممّا يتحتم بسببه الأرعن التقهقر، ثقافياً واجتماعياً، واقتصادياً، فانتشرت الأميّة المزرية بالإنسان وبنت لها دولة خيّم فيها الجهل ونبتت فيها الخرافات والأساطير والأوهام والشعوذة وأضاليل الجن والطلاسم، نعم لم يبق عندهم مُعافى محتفظاً بجلاله إلاّ: القرآن الكريم، وأما السيرة النبوية والحديث الشريف فقد شوّهه التحريف على مرور الأيام...

وقال (بعد كلام له عن تقدّم العلويين) :

ولكن يُلاحظ أنّ القِيَم الروحيـّة بدأت تنحسر شيئاً فشيئاً مع هذا المدّ التقدّمي الغامر انحساراً يكاد يتناسب عكساً مع التقدّم المادي. بسبب جمود المشائخ الفكري والعلمي وأميّتهم الثقافية وتقليد العوام لهم تقليداً أعمى، فانصرف شرذمة من الشباب عن الدّين وتوهـّموا أنّ الدين هو بعينه تلك الخرافات التي سُمّيَت عادات وتقاليد، على أنّ انصرافهم عن الدين جعلهم يشعرون بفراغ روحي راحوا يملأونه من مبادئ وعقائد وضعيـّة دون أن يفكروا في غاياتها... وأمـّا مبادئ وعقائد الإسلام السامية فقد ظنوها – بلا تحقيق ولا تمحيص، ونتيجة لردّة فعل لتحجـّر المشائخ، عاجزة عن مسايرة رَكب الحضارة... والتقدّم... فراحوا يهيمون في صحارى المبادئ الوضعية ...الخ 1 .

هذا ما قاله الشيخ علي عزيز إبراهيم في معرض (دفاعه) عن المسلمين العلويين!
فلم يترك شاردة ولا واردة قيلت بحقنا قديماً وحديثاً على جهة الإساءة إلا وأكـّدها في كتاباته.
وإنّ إبن تيمية مع شدّة تعصـّبه علينا وبُغضه لنا لم يتهمنا بكل هذه الإتهامات التي أتى على ذكرها.

لقد اعترف هذا الكاتب بدقـّة الموضوع وصعوبته، وعلـّل ذلك بتضاد الأقوال وتباينها، فلو أنـّه نقل عنها بأمانة، وكتب بصدق، واكتفى بما أعلنه القوم عن أنفسهم (وهذا هو الحق) لما وجد صعوبة في ذلك.
ولكنـّه كغيره ترك المُحكمات الصريحة وهام بكُليـّته خلف المُتشابهات القبيحة التي أُلصقت بالقوم في الماضي البعيد والقريب.

هذا الكاتب وللأسف الشديد مع أنـّه عاصر القوم وحاور علماءهم يجهل حقيقتهم أو يتجاهلها لغاية في نفسه لسنا نجهلها.
لقد صدّق كل ما قيل فيهم واعتبره من المُسلـّمات، والأبعد منه عنـّا كذّب هذه المفتريات ورفضها برُمّتها واعتبرها من الموضوعات، وشكـّك بقائليها أصحاب الغايات، لمجرد أنّه عايشنا عن كثب ونقل عن الثقات، وهذه نقطة سوداء تُسجّل في صحيفته المليئة بالأخطاء إذ أنـّه يعتبر نفسه مسلماً علوياً!.

  • 1 كتاب العلويون بين الغلوّ والفلسفة والتصوّف والتشيّع: الشيخ علي عزيز إبراهيم الصادر عن مؤسسة الأعلمي 1995م