العلويون والحج

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

أمـّا الحج الذي اتـّهمنا (صاحبنا) بأنـّنا نقاطعه فهو عندنا وفي مفهومنا ومنهاجنا:
الركن الثالث (بعد الصلاة والصيام) من أركان العبادات، وهو في اللغة القصد.
وفي الشرع الشريف: قصدٌ لبيت الله الحرام بصفة مخصوصة في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة.
وهو من أركان الإسلام. قال تعالى: ﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ﴾ آل عمران\97.

والحج أكبر رُكن اجتماعي في الإسلام إذ فيه يتمكن المسلمون من الإجتماع في مكان واحد في يوم واحد، يشهدون منافع لهم، ويذكرون الله في أيـّامٍ معدودات، ويتوبون إليه، وهو فريضة في العمر مرّة على من توفـّرت فيه وسائل الإستطاعة.

♦ وتشريع هذا الفرض المُقدس لا يخلو من أحكام جليلة نذكر بعضها:

» منها تقوية الروابط بين الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها وتباين أقطارها وإزالة ما بينها من الفوارق الجنسية والقومية لتتحقق الوحدة الإسلامية التي هي أهم ما يدعو إليه الإسلام، فإذا اجتمع المسلمون في موسم الحج في بقعة واحدة ليؤدّوا المناسك ويتجرّدوا من كل مظاهر الحياة الفانية فلا بُدّ أن يتولـّد في نفوسهم بأنـّهم أعضاء مجتمع إسلامي كبير له خصائصه ومميزاته، وأنـّهم لا يَحيون إلا بحياته ولا يَسعدون إلا بسعادته، فتتصل قلوبهم وترتبط برابط المَحبة والمَودّة والإخلاص.

» ثانياً: تهذيب النفوس ، فإنّ الحاج يتجرّد في أثناء الحج عن كل مظاهر الحياة التي تملأ القلب يقيناً بالله، وشعوراً بعظمته، وسلطانه الغيبي الذي تعنو له الوجوه، وتخضع له جميع الكائنات، ووجودُ الإنسان في هذه المواطن التي نزل فيها القرآن الكريم وهبط فيها جبريل الأمين على خاتم الأنبياء، كل ذلك كفيلٌ بأن تسمو بروح الإنسان عن أقذار الشهوات، وعن المنازع الدنيـّة التي تـُفسد قلبه، وخـُلـُقه، إلى الغايات الفاضلة التي تجعله إنساناً كاملاً.

ومن المعلوم أنـّه ليس من عبادة فرضها الله على عباده أو ندبهم إليها إلا إذا كان القصد منها تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق وتنمية خشية الله في القلوب فإنـّا نجد أنّ الحج قد احتوى من كل عبادة طرفاً، وذلك لأنـّه لما كان في الصلاة انقطاعٌ عن شؤون الدنيا واتصالٌ بالخالق كان في الحج انعزال المرء عن أهم مشتهياته وانقطاع معتاده.
فإذا أثـّرت الصلاة في النفوس خلق الصبر فلئِن يؤثـّرُ ما في الحج من ذلك الإنقطاع أولى وأوضح.
وإذا كان في الزكاة إنفاقٌ وبذلٌ فإنّ في الحج إنفاقاً أغزر وانحلالاً من المال أكثر.
ولئن كان في الصوم انقطاع المرء عن ملاذه ومشتهياته ففي الحج كذلك انحباس عن ملاذ ومشتهيات كثيرة فليس في الحج نساءُ ولا طيبٌ ولا لباسٌ ولا تزيـّن بل المرء فيه مُطالب أن يكون أوضح مظاهره الإنخلاع من شؤون تلك الحياة.
فإذا كان في الصيام تعويدُ النفوس الصبر على ملاذها ومشتهياتها فللحج أعمق في ذلك أثراً وأشدّ تعويداً.