إنعزال العلويين

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

نتابع حديثنا مع هذا الكاتب لنقول له:
صحيحٌ أنّ العلويين انقطعوا أكثر من ثلاثمائة عام في الجبال عن العلم والحضارة اللذين كانا سائدين في المدن آنذاك ولكنـّهم لم ينقطعوا عن تلاوة كتاب الله وفِهْم علومه الذي يُترجم الحضارة بأبهى قيَمها، وأرقى صُوَرها، ويُوَضـّح العلم بأجلى مَعانيه، وأوضح مَبانيه، وما دام المرء يُقرّ بكتاب الله مِنهاجاً ودستوراً له، ويَعمل بأحكامه فهو على جانبٍ عظبمٍ من العلم والحضارة لأنـّهما فيه ومنه وعنه.

ومن زعم أنّ العلم والحضارة مَحصوران في المدينة والتمدّن والعلوم العَصرية الماديـّة فقط فهو على خطأ كبير. فالعلم والحضارة في كتاب الله يُوجدان، ومنه يُؤخذان، ولا يخلو بيتٌ من بيوتِ العلويين قديماً وحديثاً في الجبل أو المدينة منه… وليُصغِ أولئك الذين ينسبونا إلى الجهل لمكوثنا في الجبال مدّة مَديدة ورغماً عنـّا، وليَسمـَع عشـّاق التمدّن إلى قول العلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد (ق) حيث يقول:

تمـدُّنُ الإنسـانِ في عصرنا   عبــارةٌ عن قـلّــةِ الديــنِ
عشرتَهم جانبتُ خوفاً على   نفسي أن تعــدو فترديني

وهنا لا بـُدّ لي من القول : أنّ المسلمين العلويين بالرغم من أنـّهم عاشوا في أكناف تلك الجبال الشمـّاء إلا أنـّهم والفضل لله تعالى حافظوا بثباتٍ على صحّة عقيدتهم الإسلامية، ومذهبهم العلويّ، وأرومتهم العربية، وأخلاقهم الهاشمية، وعاداتهم الحمدانية، ورفضوا كل ما يتنافى مع عقائد الإسلام من البِدَع والأحكام الوضعيـّة.

فإنْ وُجـِدَت بعضُ الحالات الشاذّة فهي فرديـّة ونادرة، ولا يجوز إطلاقها على الجميع تعميماً، وإدراجُها ضمن العقيدة العلوية للنيل من كرامة هذه الطائفة.
وهذا الأمر كان وما يزال دأبَ الحاقدين فإن وجدوا شذوذاً ما، في جهة ما، وإن كان صغيراً كبـّروه وألصقوه بالجميع، وأدخلوه زوراً وبُهتاناً على عقائد القوم.
فعقيدة العلوي في الأصول مأخوذة من كتاب الله وأقوال الرسول (ص وآله) ونهج إمام الهـُدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الذي أوضحها جليـَّة في خُطَبِهِ التوحيديـّة، ومَذهبه في الفروع فهو ما رُوِيَ موثـّقاً عن الأئمـّة المعصومين (ع) وتـُعرَف أخبارهم من موافقتها لكتاب الله.

وصحيحٌ أنّ العلويين لم يمتلكوا ذلك الكَمّ الهائل من المَراجع والموسوعات الفقهية ولكنـّهم كانوا يَستنبطون أحكام العبادات والمُعاملات من كتاب الله وبما توفـّر لديهم من الأخبار الموثـّقة عن أهل البيت (ع) التي حفظها لهم آباؤهم الأقدمون. وحينما انتشرت المراجع والموسوعات الفقهية ووصلت إليهم اتـّفقت مع ما توارثوه من الأصول والفروع والآداب.