خطبة للعلامة محمد جواد مغنية ألقاها في طرابلس

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 13:44

كذلك زار العلامة المجتهد الشيخ محمد جواد مغنية هذه الطائفة في مدينة طرابلس تلبية لدعوة الرابطة الخيرية الإسلامية العلوية بمناسبة مولد أمير المؤمنين  في مسجد أمير المؤمنين في حي المهاجرين الملاصق لجبل محسن العالي وقد ألقى كلمة في هذه المناسبة العظيمة نثبتها هنا، وهي هذه:

إنّ قوام الحياة بالحقوق والواجبات، والحق ما كان لك، والواجب ما كان عليك، وسعادة الإنسانية بتفهّم الحقوق والواجبات معًا، والوقوف عند حدودها فلا يطلب الإنسان بأكثر من حقه، ولا يُقصّر في واجبه..

وتنشأ مشاكل الإنسانية من جهل الحقوق والواجبات أو تجاهلها، فما من مشكلة إجتماعية إلا وسببها اغتصاب حق، أو إهمال واجب..

وبين الحقوق والواجبات تلازم وترابط، فمن أغفل ما عليه من واجب فقد أسقط ما له من حق.

والواجبات لا تعدو واحدأ من ثلاثة: واجب الإنسان تجاه نفسه، وواجبه اتجاه خالقه، وواجبه اتجاه غيره..

والأول واجب شخصي، والثاني إلهي، والثالث اجتماعي، وبين هذه الواجبات الثلاثة تشابك وصِلات فمن لا يؤدِّ الواجب نحو نفسه فلن يؤديه نحو غيره.

ثم إن الواجب الإجتماعي يتفرّع إلى الشعب وأهمها جميعًا العمل في سبيل الصالح العام، فإنه خير الطرق وأفضلها إلى الله سبحانه، قال رسول الله :

(خير الناس أنفع الناس للناس ، وشر الناس من تخاف الناس من شره).

ومن أبرز معاني الخير والصالح العام هذا الجامع لأنه لله، لا للعلويين، وكل ما كان لله فهو للجميع..

أجل لقد بناه العلويون من أموالهم ولكن بنوه لله لا تعصبًا ضد طائفة من الطوائف، ولا مُضاهاة لجامع أو كنيسة، ولا تحزبًا ضد فئة سياسية، ولا ليتخذ منه حانوتًا من يلبث أثواب القديسين، ويفعل فعل الشياطين، أسسوه، وضحّوا في سبيله مقتطعين لقمة العيش عن أنفسهم وأطفالهم لا لشيء إلا ليُذكر فيه اسم الله، ويجتمع فيه أهل التوحيد على اختلاف أسمائهم يُعظمون شعائر الله بالصلوات، وتلاوة القرآن وتعليم الأحكام، والإحتفال بمن تسترشد الأجيال بسيرتهم، وتهتدي بنور هدايتهم، وبالمناداة على المآذن بكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" التي نجتمع تحت لوائها، ونستمسك جميعًا بعروتها، ونلبي دعوتها ونعتصم بكتابها وسنتها، وتجعل منا كتلة واحدة متراصة لا تفرّق بين علوي وشيعي وسني، وتستوجب لكل من هذا وذاك حقًّا لازمًا في عنق أخيه، ومن استخف بهذا الحق فقد استخف بكلمة الإسلام ودعوة القرآن.

أيها المسلمون، أيها الطرابلسيون، من سنة وعلوية وشيعة، إنّ هذه الأسماء ما هي إلا ألفاظ مترادفة تُعبّر عن شخص واحد يؤمن ويوقن بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويُضحي في سبيل إعلائها وانتشارها والذود عنها بنفسه وماله وأسرته وعياله..

ومن لا يرى في كلمة التوحيد توحيدًا وجامعًا، وأخوّةً في الدين فما هو من الدين في شيء ..

إن من يقول لمن نطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله وأعلنها من المآذن إن من يقول لهذا بلسان الحال، أو المقال: لست بأخي في الدين! فقد اعترف بنفسه على نفسه من حيث يُريد أو لا يُريد إنه ليس بمسلم، ولا هو من الإسلام في شيء.

ورُبَّ جاهل يقول: أجل، ولكنهم يقولون: حي على خير العمل.

ونجيب:

إنّ (حي على خير العمل) تُرادف: (الصلاة خير من النوم)، حيث تعبّر كل منهما عن فضل الصلاة وعَظمتها.. أجل، فرق واحد بين الجملتين هو أنّ (حي على خير العمل) تصدق وتنطبق على الصلاة والصوم والزكاة والجهاد في سبيل الله، تصدق وتنطبق حتى على خطاب فضيلة الشيخ.

أما (الصلاة خير من النوم) فإنها تصدق على نوم الكسالى والمخنثين.

أما نوم علي على فراش رسول الله  ليلة الهجرة فإنه خير من ألف ألف صلاة وصلاة.. ولو أنّ عليًا رفض المَبيت على الفراش، وأحيا ليلة الهجرة راكعًا وساجدًا لما كانت له هذه المنزلة، ولما كان أهلاً بهذا الإحتفال ولا بغيره.. بل ولما كان للصلاةِ ولا للمساجدِ والمَعَابد عينٌ ولا أثر، ولَمَا عُبد الله حق عبادته على الإطلاق، لأن عبادة الله وكلمة (لا إله إلا الله) ترتبط بهجرة محمد وحياته وهجرته ترتبط بالمبيت على الفراش، ومن أجل هذا وحده أقدم على الموت راضيًا مختارًا.

حين طلب النبي  من الإمام المبيت على فراشه لم بفكر بالموت وبالسيوف تتلامع فوق رأسه، وهو أعزل من كل سلاح، وإنّما فكر مهتمًا بحياة الرسول، وإنجاح رسالته، وانتصار دعوته، فأجابه قائلاً: أتسلم أنت يا رسول الله إذا أنا بتّ على فراشك؟

قال النبي: أجل.

قال علي: مرحبًا بالموت..

وعندها سلمه الودائع، وكَلّفه أن يبقى في مكة، حتى يردّها إلى أهلها، ثم يلحق به إلى يثرب..

هذا هو شعار علي في حياته ومواقفه في بدر وأحد وخيبر وحنين والأحزاب وغيرها، هذا هو شعار علي: (مرحبا بالموت من أجل محمد ورسالة محمد)..

وإذا دَلّ المبيت على التضحية والفداء في سبيل الإسلام فإنّه في الوقت نفسه رمزٌ عميقُ الدلالة على أنّ عليًا امتدادٌ واستمرارٌ لرسول الله  وعلى الإنصهار والوحدة بين الإثنين التي عبّر عنها الرسول بقوله (علي مني، وأنا من علي). 

أما اختيار علي لرد الودائع إلى أهلها ففيه دلالة واضحة على أنه أهل لأمانة الله وخلافة رسول الله .

وليس مبيت علي وحده يرمز إلى هذا الإمتداد فإنّ حياته من بدايتها إلى نهايتها ترمز وتشير إلى أنّ عليًا من محمد، ومحمدًا من علي، ولد علي يوم الجمعة في الكعبة المشرّفة تعبيرًا على أنه من هذا البيت في الصميم، وأنه خُلق للذَودِ عنه، وعن كتابه ونبيه، ومن أعجب المُصادفات أن يولد علي يوم الجمعة في بيت الله على هيئة الساجد لله، وأن يستشهد أيضًا يوم الجمعة في بيت الله، وهو ساجد لله... إنّ هناك لَسِرٌّ وأيّ سِر.. إنّه سِرٌّ إلهي دعا محمدًا أن يختار عليًا لأخوّته بأمر الله من دون أصحابه أجمعين، كما اختار الله محمدًا لرسالته من دون الناس أجمعين.

وإذا وُلد علي في بيت الله ساجدًا لله، واستشهد في بيت الله ساجدًا فإنّ هذا الجامع، وكل جامع أُسِّسَ على التقوى لجَديرٌ أنْ يُسمّى بجامع الإمام علي بن أبي طالب، وأن يُحتفل فيه بمولده، وما الإحتفال بمولد علي إلا احتفال بمولد الرسول الأعظم  الذي قال :

يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ألا إنه لا نبي بعدي.

وبعد

فلن أبلغ الغاية التي قصدت إليها من مولد الإمام مهما أطلت الحديث، فأقف هنا، وعند هذا الحد، لأعود مرةً ثانيةً إلى هذا الجامع مغتبطًا شاكرًا.

قبل ثلاثة أعوام دُعيتُ إلى هنا للكلام عن الإمام فلبّيتُ وتكلّمت، ثم وَجَّهْتُ عِتابًا مُرًّا للسادة العلويين، لعدم اهتمامهم بإيجاد جامع أُسوَة بمن فعل الخير لوجه الخير. وإذا كان خير القول ما نفع فإنّ الفضل للذين : يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.

ومن هذا القول الأحسن أو الحسن أن نرجو الرابطة الخيرية الإسلامية العلوية أن تبقى على ما هي من مساندة فضيلة إمام الجامع والأخذ بيده ليتابع مهمة الإمامة والتدريس..

إنّ هذا الجامع، وكل جامع إن هو إلا مجموعة من أحجار لا حياة فيها تشغل حَيّزًا من الأرض.. وإذا كان لكل شيء روحٌ فإنّ روحَ الجامع بإمامه ومُدرّسه، فالجامع بلا إمام ليس بشيء، والشيخ بلا جامع وتدريس ليس بشيء، وكلٌّ منهما جزء مُتمِّمٌ للآخر، وقد أخبرني العلامة الشيخ عبد الله نعمة أنّ إمام الجماعة يقوم بالمُهمة الدينية في هذا الجامع، وأنّ وجوده ينفع المؤمنين، وأنّ الفضل في بقائه بطرابلس يعود إلى الرابطة، ولولاها لم يستطع صبرًا على البقاء.. ولا غرابة فلولاه أيضًا لما أتت جهودهم ثمارها، ولما ازدان الجامع بالجمعة والجماعة والتدريس وبث أحكام الله سبحانه.. فشكرا له ولهم.. وكان الله في عون الجميع. (انتهى)


 

(يتابع المؤلف فضيلة الشيخ حسين محمد المظلوم  فيقول)

هذه الكلمة للعلامة مغنية تؤكد اهتمام العلويين بإقامة الشعائر الدينية من بناء جامع وإقامة جمعة واجتماع جماعة، لذكر الله، في بيت الله، على سنة رسول الله، وعلى نهج أهل بيته المعصومين. وأما قوله: (وجهت عتابًا مُرًّا للسادة العلويين لعدم اهتمامهم بإيجاد جامع)، فهذا لا يعني عدم مبالاتهم بالواجبات الدينية! إنّما ضيق الحال والفقر المُدقع الذي كانوا يُعانوه حال دون ذلك إلى أن يسّر الله لهم بناء هذا المسجد يؤكد ذلك قوله: (أسسوه، وضحوا في سبيله مقتطعين لقمة العيش عن أنفسهم وأطفالهم لا لشيء إلا ليُذكر فيه اسم الله).. إلخ

بالإضافة إلى أنّهم بنوا جامعًا آخر في منطقة جبل محسن أكبر من هذا الجامع بأضعاف وهو جامع سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء  وقد بنوا غيره أيضًا في عكار لسكان القرى هناك تقام فيه شعائر الله.